تحرير المختطفين: عودة الاستقرار إلى السويداء
منذ اللحظة الأولى للهجوم الإرهابي على محافظة السويداء، أسند الرئيس بشار الأسد إلى أجهزة الدولة وقدرات الجيش لطرد إرهابيي «داعش» من كامل شرق المحافظة الجنوبية وتحرير المختطفين الذين ساقهم الإرهابيون إلى معاقلهم في البادية السورية. وطوال الأشهر الماضية، لم يوفّر المحور المعادي لسوريا، من دول وشخصيّات لبنانية ووسائل إعلامية، فرصةً للاستثمار في جرح السويداء إلا ووظّفته، في مسعى واضح لقلب معادلة انتصار دمشق في الجنوب السوري والسعي لتأليب الأهالي ضد الجيش والدفع نحو تدخّل دولي يغطّي المطالبة بالإدارات الذاتية في الجنوب . غير أن نجاح الجيش في تحرير الدفعة الأخيرة من المختطفين، عبر عملية أمنية ـ عسكرية نفّذها وحيداً، بعد فشل المرحلة الثانية من عمليّة التبادل قبل 20 يوماً، أسقطت نهائياً الرهان على أي تحوّل في السويداء عند أعداء دمشق، ورفعت أسهم الجيش إلى الحدّ الذي يعطي خيار الدولة دفعاً قوياً لإعادة الاستقرار إلى المحافظة، والقضاء على آخر مظاهر الفوضى. ويمكن القول إن جسور الثقة بين المحافظة والدولة، والتي سُخّرت لأجل تفكيكها وسائل إعلامية ومبالغ طائلة عبر شخصيات مثل النائب السابق وليد جنبلاط وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في فلسطين موفق طريف، عادت إلى طبيعتها، استكمالاً للإنجاز الذي تحقّق قبل أسبوعين في الجولان المحتل.
تحرير المخطوفين
ليل 20 تشرين الأول 2018، نجح الجيش في إتمام المرحلة الأولى من عمليّة التبادل، عبر إطلاق سراح 10 نساء من أقارب أمراء في «داعش»، مقابل إفراج التنظيم عن امرأتين وخمسة أولاد من أهالي قرية اشبكي في شرق المحافظة، بوساطة من الهلال الأحمر السوري. وكان من المفترض، أن تتمّ عملية التبادل الثانية بعد ثلاثة أيام، على أن تتمّ المرحلة الثالثة بعد الثانية بأسبوع. غير أن أحد أمراء التنظيم الإرهابي في «قاطع البادية» عرقل عمليّة التبادل الثانية في آخر لحظاتها، بذريعة عدم إفراج الجيش عن إحدى زوجاته، ما أدى إلى وقوع خلاف بين قيادات التنظيم وتبادل للتهم والمسؤوليات بين أمراء من «قاطع البادية» وأمراء من «قاطع دير الزور» ينشطون في منطقة هجين، على الحدود السورية ـ العراقية.
بدا واضحاً لدى القيادة الأمنية السورية أن الخلافات ستعرقل إتمام عملية التبادل وتطيل الأزمة، فارتفع مستوى القلق على مصير المختطفين. وسريعاً، تمّ اتخاذ القرار بالاستمرار بالتفاوض عبر الوسطاء مع «الدواعش»، وبالتوازي، العمل على كشف مكان احتجاز المختطفين والتحضير لعمليّة أمنية لتحريرهم.
طوال مدة الاختطاف، كان التنظيم يعمل على نقل المختطفين من مكان إلى آخر في البادية السورية، حيث لا تزال لفلول «داعش» بقع انتشار صغيرة تمتّد من شرق السويداء إلى شرق تدمر ومنها إلى الحدود السورية - العراقية، لا سيّما في محيط قاعدة التنف الأميركية. في الأيام الأولى لعمليّة الخطف، نقل التنظيم المختطفين من السويداء إلى منطقة أرض الكراع، ثم اضطروا إلى نقلهم إلى تلول الصفا على وقع تقدم الجيش نحو أرض الكراع. وتلول الصفا هي منطقة وعرة أرضيتها مشكّلة من قذف بركاني بطول 18 كلم وعرض 20 كلم، وتقبع فوق ثلاث فوهات بركانية قديمة. إلّا أن تقدّم الجيش نحو تلول الصفا، أجبر التنظيم على نقل المختطفين منها خشية انكشاف موقعهم، مستغلين الممرات الخفية عن أعين مراصد الجيش وحتى الطائرات المسيّرة، التي ترصد البيئة البركانية بصعوبة.
ومع إتمام عمليّة التبادل الأولى، بدأت تتجمّع لدى الجيش معطيات شبه محسومة، عن مكان تواجد المختطفين في منطقة حميمة، شرق مطار الضمير، حيث يتجمّع فلول من التنظيم في عمق البادية، ويقوم الجيش بين حين وآخر بالهجوم عليهم وضرب تلك التجمّعات.
ليل الأربعاء ـ الخميس الماضي، حسمت القيادة الأمنية قرارها بتنفيذ عمليّة التحرير، بعد معلومات مؤكدة من عنصر بشري عن وجود المختطفين في إحدى مزارع حميمة، تحت إشراف المدعو «أبو أيوب العراقي». أسفرت العملية عن تحرير 19 امرأة وطفلاً، ومقتل 7 إرهابيين واعتقال آخر سوري الجنسية، وكذلك عن استشهاد طفلين هما قصي جودت أبو عمار ورأفت نشأت أبو عمار، بعد أن عمد «الدواعش» إلى محاولة نقل المختطفين في صندوق شاحنة مغلقة مع بدء هجوم الجيش، وحاول الولدان الفرار من الشاحنة، فأطلق أحد الإرهابيين النار عليهما.
تحرير تلول الصفا
هي أشهر صعبة مرّت على محافظة السويداء، منذ الهجوم الإرهابي وما تبعه من أحداث. الجيش بات في المرحلة النهائية من عملية تحرير منطقة تلول الصفا وكامل شرق المحافظة من تواجد الإرهابيين، ودفع حتى الآن ما لا يقل عن 500 شهيد وجريح، كان آخرهم استشهاد ضابطين صباح اليوم التالي لعمليّة تحرير المختطفين، فيما قتل الجيش حوالي 350 إرهابياً، بعضهم من جنسيات أجنبية. أما في داخل المحافظة، فانعكاس عمليّة التحرير على يد الجيش، بالتزامن مع حلّ أزمة المطلوبين للخدمة الاحتياطية في السويداء (حوالى 43 ألف متخلّف عن الالتحاق بالخدمة)، نقلت المحافظة إلى مرحلة جديدة من الاستقرار تحتاجها لمواكبة عودة الحركة الاقتصادية وفتح معبر نصيب مع الأردن، فضلاً عن المشاريع الاقتصادية التي تنتظرها ضمن الخطّة الاقتصادية المقبلة للجنوب وورش إعادة الإعمار.
وفيما أعاد عدد لا بأس به من الذين جاهروا بالخصومة مع الجيش خلال السنوات الماضية في المحافظة إلى فتح خطوط التواصل مع الدولة، تنتظر المحافظة ورشة أمنية خلال الأشهر المقبلة للتخلّص من عصابات التهريب والخطف والقتل، في قرار واضح من الدولة والفعاليات الدينية والاجتماعية، لطي صفحة التفلّت الأمني التي أرهقت المحافظة وأهلها.
الأخبار - فراس الشوفي
إضافة تعليق جديد