مع «بلدنا والوطن» صارعدد الصحف الرسمية خمسة بعيون الحاسد
الجمل- صبري عيسى: هل كان الانتظار طويلاً لمشاهدة صحف يومية جديدة بامتيازات محلية تزين واجهات مكتبات وأرصفة شوارع بلدنا، وهل آن الأوان لبدء مرحلة جديدة نشيد فيها انفتاحاً إعلامياً وصحافة متقدمة تلبي رغبات الناس وتعبر عن مصالحهم وطموحاتهم في رؤية إعلام يعكس تطلعاتهم ويحقق المصالحة المطلوبة بين الصحافة والناس..؟!
بعد مرور أكثر من أربعة عقود غابت فيها من الذاكرة أسماء عشرات الصحف التي كانت تصدر في دمشق والمحافظات السورية. مما يؤكد على الريادة السورية في العمل الصحفي الذي بدأ منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى منتصف الستينات من القرن العشرين، فقد صدرت أثناء الحكم العربي الذي استمر ما بين عامي 1918-1920 ، أربع وخمسون دورية، وفي عهد الانتداب الفرنسي الذي تلا ذلك ما بين أعوام 1920-1946 صدرت 183 دورية منها 114 دورية في دمشق.
في بداية عهد الاستقلال حدد المرسوم التشريعي رقم 50 الصادر بتاريخ 17/10/1946 عدد تراخيص الصحف حسب نسبة عدد السكان بمعدل صحيفة واحدة لكل 50 ألف نسمة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار عدد سكان سورية الآن البالغ عشرين مليون نسمة، فالمفروض أن يصبح لدينا 500 مطبوعة دورية.
نشرت صحيفة «السفير» منذ عدة أسابيع إحصائية عن عدد الامتيازات ونسبتها في بعض الدول العربية وكانت كالتالي:
السعودية فيها 16 صحيفة دورية موزعة على 27 مليون نسمة وهو عدد السكان أي صحيفة واحدة لكل مليون و 600 ألف نسمة، وفي البحرين ثماني صحف موزعة على 700 ألف نسمة بنسبة صحيفة واحدة لكل 87 ألف نسمة، وفي لبنان 14 صحيفة بنسبة صحيفة لكل 285 ألف نسمة، وفي سورية وبعد صدور صحيفتين يوميتين هما «بلدنا- الوطن» يصبح عدد الصحف خمس صحف ما بين رسمية وخاصة، وتصبح النسبة خمس صحف لعشرين مليون نسمة أي صحيفة واحدة لكل أربعة ملايين نسمة.
وأعود للسؤال مرة أخرى.. هل كان الانتظار ضرورياً، وهل استطاعت الصحف الجديدة «بلدنا- الوطن» اليوميتان أن تغطيا هذا الغياب، وأن تطرح نفسها بقوة ليتلقفها القارئ المتعطش لصحافة مستقلة بحق ومتقدمة وناصحة تعوضه عن غياب استمر أكثر من أربعة عقود كما تقول صحيفة «الوطن» في إعلاناتها التسويقية المنتشرة على اللوحات الطرقية في دمشق والمحافظات.
قراءة أولية لتجربة صحيفتي «بلدنا- الوطن»
أولاً: صحيفة بلدنا
في العدد التجريبي «صفر» الذي صدر في 20 آب 2006 أجابت الصحيفة على سؤال طرحته «لماذا بلدنا؟» بأنها تؤسس محطة للتفاؤل والثقة المتبادلة بين الجريدة والقارئ، والى جانب هذا الكلام وفي الصفحة الأولى نشرت الصحيفة صورة كبيرة من إحدى مدن الصين شغلت ثلثي الصفحة تحمل عنوان: «النمو الكبير في الائتمان والاستثمار يهددان استقرار رابع اقتصاد في العالم» وكأن الصحيفة لم تجد ما هو جدير على الصعيد المحلي يؤكد رغبتها الحصول على ثقة القارئ، وأكدت في سياق أجابتها على السؤال نفسه عن رغبتها «اعتماد فلسفة تحرير جديدة وبسيطة وقريبة من القارئ» والزمت نفسها «الدقة والموضوعية والجرأة» وحملت ترويسة الصفحة الأولى للعدد نفسه خبراً يبشرنا بأن« ترميم طبقة الأوزون لن يكون قبل عام 2065».
حملت الأعداد التالية وحتى أعدادها التي تجاوزت المائة تبويباً متشابهاً في توزيع الصفحات المحلية- الرياضية- الثقافية-التسلية، وميزت الأعداد الصادرة أيام الجمعة بزيادة في التنويع بتخصيص صفحات عن السياحة والمطبخ- الأبراج – الأطفال – السيارات- والتكنولوجيا-المواضيع المطروحة في الأعداد الصادرة حتى الآن لم تعكس الرغبة التي طرحتها الصحيفة في تقديمها لمشروعها الصحفي يحقق المصالحة بين القارئ والصحيفة، وكانت معبرة تماماً عن الهوية التي حددتها برأس الصفحة الأولى بأنها «يومية –متنوعة، وللإنصاف أقول أن أي عدد من إعداد الصحيفة لم يخل من تحقيق يتعلق بالجانب المحلي والثقافي، لكن اقتصرت المعالجة فيها على طرح مواضيع لم تقارب الحياة اليومية للناس وبقيت على السطح تدخل ضمن سياق التنوع الذي اعتمدته الصحيفة هدفاً لها.
الصحيفة تصدر عن «المجموعة المتحدة للنشر والإعلان والتسويق» وهي تشبه إلى حد التطابق مشاريع «المجموعة» الإعلانية مثل «الوسيلة- ليالينا.. الخ» في إعدادها الأولى ثم طرح الصحيفة في الأسواق وفي مراكز البيع بكميات كبيرة ونتيجة عدم الإقبال على شراء الصحيفة بسبب عدم قناعة الناس بخطاب الصحيفة وسعرها البالغ «15 ليرة» ثم إنقاص الكميات الموزعة على منافذ البيع إلى اقل من عشر نسخ لكل منفذ بيع، وثم اعتماد طريقة التوزيع المجاني على البيوت والمؤسسات والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية.
الصحيفة لم تطرح نفسها بديلاً أو منافساً لأي مطبوعة واهتمامها موجه بالدرجة الأولى للشباب.
ملاحظات
لفتة جيدة قيام الصحيفة بتوزيع رسالة مع كل نسخة موزعة على المنازل تطلب فيها من القراء تزويدها بالملاحظات والآراء مع الامتنان وهذه بادرة تسجل للصحيفة معتبرة أن صدروها الحالي بمثابة «فترة تجريبية»، وهذا مؤشر هام على أن هيئة التحرير جادة في الاستفادة من الآراء والمقترحات التي تصل إليها لتطوير الصحيفة بما يمكنها مستقبلاً من أداء دورها بشكل أفضل وأقرب للناس.
الكادر التحريري غير معروف، ويبدو أنه يخوض التجربة الصحفية لأول مرة عملاً بالمثل القائل «إذا أردت أن تتعلم السباحة فيجب أن تنزل إلى البحر» وهذا يفسر حدوث أخطاء كثيرة في الصياغة التحريرية للأخبار والمواضيع، وبالتأكيد فإن تجربة العمل اليومي تكسب الجميع خبرات عملية تؤهلهم لتقديم الأفضل والأحسن.
بعد أكثر من مائة عدد صدر حتى الآن ،حافظت الصحيفة على ثوابتها التحريرية والفنية،وأصبحت بطريقة المبالغة في نشر وتغطية نشاط الحكومة والمحافظين وحتى على مستوى مدراء ورؤساء دوائر أقرب إلى الخطاب الإعلاني لتسويق النشاط الرسمي للحكومة، وحتى تحولت صفحاتها إلى ألبوم صور للوزراء وحتى مسؤولي الدرجة الثانية والثالثة، فأي وزير تنشر صورته على عموديين أو ثلاثة أعمدة مهما كان نشاطه هاماً أو ثانوياً، وتصل المبالغة لتكون صورة الوزير المقصود أكبر من الخبر الخاص به. كما اعتمدت الصحيفة على نشر صور مباني الوزارات والمؤسسات الحكومية لتغطية النقص والتقصير في نشر صور حية عن تلك النشاطات، ويتم نشر صور تلك المؤسسات بطريقة مبالغ بها، وطبعاً هذه الصور لا تحمل أي معلومة تفيد القارئ سوى وظيفتها في تزيين الصفحات بصور جامدة خالية من أي معنى؟!
توزيع الأخبار والقطع الإخبارية في الصفحات يبقى منسجماً مع القطع الذي اختارته الصحيفة والذي ميزها عن الصحف الأخرى، على عكس صفحات التحقيقات فالنص يتداخل مع الصور والعناوين الفرعية ويتقاطع مع كتل النص والأعمدة مما يقسم الصفحة إلى أجزاء لا رابط بينها تعيق انسياب النص وتربك القارئ.
في العدد رقم 41 الصادر في 30 أيلول، نشرت الصحيفة في الصفحة الثانية موضوعاً عن مأدبة الإفطار التي حضرها رئيس الوزراء بحلب على كامل الصفحة مع صورة للمأدبة على عرض الصفحة وصورة أخرى فردية لرئيس الوزراء على عمودين، وفي الصفحة الثالثة خبراً مطولاً عن حضور رئيس الوزراء لمأدبة سحور بنفس الليلة مع صورة على عمودين وبشكل بارز.
ترى لو كانت الصحيفة لرئيس الوزراء نفسه، هل كان يسمح بنشر صوره بهذه الطريقة..لا أعتقد؟؟
تخلو الصحيفة من زوايا الرأي والمواقف، ويبدو أنها لا تريد أن تلزم نفسها بأي موقف تجاه أي قضية!!
الصحيفة لم تدخل حياة الناس، لذا انصرف عنها الجميع، فالذي لا تصله الصحيفة لا يبحث عنها، غيابها أو حضورها سواء لقارئ لم يجد فيها ما يريد؟!!
ثانياً: صحيفة الوطن
العدد الأول من الصحيفة صدر بتاريخ 5/11/2006، وحمل افتتاحية بقلم رئيس التحرير حدد فيها خطاب الصحيفة ونهجها بعبارات محددة وقاطعة «لسنا صحيفة معارضة، ولا صحيفة موالاة، لا ننتمي إلى تيار ولا نعبر عن حزب، صحيفة تتابع الشأن الوطني وتعبر عن رأي الشارع السوري وتعكس نبضه وآراءه، صحيفة الجميع وللجميع، تدافع عن الوطن والمواطن».
عملت الصحيفة وعلى مدى شهرين قبل صدورها الرسمي على إصدار مجموعة من الأعداد التجريبية، أطلعت على معظمها، ويبدو من متابعة تلك الأعداد التشابه الكبير والنمطية المكررة بين الأعداد بدءاً من العدد الأول وانتهاء بالعدد التجريبي الأخير الذي كان من المفترض أن يحمل خلاصة ما توصلت إليه تجربة العمل من اختلاف واتفاق وتبادل آراء وطرح مبادرات تستهدف الوصول إلى أفضل الصيغ لتبويب الصحيفة بتناغم وانسجام بين المضمون والشكل وبما يعكس الهدف العام المطلوب من إصدار الصحيفة، لكن المفاجأة أن العدد الأول الذي صدر للناس بتاريخ 6/11/2006 لا يختلف عن العدد التجريبي الأول؟!!
المعروف أن العدد الأول من أي صحيفة هو بطاقة الاعتماد التي تقدمها لقرائها، وبناء على ذلك يحدد القارئ موقفه من المطبوعة سلباً أو إيجاباً.
الأعداد الأولى نفذت من الأسواق فوراً، الناس تريد أن تعرف كل شيء عن هذه الصحيفة، وعن الإضافة والتغيير الذي يميزها عن الصحافة الرسمية التي اعتادوا على رؤيتها منذ أكثر من أربعة عقود، وما هو الجديد الذي تقدمه خاصة أنها أعلنت عن نفسها بكل الوسائل الإعلان وعلى أوسع نطاق ، كما أن الأجيال الحالية لا تعرف ماذا تعني كلمة (مستقلة) تتصدر الصفحة الأولى من صحيفة سورية فالذي كان عمره عشر سنوات عام 1963 كان في نهاية المرحلة الابتدائية وعمره الآن 53 عاماً وبالتالي علاقته بالصحافة محكومة بخطاب حكومي مسيطر على الصحافة السورية والذي اعتاد على رؤيتها وحدد موقفه منها سلباً أو إيجاباً والدليل أرقام التوزيع المتدنية للصحف الرسمية الثلاث الذي لا يتجاوز في أحسن الأحوال ستين ألفاً أو سبعين ألفاً؟
منافذ البيع وباعة الصحف قاموا بإخفاء الأعداد الأولى من صحيفة (الوطن) لصالح زبائنهم الدائمين، ولم تتصدر الصحيفة واجهات منافذ البيع إلا بعد عدة أعداد حيث انحسر الفضول واختفت الدهشة لدى القراء وأصبحت الصحيفة تزين واجهات بيع الصحف إلى جانب صحف (الثورة – تشرين – البعث) ووصفها القراء بأنها الصحيفة (الرسمية) الرابعة؟!
- خلال عملنا لسنوات طويلة في الصحافة الرسمية كانت تدور في أذهان الجميع تساؤلات كثيرة عن الواقع المهني وإمكانية التطوير وعن الاحباطات والإخفاقات، عن الخطأ والصواب عن التجربة سلبياتها، ايجابياتها، لكن كنا نتفق جميعا أن التطوير لن يكون بدون خلق حالة من التنافس وهذا لا يتحقق إلا بالسماح للقطاع الخاص بإصدار صحف يومية ودوريات مختلفة، لكن بعد صدور صحيفتي (بلدنا – الوطن) اللتين تلهثان لتقليد واستنساخ الصحف الرسمية أصبح الوضع متشابهاً ولا فرق بين الرسمي والخاص وأقول بثقة أن الصحافة الرسمية في واقعها الحالي تبقى متقدمة بكل الأحوال بطروحاتها واهتماماتها بالناس ومشاكل الحياة اليومية التي يعيشها المواطن أكثر من الصحف الجديدة الخاصة؟؟
- يحضرني هنا وللذكرى الحديث عن تجربة عايشتها على الصعيد المعني عند تأسيس صحيفة (تشرين):
الإصدار الأول للصحيفة كان بتاريخ 6 تشرين الأول عام 1975 وكان متواضعاً بأربع صفحات اشرف على تحريرها وزير الإعلام المرحوم الأستاذ أحمد اسكندر أحمد حتى تم تعيين مدير عام للصحيفة وهو المرحوم الأستاذ جلال فاروق الشريف الذي أشرف على الإصدار الثاني بتاريخ 17 نيسان 1976 وكانت الصحيفة الأولى بتاريخ الصحافة السورية تصدر بـ 12 صفحة من الحجم الكبير وبطريقة طباعة (الاوفست) وكانت هيئة التحرير مؤلفة من الأساتذة (جلال فاروق الشريف - د. غسان الرفاعي – عادل أبو شنب – محي الدين صبحي – جبران كورية) والكبيرين محمد الماغوط وزكريا تامر اللذين كانا يتناوبان كتابة زاوية (عزف منفرد) على الصفحة الأخيرة وكان لي شرف المشاركة مع المجموعة في تأسيس الصحيفة وإصدارها.
الإقبال الذي شهدته الصحيفة شكل حالة خاصة متميزة في تاريخ الصحافة السورية فالأعداد كانت تنفذ من الأسواق فور توزيعها حيث يطرح منها خمسين ألف نسخة من العدد يومياً واستمرت الصحيفة تعيش على أمجاد فترة التأسيس الأولى لسنوات حيث بقيت هي المفضلة لدى القراء.
إذ قمنا بالمقارنة بين الأسماء المؤسسة لصحيفة (تشرين) وبين الأسماء المؤسسة لصحيفة (الوطن) نكتشف مقدار التواضع والبؤس الذي وقعت فيه الصحيفة فلم تستطع هذه الأسماء تسويق نفسها مهنياً حتى تستطيع تسويق صحيفة جديدة خاصة لديها كل الفرص لاختراق السائد والمألوف ولتكون بحق الأولى بعد أربع عقود من غياب الصحافة الخاصة!
هناك مسـألة هامة لابد من التذكير بها وهي من أبجديات العمل الصحفي فعند التفكير بإصدار أي صحيفة جديدة لأول مرة يجب اتخاذ عدة خطوات مهمة قبل ذلك وهي:
1- دراسة الصحف المنافسة.
2- تحديد الهدف من الإصدار.
3- القيام باستطلاعات رأي ودراسات مسح لمعرفة رغبات واهتمامات القراء.
4- رسم السياسية التحريرية للصحيفة.
5- وضع التصميم الأساسي (الماكيت) للصحيفة ليعبر عن خطاب وتوجهات الصحيفة ليقربها من عين وعقل القارئ.
6- تحديد النظام الإنتاجي للصحيفة (مرحلة ما قبل الطباعة).
7- اختيار الكادر البشري المؤهل ومن ذوي الخبرة الصحفية وتوزيعه على الأقسام المختلفة للصحيفة.
8- الاتصال بشركات الإعلان والمعلنين وإقناعهم بأهمية الإعلان في الصحيفة وما يمكن أن تحققه لهم الصحيفة من ترويج لمنتجاتهم.
9- وضع آلية للعمل في الصحيفة وتحديد المسؤوليات والعلاقات بين الأقسام ومفاصل التحرير وصولاً لمراحل الطباعة الأخيرة.
10- إعداد الحملة الإعلانية لتسويق الصحيفة.
ويبقى أخيراً اختبار قدرات الكادر الصحفي والتقني بإصدار الأعداد التجريبية ومناقشتها وصولاً لتحديد الصيغة النهائية ومن ثم تحديد موعد الإصدار الرسمي.
لاشك أن إصدار صحيفة الآن يعتبر مغامرة كبيرة ولن تستطيع الصحيفة أي – صحيفة- من تغطية تكاليفها والصحيفة التي لا تغطي تكاليفها عن طريق الإعلان تعتبر خاسرة، فكلفة النسخة الواحدة كورق ابيض بدون طباعة أكبر من العائد من بيع النسخة ومن يقبل على تأسيس وإصدار صحيفة يومية يجب أن يفكر طويلاً.
الحماس الذي رافق (إصدار الوطن) لا يكفي والتصريحات التي رافقت صدور الأعداد الأولى كانت في مجملها تؤكد رغبة المجموعة العاملة لتقديم عمل متميز، ويبدو أن الأكثر حماساً هو رئيس التحرير الذي أكد أكثر من مرة أن جريدته تهدف إلى (إعادة الثقة بين القارئ السوري وصحافته الوطنية) لكن هل استطاعت الصحيفة أن تكسب ثقة القارئ وتحقق المصالحة المطلوبة بين الناس والصحافة، وعودة إلى افتتاحية العدد الأولى والتي أشارت إلى (أن الصحيفة ليست معارضة ولا موالية). أقول أن الصحيفة أي صحيفة هي بالضرورة (منحازة) وموالية لرغبات قرائها، للناس، والظروف التي مرت بها الصحافة الرسمية تحكمت فيه طبيعة وشخصية القيادات المختارة لها، فرئيس التحرير الذي يتم اختياره في معظم الحالات ليس هو الأفضل مهنياً، لذا نراه يعمل بأقل من نصف الهامش المتاح وخياره محسوم لصالح البقاء أطول فترة ممكنة على كرسي منصب رئيس التحرير، لكن لا يخلو الأمر من حالات استثنائية كان الخيار المهني هو المفضل للبعض كتجربة المرحوم جلال فاروق الشريف في صحيفة (تشرين) والذي كان ينحاز أولا وأخيراً للقارئ.. لذا لم يستمر طويلاً في منصبه؟؟!
الآن نحن أمام تجربة هامة وهي صدور صحيفة خاصة مستقلة رئيس تحريرها لا يعين بقرار ولا يقال بقرار والخيارات لديه مفتوحة والمفترض أن همه الأول والأخير أن يكسب ثقة القارئ وفرصته الكبيرة في العمل بكامل الهامش دون أن يخشى على منصبه؟؟!
ملاحظات:
من استعراض الأعداد الصادرة حتى الآن، يبدو أن هناك تبايناً بين أداء الصحيفة المحلي والسياسي وهناك محاولة جادة للتعامل مع الخطاب المحلي بصورة مختلفة على صعيد الأخبار والحوارات مع أصحاب القرار وغيرهم.. لكن يبقى الجانب الأهم وهو غياب التحقيقات المحلية التي تتناول حياة الناس اليومية ومشاكلهم ومعاناتهم مع الغلاء، والفساد وتردي الخدمات على أكثر من صعيد.
النشاط الحكومي ينشر بكامله وبالتفصيل الممل في الصحف الرسمية وليس مطلوباً من صحيفة خاصة تكرار التجربة واستنساخها وحتى الآن اكتفت الصحيفة بنقل خطاب وتوجهات الحكومة للناس دون أن تبذل أي جهد لنقل هموم الناس وتقديمها بصدق وشفافية للحكومة.
ويمكن استعراض بعض الملاحظات:
1- في العدد الثاني الصادر بتاريخ 7/11/2006 شاءت الصدفة أن يكون الحكم الصادر على الرئيس العراقي صدام حسين في اليوم الأول الذي صدرت فيه الصحيفة وفي اليوم التالي جاء العنوان الرئيسي أعلى الصفحة الأولى كالتالي:
(شنقاً حتى الموت) وتحت العنوان صورة كبيرة لصدام حسين على خمسة أعمدة، واستعرض هنا طريقة نشر الحدث في صحف محلية وعربية:
صحيفة الثورة: نشرت الحدث في أسفل الصفحة وعلى ثلاثة أعمدة وبدون صورة وبعنوان: (من أجل انتخابات الكونغرس.. الحكم بالإعدام على صدام).
صحيفة تشرين: كان العنوان (حكم بالإعدام على صدام واثنين من معاونيه) وتم نشر العنوان أسفل الصفحة على أربع أعمدة وبدون صورة.
صحيفة السفير: كان العنوان (إعدام صدام.. متى يحاكم الاحتلال؟) وتم نشر العنوان مع صورة على ثلاثة أعمدة وفي أسفل الصفحة.
صحيفة الحياة: كان العنوان الرئيسي على ثمانية أعمدة (الإعدام لصدام وبرزان والبندر والمؤبد لرمضان في قضية الدجيل) مع صور صغيرة لأربعة شخصيات بينها صورة لصدام حسين..
طريقة تعاطي صحيفة الوطن مع الحدث تبدو أقرب للشماتة وإذا أغفلنا اسم المطبوعة يبدو العنوان وكأنه لصحيفة موالية لحكومة النظام الذي أصدر الحكم.
ترى ما هي الأسباب.. ((الحدث والحكم الصادر)).. ليست بالمعلومة الجديدة فقد أعلن قرار المحكمة قبل صدور الصحيفة بأكثر من عشرين ساعة وليست سبقاً صحفياً انفردت به الصحيفة.
وأي قارئ يتداول هذه الصحف سيعامل صحيفة السفير بكل التقدير المهني عندما طالبت بمحاكمة الاحتلال؟!
2- في العدد رقم 11 الصادر بتاريخ 19/11/2006 في الصفحة الثانية وعلى امتداد ستة أعمدة ورد العنوان التالي:
(أبي زيد يرسم ملامح الحرب العالمية الثالثة) ونشرت تحت العنوان صورة فردية على أربعة أعمدة للجنرال جون أبي زيد قائد القيادة الأمريكية الوسطى وطالما أن التصريحات جاءت حول العراق فكان من الأفضل استبدال الصورة الفردية بصورة عن ممارسات قوات الاحتلال الأمريكي ضد العراق وشعبه.
- ملاحظة أخرى بالعدد نفسه وفي الصفحة الرابعة وتحت عنوان: (تصريحات متناقضة وتخبط في قمة الحكومة الإسرائيلية) تم نشر صورة كبيرة بعرض نصف الصفحة لرئيس الحكومة الإسرائيلية (أولمرت) لا ضرورة مهنية لها وكان يمكن استبدالها بصورة عن الممارسة الوحشية لقوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة مثلاً.
هناك ملاحظات كثيرة من الصعب المرور عليها في هذا السياق وهي أخطاء غير مبررة خاصة بوجود مدير تحرير للشؤون السياسية له تجربة تقارب الأربعين عاماً في العمل الصحفي قضى معظمها في العمل في صحافة المنظمات الشعبية.
الشكل العام للصحيفة:
الصفحة الأولى هي نسخة عن صحيفة البعث وخاصة في طريقة تصميم اسم المطبوعة والموقع الذي تشغله على يمين الصفحة كما أن نوع الخط المكتوب بها كلمة (الوطن) بدت تقليدية وكأنها صادرة عن صحيفة في بداية القرن الماضي، خط الثلث جاء فجا وبعيداً عن الجمالية فأربعة حروف من الكلمة جاءت بحجم الحرف الأخير وهو النون، وهناك عدة صحف عربية تحمل الاسم نوعه تعاملت بطريقة كتابة العنوان بأسلوب ابسط وأجمل وأكثر سلاسة، ضمن شكل ترويسة الصفحة الأولى الممتدة على عرض الصفحة.
الملاحظة نفسها تقال على ترويسة الملحق وهو النصف الثاني من الصحيفة والذي يحمل عناوين ثابتة (اقتصاد – رياضة – ثقافة) بدا الأخر فجا وفيه مبالغة بأحجام الكلمات ونوع الخط والتي تشكل المدخل لسبع صفحات تالية عن الاقتصاد والرياضة والثقافة.
الفهرس المتضمن داخل الترويسة لا يروج للصحيفة لأن القارئ لا يطلع عليه إلا بعد شراء الصحيفة.
المصدر الإخباري لمعظم مواد الصحيفة غائب ويؤخذ أحياناً في بداية القطعة الإخبارية إذا كانت معدة من قبل محرري الصحيفة وفي آخر الخبر المأخوذ في صفحة التتمات إذا كان المصدر الإخباري وكالات الأنباء أو مصادر أخرى.
المصدر الإخباري يعطي الثقة بمصداقية أي خبر ونشره في البداية دليل ثقة الصحيفة بمصادرها ومصداقيتها.
الكتل الإخبارية المجمعة بحجم أربعة أعمدة أكثر أو أقل تبدو بلا خصوصية تبرر الهدف من تجميعها وتخل بتوازن الصفحة بحجمها وهي خالية من الصور ويمكن اختيار طريقة أخرى أفضل تشد القارئ ولفت انتباهه.
ترويسة الصفحة الأخيرة من الصحيفة تتوسطها كلمة (الوطن) وسط فراغ كبير من اليمين وآخر من اليسار غير مبرر ويمكن تخصيص أحد الفراغات لثوابت الصحيفة وأسماء هيئة التحرير والفراغ الثاني للإشارة إلى مواد هامة ستنشر في اليوم التالي.. وإذا كان الأمر غير مقنع فأقترح نشر (أسماء القراء) فيه؟؟!!!!!!!!!
الصحيفة أصدرت مجموعة من الأعداد التجريبية وأصدرت حتى الآن أكثر من عشرين عدداً ولم تستقر على صيغة لأسماء وعناوين للزوايا الثابتة وبعضها المعتمد والمنشور على الصفحات المحلية بدا أيضا غير مقنع مثل (وقفة على موقفه) وهو عنوان جاء في منتهى السذاجة والبدائية هناك زوايا لم تبوب بعد وعناوين غير مستقرة ولا تعبر عن مضامين وأفكار الزوايا نفسها.
المعروف أن شكل المطبوعة هو الحامل البصري الجميل الذي يقربها من عين القارئ ويشد انتباهه فالشكل المعتمد لم يستفد من التقنيات المتطورة لبرامج النشر ومعالجة الصور التي توفر عشرات بل مئات الخيارات لإعطاء شكل جميل ومتميز وأكثر انسجاماً يحقق تميزاً تألفه عين القارئ وتثير اهتمامه.
الشكل العمودي المعتمد لوضع الثوابت الخاص لتبويب الصفحات الداخلية والمتضمن اسم المطبوعة –التاريخ- رقم الصفحة، يبدو غير مناسب على الإطلاق إضافة انه يفقد الصفحة 2سم من عرضها وإذا تم ضربه بعدد الصفحات الداخلية يصبح الفاقد حوالي ثلاث أرباع الصفحة من العدد الواحد.
لم يتجاوز عدد الصفحات سقف عدد صفحات الصحف المحلية وهذه تحسب سلباً على الصحيفة وسط منافسة الصحف الوافدة من الخارج إلا إذا كان هدف الصحيفة منافسة الصحف الرسمية وهذا ما فشلت فيه.
لابد من التنويه إلى الحضور الجيد للكاريكاتير السياسي والمحلي فهو يغني الصحيفة ويجملها خاصة أن للفنانين فارس قره بيت وعبد الهادي الشماع تجربة جيدة على صفحات كثير من الصحف المحلية والعربية طوال سنوات.
أرجو أن يتقبل الزملاء في صحيفة (بلدنا – الوطن) ملاحظاتي برحابة صدر وهي قراءة كنت حريصا أن التزم فيها الحيادية والحرفية في رؤية التجربة وتحليلها، وكان هدفي من ذلك حرصي الكبير على رؤية صحافة متقدمة ومتميزة تعبر عن مصالح الوطن وطموحات المواطنين تساعد على بث روح التنافس المهني بين صحافة رسمية وخاصة يعملان معاً لرفع سوية العمل الإعلامي نحو الأفضل، متمنياً للصحيفتين النجاح وتجاوز الصعاب وتطوير قدراتهما بما يحقق أهدافهما في الانتشار وكسب ثقة ومحبة القارئ الذي هو الهدف وله نعمل ونتطلع.
إن صدور صحف خاصة في سورية بعد توقف دام أكثر من أربعة عقود أمر يستحق منا جميعا الاهتمام.. وان نطلب وبإلحاح من وزارة الإعلام فتح المجال لمزيد من التراخيص حتى لا يبدو الأمر (خاصاًَ) على مقاس (البعض) يحرم منه آخرون – خاصة، وأن كثير من الزملاء ومن أصحاب الخبرة المهنية خدموا العمل الصحفي تحت راية محبة الوطن سنوات طوال، لا زالت الطلبات التي تقدموا بها للحصول على تراخيص لإصدار مطبوعات دورية حبيسة أدراج وزارة الإعلام والجهات صاحبة القرار تنتظر الإفراج عنها.
صحف جديدة.. يعني منابر جديدة.. تغني تجربة الحياة السياسية والاجتماعية في بلدنا وأي إضافة جديدة هي لمصلحة الناس ومصلحة سورية التي نحب.
الجمل
التعليقات
وما خفي أعظم!!!
هذه الصحف
إضافة تعليق جديد