من دمشق إلى هيلسنكي.. ومن هيلسنكي إلى طهران
إنها دمشق .. دمر هولاكو بغداد وأسلم في دمشق .. حرر صلاح الدين القدس وطاب موتا في دمشق .. قدم لها الحسين بن علي ويوحنا المعمدان وجعفر البرمكي رؤوسهم طلبا لرضاها .. وما بين قبر زينب وقبر يزيد خمس فراسخ .. إنها دمشق، لا تعبأ بكارهيها .. وتتفرغ للغرباء الذين ظنوا أنفسهم أسيادها ليستفيقوا عالقين تحت أظافرها!
أبيض، أحمر، خليج، قزوين، أسود – منظومة البحار الخمس !
تتذكرون مشروع التعاون الذي اقترحه الرئيس بشار الأسد في مطلع العقد الأول من القرن الحالي .. مشروع يضم روسيا وايران وتركيا ومصر والسعودية والعراق وسوريا والجزائر واليمن تكاملا مع اوروبا المتوسطية .. أرادها منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل تعمل بالتفاوض لحل النزاعات وبالتعاون للتنمية والتقدم الاقتصادي ولضمان أمن الطاقة والملاحة .. مشروع يقوم على شراكة استراتيجية في الشرق الجديد!
رغم ما يحكى في الغرف المغلقة عن ورقة “عصبة الهواة بزعامة جاريد كوشنر” بخصوص خطة “جهنمية” ضد ايران وحزب الله في سوريا تؤدي إلى هزة عسكرية كبرى – رغم هذه “الجعجعة السرية المكتومة” نرى الضوء من البوكمال يرسم معالم الشرق الجديد متحررا من الهيمنة الأمريكية من بيروت، فدمشق، فبغداد، فطهران، فبكين!
من هيلسنكي الى طهران!
ظن البعض، وبعض الظن إثم، أنّ هُناك اتِّفاقًا على أمرَين رئيسيين فيما يَتعلَّق بالأزمةِ السوريّة وذلك من خِلالِ مُتابَعَةِ المُؤتمر الصِّحافيّ الذي انعقد اثر القِمَّة التي جَمعت الرئيسان في هلسنكي:
ـ العَمل بِشَكلٍ مُشتَركٍ للحِفاظ على أمن إسرائيل، وتفعيل اتِّفاقِ ١٩٧٤ لفك الاشتباك المُتعَلِّق بهَضبة الجولان.
ـ عدم السَّماح لإيران بالاستفادةِ من هزيمة “داعش” واستمرار التَّنسيق بين القُوّات الروسيّة والأمريكيّة في الأراضي السوريّة.
لكن ماذا عن التحولات الجيوستراتيجية في العالم واصطفاف المصالح السياسية الجيوستراتيجية لكل من روسيا والصين وايران وتبعا لذلك لدول اسيا الوسطی – كما كررت مرارا؟ وها هو مؤتمر طهران القادم يعكس التقاء مبادرة “الحزام والطريق” الصينية مع مبادرة ” الاتحاد الاقتصادي الاوراسي” الروسية والموقع الإيراني الاستراتيجي كمركز للتجارة والطاقة، وكحصن منيع في مجابهة الجهادية التكفيرية التي يتلاعب بها الغرب !
وعليه جاءت الاستدارة التركية لتتوائم مع مبادرتي “الحزام والطريق” و”الكتلة الاوراسية” الأمر الذي يملي “سوريا عربية علمانية موحدة” تضم إلی حضنها لواء الاسكندرون، شاء من شاء وابى من ابى، .. فسوريا هي خالقة الأزل، وهي محكومة بالمقاومة والممانعة منذ الأزل، وهي تصنع مستقبلها ومستقبل المنطقة برمتها .. اما الأردن فسيبقى وقف الله، أرض العزم .. وطنا بهيا شريفاً لا نبغي ولا نرضاه ولا نرضى عنه بديلا!
فالصينيون قادمون وبعضنا غارق في أوهامه .. ها هي الصين تقوم بتنفيذ وتمويل وتغطية انبوب الغاز بين ايران وباكستان. رغم ولادة هذا المشروع اواسط تسعينات القرن الماضي لجدواه الاقتصادية ولحاجة البلدين، ورغم تنفيذ ايران للجزء الخاص بها حيث أوصلت الأنبوب الى الحدود الباكستانية!ولعل هذا ما يفسر ثورة “جون برينان” الرئيس السابق للمخابرات المركزية الأميركية – في عهد أوباما – اذ وصف المؤتمر الصحافي لترامب في هيلسنكي بالجريمة والخيانة محقرا تعليقاته الغبية والسخيفة مشيرا إلى أنه بدا كليا في جيب بوتين (he is wholly in the pocket of Putin) ! وهذا عنوان مقالة أساسية
(Trump Shows the World He’s Putin’s Lackey)
في جريدة النيويورك تايمز صباح اليوم تفوح غضباً واستهزاء ل Michelle Goldberg
وبلغة المصالح والى جانب الهدف الاستراتيجي الاقتصادي المتعلق بالغاز مادة وانابيبا وملتقى خطوط تصديرا واستيرادا، فان الاستهداف الأميركي يجمع روسيا بإيران تنسيقا لمواجهة هذا التحدي والتصدي لمختلف التنظيمات الإرهابية المدعومة من أمريكا واسرائيل التي تحارب روسيا وإيران في عقر دارهما، كما في ساحات إقليمية تقوم فيها حكومات وتنظيمات مقاومة متعاونة معهما كسورية والعراق ولبنان وفلسطين. هذا إضافة الى العقوبات الأميركية على كلٍّ من روسيا وإيران اللتين تتعرّضان لعقوبات أميركية قاسية تحول دون حصولهما على الرساميل والقروض والمساعدات اللازمة في هذا المجال الامر الذي يوفر لروسيا فرصاً ومكاسب ثمينة لقاء المشاركة في مشروعات الإعمار والتنمية في إيران وسورية .. عداك عن وجود قواعد عسكرية لروسيا في سورية منذ أكثر من نصف قرن ولها دورها في حماية مصالحها ونفوذها في غرب آسيا.
رأي اليوم - ديانا فاخوري
إضافة تعليق جديد