ماهي مقومات هويتنا السورية ؟
الجمل ـ بسام حكيم : الهويّة لغوياً مشتقة من الضمير "هو" ويُعرّفها الفلاسفة بأنها ذات الإنسان, أي كل ما يُشكل شخصيته من مشاعر وعقائد وانتماء وقيم وسلوك, فعلى الصعيد الفردي لكل إنسان هويته الشخصية التي تميزه عن غيره بينما على الصعيد الإجتماعي فهو يتشارك هويته الإجتماعية مع الناس الذين نشأ وعاش معهم بذات المجتمع، وقد يطرأ على الهوية بعض التعديل أو التبديل مع مرور الزمن، لكن منشأ هذا التعديل لابد وأن يكون ذاتياً حيث تخبرنا عجلة التاريخ أنه من الصعب جداً فرض أي تغيير على الهوية الشخصية أو الإجتماعية قسراً.
أولى الهويات الإجتماعية التي حملتها المجتمعات البشرية كانت تعتمد وبشكل رئيسي على رابطة الدم حيث تكوّن المجتمع من بطون وعشائر ترجع بنسبها إلى جدّ أول وتجتمع بهوّيتها فيما عُرف بالقبيلة, ومع بداية تحوّل هذه المجتمعات من شكلها البدائي القبلي إلى شكلها الحضاري تراجعت رابطة الدم نتيجة لإختلاط الناس ببعضها لتحل محلها روابط عقائدية بدأت بالإنتماء الديني وانضم إليها لاحقاً انتماءات أخرى عرقية وقومية, ومع إنتهاء الحروب العالمية في عصرنا الحالي وظهور الدولة بمفهومها الحديث، وكنتيجة لكون تقسيم الكثير من الدول ورسم حدودها قد تم وفقاً لمصالح الدول المنتصرة في الحرب وبدون أي اعتبار لمصالح شعوب هذه الدول، فقد نشأت مشاكل كثيرة تتعلق بكيفية جمع هذه الشعوب على هوية اجتماعية واحدة, يتجلى هذا الأمر بوضوح في الحالة السورية مثلاً، حيث ظهرت فوراً مع بداية عهد الإستقلال أحزاب انصبّ جلّ اهتمامها على تحديد هوية أممية وقوميّة لشعب الدولة السورية, فنادى البعثيون بالأمة العربية من المحيط للخليج وجعلوا من السوريين جزءاً صغيراً فيها، منها يبدأ وينطلق انتماءهم الأوّل, وكذلك الأمر مع القوميين الإجتماعيين الذين أخذوا قسماً من أمة العرب البعثية هو الهلال الخصيب وأسموه سوريا الكبرى (بعدما أضافوا إليه جزيرة قبرص) وجعلوا أيضاً انتماء السوريين، الأول يبدأ من هذه الأمة التي أسموها الأمة السورية، وظهرت أيضاً حركات وتيارات دينية على رأسها جماعة الاخوان المسلمين تبنّت طروحات دينية فأرجعت إنتماء السوريين الأول للأمة الاسلامية حيث حدود هذه الأمة الجغرافية مازالت غامضة حتى يومنا هذا، فلا نعرف لا أين تبدأ ولا أين تنتهي! حركات أممية أخرى ظهرت في الدولة السورية بعضها حدد بقعته الجغرافية التي تمتد داخل وخارج أراضي الدولة السورية كالأكراد والبعض الآخر اكتفى بالتشبث بإنتماءه لأمم جغرافيتها بالكامل خارج الأراضي السورية كالأرمن والشركس والتركمان وغيرهم.
نشأتي كسوري جعلتني أدخل مع بداية تشكل وعيّي بصراعات فكرية عديدة بحثاً عن هويتي التي أحدد من خلالها انتمائي الأكبر لمن يكون؟ هل أنا عربي أولاً كما علّمني البعث في المدرسة والجامعة؟ هل أنا قومي سوري كما يؤكد لي أصدقائي القوميين السوريين؟ هل أنا إسلامَوي كما يقول المشايخ ورجال الدين؟؟ وإذا حسمت أمري وأقنعت نفسي بأمة من هذه الأمم، كيف سأفرض قناعتي هذه على من يتبنى عقيدة قومية مخالفة لعقيدتي؟ خمسون عاما لم يوفر البعثيون فيها درباً إلا سلكوه ليفرضوا على السوريين عقيدتهم العروبية وفشلوا، فبقي القومي السوري قومياً وبقي الإسلامٓوي إسلامٓوياً والكردي كردياً حتى مع إجبارهم جميعاً على حمل هويّة شخصية كُتب عليها في خانة الجنسية أنهم عرب ومن ثمّ سوريون!! هل أفلح المشايخ في إقناع العروبين أو القوميين أو الأكراد باستبدال أممهم بأمة يدّعي أصحابها بأنها خير أمة أُخرجت للناس؟ هل أفلح استحضار حضارات الفينيق وكنعان وآرام بإقناع عروبي أو إسلامَوي بالتخلي عن أفكاره واعتناق أفكار انطون سعادة؟ لماذا نتشبّث بحظر قيام الأحزاب الدينية تحسباً من إثارة النعرات الطائفية في مجتمعنا المتنوّع دينيّاً وطائفياً ومذهبياً بينما نترك الحبل على الغارب لأحزاب تخوض في أصلنا وفصلنا المتنوّع أيضاً إثنياً وقومياً؟ هل النعرة الدينية حرام والإثنية حلال؟ ما يجمعنا أكثر بكثير مما يُفرقنا، فلماذا نُصرّ في الخوض في هذا القليل؟ ألا يكفي أن نكون سوريون فقط مثل دول العالم الأول التي تسبقنا اليوم؟ ماذا أفاد المانيا حديثها بالأمة الجرمانية والعرق الآري والرايخ وغيره سوى نزاعات أفضت لحروب عالمية؟ هل يجرؤ المانياً واحداً اليوم على التحدث عن وجود أمةً جرمانية خارج البقعة الجغرافية لدولة المانيا الحالية؟ ألم يذهب عشرات ملايين الأوربيين ضحايا للعقائد الأممية بينما اتحدّت أوروبا بمعظمها وبدون قطرة دم واحدة، عندما تخلّت عن أحاديث الأمم وتكلمت بحديث المصلحة والاقتصاد؟
لقد كشفت أحداث ما سُمّي ربيعاً عربياً وَهمَ ما ضخّه في أدمغتنا العروبيون (مثلاً) لعقود طويلة، من أن الشعوب الناطقة بالعربية تنام وتحلم بالوحدة، وهمّها الأول قضايا أمتها وعلى رأسها فلسطين، لكن الأنظمة التي تحكمها هي من تكتم أنفاسها وتمنعها من تحقيق هذه الأحلام! خرجت هذه الشعوب إلى الشوارع في لبنان والسودان وتونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين والأردن وسوريا والجزائر والمغرب... فاستحضروا كل مفردات لغتهم العربية وجُملها وهتفوا بها، فما سمعنا كلمة واحدة لا عن العروبة ولا عن الوحدة ولا فلسطين !! بل بات لبنان في حُكم المُقسّم وانقسم السودان فعلاً وتشظّت ليبيا مع العراق.. واليمن على الطريق!! بينما ننتظر ما سيتمخّض عنه هذا الربيع في باقي الدول وأقصى أحلامنا أن يرجع العرب لاثنتين وعشرين دولة من دون زيادة ولا نقصان !!
أعلم تماماً أني خضت في مقالتي هنا فيما لن يُعجب الكثيرين وخصوصاً من العروبيين الذين تحدثت بإسهاب عن تجربتهم، فيما لم أفعل هذا مع الباقين منعاً للإطالة وإلا فالكل بإثارة النعرات الإثنية سواء، خاصة وأننا من الذين تفرقوا شيعاً وكل حزب بما لديهم فرحون!! هذا الموضوع لا يُمكن الإحاطة به بمجرد مقالة ولا حتى بكتاب، هو بحاجة لمجرد قرار جرئ لكل منا، وأنا هنا أخاطب السوريين... محّصوا ودققوا فيما حصل ويحصل في سوريتنا اليوم، هل لو كان انتماؤنا لسوريا هو أول وأكبر انتماء، أكان يجرؤ سورياً واحداً على تبرير استجلابه عرباً ليقتلوا سوريين ؟ هل كان يجرؤ سوري على تبرير دعوته مسلميّ الشيشان لذبح سوريين؟ كثيرة جداً جداً هي الأمور التي تفرقنا، قد نكون عرباً أو قوميين سوريين أو كرداً أو شركس أو تركمان أو آشوريين أو أرمن أو... أو... أو... لكننا جميعاً سوريين، وسوريا وحدها تجمعنا وكلّي إيمان وقناعة بأنها بتكفّي وبتوفّي... ومثلما اتفقنا على شعار "طائفتي سوري" ورددناه معاً في هذه الأزمة... أحلم بأن نتكاتف كلنا فنضع هذا الشعار في أولى مواد دستورنا بعد أن نُتبعه بجملة... "وقوميتي سوري أيضاً"...
إضافة تعليق جديد