«جيش الإسلام» أم «جيش الاستسلام»: رواية الدعم السعودي وغيابه عن المعارك الكبرى
دخلت الأزمة السورية، ولاسيما بمشهدها «الجهادي»، مرحلة جديدة من مراحل تطورها وتفاعلها مع وقائع الميدان العسكرية، والمستجدات الإقليمية والدولية التي من المنتظر أن تتوج بانعقاد مؤتمر «جنيف 2» اليوم.
وإذا كان تقدم الجيش السوري في أكثر من منطقة إستراتيجية، كما في ريف دمشق وريف حلب، هو إحدى سمات هذه المرحلة التي بدأت مع تصاعد الحديث عن «جنيف 2»، وإقرار معظم اللاعبين الإقليميين والدوليين بأنه لا حل للأزمة السورية إلا سلميا، ما عدا دول قليلة على رأسها السعودية، فإن حالة التشرذم والخلافات التي انتقلت من مجالس وهيئات المعارضة السياسية في الخارج، إلى الفصائل والتنظيمات الإسلامية في الداخل أخذت، على نحو غير مفاجئ، شكل الصراع المسلح، الذي امتد على كامل مساحة الأراضي المسماة «محررة»، هي السمة المقابلة التي تصبغ وما تزال هذه المرحلة.
ومنذ انتقال ملف المعارضة السورية من يد القطريين إلى طاولة الاستخبارات السعودية، التي يرأسها الأمير بندر بن سلطان، ظهرت ملامح الفروقات في إدارة الملف بين البلدين، وما تبعها من تداعيات أدّت إلى تشكيل المشهد الحالي للأزمة السورية في بعدها «الجهادي». فما اختفاء «الجيش الحر» والسماح للفصائل المنضوية تحت راية «الجبهة الإسلامية» بالإجهاز عليه وعلى أي دور يمكن أن يقوم به، سوى أحد ملامح هذه الفروقات، فـ«الجيش الحر»، الذي تكثر فيه القيادات والعناصر التابعة لجماعة «الإخوان المسلمين»، لم يعد أداة صالحة للاستعمال السعودي، لاسيما وأن علاقة الرياض مع «الإخوان» معروفة تاريخياً لجهة اصطدامهما وعدم التوافق بينهما.
وقد تمّ استدعاء متزعم «جيش الإسلام» زهران علوش على عجل، بذريعة أداء مناسك الحج في الموسم الماضي، ونوقشت معه الخطة السعودية للعمل في الداخل السوري، وأهم بنودها ضرورة تشكيل «جيش» جديد يرث «الجيش الحر» ويحل محله.
وبعد أقل من شهرين على استدعاء علوش، تشكلت «الجبهة الإسلامية» التي يغلب عليها الطابع السلفي بتنويعاته الكثيرة، بما فيها السلفي «الجهادي»، ولكن السعودية صاحبة خبرة ولم تجد غضاضة في ذلك طالما أن سيوف السلفية «الجهادية» موجهة على نحر غيرها، كما أنها مخاطرة مقبولة أن تتحالف مع تنظيمات متطرفة في سبيل إزاحة النظام السوري من المشهد والتخلص من حلقة قوية في محور المقاومة، أو المحور الإيراني كما تسميه.
يبقى علوش هو رجل السعودية الأول بين قادة التنظيمات المسلحة، وتحالفه مع «أحرار الشام» و«صقور الشام» و«لواء التوحيد»، لا يعني بأي حال من الأحوال أن الخلافات بينه وبينهم قد انتهت، وإنما هو تحالف مصلحة فرضته الرؤية السعودية لطريقة التعامل مع الأزمة السورية.
ورغم الفوضى العارمة التي انتشرت في مناطق الاشتباك بين «الجبهة الإسلامية»، ومعها «جيش المجاهدين» و«جبهة ثوار سوريا» من جهة، وبين تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) من جهة ثانية، إلا أن ثمة أمرا بالغ الأهمية قد يكون من شأنه أن يشير إلى حقيقة الأهداف القريبة والبعيدة التي تتوقعها الاستخبارات السعودية من وراء إطلاق هذه الحرب.
الهدف القريب والذي أصبح واضحاً، هو القول بأن «داعش» هو التنظيم الإرهابي، وأن «الجبهة الإسلامية»، المدعومة سعودياً مع حلفائها، هي من يحارب الإرهاب في سوريا.
ولكن نظرة سريعة على مناطق انتشار الاشتباكات والأطراف المشاركة بها، قد تعطينا رؤية أبعد لبعض الأهداف التي تتوخاها المملكة من هذه الحرب. فالاشتباكات بدأت في الأتارب بريف حلب، ثم امتدت إلى معظم الأرياف الحلبية كمناطق الباب وحريتان وجرابلس وتل رفعت وغيرها، ثم ما لبثت أن امتدت إلى أرياف محافظة إدلب، كما في الدانا وسراقب وبنش وغيرها، وطالت كذلك مدينة الرقة التي استطاع «داعش» أن يسيطر عليها بالكامل، بعد أيام من الاشتباكات التي شاركت بها «جبهة النصرة».
والقاسم المشترك لجميع المناطق التي امتدت إليها الاشتباكات، هو أنه ليس فيها أي تواجد لـ «جيش الإسلام» الذي يقوده زهران علوش رجل السعودية الأول. فـ«جيش الإسلام» يتركز اساساً في أرياف دمشق، مثل الغوطتين والقلمون ودوما وحرستا وبرزة وجوبر وعدرا وسواها. ورغم وجود مقرات تابعة لـ«داعش» في بعض هذه المناطق، مثل الغوطتين والقلمون، إلا أن ما يثير الاستغراب أن هذه المناطق بقيت بعيدة عن عدوى الاشتباك، ولم تسجل بها أي حالة صدام عسكري بين «جيش الاسلام» و«داعش»، رغم أن علوش هو المحرض الرئيسي لمحاربة «الدولة الاسلامية»، حيث وصف أتباع «داعش» بأنهم «خوارج وبغاة»، ودعا إلى التخلص منهم في أكثر من تصريح.
فهل هي محض مصادفة أن تندلع الاشتباكات والمعارك في المناطق التي لا يتواجد فيها «جيش الإسلام»، وأن تتمدد إلى أي منطقة يكون فيها تواجد لـ«أحرار الشام» أو «جبهة ثوار سوريا» أو «جيش المجاهدين»؟.
خلال السنوات السابقة من عمر الأزمة السورية، طالما وجهت الفصائل، من بينها «جبهة النصرة»، إلى علوش اتهامات بالتخاذل والخيانة. ولكثرة الانسحابات التي نفذها من ارض المعارك اصبح جيشه يسمى بـ«جيش الاستسلام» أو «جيش الانسحابات». حتى يمكن القول أن «جيش الإسلام» لم يخض، بعد مرور حوالي ثلاث سنوات، أي معركة كبيرة، ولم يكمل أي معركة، بل كان دائماً أول المنسحبين من ميادين القتال عندما تستعر، رغم أنه يعتبر من أكبر الفصائل عدداً ومن أفضلها تجهيزاً بالعتاد والذخائر، ويملك أضخم مستودعات الأسلحة.
وكان دائماً ثمة شكوك بأن «جيش الاسلام» يجري إعداده للعب دور قد لا يبدأ إلا في مرحلة متأخرة من عمر الأزمة السورية، لذلك فإن داعميه السعوديين يريدون له أن يحافظ على قوته ومستودعاته بانتظار اللحظة المناسبة، وهو ما لم يكن ممكناً لو جرى الزجّ به في كافة المعارك.
ومع اندلاع المعارك الحالية، تزايدت الشكوك حول الدور المستقبلي الذي يجري إعداد «جيش الاسلام» له، خصوصاً وأن تحييده عن المعارك الجارية بهدف الحفاظ على مقدراته، يطرح أكثر من علامة استفهام. فإذا كان «جيش الاسلام» ينسحب من معظم معاركه ضد الجيش السوري، وإذا كان لا يخوض أي معركة ضد «داعش»، فلأي معركة يجري إعداده؟.
تبدو الإجابة على هذا السؤال صعبة، لاسيما في ظل الظروف الميدانية الشائكة، وخريطة الولاءات المعقدة التي تطبع علاقات الفصائل مع بعضها البعض من جهة، ومع الدول الداعمة لها من جهة أخرى. ولا يمكن الوصول إلى إجابة منطقية في ظل التحالفات الحالية، لاسيما تحالف «جيش الاسلام» مع «احرار الشام» وغيرها من الفصائل التي تقاتل «الدولة الإسلامية».
ولكن هل التحالفات أبدية؟ أليست المصلحة هي الأساس الذي تبنى عليه مثل هذه التحالفات؟ فمن يدري قد نجد أنفسنا قريباً في زمن تتغير فيه المصالح. وكما اندلعت الحرب بين «الجبهة الإسلامية» و«داعش»، فقد تندلع في مرحلة مقبلة بين «جيش الاسلام» وأحد مكونات «الجبهة الإسلامية» نفسها. وكما كانت المصلحة في التخلص من «الجيش الحر» بعد عامين من دعمه وتأييده ومحاولة تعويمه، قد تصبح المصلحة الجديدة في التخلص من «الجبهة الإسلامية» أو من بعض فصائلها. ووصف «الخوارج» يتسع لأكثر من «داعش».
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد