ميراث كليب في السلالات القاتلة
الجمل ـ بقلم القاضي أسامة غزال : أراد كليب أن يبني مُلكاً .
كانتِ الممالك مزدهرةً من حوله , فاليمانيون في الجنوب , والمناذرة في الشرق والشمال , والغساسنة في الشمال , ومصر والحبشة في الغرب .
إلا قبائل العرب , مجموعةُ عرقيةُ واحدةٌ متوزعةٌ على قبائل متناحرة متباغضة يقتلون بعضهم على رهانٍ أو درعٍ أو بيت شعرٍ أو أي شيء أكثر سخفاً .
وكان صديقه امرؤ القيس بن أبان يحكي له ما رآه في أسفاره وتجارته مع البلاد الأخرى في الشرق , عن الملوك وعظمتهم وطاعة الناس لهم , وعن الجيوش وتنظيمها وإمارة الجيش ومراتب القيادة وهيبة الحكم ومَنَعةِ الحصون .
فأراد كليب أن يبني ملكاً للعرب .
ولأن العرب كانوا رعاعاً , وكانوا لصوصاً , وكانوا قطاع طرق يعيشون على السلب والنهب والسبي , فقد أراد أن يبني لهم ملكاً مؤسساً على قواعد في السياسة .
فالمُلْكُ يجب أن يكون له جوار , وهذا الجوار يجب أن يكون عزيزاً .
والمَلِك يجب أن يكون داخل حصنٍ , وخلف جدار , وبينه وبين الناس حجابٌ وستار , فلا يدخل عليه إلا من أُذِن له , ولا يعرض عليه إلا أمرٌ له شأنٌ واعتبارْ , ولا يحضر مجلسه إلا أصحاب القول والمشورة , والقرار له فهو من يعطي ... وهو من يمنعْ , وهو من يولمْ .. وهو من يجيرْ.
وبينما كان كليب منهمكاً في إرساء قواعد مُلْكه على المستويين المعرفي والموضوعي , كان أخوه الزير منغمساً في معاشرة أكبر عدد من الغانيات وشرب أكبر كمية من الخمر .
كان الزير يشرب حتى ترنِّحه الخمر , فيرتمي في أي قفرٍ ... معفراً مهلهلاً .
وبينما كان كليب رجلاً قادراً على حُبِّ واحدةٍ من النساء الحرائر .
كان الزير يتبختر في الحانات والمواخير .. محاولاً إثارة استحسان الغانيات الفاجرات .
ولأن العرب لا يفقهون العلوم والفلسفة ..... ولا يتقنون الفنون والموسيقى , فقد فعلوا ما يبرعون به .... قتلوا مليكهم بضرع ناقة ... قتلوه غيلةً وغدراً .
إذْ قام رجلٌ منهم .. مسكونٌ بضآلته و حقده .. ومُفعمٌ بغيرته ولؤمه ... بقتل كليب بطعنة رمح في ظهره .
قتل الوضيع جسَّاس ... ابن عمه الملك كليب غدراً من أجل ناقة , وبينما كان كليب يصارع الموت ... كتب على صخرة قريبة وصيته الأخيرة :
" لا تصالح "
أراد كليب أن يعلم قومه درساً أخيراً في السياسة والقيادة .
فقد كانت العرب تقتل بعضها بعضاً ... ثم يتصالحون غالباً بدفع ديِّة القتيل .
وهو أمر آخر برع فيه العرب .... غير الغدر ... والقتل :
نَهَمٌ غير محدودٍ للمال !!
أوصى كليب أخاه الزير أن لا يقبل الديّة ... وكان يريد أن يعلّم قومه :
أنْ لا ديّة لملك ... فأن يقوم شخص وضيع بقتل مليكهِ .... فهو أمر يجب أن لا يمر بلا قصاص, وإنَّ قبول ديّة لهذا الأمر يقوِّض أي دولة , بما يشكله من سابقة تشجع كل خسيس على قتل أشراف قومه ..... إن كان باستطاعته تحمل كلفة ذلك مالاً !
أراد كليب أن يتم القصاص من القاتل الذي تجرأ على الملك ... بما يحفظ هيبة الدولة الناشئة ويحافظ على استمراريتها ... ويرسخ سلطة القانون فيها ... القانون الذي كان يمثله الملك بالطبع ... ويجب أن يمثله أي ملك يحل محله , و هو مبدأ أرساه كليب قبل لويس الرابع عشر بأكثر من خمسة عشر قرناً .
فهل فهم الزير الرسالة ؟ كان سالمٌ الزير نهَماً للخمر والنساء , ويكاد لا يُطلب منه رأي أو مشورة في أمر من أمور القوم فوجد نفسه فجأة تَفِدُ إليه الوفود ... كي تقف على رأيه فيما حصل وتنتظر قراره في الكارثة التي حلّت , وبين انهياره العاطفي لخسارة أخيه ومليكه , وبين عويل النساء وتعطش الرجال للثأر والدم , طار كل ما تبقى من فكرة الدولة والمُلْكْ , واستبدل الزير نهمه بالنساء والخمر ... بنهم آخر بالدماء ... نهمٍ لا يرتوي .
عرضت عليه وفود البكريين والتغلبيين حلولاً كثيرة ... تحفظ كرامة البكريين وتحافظ على الدولة الوليدة , ولكنه رأى أن كرامة البكريين ... لا تكون إلا بإبادة أبناء عمومتهم جميعاً .
فحمل عليهم , وقتل منهم من قتل .... ثم استعدى غيرهم من العرب الذين طلبوا منه أن يضع حداً لهذه الحرب , فرفض , طالباً إعادة كليب إلى الحياة كشرط وحيد لإنهاء الحرب .
بدأ الزير حربه الثأرية انتقاماً لدم كليب وكرامة البكريين , و انتهى به الحال إلى العجز عن حماية عرض ابنته !!
ومع ذلك صارت قصته تحكى على مر التاريخ .... كبطلٍ لا ينسى !!
إذاً .... فالعرب تبرع في أشياء أخرى ... غير الغدر .... والقتل .... والسلب ...
إنهم بارعون في تمجيد الشخص الخطأ .
فبدلاً من تمجيد كليب الذي كان صاحب رؤية هادفةٍ ... وفكر منهجي ... وطموح خلاق .
مجَّدوا شخصاً خاض حرباً لا نهاية لها , ولا هدف .. سوى القتل .. ثم المزيد من القتل .
مجَّدوا شخصاً ضيق الأفق .. بلا رؤية ولا طموح ... قاده فهمه الخاطئ... وطبعه الحــــــانق
إلى وأد هدف الدولة والمُلك ... واستبدالها بحرب لا هدف فيها ولا نهاية .
ولكن في الحكاية عبرة : فالعرب دوماً يقتلون أشرافهم غيلة وغدراً , وينخرطون في حروب يقتلون فيها بعضهم بلا هدف ولا نهاية .
في كل زمان هناك جسَّاس وضيع ... تحركه ضآلته وحقده .. ضد رجل صاحب رؤية هادفة ... وفكر منهجي .. وطموح خلاق , وضد دولة أبية واعدة .
لقد وقف جسَّاس بكل ما أوتي من خِسَّةٍ وعمالةٍ ونفط ... ضد عبد الناصر ... الذي كان أملاً عربياً بامتياز ..... واستطاع هذا الوضيع في النهاية أن يدمر حلم عبد الناصر , وكل العرب , في مِصرَ فتيةٍ عزيزةٍ قويةٍ مُهابة .
دمَّر جسّاس العربي مصر ...... ثم دمر العراق ..... ثم دمر سوريا .... وهو الآن يدمر اليمن .
أتذكرون كيف برر جسَّاس فعلته بعد قتل كليب ....؟
لقد قال : إن كليباً قد طغى وتجبر !! وقال : إن العرب لم تتعود أن تخضع لأحد أو تتلقى أوامر من أحد !!!
لم يذكر التاريخ شعباً خانعاً خاضعاً , تعود على الانقياد والذِّلة ... كما العرب .
لقد خضعوا للفرس ..... وخضعوا للروم ........ وخضعوا للسلاجقة .... والبرامكة .... والبويهيين .... والمغول ......... والتتار .......... والمماليك .......... والفرنجة .... والعثمانيين , والفرنسيين ........ والإنكليز ....... والإيطاليين ......والأمريكان ........
إن العنفوان العربي كذبة تفوق في سذاجتها كذبة العنقاء .
أتذكرون كيف قبل جساس أن يتبع كليباً وأن يخضع له ... وأن يلعب دور المخنث ... عندما كان الأمر يتعلق بقتل التُّبَّعِ اليماني ... الذي أراد أخْذ الجليلة عنوةً ؟!!
جساس إذاً ... يقبل أن يخضع وأن يهان وأن يتخنث وأن يتلقى الأوامر عندما يكون له مصلحة في ذلك !!
ولكنه وعند انتفاء المصلحة ... يتذكر فوراً عنفوانه ورجولته .... و .......... و.......!!
في مقاربتي لهذه الحكاية .... سأتناول جساساً السوري فقط .... فغيره لم يعد يعنيني .
ولأن السوريين مميزون ....... فقد كان لديهم صنفين من هذه البضاعة :
أحدهما مخملي ....... والآخر بسيط .
إن معظم فرسان الشاشات الفضائية الذين يتحدثون عن الظلم والقمع والجور والفساد ... خلال أربعين عاماً .. وعن الدولة البوليسية ... وعن .... وعن ....... كانوا رموزاً للسلطة في مرحلة من المراحل ... أو محظيين لدى أحد رموز السلطة ... أو كانوا يوهمون الناس ..... بفخرٍ واعتزاز ..... أنه عندما تقيأ المسؤول الفلاني .... فإن قيأه أصاب شاربيهم ... لشدة قربهم منه !
وأن المسؤول العلاني عندما يصاب بالضجر .... فإنه يرسل في طلبهم ... لأنه لا شيء يضحك معاليه ... مثل تهريجهم .
وعندما هبت رياح المؤامرة ... كانوا أول من نفخ الهواء في قلوعها .
بعضهم كان قد أقصي عن منصبه لفسادٍ أو خيانة ... ولأنه كان يعتبر نفسه إلهاً لا يُمسّ, فقد أصابه المَسّ , وأصبح معارضاً .
وبعضهم كان قد تقاعد ببساطة .. ولأنه كان يعتبر أن الحياة لا تستمر بدونه وأن الدولة جحدته مثابرته على سرقتها .... فأصبح معارضاً .
وبعضهم كان مجرماً ..... وكان هارباً من وجه العدالة .... وجاء من يشتري نعيقه ... فقد أصبح معارضاً .
ولأن جساس السوري .... كان كل هذا وذاك, فقد كان له متملقين ومنافقين ومداهنين ومرتزقة, يلتفون حوله , فإذا أطلق ريحاً ... أطلقت زوجاتهم الزغاريد ابتهاجاً .
قبض جساس السوري الدراهم من جساس العربي .. و وزع فتاتها على منافقيه , فصار لديه صولة وجولة ....... وأصبح لكل منافق ... منافقيه ... ولكل غانيةٍ ... ذراريها .
قام هؤلاء جميعاً ..... بصفتهم الصنف المخملي ... بالتأثير على الصنف الآخر .. البسيط الذي غالباً ما اتسم بالجهل وقلة الوعي وضحالة الفكر ... فإذا ترافق ذلك كله مع الفقر والبطالة ... وأضيف إليه جرعات متفرقة من مظاهر صرف النفوذ .. أو إساءة استعمال السلطة .... أو الظلم الفاقع .... يرتكبها مسؤولٌ صغير ........ أو شرطي ..... أو عنصر أمن ... أو موظف, نحصل فإذا ما تولى عملية إعادة التشكيل .... أساطين التزوير في الدين والتاريخ والعلوم الاجتماعية والنفسية , يكون الناتج : إرهابي مرتزق مستعد لفعل أي شيء وقتل أي شخص , وخيانة كل قيمة ... والتنكر لأي خلق .
وأفلت الوحش من عقاله , وقتل ذات اليمين وذات اليسار , قتل وأحرق وهدم ودمر .
مزق جساس السوري سكون الليل ... وضياء الصبح .
أحرق وداعته وسكينته وحلم أطفاله وطهر نسائه .
دمر وقار والديه وكرامة داره ودفء ثوبه .
فحل محل نقاء السريرة ... الريبة والشك .
وغادرت الألفة والمودة ذاكرة الناس ...... ليسكن مكانها دخان ودماء ووجع .
نشر أسيادهم أفكاراً توسلوا بها تحقيق مبتغاهم ... فأصبح تدمير الوطن فعلاً محموداً ... بذريعة أن بنيان الدولة فاسد ونخر ..... ولا سبيل إلا بهدم البنيان كاملاً ....... لإشادة بنيان آخر يسوده العدل والخير .
بعض السوريين انخرط في لعبة النار عن إيمان ويقين فاستفاقوا بعد حين .... كي يجدوا أن أطفالهم أصبحوا أحزمة ناسفة ... ونساءهم أصبحن مرتعاً لكل عابر سبيل .
أصبح هؤلاء مرتهنين لمرتزقة قادمين من كل أصقاع الأرض .
السوري الذي قبض بضع دراهم كي يقتل جاره ... وقريبه ... وصديقه ... وابن بلدته .. وجد نفسه مربوطاً على باب أمير شيشاني .... أو قائد طاجيكي ... أو متزعم سعودي .
فأراد بعض أولئك الحمقى الذين أصبحوا قتلة ً ومرتزقة وإرهابيين ...أن يلقوا السلاح .. بذريعة أنهم حمقى ... وقد غُرِّر بهم ....... فصاحت دماء الشهداء .... من عيون ذويهم ... وقلوب بنيهم ...... وحناجر محبيهم .
صاح الوجع في ذاكرة السوريين .. رافضين التسامح , ومطالبين بقتل كلِّ من يلقي السلاح ... قَصاصاً على ما اقترفت يداه .
في لحظاتٍ كهذه .... يُصنع التاريخ ... بقبضة فارس ..... و حكمة قائد .
في لحظاتٍ كهذه .... يُكتب التاريخ ... بنصل خنجر .... و ريشة نور .
لو رأينا الشهداء في عليين .... فسألناهم : أقضيتم طلباً لثأرٍ .... أم بحثاً عن ذكرٍ ... أو ذوداً عن مال وجاه ؟!!!
هل يجرؤ أحدنا أن يسأل شهيداً عما جناه من بذله ؟!!
بذل الشهيد دمه ..... كي يحفظ أرضه وعرضه .
بذل الشهيد دمه ...... كي يبقى الوطن عزيزاً راسخاً .
فإذا كان استِعارُ أَوارِ الحرب و دوامها , يحقق هذه الغاية ... فمرحباً بحربٍ لا تنتهي .
و إذا كان السعي لإطفاء جُذوةٍ هنا ..... وإغلاق وكرٍ هناك .. يحقق تلك الغاية .
فمرحباً بصلحٍ موجعٍ ..... كغرس شوكةٍ في مُقلة عين .
إن إرهابياً واحداً يضع سلاحه ... يعني سورياً واحداً على الأقل قد حُقِن دمه ... ويعني ... أماً لن تُثكل .. وزوجةً لن تترمل ........ وابناً لن ييتم .
نستطيع في كلِّ حينٍ ........ أن نشير إليهم .... على أنهم خانوا بلدهم و أهلهم وعرضهم .
بل يجب في كلِّ حينٍ ... أن نتذكر أنه باعوا بلدهم و أهلهم و عرضهم .
ولكن علينا في كلِّ حينٍ ... أن نقبل عودة جساس السوري البسيط إلى رشده , وأن نقبل الصلح معه .... ليس رأفة به ...... فهو لا يستحق ذلك , ولكن ....... ضَنَّاً بالوطن .... ودَرءاً لمزيد من الاحتراب والدمار .
إن المصالحةَ نهجٌ عبقري ...... لا يتقنه إلا من يتمتع بقبضة فارس ....... وحكمة قائد .
نهج المصالحات الذي دأب على تزكيته الرئيس القائد بشار الأسد ... هو نهج من يصنع التاريخ كما يجب ...... ثم يكتبه كما يجب . على إنسان غاضب .... حانق ..... سهل الانقياد ... قابل لإعادة التشكيل بأي صورة . هو نهج من يمتلك رؤيةً هادفةً ... وفكراً ثاقباً ..... وطموحاً خلاقاَ .
لا تصالح .... تعني أن لا مصالحة مع المجرم الحقيقي ... مع الخسيس الدنيء الغدار ........ مع من أراد منذ البدء .. أن يقوِّض مُلك كليب .. لأنه أحقر من أن يبني مُلكاً مماثلاُ .
لا تصالح ....... تعني أن لا مهادنة ولا مخاتلة , ولا تسوية , مع آل حيضٍ , وآل دِبرٍ , وآل روثٍ ....... وسوى ذلك من الآلات , الذين يتناسلون كالطاعون , ويتربصون كالجذام .
ولا تعني أبداً .......... السعي الدائم لقتل جميع التغلبيين بدم كليب ... وموت جميع البكريين أثناء طلب الثأر لكليب .
لا تصالح ......تعني القيام بكل شيء يكفل بقاء الدولة , لأن ذلك هو الثأر الحقيقي من جساس , بإفشال غرضه وإحباط خطته ..... وقُتِل بعدها ذلك الدنيء أم لم يقتل .......... فالأمر سيان .. لأنه في جميع الأحوال ...... سيموت كًمًداً وغَيظاً .
سيموت كَمَداً وغَيظاً ..... كما مات كلُّ المرتَهنين والمارقين و الساقطين ........ على مرِّ هذا التاريخ العربي , المُترع حتى الثُمالة ....... بقصص الخيانة والفجور والارتزاق والعمالة .
جعفر ابن أبي طالب في مناظرته الشهيرة مع عمر ابن العاص , أمام النجاشي ..... ميز بين عربين : عرب الجاهلية الذين كانوا يقطعون الأرحام ويأكلون مال اليتيم , ويأكلون الميتة ويئدون البنات و يستعبدون الناس ويأتون الفحشاء ويسرقون ويقتلون ويكذبون ويظلمون و يغدرون و... و ... و .......
وبين عرب الإسلام الذي حضهم على المؤاخاة والمساواة والتراحم و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وترك الفاحشة ما ظهر منها وما بطن , وأداء الأمانة وعدم الغيبة , وكفالة اليتيم واحترام المرأة , والعفو والتسامح وحب الخير , وأداء الحقوق , ووفاء العهود .. و ... و ..
لم يلبث الجاهليون كثيراً بعد رسول الله , حتى بدأوا يعيدون سيرتهم الأولى ... في النهب والسلب , وأكل الحقوق , وظلم الناس .
وما كانوا يفعلونه في الجاهلية باسم الآلهة , ودفاعاً عن آلهة قريش , وهم في الحقيقة يقومون به دفاعاً عن تجارتهم ومكاسبهم , أصبحوا يفعلونه في الإسلام , باسم الإسلام , وذوداً عن تعاليمه , وهم في الحقيقة يقومون به دفاعاً عن جاههم وملكهم وسطوتهم .
كان أبو سفيان على استعداد أن يبيع آلهة قريش لمن يدفع أعلى سعر ...... ولكنه خاض الحروب ضد رسول الله ,للحفاظ على تجارته ومكانته , وكل ذلك بذريعة الحفاظ على مكانة آلهة قريش بين العرب .
وكان ابنه معاوية على استعداد أن يخالف كافة تعاليم الإسلام والقرآن ضناً بصالحه , ولكنه رفع المصاحف على الأسنة في صفين , وخاض حرباً ضد علي بذريعة القصاص وإحقاق الحق .
والآن يقوم أحفاد أبو سفيان ومعاوية ــ اللذان كرها أبا بكرٍ وعمر وعلي , و حاربا أولاد أبي بكرٍ وعمر وعلي ــ برفع راية الإسلام , ويرتكبون تحت هذه الراية , أبشع الجرائم التي يمكن أن ترتكب في التاريخ الإنساني .
جاء الفتح العربي لبلاد الشام في القرن السابع للميلاد , فوجد المسلمون الأوائل شعباً ذو ديانة راسخة وإيمان عميق , وكانت تعاليم دينهم الجديد تحضهم على الإيمان والاهتداء بهدي الرسل والأنبياء السابقين , وأسس عمر بن الخطاب بعبقرية فذة , لقاعدة عدم المساس بمعتقدات الناس وبيعهم وكنائسهم ودور عبادتهم , في معاهدته الشهيرة مع أهل القدس , فدانت بلاد كثيرة للمسلمين بلا قتال بعد هذا العهد .
وعلى امتداد ثمانية قرون , انصهرت الأخلاق الأسلامية , مع المدنية الراسخة في بلاد الشام , والتي تستقي أركانها من الديانة المسيحية بما تمثله من إعلاء لقيم المحبة والتسامح , ومن مدنية وحضارة راسختين , منذ قبل المسيح بآلاف الأعوام , فصار العرب جزءاً من هذه المدنية وشربوا من مشاربها ,وأصبحوا عرباً ملقحين بنسيم قاسيون , وياسمين الغوطة , و عذوبة نبع الفيجة , وثلوج حرمون , و ربيع المتوسط , وسهول حوران , والغاب , وجبال الساحل , و حضارة الكنعانيين والفينيقيين والآراميين والحثيين , وشمخوا بشموخ تدمر وماري وإيبلا وصيدون والقدس والشام والبتراء وأرواد ......
وحيث جاء الفتح العربي , و امتزج المسلمون الأوائل مع حضارات عريقة , فقد انصهروا بهذه الحضارات وتعلموا الأنسنة و القانون والمدنية , وغابت وحشيتهم ولؤمهم وغدرهم وخستهم . في الشام والعراق ومصر , كانت هناك أقوام متحضرة , مؤنسنة , متمدنة , لها تاريخ في الفكر والفلسفة والفن والعلوم , وعندما وفد إليها العرب , تلاقت الأخلاق الإسلامية الأولى , مع المناقبية الأخلاقية التي كانت سائدة في هذه المجتمعات , ومع تاريخ من الفكر الإنساني , فأصبحوا عرباً آخرين , وتكونت الحضارة العربية الإسلامية , التي كانت مزيجاً من المسلمين والمسيحيين واليهود , ومن العرب والفرس والإغريق , والسوريين والأقباط والأكراد والصابئة و الكلدان والآشوريين .
تكوَّن عربٌ من نوع آخر , يختلفون اختلافاً جذرياً عن عرب الصحراء , الذين لم تتجذر وة0فيهم أخلاق الإسلام , فعادوا سريعاً , بعد مقتل علي , إلى جاهليتهم , وإلى تناقضاتهم ,وإلى مكائدهم , وإلى شبقهم للمال والسلطة والغلمان .
العربُ .......... عَرَبان .
عرب الأرداف والبطون .......... و عرب الجباه والعيون .
عرب الطّروح والأقزام ........... وعرب السّراة والكرام .
أيها العرب العاربة : يا عرب القحباء ... والقوباء .... والضَّراء .
يا عرب الجُذام ........ والسّقام .........
لستم منَّا .......... ولسنا منكم ..
أنت تشبهون العقارب ...... و البعير ....... و غبار الصحراء ...... ورائحة الروث .
ونحن نشبه السنديان ........ والصفصاف ............... والغدران ....... ورائحة الزيزفون .
في تأبين الشهيد باسل الأسد , قال الشاعر العراقي مصطفى جمال الدين :
لا تنجب الحيَّاتُ إلاّ صِلالها ولا أسدٌ إلاّ و ينجب ضَيغما .
وفي مقابلة إذاعية على أثير شام " إف . إم " مع الرائعة هيام حموي , سرد المخرج النبيل هشام شربتجي حكاية حصلت معه أثناء بث برنامجه الإذاعي الشهير " استديو 26 " وختم قائلاً:
الله يرحم ترابك يا حافظ الأسد .
وأنا أقول : الله يرحم ترابك يا أبا سليمان .
لقد أنجبت أسوداً ..... و ربيت أسوداً ..... وتركت وراءك أسوداً .
التعليقات
سيظل العرب اعز واسمى عرق
إضافة تعليق جديد