المبادرة العربية والمفاجأة السورية
الجمل: اعتمدت دمشق الخيار العربي كمسار ضروري لاحتواء أزمة الاحتجاجات السياسية السورية، وفي هذا الخصوص فقد أسفرت الجهود العربية المشتركة عن التوصل إلى تفاهم مشترك تم الإعلان عنه مؤخراً على أمل أن تتحقق التهدئة ويتم حل الخلافات: فما هي طبيعة سيناريو الخلافات الاحتجاجية السياسية السورية في مرحلة ما بعد الإعلان عن مبادرة الجامعة العربية؟
* مبادرة الجامعة العربية: إشكاليات ما قبل الحوار
عقد مجلس وزراء الخارجية العرب اجتماعاً حول ملف الاحتجاجات السياسية السورية، وبعد إجراء المشاورات والتفاهمات، تم التغلب على الخلافات، وأسفرت النتيجة عن مبادرة عربية سعت إلى احتواء أزمة الملف، من خلال الآتي:
• وقف العنف أياً كان مصدره.
• اللجوء إلى الحوار كسبيل أساسي لحل الأزمة.
هذا، وإضافة لذلك، فقد سعت المبادرة إلى المطالبة بالقضاء على المظاهر المسلحة، إضافة إلى المطالبة بإفساح المجال أمام الإعلام، والمراقبين العرب، من أجل رصد التطورات الجارية، والتعرف المبكر على مظاهر الاختلالات المهددة للاستقرار.
برغم موافقة السلطات السورية على المبادرة العربية، فإن اعتماد المبادرة بواسطة أطراف المعارضة السورية بشقيها الداخلي والخارجي ما زال صعباً أمام التكهنات، ولكن ما هو أكثر احتمالاً، أن يحدث الآتي:
• أن توافق المعارضة الداخلية على الحوار، خاصة وأن قسماً كبيراً من هذه المعارضة قد سبق وشارك بجدية في فعاليات الحوار والتفاهم الوطني السوري الداخلي.
• أن تحدث الخلافات بين أطراف المعارضة الخارجية، وكما هو واضح، توجد أطراف ذات توجهات وطنية، تتميز بالاستقلالية والقابلية للحوار، وفي نفس الوقت توجد أطراف ذات توجهات مرتبطة بأطراف مثلث واشنطن ـ لندن ـ باريس، وبالتالي فهي لا تتمتع باستقلالية القرار، وقبولها الحوار والتفاهم سوف يكون رهيناً بقبول حلفائها الخارجيين.
تأسيساً على ذلك، فقد برزت بعض المؤشرات التي تفيد لجهة أن المبادرة العربية وإن كانت قد وجدت قبول وموافقة السلطات السورية، فإن هذه المبادرة، سوف لن تجد القبول الكامل الموحد بواسطة المعارضة، الأمر الذي سوف يدفع أمانة الجامعة العربية إلى إجراء المزيد من الاتصالات والتفاهمات مع رموز المعارضة الخارجية، وبالتأكيد سوف يصل الأمر إلى قيام الأمانة العامة بإجراء الاتصالات والتفاهمات مع العواصم الخارجية التي ظلت تقوم بدور الراعي والحاضنة الأساسية للمعارضة الخارجية.
* مقاربة طاولة الحوار السوري: إشكالية الإدراك المتبادل بين أطراف الحوار
لم تنعقد بعد طاولة الحوار السوري، التي سوف تتم تحت رعاية أمانة الجامعة العربية، وعلى ما يبدو فإن الأمر يتطلب "فترة انتقالية"، سوف تمتد من لحظة "موافقة دمشق" التي تمت بالأمس الأربعاء 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011م، إلى حين حلول لحظة موافقة المعارضة السورية الداخلية والخارجية، وهي لحظة سوف يتطلب الوصول إليها قيام أمانة الجامعة العربية بالمزيد من الاتصالات وبذل الجهود وممارسة فنون الدبلوماسية.
الأكثر أهمية خلال الفترة الانتقالية القادمة، والتي بدأت بالأمس، سوف يتمثل في الآتي:
• التعرف على الإدراك المتبادل:
ـ أمانة الجامعة العربية: تنظر بعض أطراف الجامعة العربية إلى جهود أمانة الجامعة باعتبارها تندرج ضمن فعاليات "التدخل" من أجل حل النزاعات. وتنظر أطراف أخرى إلى هذه الجهود باعتبارها تندرج ضمن فعاليات "الوساطة" من أجل حل النزاعات، وعلى أساس اعتبارات خبرة حل النزاعات والصراعات فإن مفهوم "التدخل" يختلف عن مفهوم "الوساطة"، وبكلمات أخرى، كيف تنظر أمانة الجامعة العربية إلى نفسها، هل هي "متدخل" يسعى لفرض الإملاءات على الفرقاء السوريين، أم أنها "وسيط" يسعى لعقد طاولة الحوار بين هؤلاء الفرقاء؟
ـ النظام السوري: يتمسك بمبدأ احترام السيادة الوطنية السورية، كأساس لأي حوار ولأي حل يمكن التوصل إليه، وبالتالي، فهو أكثر اهتماماً باعتماد جهود أمانة الجامعة العربية على أساس اعتبارات أنها "وساطة" وليست فعلاً تدخلياً مهدداً للسيادة الوطنية، وإضافة لذلك ينظر إلى المعارضة باعتبارها شأن وطني داخلي ويتوجب التعامل معها ضمن الأطر الوطنية السيادية، ورفض ارتباط هذه المعارضة بأي أطراف أجنبية أو أجندة خارجية حتى لو كانت عربية.
ـ المعارضة السورية: تتفاوت توجهاتها الإدراكية، وهي وإن كانت تنظر إلى النظام السوري كخصم، فإن العديد من القوى المعارضة أكثر اهتماماً برفض التدخل الأجنبي، والقليل من هذه المعارضة أصبح غير مبال بمخاطر المطالبة بالتدخل الأجنبي، وتأسيساً على ذلك، تنظر المعارضة الخارجية إلى الجامعة العربية باعتبارها يجب أن تلعب دور نافذة التدخل الأجنبي، بحيث تكون جهود أمانة الجامعة العربية بمثابة الخطوة الأولى التي يجب أن تعقبها خطوة نقل الملف من الطاولة العربية إلى "طاولة التدويل".
تشير معطيات الإدراك المتبادل، إلى أن أطراف المبادرة الثلاثة، لم يصلوا إلى فهم وإدراك موحد لطبيعة توازن القوى في مسرح الاحتجاجات السياسية السورية، وبكلمات أخرى، تزايدت المواكب الداعمة للنظام السوري، لجهة كبر الحجم وتزايد المشاركة، إضافة إلى تغطية المدن الكبيرة الرئيسية، وبالنسبة للفعاليات الاحتجاجية السياسية، فما زالت تنحصر في منطقة المثلث الأوسط الذي يتكون من حمص ـ حماة ـ الرستن. وبدرجة أقل المثلث الشمالي الذي يضم جسر الشغور ـ معرة النعمان ـ إدلب. أما المثلث الجنوبي فقد انخفضت فعالياته إلى الحدود الدنيا.
وبرغم ذلك، فقد أدى نجاح فعاليات خيار دمشق المزدوج الذي سعى منذ البداية إلى التعامل مع الاحتجاجات وفقاً للجمع المتوازي بين خيار الحوار وخيار مكافحة العنف، إلى جعل الفعاليات تنحصر في مناطق معينة، إضافة إلى جعل بعض المناطق الساخنة تتحول إلى مناطق هادئة، ثم تتحول إلى مناطق داعمة لخيار الحوار، ومن أبرز الأمثلة على ذلك مدينة دير الزور التي سيرت مؤخراً موكباً كبيراً داعماً لدمشق، إضافة إلى موكب مدينة الرقة، وموكب مدينة السويداء. وهي جميعها مناطق لم تكن خلال الفترات الماضية تعكس مثل هذا القدر الكبير من التأييد الداعم لدمشق.
وبالنسبة للمعارضة الخارجية، فإن إدراكها لحقيقة توازن القوى الداخلي، جعلها تسعى إلى استبدال رهان الخيار الشعبي الاحتجاجي برهان التدخل الخارجي، وفي هذا الخصوص فمن المتوقع أن تسعى المعارضة الخارجية خلال الفترة الانتقالية القادمة لجهة الآتي:
• عرقلة أي تفاهمات مع أمانة جامعة الدول العربية.
• تحريض أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن لجهة الضغط على الدوحة والرياض من أجل التخلي عن جهود المبادرة العربية.
• السعي لتصعيد الفعاليات الإعلامية المعادية لدمشق.
• السعي لاستخدام بعض الجيوب الاحتجاجية الداخلية لجهة القيام بالمزيد من عمليات العنف المادي الانتقائي.
من المتوقع أن تواجه مبادرة أمانة جامعة الدول العربية، المزيد من الضغوط الخارجية، وبالتالي، فإن حجم التفاؤل بنجاح هذه المبادرة سوف يكون ضئيلاً، طالما أن بعض الأطراف المعارضة قد سعت لجهة طرح بعض الشروط التعجيزية الاستباقية، والتي تحمل بشكل واضح مضموناً ساعياً لإجهاض المبادرة أكثر من العمل من أجل إنجاحها.
وتأسيساً على ذلك، سوف تسعى بعض الأطراف الخارجية المعادية لدمشق باتجاه استخدام مقاربات السردية المعكوسة، والتي سوف تهتم بتحميل دمشق المسؤولية عن فشل المبادرة، وليس المعارضة الخارجية الرافضة استباقياً لهذه المبادرة.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
غير مفهوم على الإطلاق بل ومحبط
يا اخي الكريم,من منا لا يعرف
سؤال يحمل جواب
ما الفائدة من قبول التدخل
المبادرة
اعتقد ان السوريون هم خير من
لا أظن !!
إضافة تعليق جديد