عرب ما بعد النفط
لماذا لا تتولى الدول العربية المنتجة للنفط تكريره وبيعه مكررا, عوضا عن بيعه بأسعار رخيصة ثم استيراد مشتقاته بأسعار مضاعفة؟ السؤال حملناه الى الامين العام السابق لـ«أوابك» الدكتور علي عتيقة, في اطار حديث حول اسلحة العرب في المعركة, وكان هذا الحوار:
€ ما هي التحولات التي شهدتها المنطقة بعد اكتشاف النفط؟
اكتشفت كميات محددة في البداية في كل من البحرين والعراق, ولم تصل الكميات المكتشفة إلى مستوى ذي أهمية الا بعد الحرب الكونية الثانية, كما ان جل البلاد العربية كانت مستعمرة ومجزأة. وقد مرت المنطقة بمراحل عديدة منذ اكتشاف النفط حتى أواخر ستينيات القرن الماضي, ذلك أن العائدات كانت محدودة, فالسعودية على سبيل المثال كانت تعاني عجزاً في ميزانيتها حتى العام 1965, وكان العراق البلد العربي الأول الذي أدرك أهمية النفط وتحويله إلى تنمية خلال العهد الملكي عندما أسس مجلس الاعمار كأول مؤسسة تنموية عربية وسن قانونا يخصص 70€ من العائدات النفطية للتنمية. كما أن ليبيا اهتمت هي الأخرى بالنفط المكتشف في العام 1959 وخصصت ايضا 70€ من عائداتها للتنمية, غير أن انتاج النفط بدأ في العام 1961, ولم تصل العائدات آنذاك إلى 50 مليون جنيه استرليني الا في العام 1965 ومع ذلك اعتمدت الخطة الخمسية الأولى في العام 1963 والثانية في العام 1969 أي قبل ثورة الفاتح ببضعة أشهر.
وأستطيع القول إن عددا من الدول العربية اهتم بتحويل الثروة النفطية إلى تنمية مبكرا, لكن ما حصل هو انتقال المنطقة إلى مرحلة التقلبات السياسية بما فيها من انقلابات وخلافات عربية عربية, ثم جاءت الصدمات الكبرى التي شلت التعاون العربي الذي بدأ مطلع سبعينيات القرن الماضي, وأهمها انفراد مصر بإقامة علاقات مع إسرائيل بعد توقيعها معاهدة كامب ديفيد, وأدى ذلك إلى اضعاف الجهد العربي المشترك. كما جاءت الحرب العراقية الإيرانية والتهمت الأخضر قبل اليابس, وحولت العراق ودول النفط في الخليج من دول الفائض النفطي إلى دول العجز والمديونية, ثم حدث انهيار اسعار النفط في العام 1989, وتبع ذلك غزو العراق والكويت في العام 1990, الأمر الذي قصم ظهر الهيكل العربي المشترك وأصبحت الثقة معدومة بين الأنظمة العربية, وكل ذلك أدى إلى ضعف قدرة العرب اقليميا وقوميا على الافادة من الثروة النفطية بالقدر المطلوب.
€ هل هناك علاقة بين المشروع الصهيوني في فلسطين والسياسات النفطية؟
كثير من المراقبين يقولون ذلك, ربما يتصور البعض أن هناك خططاً للمشروع الصهيوني بغض النظر عن وجود النفط أو عدمه, فالصهيونية ظهرت وقويت شوكتها في فترة التجزئة والاستعمار الأجنبي للمنطقة العربية. ولا أحد ينكر أن الغرب يستفيد من وجود إسرائيل كقاعدة متقدمة له في المنطقة العربية الحيوية في استراتيجيتهم وهناك منافع متبادلة بين الطرفين. وما سهل مهمة إسرائيل هو الانحياز الأميركي التام لها مع المحافظة على مصالحها في الدول العربية في آن واحد .واسرائيل فرضت فرضا على المنطقة, وهي غير راغبة في سلام دائم وعادل لا مع الفلسطينيين ولا مع العرب.
€ بشكل عام هل النفط نعمة أم نقمة؟
النفط ثروة ثمينة لها مركز استراتيجي في الاقتصاد الدولي, وكأي ثروة يمكن أن تتحول إلى نعمة او نقمة حسب استخدامها, وان انعدام السياسة التنموية السليمة وتبذير الثروة النفطية الموقتة يحولها بالتأكيد إلى نقمة. في الوقت نفسه, فإن حسن استعمالها واعتبارها جسرا إلى مرحلة ما بعد النفط يجعل منها نعمة كبيرة, وهنا لا بد من الاشارة إلى أن التعاون والتكامل العربي شرطان أساسيان للافادة القصوى من الثروة النفطية, اذ ان الأقطار العربية المجزأة يصعب عليها استيعاب عائدات النفط أو أن تعمل على تصنيع النفط بسبب ضيق أسواقها ومحدودية الوعاء الاستثماري المجدي في كل قطر على حدة, وعليه فإن هذه العائدات تذهب إلى العقارات والاسهم وكلاهما عند ارتفاع أسعارهما لا تعدان زيادة في ثروة البلد ككل, وانما هي اموال تنتقل من المشتري إلى البائع من دون زيادة في الانتاجية أو قدرة البلد على المنافسة الاقتصادية.
€ هل التنمية التي أحدثها النفط تنمية مستدامة أم أنها موقتة ترتبط بوجوده؟
هناك نوعان من التنمية, مستدامة يستطيع النفط مساعدتها وتتمثل في ما يتم استثماره في تنمية القوى والمهارات البشرية, والأبحاث العلمية وتطوير التقنية والمعلوماتية والمعرفة والقدرة على الابداع والحكم الرشيد والادراة الحسنة. كل ذلك يؤدي إلى تنمية مستدامة في ادارة الموارد كالمياه والطاقة والبيئة. أما ما ينفق من أموال النفط على المظاهر العمرانية أو دعم الإنتاج المكلف غير الاقتصادي في دول نفطية عدة, فإن ذلك ليس تنمية مستدامة لأنه مرتبط باستمرار النفط وقد لا يستمر بعد نضوبه.
€ ما الاحتياطي النفطي الموجود في منطقتنا وهل تنجح محاولات ايجاد البدائل له؟
يبلغ احتياطي النفط الموجود في المنطقة نحو 670 مليار برميل ويشكل ذلك 60€ من الاحتياطي العالمي, وهو الاحتياطي القابل للانتاج, أما الذي يحتاج إلى تقنيات جديدة لزيادة نسبة الاستخراج من الحقول فهو أكبر من ذلك بكثير. وتميز الاحتياطي النفطي العربي بأنه كان في سبعينات وثمانينيات القرن الماضي في ازدياد, ومع ذلك فإنه سينضب يوما وربما خلال هذا القرن. وهناك دول لديها احتياطي نفطي يكفي لأكثر من 200 عام بمعدل الإنتاج الحالي ,الا أن نضوب النفط في الدول الأخرى سيتطلب منها ضخا أكبر من نفطها لتلبية المطالب العالمية بما يقلل من عمر النفط لديها. أما ما يتعلق بالبدائل فانها لم تزد من مساهمتها في استهلاك الطاقة لأكثر من 10€ باستثناء الطاقة النووية. ومع هذا لا بد من تقليل الاعتماد على النفط بتنويع مصادر الدخل وزيادة الاستثمار في بدائل الطاقة, لان الأجيال المقبلة ستجد نفسها من دون نفط ولا بدائل. وتتطلب الطاقة الشمسية معدات وتقنيات لتحويلها إلى طاقة كهربائية, ويصعب تطوير التقنية اللازمة من دون سوق عربية مشتركة للطاقة, لأن انتاجها يحتاج الى استثمارات كبيرة لا يبررها الا وجود سوق يستوعب الإنتاج الكبير.
حاليا يجرى استيراد هذه المعدات من السويد على سبيل المثال, وهذا يعني أننا نعتمد على الطاقة من السويد على الرغم من توفر ايام الشمس الحارقة في اوطاننا, وعندما كنت في «الأوابك» دعوت مراراً إلى ذلك, سواء ما يتعلق بالأقراص الشمسية حتى معدات تسخين المياه, ذلك أن كل بلد أصبح ينتج هذه المعدات لوحده, وللأسف لم يتم خلق كتلة حرجة لانتاجها بأسعار منافسة لما يتم استيراده من الخارج.
€ بصراحة, هل افاد العرب من نفطهم؟ ولماذا أصبح سعر ليتر الماء أعلى من سعر ليتر النفط؟
نعم, الافادة موجودة, لكنها متباينة من قطر الى آخر. فمستوى التعليم والخدمات الصحية والبنية التحتية في الدول النفطية لا يقارن بمرحلة ما قبل النفط, أي لولا النفط لما حصلت هذه الطفرة. وقد خلقت دول الخليج هذه البنية التحتية من العدم, بخلاف الدول العربية الأخرى التي ورثت بعض التحتية من الاستعمار. والافادة المثلى من النفط لن تتأتى الا من خلال تعاون عربي مشترك, يزيل الحواجز الجمركية والبشرية بين الأقطار العربية, وان يتم السماح للشعوب أن تتحرك عبر الحدود بحرية, وكذلك فان اقامة سوق عربية مشتركة بعد شرطا أساسيا للافادة من الثروة النفطية.
أما ما يتعلق بالمياه فإن مخزونها شحيح أصلا في المنطقة العربية وسعرها في ازدياد, وهنا تأتي أهمية الاهتمام بالطاقة الشمسية, فلو نجحت التقنية للازمة لتحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية, بكلف معقولة, فانه سيصبح بالامكان تكرير كميات هائلة من مياة البحر المتوافرة في كل الشواطىء العربية, اذ ان الدول العربية كافة لديها منافذ على البحر, لكن العائق أمام الدول غير النفطية في هذا المجال هو تكلفة الطاقة. وهذا يعني أن تكلفة التحلية تصبح ممكنة مع وجود الطاقة الشمسية. والمطلوب للتغلب على شح المياه ترشيد الاستهلاك والحد من زراعة المنتوجات التي تستهلك كميات كبيرة من المياة مثل الموز والطماطم وغيرها من المنتوجات المماثلة.
€ لماذا استبيحت مؤسسات الدولة العراقية كلها من قبل الاحتلال فيما تم وضع قوات حراسة مشددة على وزارة النفط؟
ليس سرا أن هدف الأميركيين هو تدمير العراق القائم وخلق عراق جديد بتصور أميركي تكون الثروة النفطية فيه مصانة, وبالتالي فان ما جرى ليس غريبا في ما يتعلق بالنفط, بينما تم استباحة كل شيء في العراق. وهنا لا بد من التذكير بان احتلال أميركا للعراق لم يكن السبب أسلحة الدمار الشامل أو نشرالديمقراطية وليس خفيا على أحد أن الوضع الحالي في العراق محزن. فأميركا لم تأت إلى العراق بنيات حسنة, ومن كان يعتقد ذلك, فانه يرى انها فشلت, أما من كان يعتقد مثلي عكس ذلك, فيرى أن اميركا نجحت. ومجمل القول ان سياسة أميركا في العراق مدفوعة بالتفكير الإسرائيلي في المنطقة.
€ ألا يمكن استخدام النفط كسلاح؟
لقد تم استخدام النفط كسلاح في العام 1973, وكنت شاهدا على ذلك, لكن تبين أخيرا أن النفط لا يصلح كسلاح الا اذا كان السلاح الحقيقي المستخدم في الميدان له القدرة على الصمود. وما حصل يومذاك من فرض حظر نفطي على أميركا تمثل في خفض الإنتاج حتى يتم انسحاب اسرائيلي من المناطق العربية المحتلة وهي الضفة الغربية وغزة والجولان وسيناء وأجزاء من جنوب لبنان لكن ما حصل عند وقف اطلاق النار هو أن الإسرائيليين وصلوا إلى الكيلو 101 من القاهرة ويالتالي تحول سلاح النفط إلى هدف مضاد, وأصر وزير خارجية أميركا آنذاك هنري كيسنجر على عدم النظر بفك الاشتباك المصري الإسرائيلي الا بعد رفع الحظر النفطي العربي, وجاءت مصر أولا تبعتها بعد أشهر سوريا تطالبان برفع الحظر النفطي العربي عن اميركا, وعليه أصبح نفطنا سلاحا في ايديهم وليس بأيدينا.
€ لماذا تكثف أميركا من استيراد النفط من الخارج وتبقي على مخزون تحت الأرض؟
نقص المخزون الأميركي الاستراتيجي مؤخرا 11 مليار برميل, فبعد أن كان 40 مليار برميل, أصبح الآن 29 مليارا, وهم يستهلكون يوميا نحو 21 مليون برميل وينتجون منها ستة ملايين ويستوردون الباقي. وهناك المخزون الاستراتيجي ووكالة الطاقة الدولية التي تأسست في العام 1974 في باريس بقيادة أميركا وهي تشرف على ادارة المخزون الاستراتيجي في الدول الأعضاء وعددها 24 دولة صناعية بعضها منتج للنفط. ويبلغ المخزون الاستراتيجي نحو 2 مليار برميل في الدول الصناعية التي تشرف عليها وكالة الطاقة ويتم استخدامها بشكل مشترك حسب الحاجة. وكذلك المخزون العائم الموجود في ناقلات النفط في أعالي البحار وهو أقل من المخزون الاستراتيجي. وتكمن أهمية هذا المخزون في اعتمادهم عليه, ورغبتهم في تخفيف شرائهم من النفط الخارجي أحيانا مما يؤدي إلى انهيار أسعاره, وهو ورقة في يد المستهلكين, ولذلك فان من مصلحة الدول المنتجة عدم تزويد الدول الصناعية بالنفط من أجل زيادةالتخزين فقط. وما يجرى حاليا بالنسبة الى ارتفاع سعر النفط ان هذا الارتفاع جاء بسبب المخزون الاستراتيجي وزيادة استهلاك الصين والهند بالدرجة الأولى.
€ لماذا لا تقوم الدول النفطية العربية بتكرير النفط بدلا من بيعه بالرخص واستيراد مشتقاته بأسعار مرتفعة؟
تقوم الدول العربية بتكرير ما بين 5,5 6 ملايين برميل نفط يوميا للاستهلاك المحلي, وما يحصل أن هناك فائضا عربيا يتم تصديره للدول الصناعية, ومن يعانِ عجزا يستورده. لقد سعينا في «الأوابك» لجمع معلومات عن الفائض والعجز وتشجيع تجارة المحروقات بين الدول العربية لكن الخلافات العربية العربية عوقت ذلك. ولعل الناحية المضيئة في الوطن العربي هو وحدة اليمنيين في هذا الجو العربي المظلم, وقد حاولنا ابان التجزئة اقناع المسؤولين في كل من صنعاء وعدن بأن يتم تكرير النفط الكويتي المصدر إلى مصفاة عدن ويتم بيع منتجاته في اليمن الشمالي وكان ذلك في 1981 1982, ووجدنا رفضا مطبقا من الطرفين, فلا الجنوب قبل أن يبيع الشمال ولا الشمال قبل أن يشتري من الجنوب, لكن المشكلة تم حلها بوحدة اليمنيين والحمد لله على فضله في كل الأحوال.
أسعد عزروني
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد