عن حدود «سايكس بيكو» ومعركة الموصل
بدأت إذاً معركة الموصل، المعقل الأخير لتنظيم «داعش» في العراق، ليبدأ معها الحديث عن الملف الأكثر تعقيداً، وهو ملف الحدود السورية - العراقية، وما خلقه وجود التنظيم الإرهابي من تبعات في هذه المنطقة.
أكثر من 500 كيلومترٍ من أصل 617 كيلومترا تخضع تقريباً لسيطرة التنظيم، ستُمثل الملف الأكبر لقضية «ما بعد داعش»، خصوصا بعد قيامه منتصف العام 2014 بإزالة حدود ظلت قائمة نحو 90 عاماً بين العراق وسوريا، وما تبعه من إعادة خلط ديموغرافي في المنطقة عن طريق انتقال العائلات بين البلدين، وعلاقات القربة والدم بين سكان المناطق القريبة من الحدود.
ثلاثة معابر رسمية على طول هذه الحدود: الوليد (التنف)، القائم (البوكمال)، واليعربية. تسيطر البشمركة الكردية على منفذ «اليعربية» من الجهة العراقية، ويسيطر الجيش العراقي على معبر «التنف»، إلا أنها خاضعة لسيطرة تنظيم «داعش» من الجهة السورية، بالإضافة إلى معابر غير شرعية، مثل معبر «سيمالكا» مع كردستان العراق.
وتعيد قضية الحدود السورية - العراقية إلى الأذهان أزمة كانت قد نشأت بين سوريا والعراق مطلع ثمانينيات القرن الماضي حول قرية الباغوز قرب مدينة البوكمال، والتي ضُمّت إلى العراق بقرار أممي لتطوى هذه المشكلة لاحقاً، ليجري بعدها ترسيم أكثر من 90 في المئة من الحدود بين البلدين عن طريق الأسلاك الشائكة والسواتر الترابية والاسمنتية، وهو ما خربه «داعش» بعد سيطرته على الحدود بين البلدين. وهي المشكلة ذاتها التي بحثها وزير الخارجية السوري وليد المعلم مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في بغداد في شهر آب الماضي.
ميدانياً، شكّلت الحدود السورية - العراقية نقطة ارتكاز للعمليات الأميركية التي تهدف إلى طرد «داعش» من العراق نحو سوريا، الأمر الذي يضمن انتصارا في العراق وزيادة الضغط على الجيش السوري وحليفه الروسي في سوريا. قبل إطلاق معركة الموصل، كثفت طائرات «التحالف» الاميركي غاراتها على مدينة دير الزور، فدمرت جميع جسور المدينة، الأمر الذي أدى إلى شلّ حركة مسلحي «داعش» ومنعهم من الانتقال من سوريا نحو العراق. وأمنت هذه الغارات الطريق نحو معركة سهلة في الموصل، وفق ما يؤكد العميد المتقاعد علي مقصود.
وجاءت غارات «التحالف» على جسور دير الزور بعدما فشل «جيش سوريا الجديد» الذي أعدته ودربته أميركا بالتعاون مع بريطانيا في السيطرة على «البوكمال» وإقفال الحدود التي تربط دير الزور بالعراق.
جهات قليلة باتت متوفرة لتنظيم «داعش» في حال خروجه من الموصل نحو سوريا، الرقة من جهة، والبادية المتصحرة في ريف حمص نحو تدمر والسخنة من جهة أخرى، أو بعض مناطق ريف دير الزور، وجميعها تدعم زيادة المواجهة بين التنظيم والجيش السوري والقوات الروسية.
أمام ذلك، يربط العميد السوري المتقاعد بين الأحداث الأخيرة في حلب وما يجري في الموصل، قائلاً إن «ما يجري في حلب يمثل انتصاراً للجيش السوري وروسيا وخسارة للولايات المتحدة وحلفائها، لذلك تأتي معركة الموصل بهدف تحقيق انتصار سريع ورفع وتيرة الحرب في سوريا وزيادة الضغط على الجيش السوري».
ويؤكد مقصود أن دمشق وموسكو تراقبان الأوضاع في العراق وعلى طول الحدود السورية بدقة، وأن «القوات السورية والروسية في تدمر والسخنة تتابع تطورات الأحداث للتصدي لأي تدفق جديد من قبل مسلحي داعش». ويضيف أن «قوات الجيش السوري تراقب كذلك التطورات المحيطة بمدينة دير الزور، حيث ثبّتت وحصنت مواقعها جيدا رغم الغارات التي شنتها طائرات التحالف الذي تقوده أميركا الشهر الماضي وما تبعها من هجوم نفذه مسلحو داعش».
تدرك الولايات المتحدة وحلفاؤها أهمية الحدود السورية - العراقية، فقد خبرتها بعد غزوها للعراق، حيث شكلت هذه الحدود معابر للمسلحين الذين انضموا لمقاومة الاحتلال وعجزت واشنطن عن ضبطها، لذلك فهي تعود الآن وتحاول الإمساك بزمام إدارة هذه المنطقة وتوجيهها بما يصب في مصالحها الاستراتيجية في الإقليم.
قد تنجح جهود ضبط الحدود من الجهة العراقية، لتبقى مسألة إعادة ترسيم حدود «سايكس بيكو» ذاتها رهينةً لعوامل عديدة، أبرزها رغبة واشنطن في ترك المنطقة متداخلة، والصراعات الدولية بحثا عن النفوذ غرب العراق، ومصير «كرة الإرهاب الداعشية» التي يجري دفعها نحو سوريا، وما ستؤول إليه مجريات الميدان السوري بالكامل من حلب إلى دير الزور.
علاء حلبي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد