الإعلام و التلاعب بروايات الموت السوري
الجمل- *بقلم ويتني ويب ـ ترجمة رنده القاسم:
قبل أسبوع شهدت سورية واحدا من أكثر الهجمات القاتلة ضد مدنيين خرجوا من مناطق كفريا و الفوعة الواقعة تحت سيطرة القاعدة عبر اتفاق تبادل بين الحكومة و المتمردين... استهدف المتمردون و قتلوا مائة و ستة و عشرين شخصا، بما فيهم عشرات النساء و الأطفال ، بعد انفجار ضرب قافلة من باصات الترحيل.
كان من المفترض أن يتم نقل المرحلين ، و كلهم من الشيعة، بباصات من محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة جبهة النصرة كجزء من اتفاقية إخلاء بين المتمردين و حكومة الرئيس بشار الأسد.
و من الغرابة أن حقيقة كون الضحايا المستهدفون بالانفجار مسلمين شيعة قد أغفلت تماما من قبل وسائل الإعلام أو تم تأويلها كبرهان على أنهم "مؤيدون للأسد" ، و هي عبارة تستخدمها معظم وسائل التيار الإعلامي الرئيسي بنوع من الازدراء.
متمردو إدلب، حيث وقع الانفجار، متحيزون تماما لجبهة النصرة ، و التي تعرف بأنها فرع القاعدة في سورية. و هذه المجموعة و ما يرتبط بها معنية بشكل خاص بشن هجمات على المسلمين الشيعة الذين تعتبرهم كفارا إضافة إلى الأقلية المسيحية و الدروز.
هذه الإيديولوجية القاتلة ، و التي تجلت بشكل متكرر عبر أعمال المجموعات الإرهابية و المتمردين الناشطين في المعارضة السورية، تعود إلى التعليمات الوهابية المتطرفة لهذه المجموعات، و التي تسعى لتوحيد سورية تحت راية الإيديولوجية السياسية المتطرفة.... بكلمة أخرى، الكثير من هؤلاء المتمردين المتطرفين يسعون لخلق سلطة دينية ذات دوافع سياسية توازي تلك التي في الحكومة السعودية، و تضم فقط الوهابيين و السنة المتطرفين الذين يشاركون هذه الإيديولوجية، ليحلوا مكان الحكومة السورية العلمانية التي سمحت بازدهار التعددية الدينية دون خوف من اضطهاد الدولة.
و رغم التزامها المفترض ب "الديمقراطية" و "حق تقرير المصير" في سورية فإن وسائل الإعلام الداعمة لرواية تغيير النظام، التي عززتها الحكومات الأجنبية، قامت بإسقاط هذه الحقائق من تغطياتها الإعلامية. فعلى سبيل المثال، الجزيرة، الممولة من قبل الحكومة القطرية الداعمة لداعش و المتمردين، رفضت ذكر حقيقة أن الضحايا مسلمون شيعة، كما أسقطت حقيقة أن الهجوم وقع في منطقة تحت سيطرة القاعدة، بل ذهبت إلى حد الإشارة بشكل ضمني إلى أن الهجوم شنته الحكومة السورية.
و الجزيرة ليست الوحيدة في قلب الحقائق..فال BBC، الممولة من قبل الحكومة البريطانية الداعمة للمعارضة السورية ، ألمحت إلى أن قوات الأسد تتحمل المسؤولية على الهجوم، بل و صرحت بأن الهجوم "ليس لصالح المتمردين" رغم حقيقة أن المتمردين السوريين المتطرفين كانوا ينادون بذبح كل المسلمين الشيعة في سورية منذ سنوات ، بل إن حكومة الولايات المتحدة أقرت بأن المجموعات المعادية للأسد ، و خاصة داعش، ترتكب أعمال إبادة جماعية بحق أتباع المعتقدات الأخرى.
إضافة إلى ذلك، معظم التغطيات الإعلامية في وسائل التيار الرئيسي ، من الCNN إلى Huffington Post، خلصت إلى أن ما من دليل على تورط المتمردين في هذا الهجوم أو أن ما من أحد يمكن لومه مع عدم إعلان أية مجموعة مسؤوليتها عما حدث..
ال CNN ذهبت إلى حد تجريد الضحايا السوريين، الهاربين من القاعدة، من الصفات الإنسانية بوصفهم داعمين للأسد فقط لأنهم مسلمون شيعة، و وصفت الهجوم بال "حازوقة"....
أحد مراسلي ال BBC استبعد القاعدة كليا و وصف هجوم الباص بأنه ارتكب من قبل الحكومة السورية.
هذه الوسائل الإعلامية لم تذكر بأنه ألقي القبض على متمردين من جبهة النصرة قبل حرق باصات إخلاء المدنيين ، و بنفس الوقت شككت برواية مصادر الحكومة السورية و التي تلقي اللوم على متفجر انتحاري بشأن الهجوم الأخير. غير أن وسائل الإعلام ذاتها لم تجد حرجا في اتهام الأسد ، بداية شهر نيسان ، بهجوم غاز كيميائي وقع في نفس المنطقة ، رغم حقيقة أن حكومة الأسد لم تعلن مسؤوليها عن الحادث الذي أثار المطالبة بمناقشة تفاصيل الهجوم.
و من المريب استمرار اعتماد وسائل إعلام التيار الرئيسي على مصدرين للمعلومات من سورية، الخوذ البيضاء و المرصد السوري لحقوق الإنسان. و قد ذكرت Mint Press News سابقا أن الخوذ البيضاء مجموعة قوامها مرتزقة و ممولة من الحكومات الغربية تتعاون مع جبهة النصرة بل و حتى تسهل عمليات التدمير بحق المدنيين رغم صورتهم "الإنسانية"..
و بالمقابل ، المرصد السوري لحقوق الإنسان يتألف من شخص واحد، هو رامي عبد الرحمن المعادي بشدة للأسد، و الذي يعيش في المملكة المتحدة . مصادر عبد الرحمن في سورية ، و التي يتلقى منها المعلومات المتعلقة بالحرب، مغفلة الاسم ما يجعلها غير موثوقة على الإطلاق.
منذ بدء الصراع في سورية قبل أكثر من ست سنوات، و معظم التغطيات الإعلامية للحرب، و خاصة من قبل المنظمات الإعلامية التابعة لدول غربية مؤيدة لتغيير النظام، كانت محرفة بشكل واضح لصالح المجموعات المتمردة الممولة و المسلحة من قبل دول وكيلة من مصلحتها رحيل حكومة الأسد
و عبر تقارير انتقائية و حذف حقائق رئيسية و الاعتماد على مصادر معلومات مشكوك فيها، بما فيها منظمات غير حكومية و مجموعات متمردة تعمل في صف جبهة النصرة ، كانت هذه الوسائل الإعلامية تسعى لقلب الحقائق و تمويه الجرائم المرتكبة من قبل المتمردين مع تجاهل أجندتهم المتمثلة في تطهير سوريه اثنيا من كل من يرفض إتباع إيديولوجيتهم السياسية الوهابية المتطرفة...و في هذا السياق، قامت وسائل الإعلام بتشويه الصراع السوري عبر الروايات الكاذبة "للسنة" الناجين من الحكومة السورية "العلوية المتعطشة للسلطة" و من التوسع الإيراني الشيعي...و هي الرواية المفبركة من قبل المتمردين و دولهم الداعمة لتبرير عصيانهم.
و عبر هذه الصورة الطائفية ، يستخدم المتمردون أجندة التقسيم و الاحتلال المدعومة من الدول المفوضة بتسليحهم لاستهداف الشيعة المسلمين ، السنة المسلمين، المسيحيين العرب، الدروز، الزرادشتيين و أقليات أخرى خلال قتالهم من أجل زعزعة استقرار سورية و نشر الطائفية و جر الأمة إلى حرب أهلية ترمي إلى إضعاف حكومة الأسد و بالتالي إسقاطها.
و عملت وسائل الإعلام على قلب الرواية و تمجيد المتمردين و إظهار أية فظاعات مرتكبة من قبلهم على أنها من فعل الحكومة السورية . و ال BBC و CNN و الجزيرة أكثر الأمثلة وضوحا.
هذا التباين كان أمرا مألوفا خلال السنوات العديدة الماضية، و الشهر الماضي وحده كان الشاهد على كيفية رفض وسائل الإعلام تقييم حياة المدنيين الأبرياء بشكل متساو، و عوضا عن ذلك تختار تغطية موت المدنيين في سورية عندما يدعم أجندة تغيير النظام التي تستهدف الأسد.
أكثر الأحداث الجيوسياسية دراماتيكية هذه السنة هو ما كان في بداية هذا الشهر، عندما اختار الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضرب القوات الحكومية السورية، كانتقام مزعوم من هجوم الغاز الكيماوي في إدلب الواقعة تحت سيطرة القاعدة، و الذي لم يؤكد بعد....تسبب الهجوم بمقتل ثمانية و خمسين مدنيا ، بما فيهم أكثر من عشرة أطفال . و تلقى هجوم الغاز تغطية إعلامية لا تتوقف، و ذلك بسبب أنه يخدم كذريعة ملائمة للمزيد من التشويه لسمعة الأسد و تبرير عمل عسكري أحادي بقيادة الولايات المتحدة ضمن سورية.
غير أن أرقام القتلى المدنيين الأعلى الناتجة عن الضربات الجوية التي قام بها التحالف بقيادة الولايات المتحدة لم يتم الحديث عنها و لم تثير نفس المستوى من الغضب بين الوسائل الإعلامية ذاتها رغم أنها حدثت قبل أسابيع فقط...
و بناء على ذلك، فليس من العجب أن شعبية إعلام التيار الرئيسي وصلت إلى حضيض تاريخي، بسبب ميلها إلى إهمال المعايير الصحافية بل و حتى التلاعب بالمآسي من أجل تسويق رواية معينة لجمهورها، بغض النظر إن كانت حقيقية أم كاذبة..
*صحفية تقيم في جنوب تشيلي و تكتب لصالح العديد من المؤسسات الإعلامية باللغتين الإنكليزية و الإسبانية...
عن موقع Global Research
الجمل
إضافة تعليق جديد