انجازات الغرب العظيمة في الهمجية و الدمار

01-10-2016

انجازات الغرب العظيمة في الهمجية و الدمار

الجمل ـ* فانسينت ايمانويل ـ ترجمة رنده القاسم: على امتداد السنوات الأخيرة و  شعوب العالم تتساءل : "من أين أتت داعش؟"... و تنوعت الإجابات ، و لكن معظمها تركز على أسباب جيوسياسية (هيمنة الولايات المتحدة) أو دينية (الشيعة و السنة) أو إيديولوجية ( الوهابية) أو بيئية ( بيئة اللاجئين ) . و الكثير من المعلقين، بل و حتى مسؤولين عسكريين سابقين ، افترضوا بشكل صحيح أن الحرب في العراق هي المسؤولة في المقام الأول على إطلاق القوة التي نعرفها الآن باسم الدولة الإسلامية في العراق و الشام، أو داعش أو ......
و في الأسطر التالية سأضيف بعض الملاحظات و الحكايا المفيدة.
عندما كنت متمركزا في العراق مع الكتيبة الأولى ، مجموعة المارينز السابعة، بين عامي 2003 و 2005 ، لم أكن أعرف ما ستكون عليه نتائج الحرب، و لكن علمت أنه ستكون هناك تصفية حساب. و تلك العقوبة ، أو التي تعرف بالرد ، تظهر حاليا في كل أنحاء  العالم (العراق، أفغانستان، اليمن، ليبيا، مصر، لبنان، سورية، فرنسا، تونس ، كاليفورنيا و هلم جرا) دون نهاية على المدى المنظور.
و بالعودة إلى العراق، كنت أرى بشكل روتيني اقتسام القذارة ، و بالطبع لم يتم إدراك فظاعة الحرب بشكل دقيق في الغرب. و قد حاولت منظمات معادية للحرب كشف فظاعات الحرب في العراق، و لكن وسائل الإعلام في التيار الرئيسي ، و قوى أكاديمية و سياسية في الغرب لم تسمح أبدا ببحث جدي حول أكبر جريمة حرب في القرن الواحد و العشرين.
و عندما كنا نخفر مقاطعة الأنبار العراقية الشاسعة، ملقين قمامة الوجبات  الجاهزة من العربات، لم أفكر حينها كيف ستذكرنا كتب التاريخ  . و بعد سنوات، و أنا جالس في درس تاريخ الحضارة الغربية في الجامعة، منصتا إلى  البروفيسور  يتحدث عن مهد الحضارة ، تذكرت نفايات وجباتي الجاهزة في صحراء بلاد الرافدين
و مع التأمل بالأحداث الراهنة في سوريه و العراق، لا أستطيع منع نفسي من التفكير بالأطفال الصغار  الذين كان زملائي يرمونهم ببقايا الوجبات الجاهزة، و لم تكن السكاكر وحدها ما يرمى على الأطفال، حيث كانت ترمى أيضا عبوات المياه الملوثة بالحجارة و الطين و مواد قذرة أخرى. و دائما أتساءل كم من أفراد داعش و منظمات إرهابية أخرى يذكرون أحداثا كهذه؟
علاوة على ذلك أفكر بمئات المساجين الذين أسرناهم و عذبناهم في معتقلات مؤقته يشرف عليها مراهقون ، و لم يكن حظي سيئا لأعمل في معتقل، و لكني أذكر القصص. و أذكر بقوة المارينز و هم يخبروني عن رفس و صفع و لكم و لي أكواع و تركيع  و تغطية رؤس العراقيين .  أذكر قصص التعذيب الجنسي و إجبار رجال عراقيين على ممارسة أفعال جنسية مع بعضهم البعض بينما المارينز يقبضون على السكاكين ويصوبونهم على المناطق الحساسة في أجسادهم، و أحيانا يغتصبونهم بالعصي.
و لكن قبل القيام بهذه الأشياء البغيضة، كان من دواعي سرورنا نحنا العاملين في وحدات المشاة أن نعتقل العراقيين خلال غارات ليلية ، فنقيد أيديهم و نغطي رؤوسهم بأكياس سوداء ثم نلقيهم في الشاحنات بينما نساؤهم و أطفالهم منهارين و جاثين على الأرض يبكون. أحيانا يمكن أن نلتقطهم نهارا، و في معظم الأحيان لا يقامون . بعضهم يرفع أيديه للأعلى بينما يقوم المارينز بصفعهم على وجوههم. و مع وصولهم للمعتقلات يتم احتجازهم لأيام  و أسابيع بل حتى لشهور ، و لا يتم إخبار عائلاتهم بأي شيء. و عندما يطلق سراحهم ، ننقلهم بالعربات من قاعدة العمليات إلى وسط الصحراء و نطلقهم هناك على بعد أميال من منازلهم.
بعد أن نفك قيودهم  و ننزع الأغطية السوداء عن رؤوسهم، يقوم العديد من المارينز المخبولين بإطلاق النيران في الهواء أو على الأرض، ليبثوا الرعب في قلوب الأسرى، يمارسون ذلك لأجل الضحك....معظم العراقيين الذين هربوا  على أمل العثور على شيء من الحرية في الخارج، لا يزالون يبكون على المعاناة الطويلة في مراكز الاعتقال. و أحد لا يعرف كم بقوا على قيد الحياة، ففي النهاية هذا الأمر لا يعني أحد. و لكننا نعرف سجينا سابقا لدى الولايات المتحدة لا يزال حيا: أبو بكر البغدادي، قائد داعش.
و من الصاعق أن القدرة على تجريد العراقيين من إنسانيتهم تبلغ ذروتها بعد طلقات الرصاص أو التفجير، إذ يمضي الكثير من المارينز الوقت في التقاط صور للأموات، و غالبا ما يمثلون بجثثهم من أجل التسلية أو ينكزون أجسادهم المنتفخة بالعصي لأجل الضحك الرخيص. و لأن أجهزة "الآي فون" لم تكون متوفرة في ذاك الوقت، ذهب الكثير من المارينز إلى العراق مع كاميرات رقمية، تلك الكاميرات تحمل تاريخا لم يروى عن الحرب في العراق، تاريخ يتمنى الغرب لو ينساه العالم. هذا التاريخ و تلك الكاميرات تضم أيضا أفلاما لمذابح ماجنة و جرائم حرب كثيرة، حقائق لا يمتلك العراقيون نعمة نسيانها.
لسوء الحظ أني أذكر حكايا رهيبة لا تعد و لا تحصى من الزمن الذي أمضيته في العراق. لم يكن الأبرياء يسجنون و يعذبون فحسب، بل كانوا يحرقون بعشرات الآلاف، بل و بالملايين حسب بعض الدراسات.
وحدهم العراقيون من يدركون الشر الذي شن في وطنهم. إنهم يذكرون دور الغرب في حرب السنوات الثمانية بين العراق و إيران، يذكرون عقوبات كلينتون في التسعينات، السياسات التي أسفرت عن موت أكثر من خمسمائة ألف  شخص معظمهم نساء و أطفال. ثم حل عام 2003 و أنهى الغرب عمله. و اليوم العراق أمة مدمرة بكل معنى الكلمة، الشعب محطم و مشوه ، و البيئة الطبيعية  سامة بسبب القنابل المحملة باليورانيوم المخصب.و بعد أربعة عشر عاما من الحرب على الإرهاب، الأمر الواضح هو أن الغرب كان عظيما في إثارة الهمجية و خلق دول منهارة.
و باستمرار تطاردني عيون  الأطفال العراقيين الدافئة  ذات البريق ....لا أستطيع الهرب من   وجوه أولئك الذين قتلتهم أو على الأقل كانت جثثهم قريبة مني. كوابيسي و الأفكار التي تلاحقني في النهار تذكرني بالمكان الذي أتت منه داعش....حجم الدمار الذي أنزله الغرب في الشرق الأوسط لا يمكن تخيله بالنسبة لمعظم من يعيش في العالم المتطور. و لا زال الغرب يسأل: " لماذا يكرهوننا؟".
و في المستقبل ستعتمد معالجة الغرب للإرهاب على استمرار أو عدم استمرار التصرفات الإرهابية للغرب. و الطريقة الواضحة لمنع منظمات من شكل داعش تكمن في مواجهة الاعتداءات العسكرية الغربية بكل أشكالها الرهيبة: انقلابات السي آي ايه، الحروب بالوكالة، هجمات الطائرات بلا ربان، حملات مواجهة التمرد، الحروب الاقتصادية و غيرها..
و بنفس الوقت فنحن الذين شاركنا في الحملة العسكرية الإبادية  في العراق سوف نستمر بالعيش مع أشباح الحرب.


*كاتب و ناشط و صحفي أميركي
عن Information Clearing House

الجمل  

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...