تطبيقات فيزياء العطالة في قرارات الثقافة والإعلام الإصلاحية
الجمل - أنور بدر: يقول مبدأ العطالة في الفيزياء: أن أي جسم متحرك في الفراغ يحافظ على سرعته ومنحى الحركة لديه ما لم يتعرض لقوى كابحة أو قوى إعاقة، كالجاذبية أو الاحتكاك أو الاصطدام، وأهمية هذا المبدأ أنه لا يساهم في تفسير الظواهر الفيزيائية فقط، بل يتعداها إلى تفسير الكثير من الظواهر السياسية أيضاً.
فعلى سبيل المثال، هل يتذكر أحد الآن "حكومة عموم فلسطين" التي أعلنت في غزة بتاريخ 23/9/1948إثر قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة، وأن هذه الحكومة التي قامت بمباركة جامعة الدول العربية- مع اعتراض الأردن- لم تعترف بها الأمم المتحدة، وانتهت عملياً مع قرار الملك عبد الله بضم الضفة الغربية لمملكته العتيدة، لكن تلك الحكومة برئاسة أحمد حلمي باشا استمرت بالوجود ضمن مكاتب جامعة الدول العربية في مصر حتى وفاة رئيسها أحمد حلمي باشا في نهاية أيلول/ سبتمبر 1963. ولم يكن ثمة مبرر سياسي أو قانوني أو حتى أيديولوجي لاستمرارها كل تلك السنوات سوى قانون العطالة.
أعتقد أن قلة سيتذكرون ذلك الحدث، لكنني أفترض أن قسماً مهماً ممن تجاوز العقد الرابع من العمر سوف يتذكرون أنه بتاريخ نيسان 1971 أعلن عن قيام "اتحاد الجمهوريات العربية" بين كل من سوريا ومصر وليبيا، والتي نص عليها الدستور السوري سنة 1973 في المادة الأولى منه، دون أن يتعرض لها أي من التعديلات اللاحقة على الدستور. وقد نص إعلان الاتحاد عن تشكيل مؤسسات كرئاسة الاتحاد ومجلس وزراء اتحادي ومجلس أمة اتحادي أيضاً، لكن الخلافات داخل هذه الأنظمة والتي بلغت ذروتها مع ذهاب السادات إلى كامب ديفيد أجهضت هذا المشروع القومي.
والكل يعرف أن مياهاً كثيرة جرت تحت جسر ذلك الاتحاد وفوقه أيضاً، وتبخرت كل المؤسسات الاتحادية المعلن عنها ما عدا بعض المكاتب لا تزال مشرعة أبوابها في العاصمة السورية دمشق، إذ لم يصدر قرار بإغلاقها، ولم يتخذ أي تعديل دستوري بشأن هذا الاتحاد الذي لم ينجز منذ ثلاثة عقود أو أكثر، ولا أعتقد بوجود تفسير لذلك سوى مبدأ العطالة.
اضطررت لهذه المقدمة وأنا استعيد ما حصل لقانون دمج مؤسسات (الوحدة- تشرين) الصحفيتين مع المؤسسة العربية لتوزيع المطبوعات ضمن مؤسسة إعلامية واحدة. فيما عرف بإعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية، هذا المشروع الذي أُقر بعد نقاشات مطولة إعلامية وداخل مجلس الشعب (البرلمان), وصدر بتاريخ 9/6/2005 متضمناً صدور التعليمات التنفيذية خلال مدة ثلاثة أشهر لإستكمال تطبيقه.
وفعلاً صدرت هذه التعليمات بتاريخ 8/9/2005 أي قبل يوم واحد من انتهاء المهلة المحددة قانونياً، وأعلن وزير الإعلام السابق قرار تكليف السيد ممتاز الشيخ مدير الرقابة في وزارة الإعلام بمهمة مدير عام المؤسسة المدمجة. دون أن يتمكن من تأمين مكتب له في أي من المؤسسات الثلاث قبل شهرين أو ثلاثة، لكن مشروع الدمج توقف عند هذه النقطة، دون اتخاذ أي إجراء يتعلق بهيكلة المؤسسات الإعلامية الذي نص عليه القانون الصادر سابقاً، حتى جاءت توصية من مؤتمر اتحاد الصحفيين في سوريا تطالب بوقف الدمج.
وكان السؤال الملح باستمرار: لماذا لا يتم العمل على تنفيذ قانون الدمج؟ وإذا كانت التوصية الأخيرة بإلغائه جديرة بالاهتمام، فلماذا لا يتخذ قرار بإلغاء الدمج؟
المفارقة الأكثر فجاجة، أن السيد وزير الإعلام قرر في بداية هذا العام إجراء جملة من التغييرات الإدارية، تم بموجبها تكليف الصحفي عصام داري برئاسة تحرير صحيفة (تشرين) بدلاً من الدكتور خلف الجراد، الذي كلف بإدارة المؤسسة المدمجة بدلاً عن السيد ممتاز الشيخ، دون أن يعني ذلك تقدماً في طريق الدمج، أو تراجعاً عنه.
ماذا يعني ذلك غير مبدأ العطالة؟ قرار اتخذ واكتسب الصبغة القانونية ولو ينفذ، وتوصية معاكسة تعبر عن رغبة نقابية ومهنية لم يؤخذ بها أيضاً. ويبقى الوضع مستمراً بقوة العطالة، لا شيء يتقدم ولا شيء يتراجع، المؤسسات الإعلامية تسير بذات السرعة وذات المنحى دون إعاقة. إنه قانون العطالة.
في ذات الاتجاه صدر قانون إحداث هيئة عامة للكتاب في سوريا، بعد أن وافق عليها مجلس الشعب أيضاً.
وإن كنا لا ننكر وجود أزمة كتاب في حياتنا، فالأحرى بنا أن نعرف أنها أزمة قراءة أولاً، ثم أزمة كتاب ثانياً،وفيما يخص هذا الكتاب فهناك وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب يتقاسمان مهمة الرقابة والطباعة أيضاً، مع وجود عدد لا يستهان به من دور النشر الخاصة، التي عليها الحصول على موافقتهما الرقابية المسبقة قبل طباعة أي عنوان.
بعض الدور تحتال على الموضوع بوضع أسم لدار نشر حقيقية أو وهمية خارج سوريا، ثم تكتفي بالحصول على موافقة للتوزيع داخل سوريا،وهي عموماً أسهل من الحصول على موافقة الطباعة.
فإذا كانت الهيئة العامة للكتاب لن تلغي هذه الدور الخاصة، ولن تلغي دور اتحاد الكتاب العرب، فإنها بالضرورة ستحل محل مديرية التأليف والترجمة في وزارة الثقافة، وهي كانت من أنشط المديريات، ضمن دائرة الإمكانيات الموضوعة تحت تصرفها، ومع مراعاة التجاوزات التي تحصل عليها من الوزير ومن آخرين أيضاً.
فهل يُصلح وضع الكتاب في بلدنا بمجرد استبدال مديرية التأليف والترجمة بالهيئة العامة للكتاب؟ أو لم يكن أجدى للكتاب دعم مديرية التأليف والترجمة في الوزارة وتوسيع صلاحياتها وإمكانياتها على طباعة عدد أكبر من الكتب والدوريات؟ وتوزيعها بسعر أقل؟ وتجاوز كل الخطوط الحمراء أمام الكتاب؟ أم أن القصد تقليد ما هو موجود في مصر مع اختلاف شروط الحالة المصرية؟
حتى تاريخه جرى تعيين الدكتور عبد النبي أصطيف مديراً للهيئة العامة للكتاب، وأعطي مكتباً ضمن الطابق الثالث من وزارة التموين القديمة، حيث تتواجد المديريات المطرودة من فردوس وزارة الثقافة، فهل نتوقع من الدكتور عبد النبي أصطيف أن يُخرج الكتاب المسكين من دائرة أزمته؟ وأن يستعيد العلاقة المقطوعة بين القارىء والكتاب؟ وهل سيتمكن من تجاوز العقبات الاقتصادية الكامنة في خلفية المشهد؟ أم أنه سيكون أقدر على إلغاء الرقابة وتوسيع هوامش الحرية في الطباعة والنشر والتعبير عن الرأي؟
علامات استفهام كثيرة سنبقيها رهن المستقبل. وما يمكن أن تنجزه الهيئة العامة للكتاب ورئيسها العتيد، آملين أن لا يدخل هو وهيئته ومديرية التأليف والترجمة في دائرة العطالة التي تكاد تحكم كل شيء في بلدنا؟
الجمل
التعليقات
مبدأ العطالة
إضافة تعليق جديد