السعودية توقف شحنات نفط لمصر: رسالة امتعاض قد لا تكون الأخيرة
أثار ما نقلته وكالة «رويترز» أمس عن مسؤول حكومي مصري حول توقف شركة «أرامكو» السعودية للبترول عن تزويد مصر باحتياجاتها من المواد البترولية، صدمةً كبيرة.
فوفقاً لاتفاق بين مصر والسعودية، تزود المملكةُ النفطية مصر باحتياجاتها من المواد البترولية بواقع 700 ألف طن شهرياً لمدة خمس سنوات. وتبلغُ قيمة الاتفاق المُبرَم بين البلدين 23 مليار دولار، يجري سدادُها على 15 عاما. الاتفاق الذي أبرم خلال زيارة ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز للقاهرة، مطلع نيسان الماضي، كان يعني تجنيب مصر أي أزمة في إمدادات الوقود خلال الأعوام الخمسة المقبلة، والتراجع عنه قد يعني أزمة شديدة لمصر.
رسمياً، خففت القاهرة من وقع الخبر، وقال المتحدث الرسمي لوزارة البترول حمدي عبد العزيز إن «الاتفاق بين مصر والسعودية سارٍ. ولكن شركة أرامكو أبلغت الهيئة العامة للبترول، شفاهة، بتوقف الشحنات في شهر تشرين الأول الحالي، ولا يعني هذا توقف الاتفاق أو إلغاءَه. ولم تذكر الشركة أي أسباب لتوقف شحنات تشرين الأول»، موضحاً أن «الشحنات تأتي ضمن اتفاق تجاري وليست منحة».
ويأتي خبر توقف شحنات البترول في تشرين الأول مفسراً لما أعلنته وزارة البترول المصرية قبل أيام، عن عدم إفادتها من جانب «أرامكو» عن شحنات الشهر الحالي، وسعي الوزارة لتدبير احتياجات مصر من المواد البترولية.
ولكن حتى في حدود توقف شحنات البترول في تشرين الأول فجأةً ومن دون ذكر أسباب، وحتى مع استمرار تنفيذ الاتفاق، فإن الأمر لا يبدو عابراً.
لقد قدمت السعودية نفسها للشعب المصري في أعقاب 30 حزيران 2013 كأهمّ صديقٍ للشعب المصري. وقادت المملكة بالفعل الدعم الخليجي لمصر، والذي بلغ في بعض التقديرات 25 مليار دولار، وهو ما شكلّ إنقاذاً حينها للاقتصاد المصري.
ولكن مع مرور الوقت، تبين أن الدعم السعودي لم يكن بلا مقابل. والأهم أن المقابل فاق في بعض الأحيان قيمة الدعم ذاته. هكذا، تطلعت السعودية إلى أن يُقابَل الدعم المالي الذي قدمته لمصر بدعم عسكري من مصر للسعودية في اليمن، ودعماً سياسياً في سوريا، والأهم من ذلك، سعت للحصول على جزيرتَي تيران وصنافير المصريتين في مدخل خليج العقبة، واللتين تعني السيطرة عليهما الحصول على ميزةٍ جيوسياسية لا تُقدّر بثمن.
الواضح أن الصديق المصري لم يُلَبِّ تطلعات المملكة، لا في اليمن ولا في سوريا، ولا في تسليم الجزر التي يتم تداول قضيتها في المحاكم المصرية.
ووقف شحنات البترول لمصر خلال شهر تشرين الأول قد يكون إعلاناً من السعودية عن الامتعاض.
والحقيقة أن السعودية قد تملك بالفعل الكثير من أدوات الضغط على النظام المصري، ليس أهمها شحنات المواد البترولية. فوجود مليون عامل مصري في المملكة قد يمثل أداة ضغط كبيرة على مصر التي تعاني ارتفاعاً في نسبة البطالة، ونقصاً في العملة الصعبة التي تمثل تحويلات المصريين في الخارج أهم مصادرها، والودائع السعودية في المصرف المركزي أيضاً تمثل أداة ضغط مهمة على الاقتصاد المصري.
ولكن استخدام السعودية لأدوات الضغط الاقتصادية، أو حتى التلويح بها، يعني بالضرورة التخلي عن وجه الصديق، ليس للنظام، ولكن للشعب المصري. فما تُلوِّح بها السعودية من ضغوط بوقفها هي شحنات البترول التي لن تكون في مواجهة حكومة أو نظام، ولكن من سيتأثر به مباشرة هو الشعب المصري الذي يعاني من الأزمة بالفعل، ما يستنفد سريعاً رصيد المملكة التي تسعى لشغل مركز القيادة في المنطقة.
ويعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، مصطفى كامل السيد، أن «هناك بالفعل أسبابا لتردي العلاقات المصرية السعودية. فقرار المحكمة المصرية بعدم تسليم جزيرتَي تيران وصنافير للسعودية، والموقف المصري من الأزمة السورية الذي يضع وحدة سوريا أولوية على رحيل (الرئيس السوري بشار) الأسد، وعدم مجاراة الحكومة المصرية للسعودية في التدخل العسكري في اليمن، خاصة مع عدم إحراز السعودية لتقدم هناك، كل هذه أسباب تساهم في تردي العلاقات. كما أن أوضاع الاقتصاد السعودي تجعل المملكة أقل كرماً».
ويضيف السيد أن «اتخاذ السعودية إجراءات كتلك، يمكن أن يزيد من أزمة الاقتصاد المصري بالفعل، خاصةً مع صعوبات تواجهها مصر في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي واشتراطه حصول مصر على ستة مليارات أخرى كقروض، كانت السعودية مرشحة بقوة للمساهمة فيها».
ويوضح السيد في المقابل أن «السعودية يهيمن عليها الآن عدد من المشكلات الخارجية والداخلية؛ الحرب في اليمن، والأزمة في سوريا والتمدد الإيراني، ووضع الاقتصاد السعودي الذي اضطرها لخفض الرواتب. هي الآن مشغولة في العديد من الأزمات، وقد لا تعنيها كثيراً صورتها أمام الشعب المصري. ورغم ذلك، لا يصعب الحديث عن أزمة حقيقية في العلاقات المصرية - السعودية، ولكن يمكن القول إن هناك استياء لدى الممكلة، ولا أعتقد أنها ستذهب إلى النهاية في استخدام أدوات الضغط ضد مصر».
قد يكون وقف شحنات المواد البترولية خلال الشهر الحالي مجردَ حدثٍ عابر، وقد تنهيه زيارة ديبلوماسية، ولكن مغزاه سيبقى أكبر من ذلك بكثير. فمن ناحية، يحتم أن هناك رسالة سعودية واضحة، بأن لا شيء سيقدم من دون مقابل، وأن الدعم السعودي يستحق على الأقل مراعاة توجهات المملكة عند التصويت في مجلس الأمن.
ولكن المغزى الأهم لتلويحها بوقف المواد البترولية عن مصر، هو تلك المفارقة التي أظهرت ضعف المملكة عندما حاولت التعبير عن قوتها. فاضطرارها لأن تستبدل ابتسامة الصديق بالمساومة الواضحة، ومغامرتها برصيدها المعنوي لدى الشعب المصري، يُعبر عن مأزق حقيقي تعاني منه، سواء على صعيد الحرب في اليمن، أو الأزمة في سوريا، أو حتى على صعيد وضعها الاقتصادي.
مصطفى بسيوني
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد