«داعش» يسيطر على الموصل ويتقدم إلى تخوم بغداد وأميركا تلوّح بالمعاهدة الأمنية
شهد العراق، يوم أمس، تطوراً أمنياً خطيراً تمثل في توسيع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») رقعة انتشاره الى الموصل ومناطق أخرى في محافظة صلاح الدين، مقترباً بشكل سريع من محافظة بغداد.
وتطرح هذه التطورات، في ظل تصاعد أعمال العنف في العراق منذ أكثر من عام، والذي وصل إلى مستويات لم تعرفها البلاد منذ الفترة الممتدة بين العام 2006 والعام 2008، أسئلة حول الانتشار الجغرافي في المناطق التي تشهد هذه الأعمال بشكل مكثف، خصوصاً بالنسبة إلى تنظيم «داعش»، الذي يُعدّ الجناح الأكثر خطورة وقوة لتنظيم «القاعدة» الأم، ومدى قدرة الجهاديين على تثبيت سيطرتهم على المناطق التي تقدموا فيها أو سيطروا عليها منذ الأسابيع الماضية، والتداعيات المترتبة على ذلك، ومدى انعكاس ذلك على الوضع الميداني في شمال شرق سوريا، حيث لـ«داعش» منطقة نفوذ واسعة تمتد من مشارف دير الزور، مروراً بالحسكة، وصولاً إلى شرق حلب.
وينطوي سقوط مدينة الموصل في أيدي مسلحي «داعش» على تطور خطير، فالمدينة تقع في محافظة نينوى، المحاذية للحدود السورية، والتي يمر فيها خط الأنابيب الواصل بين كركوك والأراضي التركية، وكذلك هي الحال بالنسبة إلى مناطق أخرى أفادت المعلومات الواردة من العراق أن التنظيم المتشدد قد سيطر عليها مثل الحويجة والزاب والشرقاط، والذي يشكل خطاً يمتد حتى مشارف العاصمة بغداد.
ويعبر هذا الخط في محافظة صلاح الدين، ويضمّ كلاً من قضاء بيجي ومدينة تكريت ومدينة سامراء. وتحيط بهذا الخط من جهة الغرب محافظة الأنبار، التي يمتلك «داعش» مناطق نفوذ وسيطرة واسعة فيها، فيما يحيطه من جهة الشرق كل من بعقوبة وقضاء طوزخورماتو وكركوك، وهي في غالبيتها مناطق تشهد اضطرابات أمنية بشكل مستمر، إضافة إلى أنّ عدداً منها تعتبر مناطق متنازعاً عليها مع إقليم كردستان، ما يسمح بتشكيل جيوب آمنة تنتشر ضمنها الجماعات المسلحة، وقد تكون من أهم هذه الجيوب مساحة مؤلفة من قرى وبلدات في منطقة تعرف باسم جبال حمرين التي تربط بين محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك.
وتعتبر نينوى واحدة من أهم المحافظات المشار إليها، حيث إنّ موقعها يمثّل مثلثاً تحيطه الأراضي السورية غرباً وبقية الأراضي العراقية جنوباً وإقليم كردستان شبه المستقل شرقاً وشمالاً، المجاور لتركيا.
وفي التفاصيل الميدانية، قال مصدر مسؤول في وزارة الداخلية العراقية إنّ «مجموعات من المسلحين سيطرت على مبنى المحافظة في الموصل وعلى القنوات الفضائية وبثت (فجر أمس) عبر مكبرات الصوت أنها جاءت لتحرير الموصل وأنهم (مسلحيها) سيقاتلون فقط من يقاتلهم».
وأضاف أنّ «أفراد الجيش والشرطة نزعوا ملابسهم العسكرية والأمنية... وأصبحت مراكز الجيش والشرطة في المدينة فارغة، فيما قام المسلحون بإطلاق سراح سجناء» من السجون في المدينة، مؤكداً أن «مدينة الموصل باتت خارج سيطرة الدولة وتحت رحمة المسلحين».
وقال ضابط في الجيش «نحن لا نستطيع أن نهزمهم. لا نستطيع. إنهم مدربون جيداً لخوض قتال الشوارع ونحن لسنا مثلهم. نحتاج إلى جيش كامل لطردهم خارج الموصل»، مضيفاً «إنهم مثل الأشباح يظهرون ليضربوا ثم يختفوا في ثوانٍ».
وقال مصدران بالشرطة ومسؤول في الحكومة المحلية إن «المسلحين اقتحموا ايضاً سجن بادوش ما أدى لهروب أكثر من الف سجين»، مشيرين إلى أن «معظم السجناء ينتمون إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام والقاعدة».
وأفادت مصادر أمنية، بأنّ «المعارك التي تدور في الموصل وصلاح الدين ومن قبلها في سامراء، تمّت عبر مسلحي داعش وحدهم (عراقيون، وعرب، وأجانب) على العكس مما يحدث في الأنبار، إذ بدأ القتال هناك منذ شهرين بمشاركة أبناء العشائر بالمعارك ضد الجيش أيضاً».
وبحسب المصادر، فإنّ «قادة أفغاناً وشيشانيين وعرباً هم من يتصدى لمسؤولية هذه المعارك، بمساعدة مسلحين عراقيين في داعش». وأشارت هذه المصادر إلى ان «معظم هذه المعارك يتم بالتنسيق مع قادة الخط الأول من داعش في سوريا، ويتقدمهم (القائد العسكري لداعش) أبو عمر الشيشاني».
وكان الموقف الكردي ملتبساً، حيث إن رئيس حكومة إقليم كردستان نجيرفان البرزاني قال إنّ بغداد لم تسمح لقوات البشمركة بالتدخل لحماية أهالي الموصل من عناصر «داعش».
وقال البرزاني في بيان «مع الأسف، بسبب فشل الجيش وقوات الأمن العراقية في الدفاع عن أهل ومدينة الموصل، سيطرت مجاميع ما يُسمّى الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش) على المدينة، وهو ما يخلق مخاوف كبيرة، فأهالي الموصل تركوا مدينتهم خشية على أرواحهم وبسبب القصف وانعدام المواد الغذائية»، مضيفاً «لقد بذلنا، خلال اليومين الماضيين، محاولات جمة لإيجاد وسيلة للتعاون في الدفاع عن مدينة الموصل، لكن موقف بغداد لم يكن مساعداً على خلق هذا التعاون».
ومساء أمس، وردت أنباء عن اجتماع بين قيادات «داعش» و«وجهاء الموصل وشيوخ العشائر» تم خلاله التوصل إلى اتفاق تضمن خمس نقاط، وأذيعت بنوده عبر مكبرات الصوت في مساجد المدينة، وأهمها:
ـ حماية دور العبادة وتوفير حماية للمصارف والمؤسسات الخدمية بكل أنواعها وعدم السماح بالعبث بها.
ـ العفو عن عناصر الشرطة المحلية والذين هم من أهل السنة بواقع عفو واحد فقط... وإن عاد يعاقب.
ـ تشكيل لجان لحماية المناطق السكنية والتجارية من عمليات السرقة او النهب.
ـ التأكيد على دور شيوخ العشائر ورجال الدين في إدارة المدينة والعمل على إعادة الأوضاع إلى طبيعتها.
ـ دعوة السكان لفتح محالهم التجارية ومزاولة أعمالهم بشكل طبيعي.
ووفقاً للمعلومات، فقد «عقد الاجتماع بين الدولة الإسلامية والعشائر في جامع الحق في حي الإصلاح الزراعي على نفقة الشيخ عبد الله الحمداني أحد رجال الدين في المدينة».
وبالتزامن مع التدهور الأمني، أمس، قتل 29 شخصاً، على الأقل، في هجمات متفرقة في العراق، بينهم 20 قضوا في تفجير عبوتين استهدفتا مشيّعين وسط مدينة بعقوبة في محافظة بعقوبة، بحسب ما أفادت مصادر أمنية.
تهديد للأمن القومي العراقي
و قال المحلل السياسي العراقي محمد نعناع إنّ «داعش بدأ خطته للسيطرة على الحدود العراقية الشمالية لاستكمال الارتباط عبر منفذ اليعربية بمنطقتي الرقة ودير الزور وتأمين نقل الثقل اللوجيستي والأسلحة إلى محافظات كركوك وصلاح الدين».
من جهته، قال المحلل السياسي والخبير في شؤون الجماعات المسلحة إبراهيم الصميدعي إنّ «داعش» تريد من وراء كل ذلك تفجير «أكثر من فلوجة أو أنبار في عموم المناطق السنية مستفيدة من عدم قدرة الانتشار العسكري من الحد من حركتها بين وداخل المحافظات، (إضافة إلى) زج المدنيين في الصراع عنوة باحتلال أحيائهم السكنية وتشريدهم وجعلهم تحت قصف عسكري مكثف وإجراءات أمنية عمياء تدفعهم بيسر لأخذ جانب داعش».
وأوضح أنّ «داعش تستفيد أيضاً من عدم قدرة ساحة النفوذ السنية بأي حال من الأحوال التصدي لها لكونها منزوعة السلاح ومطاردة عسكرياً وليس لإدارتها لا المحلية ولا العشائرية أي سلطة حقيقية». وقال الصميدعي «تريد (داعش) زج الأكراد بقوة في اشتباك معها ومع السلطة الاتحادية في المناطق المتنازع عليها من خلال استهداف مكثف لمقارهم العسكرية والسياسية».
واختتم حديثه بالقول إنّ «القاعدة نجحت بكل جدارة في إدخال كل السنة في أتون حربها مع دولة أساءت حتى حد اللعنة إدارة الملف الأمني والسياسي في هذه المناطق».
بدوره، اعتبر المحلل المتخصص في الشأن العراقي في مجموعة «اي كي ايه» الاستشارية الأمنية البريطانية جون دريك أن «ما حدث له دلالة بالغة»، محذراً من أن «خسارة نينوى ستخلق ممراً للمسلحين بين الأنبار والموصل والحدود السورية ما سيسهل عملية تهريب الاسلحة والاموال والمسلحين بين جبهات القتال المختلفة».
أما المحلل السياسي عزيز جبر، فقال في حديث إلى وكالة الصحافة الفرنسية، إنّ «سقوط محافظة مثل نينوى يشكل تهديداً خطيراً جداً للأمن القومي العراقي... والمسألة تنذر بكارثة وطنية كبرى، وإذا لم تعالج فستنسحب المسألة نحو محافظات أخرى».
وأضاف أنّ «الجماعات المسلحة تريد إقامة دولة إسلامية وهذه الدولة تريد أن تقتطع الموصل وصلاح الدين والأنبار وديالى في العراق وتضيفها إلى دير الزور والرقة في سوريا، وهذه الأهمية الإستراتيجية لما حدث».
ورأى جبر أنّ «الخطر داهم باتجاه العراق والمنطقة وبعدما تحقق مثل هذا الانتصار على القوات العراقية لا بد أن يقوم إقليم كردستان وجيران العراق بتقديم أي مساعدة لهذا البلد».
حالة طوارئ
وأعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حالة التأهب القصوى في البلاد.
وقال المالكي في مؤتمر صحافي عقده في بغداد إنّ «الحكومة قررت إعلان حالة الإنذار القصوى في العراق وتدعو البرلمان إلى عقد جلسة عاجلة لإعلان حالة الطوارئ في البلاد من أجل مواجهة تنظيم داعش الإرهابي».
وأعلن البرلمان العراقي أنه سيعقد جلسة خاصة يوم غد الخميس لمناقشة طلب المالكي
وأضاف «نطالب الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية بدعم العراق في حربه ضد الإرهاب»، مطالباً أيضاً دول جوار العراق بـ«ضبط حدودها ومنع تسلل الإرهابيين وقطع خطوط إمدادهم».
كما دعا رئيس الوزراء العراقي الجهات الرسمية إلى «دعم همة المواطنين وأبناء العشائر للتطوع وحمل السلاح والاشتراك في العمليات العسكرية لدعم الدولة في حربها ضد الإرهاب».
من جهته، قال رئيس البرلمان أسامة النجيفي، في مؤتمر صحافي في بغداد، إنّ «كل محافظة نينوى سقطت في أيدي المسلحين».
وللإشارة فهذه المرة الأولى التي يعلن فيها مسؤول عراقي عن خروج محافظة بكاملها عن سيطرة الدولة العراقية.
وفي موقف لافت، دعا المرجع الديني السيد علي السيستاني، مساء أمس، الحكومة العراقية والقيادات السياسية إلى توحيد كلمتها للوقوف في وجه الإرهابيين.
وجاء في بيان صادر عن مكتب السيستاني أن «المرجعية العليا تتابع بقلق بالغ التطورات الأمنية الأخيرة في محافظة نينوى والمناطق المجاورة لها. وهي إذ تشدد على الحكومة العراقية وسائر القيادات السياسية في البلد ضرورة توحيد كلمتها وتعزيز جهودها في سبيل الوقوف بوجه الإرهابيين وتوفير الأمن للمواطنين من شرورهم، تؤكد دعمها وإسنادها لأبنائها في القوات المسلحة وتحثهم على الصبر والثبات في مواجهة المعتدين».
واشنطن
واستنكرت الولايات المتحدة اليوم الثلاثاء سيطرة متشددين سنة على مدينة الموصل العراقية وقالت إنها تؤيد «رداً قوياً ومنسقاً لصد هذا العدوان»، وعرضت مساعدة الحكومة العراقية.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين ساكي: «تشعر الولايات المتحدة بقلق شديد إزاء الأحداث التي وقعت في الموصل خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، حيث سيطرت عناصر من جماعة الدولة الإسلامية في العراق (والشام) على أجزاء كبيرة من المدينة. الوضع لا يزال خطيراً جداً».
وأضافت أنّ كبار المسؤولين الأميركيين «يؤيدون رداً قوياً ومنسقاً لصد هذا العدوان... ستقدم الولايات المتحدة كل المساعدة الملائمة لحكومة العراق بموجب اتفاقية إطار العمل الاستراتيجي (بين البلدين الموقع في العام 2008) للمساعدة في ضمان نجاح تلك الجهود».
طهران
من جهتها، دانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية مرضيه افخم بشدة «الهجوم الوحشي للإرهابيين» علي مدينة الموصل، معتبرة أنّ «توسع رقعة الاعتداءات الإرهابية ضد العراق نموذج بارز لخطر الإرهاب الآتي من خارج الحدود».
وأضافت أنه «نظراً إلى التهديد الذي ينطوي عليه الإرهاب علي المستوي العالمي فإنّ الحكومات والأوساط الدولية يجب أن تقف إلي جانب الحكومة والشعب العراقيين في الظروف الحساسة الراهنة». وأعلنت عن دعم بلادها «للعراق حكومة وشعباً في الظروف الراهنة».
محمد جمال
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد