تقرير المجموعة الدولية للأزمات حول الملف السوري: لا يوجد حل قريب
الجمل: نشرت المجموعة الدولية للأزمات، ورقة بحثية على موقعها الالكتروني، سعى من خلالها خبراء المجموعة الدولية المعنيين بالشأن الشرق أوسطي إلى تقديم فهم أكثر عمقاً لتطورات الوقائع الجارية في مسرح الحدث الاحتجاجي السياسي السوري؛ وذلك ضمن أربعة مفاصل بحثية أساسية، فكيف نظر خبراء المجموعة الدولية للأزمات لمعطيات الحدث الاحتجاجي السياسي السوري؟
* التوصيف التمهيدي: المداخل الأساسية
استهلت الورقة البحثية توصيف واقع الحدث الاحتجاجي السوري، قائلة بأن الأزمات الجارية في سوريا لم تدخل بعد في الطور النهائي، ولكنها بلا شك دخلت الطور الأكثر خطورة في تاريخ مجرياتها، وفي هذا الخصوص أشار التقرير إلى النقاط الآتية:
• تزايد الرهانات الإقليمية والدولية الساعية لجهة التعامل مع معطيات الوقائع والأحداث السورية.
• تزايد الاستقطابات والاصطفافات الدولية والإقليمية المتعلقة بالموقف من الوقائع والأحداث السورية.
هذا، وتأسيساً على هاتين النقطتين، سعت مقدمة الورقة البحثية، لجهة الإشارة إلى الخصائص النوعية الآتية:
• سعت الضغوط الخارجية لجهة التأثير على جانبين، الأول استهداف النظام السوري، والثاني تصعيد عمليات التعبئة السلبية بما يؤدي إلى رفع وتائر الاستقطاب الداخلي.
• سعت القوى الدولية والإقليمية إلى اتخاذ المواقف المتضاربة إزاء دمشق، الأمر الذي أدى إلى إفراز حالة تنافس استراتيجي مرتفع الشدة بين القوى الدولية، وأيضاً بين القوى الإقليمية الشرق أوسطية.
لمّحت مقدمة الورقة إلى أن بعض دول الجوار الإقليمي، سعت في بداية الأمر إلى استغلال فرصة الحدث الاحتجاجي السوري من أجل استهداف دمشق، ولكن هذه الدول أدركت لاحقاً، أن تداعيات الحدث السوري، سوف تتجاوز الداخل السوري، وتأخذ طابعاً عابراً للحدود الإقليمية السورية، وذلك على النحو الذي سوف يشكل تهديداً فائق الخطورة لأمن واستقرار هذه الدول، وحالياً ينظر خبراء هذه الدول في كيفية احتواء هذه المخاطر.
تحدثت مقدمة الورقة البحثية عن القضايا الأساسية مشيرة إلى خمس قضايا باعتبارها الأكثر حضوراً لجهة تشكل سياق مجريات الحدث الاحتجاجي السوري، وهي:
• واقع ومجريات ملف المكونات الاجتماعية السورية.
• واقع مجريات ملف الارتباط التأثيري المتبادل السوري ـ اللبناني.
• واقع ومجريات ملف التدخل الخارجي الإقليمي والدولي.
• واقع ومجريات ملف الأوضاع المؤسسية الداخلية.
خلصت المقدمة التمهيدية إلى طرق الإشكالية الرئيسية، على أساس اعتبارات أن سردية المعارضة السورية الخارجية القائلة بأن الحراك الجماهيري السلمي تتم مقابلته بعمليات القمع الوحشي، وأحاديث السوريين المعارضين المقيمين في الخارج بأن دمشق أصبحت على وشك الانهيار، هي سردية تثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأنها ليست قاطعة، فهي ليست سوداء أو بيضاء، وبالأحرى هي رمادية اللون تجمع بين الصواب والخطأ!
* القراءة في عمق الأزمة: ما الذي يجري تحت السطح
أشارت الورقة البحثية إلى بعض المكونات التي سعت الورقة لجهة التعامل معها على أساس اعتبارات أنها تمثل المكونات الأساسية الخاصة ببؤرة الأزمة الجارية حالياً، وفي هذا الخصوص رصدت الورقة النقاط الآتية:
• سعت دمشق لجهة التأكيد على الالتزام القاطع بالمضي قدماً في مسيرة الإصلاحات، وبالمقابل سعت القوى الاحتجاجية إلى التشكيك في مصداقية دمشق، إضافة إلى الرفض القاطع للقبول بالإصلاحات.
• سعت بعض العناصر إلى الانشقاق عن المؤسسة العسكرية والانضمام للمعارضة، وبالمقابل تبين وجود العديد من العناصر المسلحة الناشطة الأخرى التي تعمل لمصالحها الخاصة أو لمصلحة الأطراف الخارجية المجهولة.
• سعت موسكو وبكين لجهة الوقوف في وجه عملية تدويل الملف السوري داخل مجلس الأمن الدولي، ولكن بالمقابل، فقد لجأت موسكو وبكين لجهة الامتناع عن التصويت داخل اجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة عندما تم طرح موضوع الملف السوري.
• تفاءل خصوم دمشق كثيراً بأن انهيارها أصبح وشيكاً، ولكن هذا التفاؤل ظل معلّقاً لفترة طويلة ولم يحدث، ونفس الشيء، فقد تفاءلت دمشق كثيراً بأن القضاء على الاحتجاجات الصغيرة المحدودة أصبح وشيكاً، ولكن الأمر لم يحدث.
علقت الورقة البحثية على هذه النقاط على أساس اعتبارات، أن التفاؤل بحل وشيك هو أمر صعب، وذلك لأن الحسم القاطع النهائي، هو غير وارد على المدى القصير، وأضافت الورقة بأن تأثير العقوبات والضغوط سوف يلعب دوراً في حركة الاستقطابات والاصطفافات، وسوف يكون نجاح دمشق رهيناً بقدرتها على كسر وصد الضغوط الخارجية المفروضة عليها.
* واقع الحدث السوري: الغيوم المتجمعة هل تصبح أكثر تلبّداً. أم سوف تنقشع؟
تحدثت الورقة البحثية عن ما أسمته بالغيوم التي بدأت تتجمع في سماء الحدث السوري، مشيرة إلى الآتي:
• ملف المكونات المجتمعية: توجد العديد من المكونات المجتمعية السورية، التي أصبحت تنظر لفعاليات الحدث الاحتجاجي السوري باعتباره مصدر خطر يهدد وجودها، وفي هذا الخصوص بدأت هذه المكونات تنظر لفعاليات هذا الحدث باعتبارها تمثل توجهاً مجتمعياً طابقياً وحيد الاتجاه، سوف يؤدي صعوده إلى تهديدها، وإضافة لذلك سعت جماعات المصالح في المراكز الحضرية الرئيسية إلى النظر بخوف متزايد إزاء هذه الفعاليات، الأمر الذي يفسر عدم مشاركة الشرائح المدينية في المدن الكبيرة في هذه الفعاليات الاحتجاجية.
• ملف استقرار لبنان: تشهد الساحة اللبنانية حالة انقسام مجتمعي، بين كتلة كبيرة داعمة لخيار دمشق، وفقاً للافتراض القائل بأن انهيار دمشق سوف لن يؤدي سوى إلى انهيارها، وتضم مكونات هذه الكتلة معسكر المقاومة اللبنانية وحلفاءه، والكتلة الثانية صغيرة داعمة لخيار المعارضة السورية، على أساس الافتراض القائل بأن انهيار دمشق سوف يعجّل بعودة هذه الكتلة إلى السلطة في بيروت، وما هو مثير للاهتمام، أن عدداً كبيراً من السنة اللبنانيين كانوا أكثر دعماً لدمشق وأكثر رفضاً لخيار انهيار دمشق.
• ملف التدخل الخارجي: ترفض أغلبية السوريين التدخل الخارجي، وبرغم ذلك فقد برزت أصوات قليلة في بعض المناطق الساخنة وهي تطالب بالتدخل الخارجي، وفي حالة تزايد نطاق المناطق الساخنة فمن الممكن أن تتزايد هذه الأصوات، وحالياً تدور المفارقة في أن القوى الإسلامية هي الأكثر دعماً لخيار التدخل الخارجي. وبالمقابل، فإن هذا التدخل، إن حدث، سوف يتم بواسطة الأطراف الدولية المعادية لهذه القوى الإسلامية، وهنا تكمن المفارقة التي يمكن أن تؤدي للمزيد من التعقيدات.
• ملف عسكرة المعارضة: تحدثت المعارضة كثيراً واصفة نفسها بالمعارضة المدنية السلمية، ولكن، وبحسب المعطيات الجارية، فقد سعت المعارضة إلى بناء القدرات العسكرية، معلنةً عن وجود جيش خاص بها، إضافة إلى وجود المزيد من المسلحين التابعين لها في المنطقة الوسطى (حمص ـ حماة) والمنطقة الشمالية (جسر الشغور ـ إدلب)، وحالياً تسعى هذه المعارضة إلى إعادة إشعال المنطقة الجنوبية (درعا)، والمنطقة الشرقية (دير الزور)، ضمن سيناريو مسلح على غرار سيناريو حمص وإدلب.
• ملف التماسك المؤسسي: برغم الحديث المتزايد عن أوضاع عدم الاستقرار وانتشار العنف السياسي، فإن دمشق ما تزال تتمتع بالقوام المؤسساتي المتماسك، وحتى الآن، ما تزال جميع أجهزة ومؤسسات الدولة تعمل بانتظام، في المدن والمحافظات، ولم تشهد حتى الآن أي فعاليات إضراب أو عصيان أو تسيب جماعي يقود إلى الانفلات المؤسسي.
وصفت الورقة البحثية هذه الملفات باعتبارها تمثّل الغيوم، والتي سوف تشهد الفترات القادمة إما عمليات تلبدها بما سوف ينذر بالمزيد من المخاطر، أو انقشاعها بما ينذر بانقشاع الأزمة وزوالها.
خلصت الورقة البحثية إلى توصيف متغيرات ملف الحدث السوري ضمن منظور ضبابي، وذلك على أساس اعتبارات أن جميع هذه المتغيرات تتميز باللايقين، وبكلمات أخرى، لا يوجد يقين قاطع بأن الحوار والتفاهم سوف ينجح، ولا يوجد يقين قاطع بأن العقوبات سوف تنجح، ولا يوجد يقين قاطع بأن التدخل العسكري الخارجي سوف ينجح، وما هو قاطع حصراً يمثل في أن استمرار فعاليات الأزمة سوف يؤدي بالضرورة إلى زيادة مخاطر التداعيات الخارجية على دول الجوار الإقليمي السوري.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
القدس تناديكم يا اعراب
إضافة تعليق جديد