إسرائيل تنتهك الفضاء العربي
"التقطنا صوراً دقيقة لعدة منشآت عسكرية ونووية في إيران وأيضا في سوريا وصورا لطائرات هليكوبتر قابعة على مدرج طيران في السودان، وصورا دقيقة لميناء عسكري لأحدى الدول المجاورة، ولم يتم ذكر اسمها".. كانت هذه أحدى الأنباء التي خرجت علينا منذ أيام على لسان أحد المسئولين الأمنيين البارزين بإسرائيل كنتيجة مباشرة لإطلاق وتشغيل القمر الصناعي التجسسي والذي يحمل اسم " ايروس- بى " والمخصص لأغراض جمع معلومات استخباراتية والتقاط صور دقيقة للنشاطات العسكرية بالدول المجاورة لإسرائيل وعلى وجه الخصوص مراقبة المنشآت و النشاطات النووية الإيرانية .
وقد جاء هذا التحرك الإسرائيلي ردا على إعلان إيران نجاحها في تخصيب اليورانيوم وتهديدها المستمر لإسرائيل إذا أقدمت الولايات المتحدة على ضرب منشآتها النووية .والقمر الصناعي الجديد و الذي يحمل اسم "إيروس - بي" ، يكمل عمل قمرين إسرائيليين آخرين للتجسس يعملان بالخدمة حاليا ، وهما "إيروس- إيه " و "أفق- 5" وحسب صحيفة يدعوت أحرونوت فإن القمر الذي أنتجته الصناعات الجوية الإسرائيلية مزود بنظام تصوير يسمح بتحديد أهداف لا تزيد عن سبعين سنتيمترا من ارتفاع يتراوح بين 480 و600 كم ويقوم بدورة كاملة حول الأرض خلال تسعين دقيقة.
ونقلت الصحيفة عن خبير إسرائيلي أن الكاميرا مزودة بعين ثاقبة ترى كل شيء وتسمح لرجال الاستخبارات بمراقبة أدق التفاصيل للمواقع المستهدفة ومراقبة أي نشاطات عربية تسليحية فضلا عن مراقبة البرنامج النووي الإيراني ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تسعى إسرائيل وبإصرار إلى إطلاق قمرها العسكري السابع " أفق- 7 " والذي يأتي ضمن منظومة " أقمار أفق التجسسية " والتي بدأت إسرائيل في إطلاقها منذ أواخر الثمانينات من القرن الماضي يأتي كل هذا التسابق المحموم في الوقت الذي تتصارع فيه الدول العربية على أطلاق برامج فضائية عن الفيديو كليب والأغاني الهابطة والمسلسلات المسفّة والبرامج الحوارية المتدنية المليئة بالشجار والسباب، وكأنّ الدول العربية في حاجة إلى مزيد من الشقاق والتباعد فإلي متى يظل العرب نائمين فى الوقت الذي تستباح فيه سماواتهم وفضاءهم بأقمار تجسسية وبرامج فضائية عسكرية ترصد وتتابع أدق التفاصيل على أرضهم؟ وإلى متى يظل هذا الوضع المهترئ الذي أصاب العرب في شتى نواحي الحياة بحيث لم يصبحوا قادرين على حماية الحد الأدنى من أمنهم والدفاع عن كرامتهم؟
في السطور القادمة نحاول أن نسلط الضوء على القدرات الإسرائيلية الهائلة في مجال امتلاكها لمنظومة من الأقمار الصناعية التجسسية مع إلقاء الضوء على الفجوة الكبيرة التي تفصل ما بين قدراتنا كعرب والقدرات الإسرائيلية في هذا المجال.
سماء العرب المستباحة
وكانت إسرائيل قد سبق لها أن قامت بإطلاق أخر قمر صناعي تجسسي في سبتمبر من عام 2004 ويحمل أسم أفق- 6 وكان مخصصا "لإعطاء معلومات فورية عن برنامج الصواريخ ذاتية الدفع في إيران"، واستمرار حلقة التجسس العسكري على العرب، ولكن فشل إطلاقه وسقط في البحر المتوسط هو والصاروخ الذي يحمله، وسط تأكيدات صهيونية وأخرى لخبراء فضاء بأن هذا لن يعوق البرنامج الصهيوني في مجال الأقمار الصناعية الذي بدأ في أواخر الخمسينيات 1959 في توقيت واحد مع البرنامج المصري، ولكنه تفوق الآن على كل الدول العربية .
ورغم أن فشل أطلاق القمر التجسسى " أفق – 6 " لم يكن الأول من نوعه ؛ حيث سبقه فشل إطلاق قمر التجسس "أفق – 4 " عام 1998 الذي كان سيحل محل القمر " أفق - 3 " الذي انتهى عمره الافتراضي، كما أنه من بين عمليات إطلاق أقمار التجسس أفق- 4 و 5 و 6 لم ينجح منها سوى عملية إطلاق القمر "أفق - 5" الذي جرى إطلاقه في مايو 2002 ؛ إلا أن نبأ سعي إسرائيل لإطلاق القمر التجسسى السابع يدق وبشدة أجراس الخطر للدول العربية التي تظل في سبات عميق، وتكتفي بالتنافس على إطلاق أقمار صناعية ترفيهية لبث قنوات الأغاني والفيديو كليب، وتكتفي بتسلم مفاتيحها، دون أن تسعى لامتلاك تكنولوجيا الأقمار الفضائية كي تعتمد على نفسها يوما ما كما فعلت إسرائيل .
ولم يكن الفشل الإسرائيلي في إطلاق "أفق- 6 " معناه أن هناك فشلا عسكريا في التجسس على الدول العربية وإيران بل على العكس من ذلك فالدولة الصهيونية تمتلك حاليا بالإضافة إلى القمر المزمع إطلاقه تمتلك قمرين للتصوير والتجسس العسكري، وهما:" أفق- 5"، "والقمر أيروس" الذي تمتلكه شركة "إيمج سات" الخاصة، والتي تساهم فيها بنسبة كبيرة مؤسسة الصناعات الجوية الإسرائيلية، وشركة البيت للأنظمة الإلكترونية الإسرائيلية، والقمران يحلقان فوق الكرة الأرضية بارتفاع 400 - 600 كيلومتر، ويقومان كل ساعة ونصف بإرسال صور ذات نقاء عالٍ للمحطة الأرضية في إسرائيل لكامل منطقة الشرق الأوسط ولهذا قال البروفيسور "إسحاق بن إسرائيل" الذي كان مسئولا عن برنامج الفضاء الإسرائيلي لصحيفة هاآرتس: " إن الفشل في هذه المرة هو ضربة لتكنولوجيا الفضاء، لكنه لا يعتبر ضربة إستراتيجية لإسرائيل ". وأما الحزن الصهيوني على فشل القمر آنذاك فيرجع إلى أن لديهم مخططا عسكريا وتكنولوجيًّا واضحا، يستهدف إطلاق قمر جديد كلما حان موعد انتهاء العمر الافتراضي لأقمار أخرى موجودة بالفعل.
أفق -6 لمواجهة شهاب - 3
جاء الاهتمام الإسرائيلي بهذا القمر " أفق – 6 " بنفس الدرجة التي كانوا يعلقون عليه أمالهم فى الفترة الماضية خاصة بعد نجاح إيران في تطوير صاروخ شهاب 3 الذي يحمل 3 رؤوس حربية دفعة واحدة بشكل يمكنه من تضليل الدفاعات الأرضية والصواريخ المضادة، والذي يصل مداه إلى 1700 كيلومتر، فهو قادر على بلوغ الأراضي الإسرائيلية وقواعد أمريكية في الشرق الأوسط؛ وهو ما يعني تهديدا مباشرا لتل أبيب ومصالح أمريكا يزيد خطره لو أنتجت قنبلة نووية. ولأن إيران سترد بضرب تل أبيب بهذه الصواريخ في حالة قصف مفاعلاتها التي تهدد إسرائيل بضربها؛ فقد كان من الطبيعي أن ينتظر الإسرائيليون لحين تطوير صاروخ مضاد حقيقي؛ وهو ما نجحوا فيه في الأسبوع الأول من سبتمبر عام 2004 عبر إنتاج واختبار صاروخ "حيتس" بالتعاون مع أمريكا، ولكنهم في التجربة الثانية لاختبار قدرته على إسقاط صاروخ سكود متطور مثل الصاروخ الإيراني شهاب 3 فشلوا فشلا ذريعاً.
ولهذا كانت الخطط الإسرائيلية ترتكز على إطلاق هذا القمر تحديدا لمراقبة التجارب الإيرانية من جهة، ورصدا لمفاعلاتها ومنشآتها النووية الموزعة في عدة أماكن في إيران، وكانت إسرائيل لديها آنذاك تقديرات بأنه في خلال عامي 2005 و2007 ستحصل إيران على السلاح النووي؛ الأمر الذي يعني ضمنيا منح غطاء قوي لسوريا وحزب الله اللبناني، ومن ثم جاءت أهمية وجود قمر تجسس إسرائيلي أحدث يتابع القدرات النووية والتسليحية الإيرانية .
ومن المؤكد أن الأقمار الصناعية ليس لديها القدرة على كشف كل شيء؛ بل وفشلت في توفير المعلومات الكافية عبر القمر الحالي "أفق- 5" الذي يغطي بشكل خاص شمال أفريقيا والشرق الأوسط حتى باكستان وأفغانستان حينما قام الرئيس العراقي السابق صدام حسين بإطلاق صواريخ سكود على إسرائيل في حرب الخليج، لكن بغير استخدام أقمار التجسس لا يمكن متابعة النشاطات التي تقوم بها دولة مثل إيران للتزود بصواريخ قادرة على حمل رءوس نووية.
البرنامج الفضائي الإسرائيلي مقارنة ببرامج الدول العربية
الجدير بالذكر أن برنامج الفضاء الصهيوني بدأ عام 1959 مواكبا لبرنامج مصري مشابه في عهد حكومة رئيس الوزراء بن جوريون الذي كان يطمح لبرنامج فضاء ونووي معا طموح يضمن به التفوق على العرب؛ حيث أنشئت "اللجنة القومية لأبحاث الفضاء" لدراسة إمكانية إقامة برنامج فضاء إسرائيلي، وتلا ذلك إنشاء معهد بحوث الفضاء بجامعة تل أبيب.
وفي العام 1969 توجهت إسرائيل للولايات المتحدة بطلب لمساعدتها في إقامة محطة لرصد الأقمار الصناعية، ثم قامت بتوحيد مراكز البحوث في مجال الفضاء تحت قيادة واحدة من أجل البدء في تنفيذ برنامج موحد، وظلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تشرف على البرنامج وترعاه، فيما توقف البرنامج المصري لأسباب عديدة، ولم تكن هناك برامج عربية أخرى طموحة، وبلغ التفوق الصهيوني في هذا المجال بعد 18 سنة من بدء البرنامج - أنهم بحلول 1977 حققوا خطوات هامة في برنامجهم لدرجة أن دفعت المنظمة الدولية لعلوم الفضاء لعقد اجتماعها أنذاك في تل أبيب، وكان لهزيمة إسرائيل في حرب أكتوبر 1973 دور في تسريع وزيادة الاهتمام بتكنولوجيا الأقمار الصناعية؛ حيث نجحوا عبر أقمار التجسس الأمريكية في اكتشاف ثغرة الدفرسوار بين الجيشين الثاني والثالث، فقرروا التحرك بسرعة أكبر للأمام للاعتماد على الذات في هذا المضمار.
وفى هذا الإطار يشير موقع وزارة العلوم الإسرائيلية على الإنترنت إلى أن مشروع إطلاق منظومة أقمار أفق، أو أوفيك بدأ منذ عام 1982، وأن المشروع تطلب أبحاثا وبنية تحتية وتأهيل مهندسين وفنيين، والاعتماد على الذات في إطلاق الأقمار، وبناء مركز سيطرة وتحكم ومحطة استيعاب أرضية. وجاء إطلاق أول قمر صناعي من هذا النوع المستخدم في التجسس "أفق- 1" في (19 سبتمبر عام 1988)، ثم تبعه "أفق- 2" في (3 إبريل عام 1990)، ثم "أفق- 3" في (إبريل عام 1995)، ثم "أفق 5" في (عام 2002.
وفشل إطلاق قمري أفق- 4 عام 1998 ثم أفق - 6 في عام 2004 ،ويقسّم الخبراء البرنامج الفضائي الإسرائيلي في نشأته إلى ثلاث مراحل هامة تخللها تقديم المساعدات الفنية التقنية من عدة دول غربية لإسرائيل في هذا المجال:
المرحلة الأولى: وتضمنت التعاون مع دول أخرى لإنتاج وإطلاق الأقمار والصواريخ التي تستخدم في إطلاقها وهو ما حدث مع القمرين الأول والثاني خصوصا مع الولايات المتحدة.
المرحلة الثانية: وتضمنت الاعتماد على الذات في إنتاج الأقمار والصواريخ التي تطلقها معا بعد الوصول إلى نوع من التقدم في هذا المجال، وهذه شهدت إطلاق القمر أفق -3.
المرحلة الثالثة: وهي المرحلة الحالية منذ عام 1998، وتميزت ليس فقط بإنتاج وتطوير أقمار وصواريخ أكثر تقنية وأكثر تطورا، ولكن بالسعي لإنتاج أنواع أخطر من هذه الأقمار التي تعمل في مجال اعتراض الصواريخ الباليستية عابرة القارات أو طويلة المدى؛ حتى إن الإسرائيليين سعوا للدخول مع الأمريكان في برنامج أبحاث الفضاء، وشاركوا في مبادرة الدفاع الإستراتيجية المعروفة باسم "حرب النجوم"؛ بل وشاركوا ألمانيا في إنتاج أقمار استشعار عن بعد.
أيضا سعت إسرائيل لتطوير الصواريخ التي تحمل هذه الأقمار - وضمنها الصواريخ الحربية- في سياق صراعهم مع العالم العربي والإسلامي؛ حيث أنتجوا الصاروخ المتطور "شافيت" عام 1986 لحمل الأقمار، وصاروخ " next" وغيرها. وقد وجدت إسرائيل في كل مرحلة من مراحل تطوير صواريخهم وأقمارهم حججًا ومبررات تمكنوا من خلالها من فرض وجودهم على برامج التعاون المشترك مع مشروعات الفضاء الدولية المتقدمة، تارة باسم حماية الدولة اليهودية من خطر الإبادة على يد العرب، وتارة أخرى - كما حدث في 28 مايو 2002 خلال إطلاق "أفق- 5"- باسم مشاركة الدول الأوروبية والولايات المتحدة في حربها ضد "الإرهاب"، وأهمية أن تقوم إسرائيل بمراقبة الحركات الإسلامية ورصد اتصالاتها، بالإضافة إلى التعاون في تحديد هذه الحركات، أو أي حركات أخرى معادية لما تسمى بعملية السلام في المنطقة، ورصد استخدام الإرهابيين والدول المتهمة بالإرهاب لأسلحة متطورة
وعلى الرغم من إطلاق إسرائيل للقمر الصناعي الأول "أفق-1" فإنها استمرت في الاعتماد في مصادر معلوماتها على الأقمار الصناعية الأمريكية، وقد نجح "أفق-1" في المهمة الموكلة له.
ولكن انتهت خدمته عام 1989 باحتراقه في الفضاء. وعقب سقوط "أفق-1" أطلقوا "أفق-2" في إبريل 1990، إلا أنه لم يدُم طويلا؛ حيث احترق في الفضاء بعد 3 شهور من إطلاقه وسقط في يوليو 1990م؛ الأمر الذي حرم الصهاينة في الفترة بين عامي 1991 و1995م (اندلاع حرب الخليج الثانية) من معرفة شيء عن انطلاق صواريخ عراقية باتجاه إسرائيل، ودفعهم للانتقال لمرحلة الاعتماد على الذات بعدما فشلت الأقمار الصناعية الأمريكية أيضا في إيصال معلومات مبكرة لهم عن التهديد العراقي إلى أن نجحت المحاولات فى إطلاق " افق- 3 " الذي أطلق في عام 1995 ، وكان مقدرا له ان يستمر في العمل حتى 1998 ، ولكن فشل عملية إطلاق المولود الرابع في منظومة أقمار التجسس " افق - 4 " عام 1998 بسبب وقوع خلل فني أثناء عملية الإطلاق دفع العلماء الإسرائيليين للعمل على اطالة عمر افق - 3 لأطول فترة ممكنة ، ونجح الإسرائيليون في ذلك حتى توقف القمر عن العمل في مطلع عام2001 بعد نفاد الوقود الذي كان يمكن محطة التحكم الأرضية من تعديل مسار القمر، ومنذ توقف أفق- 3 عن العمل استعانت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بالقمر الصناعي المدني " أروس " التابع لشركة أمجيستي الإسرائيلية التي تعمل بالتعاون مع الصناعات الجوية الإسرائيلية.
وقد احتفت إسرائيل بشدة بالقمر الصناعي للتجسس "أفق-3 " الذي وفر الاكتفاء الذاتي للصهاينة في مجال المعلومات الاستخباراتية التي كانوا يحصلون عليها من خلال أقمار التجسس الأمريكية، وبالغوا بشدة في أهميته ؛ حتى إنهم قالوا إنه كان يرصد حركة الآلات العسكرية والصواريخ، والاتصالات السلكية واللاسلكية، ويعترض المكالمات الهاتفية ويسجلها، بل ويملك القدرة على قراءة أرقام السيارات في شوارع العاصمة العراقية بغداد، وقادر على تصوير الطاولة التي يفطر عليها أي زعيم عربي!!!
" أفق - 5 " المارد الذي حقق حلم إسرائيل في التجسس الفضائي
وكان لانطلاق "أفق- 5" في مايو 2002 نقلة نوعية في الصناعات العسكرية الإسرائيلية لما يمتاز به من قدرات استخباراتية وتجسسية عالية تؤهله لكي يكون بداية لجيل جديد من أقمار التجسس؛ وليشكل حلقة جديدة من حلقات الفجوة العسكرية والتكنولوجيا الهائلة ما بين العرب وإسرائيل ، وهي الفجوة التي تعمقت حدودها في ظل اتفاقات السلام العربية الإسرائيلية ، حيث راح العرب في نوم عميق فيما أخذت إسرائيل تعمل بقوة في تطوير مشاريعها العسكرية ما بين أسلحة نووية وصواريخ باليستية ومنظومات الصواريخ المضادة للصواريخ وبرامج الأقمار الصناعية العلمية والعسكرية هو ما جعل مقولة " السماوات المفتوحة " تنطبق بحق على فضائنا العربي الذي أصبح مستباحا من جانب أقمار التجسس الأمريكية والإسرائيلية ، فيما اكتفى العرب رغم فضائهم الشاسع بعدة أقمار للإرسال التلفزيوني . وشتّان بين أقمار إسرائيل وأقمار العرب، فإسرائيل تصنّع أقمارها بالكامل وتطلقها بواسطة صواريخ إسرائيلية ، في حين أن أقمار العرب هي " قمر تسليم مدار " على وزن " مصنع تسليم مفتاح " وهي عبارة يستخدمها البعض للتندر على استيراد العرب لأقمار جاهزة الصنع .
قدرات تجس هائلة"
حظي " أفق – 5 " بمظاهر ترحيب واسعة من جانب المسئولين والصحف الإسرائيلية آنذاك، فسّرها البعض بأنها محاولة لإخراج الشارع الإسرائيلي من حالة الإحباط وفقدان الثقة بالنفس في ظل الضربات الموجعة المتوالية من جانب المقاومة الفلسطينية والعمليات الاستشهادية والتي نكلت بكرامة الجيش والشعب الإسرائيلي ، لدرجة أنه بات معها المواطن الإسرائيلي – حسبما ذكرت صحيفة لوموند الفرنسية – يطلب حاجاته عبر الانترنت أو خدمة التوصيل للمنازل خوفا من النزول إلى الشوارع ، وإلى حد أن وصف الرئيس الإسرائيلي القمر الجديد بأنه " إنجاز تكنولوجي مذهل يثبت مجدداً تفوق دولة إسرائيل واحتلالها مكانة بارزة في صدارة نادي الفضاء " .
واعتبرت صحيفة " يديعوت احرونوت " في اليوم التالي لإطلاق القمر انه " لم تعد هناك أي نقطة في الشرق الأوسط تغيب عن عين قمر التجسس" ، وهو ما يؤكد " أن إسرائيل انضمت إلى عضوية نادي التجسس الفضائي الذي يضم فقط الولايات المتحدة وروسيا والصين" . وزعمت الصحيفة أن افق – 5 " بامكانه أن يميز صندوقاً صغيراً يتم إدخاله إلى المفاعل النووي الجديد في إيران وقراءة ماركات السيارات التي تدخل أي منشاة عسكرية... حتى انه كان قادرا علي رؤية ما تتضمنه وجبة إفطار يتناولها الرئيس العراقي صدام حسين في باحة قصره " .
واعتبر زئيف شيف المحلل العسكري للصحيفة أن " إسرائيل قد توصلت إلى إنجازات تكنولوجية مذهلة في الفضاء تعزز قدرتها في مواجهة مخاطر شديدة وتعزز قدرتها الردعية " ، مشيرا إلى أن الكاميرات المتقدمة لافق – 5 قد ضاعفت " القدرة الاستخبارية لإسرائيل في التشخيص الذاتي للمخاطر علي مسافات بعيدة. ومن جانبها حددت صحيفة " هآرتس " المهمة الرئيسية للقمر بأنها " تزويد الأجهزة الأمنية في إسرائيل بالمعلومات عن تحرك أية قوات عسكرية في الدول المجاورة أو التغييرات التي تحدث للقوات في الدول المعادية ولعل دوران افق -5 حول منطقة بأكملها تعتبر معادية لإسرائيل ، هو الذي دفع الخبراء الإسرائيليون لإطلاقه عكس دوران الأرض من الشرق إلى الغرب، وذلك حتى يسقط الحطام – في حال فشل عملية الإطلاق – في البحر وليس في الأراضي العربية خوفا من قيام الدول العربية بتحليل الحطام ومعرفة تكنولوجيا تصنيعه .
خطر أمني وعسكري داهم على العرب
وفى هذا الشأن تباينت آراء المراقبين و الخبراء العسكريين العرب حول مدى خطورة أقمار التجسس الإسرائيلية ، فالبعض اعتبر أن الأمر لن يضيف لإسرائيل جديدا ، إذ أن الاتفاقات الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب تتيح للأخيرة منذ السبعينات الاستفادة من الصور التي تلتقطها أقمار التجسس الأمريكية وهو ما كان يحدث حتى أثناء عمل القمر الإسرائيلي " افق - 3 " . ويلفت هؤلاء النظر إلى أن جمع المعلومات لم يعد مشكلة ، ولكن المهم هو وجود من يستطيع قراءتها وتحليلها وربطها مع بعضها البعض للخروج بنتائج واضحة، وهو الأمر الذي فشلت فيه الولايات المتحدة نفسها فيما يتعلق بتفجيرات 11 سبتمبر ، فعلى الرغم من تلقي أجهزة الاستخبارات الأمريكية لمعلومات ومؤشرات تحذّر من وقوع هجمات داخل الولايات المتحدة ، الا ان هذه الأجهزة فشلت في قراءة أو تحليل تلك المعلومات ولم يقتصر الفشل الأمريكي فقط على إحداث 11 سبتمبر ، بل فشلت الأقمار الأمريكية من قبل في اكتشاف التجارب النووية التي أجرتها كل من الهند وباكستان عام 1998 ، وخلال حرب الخليج الثانية 1991 فشلت الولايات المتحدة في إسكات منصات الصواريخ العراقية التي أمطرت المدن الإسرائيلية بعشرات من صواريخ " سكود " ، وقد نال القوات الأمريكية في حفر الباطن بعضا من تلك الصواريخ .
ويرى هؤلاء الخبراء أن المعلومات العسكرية لم تعد سرا، فمعظم الدول العربية تجري مناورات عسكرية مع الولايات المتحدة ومعظم الدول الغربية، كما أن ما تمتلكه الجيوش العربية من أسلحة في معظمه أمريكي أو أوروبي، ولكن يبقي عنصر المفاجأة كأحد أهم مفاتيح النصر في الحروب الحديثة ، وهو ما نجح الجيش المصري في استغلاله ببراعة خلال حرب 1973، فعلى الرغم من ان إسرائيل كانت تحصل بشكل يومي على صور أقمار التجسس الأمريكية، إلا أنها فشلت في تحليل تلك المعلومات، وحقق عنصر المفاجأة ميزة جوهرية للجيش المصري خلال المعارك.
وعلى جانب آخر ، يعالج بعض الخبراء العسكريين الحقائق المترتبة على امتلاك إسرائيل لمنظومة متطورة من أقمار التجسس في إطار أشمل وأكثر عمقا، معتبرين أن الهدف من تلك الأقمار هو إحكام الرقابة والتجسس على المجال الحيوي لإسرائيل، والذي حدده رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرئيل شارون بأنه يمتد من الساحل المغربي على المحيط الأطلنطي غربا إلى باكستان حيث مفاعل " كاهوتا " شرقا ، ومن جنوب الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى شمالا إلى باب المندب وجنوب أفريقيا جنوبا وسوف تعزز تلك الرقابة من قدرة إسرائيل في مجال الدفاع المضاد للصواريخ ، وهو الامر الذي تخشاه إسرائيل سواء فيما يتعلق بسوريا او إيران اللتين تزعم أنهما يملكان صواريخ ( أرض - أرض ) قادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي .
كما تعزز أقمار التجسس من قدرة إسرائيل على رصد تحركات الجيوش العربية ومتابعة مناوراتها ، ورصد الاتصالات بين القوات ومراكز القيادة ، وهو ما يتيح للقوات الإسرائيلية ميزة القدرة على شن ضربة وقائية وإجهاض أي تحرك مضاد ويلفت هؤلاء إلى أن انتقال إسرائيل لمرحلة الاكتفاء الذاتي فضائيا يعمق من حجم الفجوة التكنولوجية بين العرب وإسرائيل، كما انه ينقل العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة من مرحلة التبعية التكنولوجية إلى مرحلة تعامل الند للند ، وهي مرحلة تعطي لإسرائيل مساحة أكبر من المناورة في مواجهة أيّ ضغوط أمريكية مستقبلية.
شجب، تنديد واستنكار
وكالعادة تعاملت الدول العربية ومازالت تتعامل مع منظومة الأقمار الإسرائيلية وكأنها تستهدف مكانا آخر غير محيطنا العربي والإسلامي ، إذ لم يكلف أي مسؤول عسكري او سياسي عربي نفسه عناء التعليق على الامر ، واقتصر الأمر على بيان من الخارجية العراقية آنذاك والذي رأي في القمر الإسرائيلي أفق - 5" تهديدا ليس لبلد عربي بعينه و إنما تهديدا للأمن القومي العربي كله " ، وطالب البيان الدول العربية بـ " اتخاذ كل التدابير اللازمة لمواجهة واحتواء الآثار المترتبة علي ذلك !!!!! "
وبعد شهر واحد من إطلاق أفق- 5 بحثت اللجنة الفنية التابعة للجامعة العربية المعنية بمتابعة النشاط الفضائي الإسرائيلي في اجتماعاتها بالقاهرة مخاطر النشاط الفضائي الإسرائيلي على الأمن القومي العربي، وقال مساعد الأمين العام بالجامعة للشئون السياسية أيامها "إن القمر الصناعي الإسرائيلي يركز نشاطه بصفة خاصة على الدول العربية المجاورة، وإنه يستطيع تصوير منطقة، مساحتها نصف متر مربع".
واعتبر المسئول أن إطلاق إسرائيل لأقمار من هذا النوع يؤذن ببداية سباق تسلح جديد، ودخول المنطقة عصر حرب النجوم أسوة بالمشروع الأمريكي الذي ترتبط معه إسرائيل باتفاق تفاهم وقع عام 1998 بين الرئيس بيل كلينتون ورئيس حكومة إسرائيل السابق بينامين نتنياهو، وحذر مساعد الأمين العام للجامعة من خطورة ذلك بسبب إمكان ربط أقمار التجسس بالبرنامج النووي الإسرائيلي، مع احتمال استخدام الصاروخ الحامل لقمر التجسس "شافيت" لحمل رؤوس نووية إلى مدى بعيد.وأضاف أن مخاطر النشاط الفضائي الإسرائيلي، وخصوصا "أفق- 5" تكمن في التغلب على مراكز الإنذار المبكر والاستشعار عن بعد في الدول العربية، سواء بالتشويش أو المتابعة أو التصنت.
شريف بيومي
المصدر : المحيط
إضافة تعليق جديد