أربعون تشرينا مرت على آخر حروب العرب ضد إسرائيل
في السادس من تشرين عام 1973 وفي تمام الساعة الثانية من بعد الظهر بدأ الهجوم المفاجئ على جبهتي الجولان وسيناء واستطاعت القوات السورية استعادة مرصد جبل الشيخ من اليوم الأول لتشهد قممه وسفوحه البيضاء على بأس وصلابة الجندي السوري الذي ما فتئ يتحفنا إلى اليوم ببطولات لا تنتهي.
ولم تمض الساعات الست الأولى من الحرب حتى تمكنت القوات المصرية من اختراق خط بارليف رغم التحصينات الإسرائيلية وما أنفقته من ملايين الدولارات خلال ستة أعوام من عدوان حزيران عام 1967.
ورغم أن الدرس في تشرين كان بليغا فلا بأس في دروس أخرى ولو عظمت التضحيات يتذوق فيها قادة الكيان الصهيوني الذي بغى وتغطرس مسؤولوه منذ عدوان الـ 67 إلى نتنياهو اليوم مر الهزيمة التي ذاقتها جدتهم الهالكة غولدا مائير بعد أن رأوا بأم أعينهم عملاء إرهابهم الأسود تتكسر تحت أقدام بواسل الجيش العربي السوري في أكثر من عامين ونصف على الصمود الأسطوري.
أما الحقد الأسود على البشرية والهمجية والتعطش لسفك الدماء فالإرهابيون يتقنونها جيدا كما فعلتها إسرائيل في مدينة القنيطرة المحررة التي بقيت على حالها مدمرة ليشهد العالم على وحشية الصهاينة ولا تحتاج همجية المرتزقة الإرهابيين لإثبات حيث رأى العالم كله أنهم ما حلوا في مدينة ولا حي ولا بيت إلا وعاثوا فيه الخراب والدمار والقتل والذبح.
وإن كان هناك من تبدل إيجابي في السكة الدولية تجاه سورية اليوم فلا شك في أن هذا التبدل صنعته تضحيات الجيش العربي السوري وصمود شعبه ضد إرهاب أوغل في إجرامه حيث يستطيع الجميع استذكار سعي الرئيس الأمريكي ريتشارد نكسون أيام حرب تشرين لايجاد مخرج يوقف الضربات المشتركة على إسرائيل وهو ما تكرر مرة أخرى مع باراك أوباما الذي لم يكن أحسن حالا حيث هدد وتوعد عله ينقذ الأدوات العميلة على الأرض السورية إلا أنه أدرك أن كسر إرادة السوريين محال.
ولم يكن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أوفر حظا من صاحب الزيارات المكوكية إلى سورية هنري كسنجر فجولاته إلى البلدان المجاورة عله يستخلص استسلاما لصالح إسرائيل على حساب الديار المقدسة في ظل انشغال سورية بمعالجة ملفاتها الأمنية كان يصطدم دائما بأن الحل يبدأ من سورية وينتهي في سورية.
وكما كانت ملاحم تشرين والجولان قاسية كانت ملاحم اليوم أشد قسوة لأن الحرب في وجه القتل والذبح والكفر والظلم حرب وجود وأبطال الجيش العربي السوري قالوا كلمتهم "سماؤنا وأرضنا لنا حرام على غيرنا لن نسمح بتدنيسها والشهادة أرخص ما نقدمه ليحيا هذا الوطن بكل عزة وكرامة".
وفي تشرين التحرير استطاع المقاتل العربي انتزاع زمام المبادرة والوصول إلى شواطئ بحيرة طبريا والتخلص والى الأبد من عقدة الخوف والهزيمة واليوم في تشرين جديد يخوض الجندي السوري معركة لتطهير الأرض من دنس الإرهاب وليثبت أن الأرض لا بد أن تستجيب لأبطال جعلوا الوطن غايتهم ومطلبهم مقدمين ارواحهم رخيصة فدا ذرات ترابه.
مصطفى المصطفى الضابط في صفوف الجيش العربي السوري خلال حرب تشرين التحريرية عام 1973 يستعيد ذكريات ما زال يحملها من تلك الحرب وهو ممن كانوا في خط الدفاع الأول حيث سجلت قواتنا المسلحة أروع صور البطولة وحطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر.
ويقول المصطفى في حديث لمراسلة سانا في حمص " أثبتنا بانتصارنا العظيم في تشرين أننا الجيش الأقوى ونحن اليوم نثبت أيضا أننا الجيش والشعب الذي لا يقهر من خلال معركتنا مع الإرهاب الذي يحمل أجندة العدو الصهيوني بالوكالة".
بدوره يقول المساعد المتقاعد أحمد سلمان الذي شارك أيضا في هذه الحرب " لقد قاتلنا بكل شجاعة وبسالة لأننا مؤمنون بالنصر على هذا العدو الغاشم.. كنا يدا واحدة وقلبا واحدا أثناء الحرب ننفذ أوامر قادتنا وخضنا معارك قاسية مع العدو الصهيوني في قمم جبل الشيخ وسفوحه وكنا جيشا عقائديا مستعدا لتقديم الغالي والنفيس من أجل سورية".
ويشير الضابط المتقاعد ياسر سعود إلى أن جيشنا ركز جهوده على الضربات الجوية والصاروخية وهجماته المعاكسة حيث تم إسقاط العشرات من طائرات العدو وتدمير دباباته مؤكدا أن سورية التي انتصرت في حرب تشرين التحريرية منذ أربعين عاما تنتصر اليوم أيضا على عدو آخر يحمل الأجندة ذاتها وهي تدمير سورية لكنه كما هزم سابقا سيهزم اليوم بفضل جنودنا البواسل وشعبنا المقاوم.
الممرضة مريم الحسين استذكرت الدور المساند للجيش من قبل الكوادر الطبية خلال الحرب عبر تقديم العناية للجرحى ومؤكدة أن جرحى قواتنا المسلحة كانوا يطالبون بالعودة إلى أرض المعركة في أسرع وقت ممكن لمتابعة واجبهم إلى جانب رفاقهم.
ويرى المدرس نوفل المحمد إن الجندي العربي السوري أثبت تفوقه على العدو الصهيوني الغاشم فكان انتصاره في حرب تشرين التحريرية انتصارا لكل العرب الشرفاء لافتا إلى أن ما تتعرض له سورية اليوم هو حرب إرهاب تكفيري حاقد يحاول تدمير شعبها وجيشها متناسيا أنه سحق منذ أربعين عاما وسيسحق اليوم تحت أقدام الجيش العربي السوري.
الطالبة نغم ونوس ترى إن انتصار الجيش العربي السوري في حرب تشرين التحريرية كان نصرا للحياة في سورية وإن جيلا رضع حب الوطن بعد أن زرعت هذه الحرب فيه العنفوان ومعنى الكرامة سيفتدي وطنه بروحه للحفاظ على سيادته وكرامته.
المهندسة ازدهار العيسى تستعيد صور افراد عائلتها في المنزل وهم يترقبون الأخبار عن الحرب عبر المذياع وتقول: كانت والدتي تزغرد واخوتي يقفزون فرحا كلما أورد المذيع نبأ عن انتصارات جديدة لجيشنا من إسقاط للطائرات أو تدمير دبابات للعدو الصهيوني.
الشيخ أسامة عباس يقول "لا يمكن لأي مواطن سوري أن ينسى حرب تشرين التحريرية هذه الحرب التي انكسرت فيها شوكة العدو وتمرغت أنوفهم في التراب حين دك ميامين جيشنا أوكارهم الوسخة وحطم أسطورتهم" مشيرا إلى أن هذه الحرب استردت كرامة كل العرب وستبقى ذكراها خالدة في نفوسنا وسنرويها لأحفادنا.
وكرست حرب تشرين التحريرية فكرا مجتمعيا عاما يقدس التضحية في سبيل الوطن ويقدم الغالي والنفيس دفاعا عن ترابه وجعلت من الشهادة شرفا يتسابق السوريون إليه وعرسا يتفاخر به ذوو الشهداء.
ولا تعد أم محسن من قرية العزيزية بريف طرطوس التي أطلقت زغرودة لدى سماعها نبأ استشهاد ابنها حالة فريدة في سورية فهي من بين آلاف أمهات الشهداء الذين ارتقوا إلى العلياء باستشهادهم دفاعا عن أرض الوطن وهذا هو حال أم أحمد التي تمثل هي الأخرى أنموذجا لأمهات سوريات أرضعن أبناءهن حب الوطن حيث تؤكد أن ثلاثة من أولادها يؤدون واجبهم الوطني في الدفاع عن الوطن لافتة إلى أن زوجها استشهد خلال حرب تشرين التحريرية التي حرر فيها جنودنا البواسل مدينة القنيطرة ورفعوا العلم على ذرا جبل الشيخ واليوم يدافعون عن سورية في مواجهة الإرهاب.
عقائدية جيشنا الباسل هي بشهادة الجميع من أعلى حالات الوطنية في جيوش العالم حيث التزم عبر تاريخه الطويل بالدفاع عن القضايا الوطنية والقومية وحمل جنوده الميامين عقيدة وعزيمة لا تلين وشجاعة لا توصف وتسابق إلى الشهادة وفي هذا السياق يكشف الفنان أحمد خليل أن شابا أتى إليه أثناء قيامه بإنجاز نصب تذكاري في مدخل مدينة الدريكيش وقال له "اسمي الرقيب كامل وذاهب للجيش وعندما يأتي اسمي شهيدا اعتني به ضمن هذا النصب" وبعد أقل من شهر انضم بالفعل كامل الى قافلة الخالدين وتم تدوين اسمه في سجل الخالدين وفقا للفنان خليل.
ويختزل سلوك الشهيد كامل ما يفكر به عناصر الجيش العربي السوري الذين قدموا تضحيات جساما في سبيل عزة الوطن وهذا هو حال المجند أبو فواز المصاب الذي يرقد في المشفى حيث يطلب يوميا من الطبيب الذي يعاينه بتسريع عملية علاجه والسماح له بالالتحاق مجددا برفاق السلاح لتطهير الأرض السورية من دنس الإرهاب مؤكدا أن طلبه هذا جزء من الوفاء للوطن والالتزام بمبادئ الجيش الذي تربينا عليها بأن نكون حماة الديار.
وانطلق الجيش العربي السوري من شعاره "وطن شرف إخلاص" في حرب العزة ومعارك الشرف في تشرين التحرير دفاعا عن القضايا العربية وهو يستمر اليوم في نهجه المقاوم رغم حالة العداء التي يناصبها العالم له وبعض الدول العربية وخاصة دول البترودولار التي تسعى لتنفيذ مخططات صهيوأمريكية حيث يعمل جيشنا الباسل اليوم على دحر الإرهابيين وإعادة السيطرة على كل التراب الوطني وأن يبقى العين الساهرة والحارس الأمين على الحقوق العربية العادلة.
بإرادة أبنائه حطم الجيش العربي السوري أسطورة الجيش الإسرائيلي في تشرين التحرير والآن تتكسر على صخرة صمود السوريين ووحدتهم الوطنية محاولات أعداء سورية للنيل منها فها هو والد الشهيد أبو أحمد الذي تجاوز عمره السبعين ذهب لاستلام جثمان ابنه من مطار الشهيد باسل الأسد في اللاذقية يقول للمسؤولين "أعطوني أي جثمان فهم جميعا أولادي ولا فرق بين أي شهيد وابني".
وفي مدينة شهبا بمحافظة السويداء التي تستقبل زائريها في مدخلها الشمالي أضرحة الشهداء الذين رووا بدمائهم الطاهرة تراب الجولان العربي السوري المحتل وضع الأهالي نصبا تذكاريا للشهداء حيث حفرت أسماء 125 شهيدا على منحوتة بازلتية تعبيرا عن إرادة السوريين التي لا تلين مثلها في ذلك كحجار البازلت والصوان.
ينتصر جيشنا الباسل على الإرهاب ويدحر المؤامرة ولا ترهبه الحرب الكونية ولم تلن عزيمته ويزداد إيمانه واصراره على بذل المزيد من التضحيات لتكون حرب تشرين التحريرية وذكراها السنوية محطة بارزة لرجال جيشنا ومصنع الأبطال.
بلال خازم -مثال جمول-طلال ماضي
المصدر: سانا
إضافة تعليق جديد