عبد العزيز بن باز: فتوى بإيقاف دوران الأرض
الجمل ـ بشار بشير: الكتاب الذي أنا بصدد مناقشته هو : {الأدلة النقلية والحسية على إمكان الصعود إلى الكواكب وعلى جريان الشمس والقمر وسكون الأرض} هذا اسمه وليس نصه . لمؤلفه مفتي السعوديين عبد العزيز بن باز .
من العبث مقاربة هكذا كتاب بطريقة النقد الجاد سواء الأدبي أو الفكري أو العلمي لذلك سأختار بعض الجمل والعبارات والأفكار منه و أعرضها هنا مع تعليق بسيط مني في بعض الأحيان وسأترك لكم التعليق والحكم على أفكار الكاتب وعلى طريقة تفكيره التي أعتبرها مثالاً على أفكار وعلى طريقة تفكير الكثيرين من أصحاب العلم النقلي ومن يظنون أنفسهم من أصحاب العلم اللدني ومن يظنون أن قراءة الأوراد ومَسك اللطيفية هي الطريق لفهم علوم الفيزياء والكيمياء والفلك والإقتصاد والرياضيات والطب , و للتمكن من الإفتاء في نظام البنوك وطفل الأنبوب و علوم الجينوم , وكيف يصوم رائد الفضاء المسلم وكيف يتوجه للقبلة أثناء مهمته الفضائية (طالما أن بن باز لم يجد مانعاً شرعياً من الصعود للكواكب) .
يبدأ بن باز كتابه بتحذير للعباد من القول بغير علم , مستنداً للكثير من الآيات التي يرد فيها أن لانقول على الله مالا نعلم . ليته كان من العاملين بهذه النصيحة .
الطبعة الأولى من الكتاب كانت عن جريان الشمس والقمر وسكون الأرض فقط و يبدو أنه في الطبعات اللاحقة تمت إضافة إمكانية الصعود إلى الكواكب ويتضح أن هذا البحث أضيف على مضض إذ يحذر بن باز فيه {من الأخذ بأقوال الفسَّاق والكفار والقائلين بغير علم حول خواص الكواكب وإمكانية الصعود إليها , فأقوال علماء الفلك ليست بحجة يعتمد عليها لأنها مبنية على الظن والتخمين لا على قواعد شرعية} !! لكي تكون عالم فلك يؤخذ بأقوالك يجب أن تكون متخصصاً قبل الفلك بحاشية ابن عابدين و بكتاب الترغيب والترهيب ولا مانع من الأخذ ببعض فتاوى بن باز لزيادة المنفعة الفلكية . وعلى مضض كما أسلفت لا يجد بن باز في الشرع ما يمنع هذا "الصعود " وإن كان يستبعده لأن من سيحاولون ذلك سيجدون رجوماً و شهباً و شواظاً من نار ونحاس , وتقديري للموضوع أن بن باز أضاف هذه الفقرة تحت الضغط لأن " الصعود " إلى القمر إنجاز للأمريكان انتصروا به على السوفييت الملاحدة لذلك لابأس من أن ندعم انتصارهم بدل من أن نجعله من المحرمات .
ثم يدخل بن باز في الموضوع الأساس أي جريان الشمس والقمر وثبات الأرض (بالنسبة له الجرم الأساسي بالكون هو الأرض ثم القمر والشمس ثم بقية الأجرام التي تلعب دور الكومبارس والزينة) فيبدأ من حيث يجب أن ينتهي فيقول : {قد دل القرآن الكريم والأحاديث النبوية وإجماع علماء الإسلام والواقع المشاهد أن الشمس جارية في فلكها وأن الأرض ثابتة قارة قد بسطها الله لعباده وجعلها فراشاً , وكل من قال بغير هذا وكذب الله أو كتابه أو رسوله فهو كافر ضال مضل , يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافراً مرتداً ويكون ماله فيئاً لبيت مال المسلمين , كما نص على مثل هذا أهل العلم} .
لاحظوا أنه لتكونوا من أهل العلم بالنسبة لبن باز وأمثاله يجب ان تقتنعوا بتماهي آرائكم وتفاسيركم مع النص المقدس و تنصوا على قتل كل من يخالفها ويخالفكم , لذلك فهم لا يعتبرون " المشتغلين " بالفلك والفيزياء والطب وغيرها من العلوم علماء يعتد بهم . والعلم يكون أن تبدأ من نهاية الموضوع تفرض رأيك ورؤيتك وتكفر من خالفك و تطلب منه أن يتوب وإلا فالقتل .ويلح علي سؤال خارج الموضوع هنا لماذا إستحلال الأموال بعد القتل أليست هذه بعقوبة لورثة قد يكونوا من المقتنعين بالقواعد الشرعية وبأفكار ابن باز وابن عبد الوهاب .
بعد هذه البداية الحاسمة الجازمة الرادعة لاأعرف لماذا يُتعب بن بازنفسه بإيراد ما يفحمنا من الإثباتات التي تدل على سكون الأرض ومنها : {ولو كانت الأرض تدور كما يزعمون لكانت البلدان والجبال والأشجار والأنهار والبحار لا قرار لها , ولشاهد الناس البلدان المشرقية في المغرب , والمغربية في المشرق , ولتغيرت القبلة على الناس حتى لا يقر لها قرار , وبالجملة فهذا القول فاسد من وجوه كثيرة يطول تعدادها . أما إنكار جريان الشمس فلا ريب في كفر قائله للأدلة الصريحة القطعية في ذلك} . هو هنا لا يعني على الإطلاق جريان الشمس بمعنى حركتها مع المجرة كلها وسفرها ضمن الكون .
شرح سريع مني لأقوال بن باز : هل ترون الملابس في الغسالة عندما تدور ما يحصل لها , هذا كان حالنا على الأرض لو أنها تدور , لكنا تلخبطنا وتلحوشنا ولم يقر لنا قرار .
أما جريان الشمس فيؤكد بن باز بأنه رآى حركتها بنفسه في السماء قبل أن يفقد بصره , وهو مقتنع بتأكيد البخاري لحركتها على لسان الرواة الذين نقلوا أن الشمس تذهب بعد أن تغرب فتسجد تحت العرش تستأذن أن تعود فيكاد لا يؤذن لها . يعني الدنيا مقتصرة عند هؤلاء على جزيرة العرب واليمن والشام , هم من تشرق الشمس عليهم وعندما ينتهي عملها عندهم تذهب لتبيت فلا أقوام أخرى في أطراف الأرض أو على المقلب الآخر من الأرض يجب أن تشرق عليهم الشمس .
طبعاً أساس البراهين التي يعتمد عليها بن باز لإثبات آرائه هي الآيات القرآنية التي يصر على إدخالها في موضوع لا يجب إدخالها فيه , ثم يصر على تفسيرها بما يدعم وجهة نظره غافلاً عن مدى الإساءة التي يلحقها بالقرآن إذا ثبت خطأه , كما هو حاصل في موضوعنا هذا . ورغم أنه يستشهد ببعض الشيوخ الذين يقولون ما معناه أن جريان الشمس االمقصود في القرآن هو سبحها في الكون الفسيح وليس المقصود به طلوعها من الشرق و غروبها من الغرب , لكن بن باز يتجاهل هذا القول لصالح الإصرار على فكرته .
مماورد في الكتاب : {ولو فرضنا أن علماء الفلك اتفقوا فإتفاقهم ليس بحجة لأنه غير معصوم , وإنما الإجماع المعصوم هو إجماع علماء الإسلام الذين توفرت فيهم شروط الإجتهاد} يعني لا حدى يتفلسف علينا , لا رأي ولا حجة إلا لبن باز وأشباهه من كاملي المعرفة المعصومين , المؤمنين بسكون الأرض وعدم حركتها وجريان الشمس .
كما كتب : {أما بعد فإنه لما شاع بين كثير من الكتاب والمدرسين والطلاب القول بان الشمس ثابته والأرض دائرة , كتبت في ذلك مقالاً يتضمن إنكار هذا القول وبيان شناعته ,وذكر بعض الأدلة النقلية والحسية على بطلانه وغلط قائله} لاحظ بأن القول شاع بين الكتاب والمدرسين والطلاب وليس بين العلماء .
وتُلخِص الكتاب الفكرة التالية : {وهكذا علماء الإسلام المعروفون المعتمد عليهم في هذا الباب وغيره قد صرحوا بما دل عليه القرآن الكريم من كون الشمس والقمر جاريين سائرين في فلكهما .. وأن الأرض قارة ساكنه قد أرساها الله بالجبال .. فمن زعم خلاف ذلك وقال أن الشمس ثابته لا جارية فقد كذب الله وكذب كتابه الكريم .. وكل من قال هذا القول فقد قال كفراً وضلالاً لأنه تكذيب لله وتكذيب للرسول (ص) لأنه صرح أن الشمس جارية وأنها إذا غربت تذهب وتسجد بين يدي ربها تحت العرش كما ثبت في الصحيحين} . هذه طريقة التفكير المسؤولة عن مآسينا , ففهم بن باز وتفسيره للقرأن أصبح جزءاً مقدساً من القرآن نفسه لا يجوز مناقشته , وكذلك فإن الأحاديث المنقولة بالعنعنة تحوز نفس القدسية ولا ينقضها أي دليل حتى لو كان أن نرى بأعيننا أن الأرض تدور وتسير في فلكها . مالحل مع هذه العقول وكيف السبيل للوصول إلى الحقيقة معها وما حالنا ومآلنا ومجتمعاتنا تحت سطوة وتأثير من يفكرون بهذه الطريقة .
كل سطر في هذا الكتاب (بما يعبر عن طريقة تفكير الكاتب وليس أفكاره التي لا تستحق النقاش) ينوس ما بين الكارثة وبين النكته السوداء ولو في المكان متسع لأمكنني أن أنقل لكم الكثير مما يصدم أي ذو عقل .
لا يجد بن باز غضاضة في الإستشهاد بعلماء الغرب (الكفار) إذا كان في أقوالهم ما يدعم حجته فيورد بعض أقوالهم على الشكل التالي { يقول (بوانكاريه) أنه لا يوجد لدينا دليل حسي على دوران الأرض, ولكن لدينا أدلة غير حسية لا تحصى , وكلها تختص بالعلوم الرياضية ,ولا يدرك مكانها من القوة إلا الراسخون في الرياضيات , ولذلك ضربنا عنها صفحاً} أولاً من هو (بوانكاريه) بلا صغرة ثانياً يا لجودة تفكيره هو وبن باز , إذا كانت البراهين يدركها فقط الراسخون بالرياضيات ولا يدركها بن باز و زملائه تسقط ولا يعتد بها ويُضرب عنها صفحاً , وتظل الأرض ثابته لا تتحرك فهذه البراهين أضعف من أن تحركها .
ينقل بن باز أكثر إستشهاداته بالغربيين عن كاتب أسمه محمد فريد وجدي له كتاب مشهور (حسب بن باز) اسمه : (الإسلام في عصر العلم) ويرد في هذا الكتاب ما يلي : {كتب المسيو درومون (أيضاً من هو درومون بلا صغرة) في جريدة (ليبربارول) الباريسية في 9 يناير الماضي يقول : لم يقم الدليل للآن (القرن العشرين) على صحة دوران الأرض كما كان يزعم (جاليليه) ... وهذا المسيو (بوانكاريه) أكبر علماء الهندسة والطبيعة الفرنساويين لم يجزم للآن بدوران الأرض) . لم يكن ينقصنا مع بن باز إلا ابن فريد وجدي , من هو درومون وهل هناك جريدة اسمها ليبربارول وما علاقتها بالعلوم والفلك ومن هو بوانكاريه وما علاقته كعالم بالهندسة (إذا كان فعلاً كذلك) بعلم الفلك والأجرام السماوية وهل يوجد حقاً علماء في هذا الزمن يكذبون دوران الأرض وحركتها أم أن ابن وجدي اخترعهم من عنده لزيادة إقناعنا بآرائه التي اقتنع بها بن باز حيث ينقل عنه :{ثم نقل الكاتب الشهير محمد فريد وجدي عمن سماه بالأستاذ الفلكي الطائر الصيت الذي يعد أول رياضي الآن في البلاد الفرنساوية كلاماً مسهباً في الرد على القول بدوران الأرض قال في آخره ما نصه :ومن هنا ترى تأكيدهم أن الأرض تدور لا معنى له لأنه لا يوجد ما يثبته بالتجربة} . هل هناك تعليق مناسب على مثل هذا االكلام غير : هاهاهاهاها .
أستاذ طائر الصيت لا داعي لتسميته وكلام مسهب لا داعي لذكره ولا للتدقيق في مرجعيته ورأي غريب جاهل يجب أن نأخذ به لأن بن باز وقبله بن وجدي مقتنع به ويستشهد به على طريقة (آلولو) . وطريقة عجيبة بالإستدلال تأخذ برأي فرد لأنه يوافق آراءنا وتترك إثباتات جمهور العلماء وتجاربهم .
والمحبط أن من يكتب بهذه الطريقة لم يجد غضاضة في أن يسمي كتابه (الإسلام في عصر العلم) متجنياً على الإسلام والعلم وعلينا .
كم هو صعب ومؤلم وكوميدي أن نضطر لمناقشة هكذا أفكار في هذا الزمن , كم يحس ذو العقل بالعدمية عندما يرى ويقرأ ما يخطه بعض من يسمون أنفسهم علماء لهم مقاعد للإفتاء و للتعليم و للتأثير على مجتمعاتهم . بن باز مثلاً لقبه الرسمي : الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد . ونِعم البحوث العلمية , ونِعم الفكر المنفتح الذي يؤتمن على البحث العلمي وغير العلمي , ونِعم طريقة النقاش المقنعة التي أول ما تبدأ بالتكفير والقتل وإستباحة الأموال , ونِعم الكتاب من أول عنوانه حتى نهاية ذكر ألقاب كاتبه , كتاب لم أعرف كيف أقاربه هل أعرضه أم أنقده أم اضحك عليه أم على حالنا أم أبكي .
في حياة بن باز في السعودية لم يراجعه أحد فيما كتب بل تم تعديل مناهج التدريس لكي تبتعد عن ذكر كروية الأرض ودورانها إرضاءً له . هذا وقد تم مؤخراً منح جائزة شخصية العام الثقافية لمعلم وملك بن باز .
التعليقات
بلا مسخرة
تجربة نواس فوكو خير دليل (حسي
الاسلام كأي دين نظام معرفي
رد على السيد سامي 1987
إضافة تعليق جديد