الربيع العربي من عباءة غوغل و فيسبوك
الجمل ـ *أولسون غانير ـ ترجمة رنده القاسم:
خلال الربيع العربي 2011 ، كان واضحا لأولئك الذين كلفوا أنفسهم عناء التفكير أن حكومة الولايات المتحدة و أسلحة "القوة الناعمة" المتنوعة المرتبطة بها كانت مسؤولة بشكل مباشر عن الذي قيل في البداية أنه انتفاضة عفوية على امتداد المنطقة.
و في نهاية المطاف، تم الاعتراف من قبل صحيفة New York Times بالأمر، الذي اعتبر بداية "نظرية مؤامرة"، و المتعلق بكون الانتفاضة مدعومة من قبل الولايات المتحدة. و ذلك في مقال نشر في نيسان 2011 تحت عنوان "مجموعات أميركية تساعد في تغذية الانتفاضات العربية" و جاء فيه:
"تلقى عدد من المجموعات و الأشخاص المتورطين بشكل مباشر في الثورات و التغييرات التي تكتسح المنطقة ( بما فيهم حركة شباب 6 نيسان في مصر، المركز البحريني لحقوق الإنسان ،و نشطاء من الناس العاديين مثل انتصار قدحي ، قائدة الشباب في اليمن) التدريب و التمويل على يد مجموعات مثل المعهد الجمهوري الدولي و المعهد الديمقراطي القومي و مؤسسة بيت الحرية ، و هي منظمة حقوق إنسان غير ربحية مقرها واشنطن، و ذلك وفقا لمقابلات جرت خلال الأسابيع الأخيرة و برقيات دبلوماسية أميركية حصل عليها موقع ويكيليكس .
و ذهبت New York Times لحد الاعتراف بروابط مباشرة بين المنظمات المذكورة أعلاه و بين كل من الكونغرس الأميركي و الإدارة الأميركية، و ورد في المقال: " حضر بعض قادة الشباب المصري اجتماعا تقنيا عام 2008 في نيويورك، و هناك تعلموا كيفية استخدام الشبكات الاجتماعية و تقنيات الهاتف المحمول من أجل تعزيز الديمقراطية، و من بين رعاة الاجتماع : فيسبوك ، غوغل، MTV، كلية الحقوق في كولومبيا، و الإدارة الأميركية".
و اجتماع 2008 لم يكن الوحيد، و كما تبين فإن دور فيسبوك و غوغل في تجهيز الأرضية للربيع العربي ، و ذلك حرفيا قبل اندلاع الاحتجاجات "العفوية" بسنوات، كان أكثر تعقيدا من مجرد رعاية حدث وحيد في نيويورك.
هيلاري كلينتون، التي كانت وزيرة الخارجية الأميركية مع بدء الربيع العربي و خلال الفترة التي سبقته و أدت إليه، حضرت عبر تقنية الاجتماع عن بعد واحدا من تلك "اللقاءات التقنية" التي أشارت إليها باختصار New York Times. كما و حضر اللقاءات عاملون في الإدارة الأميركية و في غوغل و فيسبوك. و كان من بين الحضور أعضاء من وسائل الإعلام الأميركية. بكلمة أخرى، لم يكن الحدث برعاية حكومة الولايات المتحدة و هذين العملاقين التكنولوجيين فحسب ، بل و تم أيضا تنظيمه و توجيهه من قبلهم.و برنامج الحدث يجعل هذا الأمر واضحا بشكل كبير.
و الهدف بوضوح هو خلق شبكة موحدة تجمع توجيه الإدارة الأميركية مع القدرات التقنية لعمالقة في مجال التكنولوجيا مع تأثير وسائل الإعلام الأميركي و ذلك من أجل ابتلاع فضاء المعلومات عندما يحين وقت تفتح الربيع العربي. و تم الابتلاع و سقطت حكومات تونس و مصر و اليمن و ليبيا، مع اندلاع العنف و الحرب في الثلاث الأخيرة، بينما لا تزال سورية حتى هذا اليوم غارقة في عنف بدء إثر عملية 2011.
و مؤخرا تسربت رسائل الكترونية تعود لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، تكشف تفاصيل أكثر عن مدى التقارب بين عمالقة التكنولوجيا و الحكومة الأميركية، بل و يمكن القول بأنهم امتداد للحكومة.
و نشر مقال في CBS تحت عنوان :"رسائل كلينتون الالكترونية تظهر العلاقة الوثيقة بين الإدارة و غوغل" جاء فيه:
" الإطلاق الأخير لرسائل أرسلت من و إلى البريد الالكتروني الخاص بهيلاري كلينتون يكشف عن علاقة وثيقة بين غوغل و الإدارة الأميركية.و تشير رسالة عام 2012 من مدير الخطط في غوغل جاريد كوهين ، و الذي كان يعمل سابقا مستشارا لكلينتون، إلى أن غوغل تريد تقديم الدعم لأولئك المنشقين عن جيش الرئيس السوري بشار الأسد.
كما و تظهر أيضا أنه قبل اطلاق حملة "تقفي أثر المنشقين" أراد كوهين من الإدارة الأميركية منح الثقل للفكرة و تزويده بالنتائج"
و لا يكشف التسريب عن ما يبدو أنه باب دوار بين عملاق التكنولوجيا و الإدارة الأميركية فحسب، بل و يفضح أيضا حقيقة أن غوغل ، و بغض النظر عمن يعمل و أين، كانت تعمل بشكل ترادفي مع الإدارة الأميركية. و في الواقع كان اسم كوهين مدرجا في برنامج الحدث المذكور أعلاه ضمن هيئة التخطيط السياسي في مكتب وزير الخارجية، ما يعني أنه قبل انتقاله ل غوغل كان يعمل مع غوغل لتقويض عدد من الحكومات الأجنبية، و استمر في القيام بذلك بعد انتقاله من الحكومة إلى القطاع الخاص.
غوغل و فيسبوك لا يزالان متورطان بشدة في حرب المعلومات من أجل حكومة الولايات المتحدة و المصالح الخاصة التي تخدمها. و كذلك الإدارة الأميركية لا تزال منهمكة في هدم دول أجنبية عن طريق تجنيد و تدريب و تزويد و توجيه عملاء من الدول المستهدفة.
فعلى سبيل المثال، أعربت فيسبوك عن خططها من أجل جلب كل من على الأرض إلى شبكة الانترنت، و هذه المهمة التي تبدو إنسانية ما هي سوى محاولة لجعل العالم كله على موقع الفيسبوك، و الذي يستطيع وفقا لأنظمة الحلول الحسابية و قدراته في الرقابة على حظر أو حذف حسابات، ما يعني أنه فعليا يسيطر على ما يراه العالم و ما لا يراه.
الدول ذات النظرة الأبعد ، مثل روسيا و الصين، أدركت هذه الحقيقة المتعلقة بمعركة القرن الواحد و العشرين، و ردت على الأمر بخلق نسخها المحلية من غوغل و فيسبوك. و بدأ سباق التسلح بين هذه الخدمات المتنافسة في مجال الوصول و القدرات و المتعلق بكل شيء بدءا من الإدراك العميق للمعلومات المزيفة وصولا إلى القدرة على السيطرة و التأثير على تدفق المعلومات ضمن حدودها و ما بعدها.
و بدأ ظهور منظمات تقنية غير حكومية بتمويل من الولايات المتحدة، إلى جانب المتعاونين التقليدين الممولين من الولايات المتحدة ، حول العالم اختصت بإقامة الكثير مما يشبه ورشات العمل الموجهة بشكل أساسي من قبل الإدارة الأميركية غوغل و فيسبوك و ذلك قبل الربيع العربي. و بالنسبة لأمم غير مدركة لذلك أو غير قادرة على الرد على هذا التهديد، يمكن مقارنه هذا بإدخال سلاح حربي جديد إلى المعركة مع عدم امتلاك الطرف الآخر وسيلة دفاع أو أي شيء من أجل الرد.
و هذا التهديد يزداد، مع كون "حرب المعلومات" تزداد قوة مع التقدم الحاصل في تكنولوجيا المعلومات. و الولايات المتحدة تستخدم علنا تقنية المعلومات لزيادة طموحاتها الرامية للسيطرة على العالم، و ذلك مع تسرب رسائل الكترونية تؤكد الأمر الذي شك به الكثيرون . و الشيء الأكثر إثارة للقلق هو أن المساهمات و التقنيات المستخدمة الآن لم تكشف أو تتسرب بعد.
و بالنسبة للدول حول العالم، فإن رفع مستوى التعليم في مجال تكنولوجيا المعلومات و الخطر الذي تشكله يمكنه أن يساعد على وقاية شعوبها من الطبيعة الساحقة للعمليات المدعومة من الخارج مثل الربيع العربي. مع خلق و رعاية قطاع تكنولوجيا معلومات محلي و تجنيد المواهب قبل قيام الولايات المتحدة بذلك، أي خلق خدمات منافسة مثل VK الروسية و Baidu الصينية، و هي لا تخدم فقط من أجل تحسين الاقتصاد في البلد فحسب، بل و أيضا تعمل كدعامة هامة من الأمن القومي في القرن الواحد و العشرين.
*محلل جيوسياسي و كاتب مقره في نيويورك
عن مجلة New Eastern Outlook الالكترونية
الجمل
إضافة تعليق جديد