«داعش» في سوريا والعراق: حرب ضد الجميع.. كيف يصمد؟
يشنّ الجيش العراقي منذ حوالي ستة أشهر حملة عسكرية ضخمة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، فيما لم يكتف الأخير بصد الهجوم من موقع الدفاع، بل عمد في الأيام الماضية إلى إطلاق ما أسماها سلسلة غزوات «ادخلوا عليهم الباب» استهدفت كلاً من مدينتي سامراء في محافظة صلاح الدين والموصل في نينوى. ويأتي ذلك بالتزامن مع خوض «داعش» معارك كبيرة ضد من يسميهم «تحالف الصحوات والجولاني» في المنطقة الشرقية من سوريا، الأمر الذي يطرح تساؤلات جدية لا جواب عنها حالياً عن مدى قوة هذا التنظيم الذي يواصل القتال على مدى أشهر طويلة وعلى جبهات عدة من دون أن يفقد إمكانية شن هجمات جديدة، وعلى ماذا يعتمد ومن هي الجهات والدول التي تدعمه كي يؤمّن لنفسه إمكانيات الاستمرار في ظل المعارك الكثيرة التي يخوضها ضد الجميع في كلا البلدين سوريا والعراق.
برغم أن «داعش» نشأ أساساً في العراق تحت مسمّى «دولة العراق الإسلامية»، إلا أنه منذ تمدده إلى سوريا وتحوله إلى «دولة الإسلام في العراق والشام» اتخذ من الأراضي السورية مركزاً رئيسياً له، بينما تراجعت أهمية العراق نظراً للظروف الميدانية، وترسخ هذا الانتقال مع سيطرة «داعش» على محافظة الرقة بكاملها بعد طرد الفصائل الأخرى منها قبل أشهر عدة، حيث تشير المعطيات إلى أنه يعتبر الرقة عاصمته الرئيسية، وباشر باتخاذ عدد من الإجراءات التي تثبت ذلك، مثل انتقال أهم قادته العسكريين أو الشرعيين أو الأمنيين إلى الرقة، وحتى افتتاح سفارات في الرقة لبعض الولايات التابعة له.
وتنظيمياً يعتبر «داعش» الأراضي التي يسيطر عليها في كل من سوريا والعراق أرضاً واحدة لدولة واحدة، وهو يخوض معاركه في كلا البلدين وفق هذه الرؤية المبنية على إستراتيجية «التمدد»، المصطلح الذي أصبح من أهم مبادئ التنظيم وأهدافه. لذلك كان طبيعياً أن تشهد الحدود بين سوريا والعراق تحركات كثيرة لعناصر التنظيم ذهاباً وإياباً حسب الحاجة وبما تقتضيه الضرورات التنظيمية والميدانية.
وهذه الرؤية هي التي تدفع «داعش» إلى الاستشراس غير المسبوق في خوض معاركه ضد «تحالف الصحوات الجولاني» في دير الزور بهدف السيطرة على المناطق الحدودية مع العراق بما يؤمن له خطوط الإمداد وسهولة التنقل بين «شقّي الدولة» لا سيما أنه يسيطر على مساحات واسعة من صحراء الأنبار المحاذية للحدود السورية.
وكأنّ الساحة السورية لم تكتف بكل التعقيد والتشابك الموجود فيها، حتى أضافت عليها إستراتيجية «التمدد» التي يتبعها «داعش» المزيد من التعقيد، مؤديةً إلى تداخل القوى والجهات المتحاربة في كلا البلدين. وتكفي هنا الإشارة إلى أن الجيش العراقي ليس وحده من يقف ضد «داعش» في العراق، فهناك أيضاً تنظيم «أنصار الإسلام» علماً أن هذا التنظيم أصبح له فرع في سوريا وتحديداً في ريف حلب، وثمة معلومات عن تعاون يجري بين «جبهة النصرة» وبين «أنصار الإسلام» سواء في سوريا أو في العراق للتنسيق في ما بينهما لمواجهة «داعش». وكان أبو ذر العراقي، وهو أمير «داعش» في مدينة الميادين في محافظة دير الزور وقع في أسر «النصرة» قبل إطلاق سراحه في شهر نيسان الماضي بصفقة بين الطرفين، قد ذكر في شهادة مسجلة أن المفتي العام لـ«النصرة» أبو ماريا القحطاني طلب منه التواصل مع قيادات «أنصار الإسلام» بهدف إعادة تأسيس فرع لـ«القاعدة» في العراق.
ويعزز من ذلك أن القحطاني أصدر منذ أسبوعين بياناً يعتذر فيه من «سنة العراق» عن الجرائم التي شارك فيها عندما كان قيادياً في «داعش»، وخصّ بالاعتذار «أنصار الإسلام»، ما يرجح من صحة فرضية التعاون بين الطرفين.
وبعد ستة أشهر من القتال على جبهات عدة من دون أن يتمكن أي طرف من إلحاق هزيمة به سواء في سوريا أم في العراق، أعلن «داعش» عن سلسلة «غزوات ادخلوا عليهم من الباب» في رسالة واضحة لمن يعنيه الأمر أنه ما زال قوياً، واللافت أن التنظيم استخدم للمرة الأولى في هجومه على سامراء الأسبوع الماضي أسلحة ثقيلة مثل المدافع، الأمر الذي يشير إلى أنه يملك السبل والطرق لنقل المعدات العسكرية من سوريا إلى العراق. ويشير هذا الأمر كذلك إلى أنّ التنظيم يشعر بفائض قوة في سوريا في مواجهة «الصحوات» في دير الزور بما يتيح له الاستغناء عن قسم من سلاحه وإرساله عبر الحدود إلى عناصره في العراق.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد