الحملة الأمريكية لشرعنة مجلس المعارضة السورية

الجمل: أجمعت العديد من الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالشأن الشرق أوسطي، بأن ملف الاحتجاجات السياسية السورية قد تضاءل حجمه وخفّت حدته، وبكلمات أخرى، فقد تحولت المعطيات الاحتجاجية السياسية ميدانياً من المستوى المرتفع الشدة إلى المستوى المنخفض الشدة، وبرغم ذلك، ما زالت العديد من مراكز الدراسات الاستراتيجية الأمريكية، أكثر ولعاً بإعداد التحليلات ذات التوجهات الافتراضية الساعية لأخذ ملف الأزمة باتجاه التصعيد: فما هي أبرز النماذج الافتراضية الجديدة التي سعت مراكز الدراسات الأمريكية لجهة الترويج لفرضياتها؟

* النموذج الأول: الحرب الأهلية الافتراضية
تم التسويق لهذا النموذج بواسطة صحيفة نيويورك تايمز، وتضمن هذا النموذج النقاط الآتية:
•    وصف الفيتو المشترك الروسي ـ الصيني، الذي أعاق مشروع القرار الدولي الأخير ضد سوريا، بأنه فيتو أدى إلى إعاقة جهود مجلس الأمن الدولي الساعية لتحقيق أمن واستقرار الشرق الأوسط.
•    أبرز النتائج التي سوف يؤدي لها الفيتو المشترك الروسي ـ الصيني، سوف تتمثل في: حدوث فراغ سياسي دولي بفعل غياب الدبلوماسية الوقائية الدولية في سوريا، وإضافة لذلك، إعطاء دمشق كامل الفرصة لجهة القيام بمواصلة احتواء الاحتجاجات.
•    قيام روسيا والصين باستخدام الفيتو المشترك، كان بسبب الفهم الخاطئ الروسي ـ الصيني لعملية تطبيق القرار الدولي 1970 والقرار الدولي 1973 في ليبيا.
•    سوف يدفع الفيتو الروسي ـ الصيني المشترك، الأطراف الدولية الأخرى لجهة البحث عن البدائل الممكنة لجهة القيام باحتواء الأزمة السورية.
•    البدائل المتاحة سوف تركز على تكثيف الضغوط ضد دمشق، وسوف تلعب الدول الشرق أوسطية الحليفة لواشنطن، مثل تركيا والسعودية والبلدان الخليجية دوراً كبيراً في تصعيد هذه الضغوط.
•    على المستوى الداخلي، سوف تدفع التطورات باتجاه تصعيد فعاليات العنف المتبادل.
•    النتيجة الأكثر احتمالاً في حالة استمرار تصعيد الضغوط الخارجية والعنف الداخلي المتبادل، سوف تكون هي الحرب الأهلية السورية والتي سوف تقوّض استقرار الشرق الأوسط.
•    من أجل منع وقوع الحرب الأهلية السورية يتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها السعي المتكرر لجهة الضغط من أجل الحصول على قرار دولي واضح إزاء سوريا.
هذا، وتضمنت خاتمة هذا النموذح المطالبة الصريحة لواشنطن وحلفاءها بضرورة إطلاق فعاليات حملة دبلوماسية واسعة تهدف إلى إكساب مجلس المعارضة السورية الانتقالي المزيد من الاعتراف والشرعية الدولية والإقليمية.

* النموذج الثاني: الخيارات العسكرية ضد سوريا
تم التسويق لهذا النموذج بواسطة شبكة سي إن إن الإخبارية، وقام بإعداده اليهودي الأمريكي ميخائيل أوهانلون الباحث الرفيع المستوى في مشروع مبادرة دفاع القرن الحادي والعشرين، والذي يعتبر من أبرز عناصر جماعة المحافظين الجدد الناشطين داخل الحزب الديمقراطي، ويمكن الإشارة لمحتوى هذا النموذج ضمن نقاطه الأساسية الآتية:
•    خيار الغزو العسكري: طالب أوهانلون بإمكانية اللجوء لهذا الخيار مع ضرورة توافر التفويض الدولي الواضح، إضافة إلى دعم بلدان الجامعة العربية، والدول الإسلامية الأخرى، وأشار قائلاً بأن المطلوب لإنفاذ هذا الخيار هو حشد وتعبئة قوة في حدود 150 ألف جندي، إضافة إلى خطة لبقاء استمرار وجود هذه القوات لفترة 10 سنوات على الأقل.
•    خيار فرض حظر الطيران: أشار أوهانلون إلى أن إنفاذ هذا الخيار، يتطلب التفويض الدولي، والدعم العربي والإسلامي، إضافة إلى تعاون روسيا وبلدان الاتحاد الأوروبي، وأشار قائلاً، بأن تطبيق هذا الخيار قد يكون على غرار عملية فرض حظر الطيران التي سبق أن تم فرضها خلال نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. أو على غرار عملية حظر الطيران التي تم فرضها مؤخراً ضد ليبيا مع التلميح لاحتمالات أن لا تتعاون روسيا في هذه الحالة.
•    خيار إنفاذ الحصار البحري بالقوة: أشار أوهانلون إلى أن إنفاذ هذا الخيار ممكن، في حالة توافر رغبة القوى الدولية التي تملك القدرات العسكرية البحرية، وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو، وأضاف قائلاً بأنه يتوجب الحصول على دعم ومساندة دول الجوار السوري، وبالذات تركيا ـ الأردن ـ العراق، إضافة لذلك، سعى أوهانلون لتوضيح هدف الحصار البحري على أساس اعتبارات أنه يتركز حصراً في تشديد ضغوط العقوبات المفروضة ضد دمشق.
•    خيار الغارات الجوية: أشار أوهانلون إلى أن إنفاذ هذا الخيار، يتطلب الغطاء الدولي الكامل، إضافة إلى اعتماد أسلوب محدد، بحيث تكون العمليات الجوية على غرار ما تم تنفيذه ضد صربيا في عملية كوسوفو، أو ما تم تنفيذه ضد ليبيا مؤخراً، وأضاف قائلاً بأن أسلوب الغارات الذي تم تنفيذه ضد صربيا هو الأفضل، وذلك لأنه استهدف القدرات الصربية الاقتصادية والعسكرية وشبكات البنيات التحتية المتعلقة بالكهرباء والطرق والجسور والاتصالات والبنوك، والشركات الكبرى، أما أسلوب الغارات ضد ليبيا فهو لا يصلح وذلك لأنه اقتصر فقط على حماية المدنيين الموجودين في بنغازي.
هذا، واختتم الخبير اليهودي الأمريكي ميخائيل أوهانلون سيناريو خياراته الافتراضية قائلاً بأنه لا يستطيع تحديد موقف واضح لجهة أي الخيارات الأكثر أفضلية، وبرأيه أن تحديد موقف من هذه الخيارات هو أمر يتطلب المزيد من الحوار والنقاش.

* سيناريو الاستثمار في النماذج الافتراضية: إلى أين؟
تشير معطيات علم السيناريو، إلى أنه من المستطاع لكل من يمسك بورقة وقلم، أن يضع ما يريد من السيناريوهات والخيارات والبدائل. ولكن من الصعوبة بمكان إنفاذ السيناريوهات التي تنطوي على قدر كبير من المعطيات غير القابلة للتحقق، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
•    مصداقية تنفيذ السيناريو تعتمد حصراً على مدى تطابق خطوط السيناريو مع العوامل الميدانية الحاكمة.
•    نجاح إنفاذ السيناريو يعتمد بقدر كبير على مدى إمكانية القضاء على العقبات.
•    التعامل المتبادل على خطوط الأفعال وردود الأفعال، يلعب دوراً هاماً في حسم مدى نجاح أو فشل عملية إنفاذ السيناريو.
وتأسيساً على هذه الحقائق، يمكن ملاحظة الآتي:
•    لا توجد أي إرهاصات لوجود أي حرب أهلية داخلية سورية. اللهم إلا في ذهن من قام بكتابة وإعداد سيناريو افتراضي لهذه الحرب.
•    لا توجد أي إمكانية للحصول على الربح الكامل في حالة استهداف سوريا بالغارات الجوية، وذلك طالما أن النتيجة لن تكون رابح ـ خاسر. بل سوف تكون خاسر ـ خاسر.
من الواضح أن هذه النماذج الافتراضية سوف تستمر في ظهورها المتواتر، وذلك لأنه ببساطة لن يستطيع أحد أن يمنع الآخرين من التفكير ووضع النماذج الافتراضية غير القابلة للتطبيق لا في سوريا ولا في منطقة الشرق الأوسط. وفقط نتمنى أن يحاول بعض خبراء هذه السيناريوهات أن يتطرقوا بصراحة ووضوح لتداعيات هذه السيناريوهات على بقية دول المنطقة، وبالذات بالنسبة لتركيا وإسرائيل.

الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة