كتاب تاريخ التصوّف في سوريا
الدكتور عبود عبد الله العسكري مؤلّف هذا الكتاب أستاذ جامعي سوري يقوم بتدريس مادة التصوّف في كلّية الآداب، قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية بجامعة حلب، وهو باحث في الفلسفة الإسلامية وبخاصة الفكر الصوفي.
شارك في العديد من المؤتمرات داخل سوريا وخارجها، من كتبه: «علاقة الفقهاء بالسلطان بين النظرية والتطبيق»، «منهجية البحث العلمي في العلوم الإنسانية»، «منهجية البحث العلمي في العلوم النفسية والتربوية»، «منهجية البحث العلمي في العلوم التطبيقية»، «كيف تقرأ؟».
وفي كتابه الجديد: «تاريخ التصوّف في سوريا» يتناول الباحث الفكر التصوّفي في سوريا، تاريخه وأماكن انتشاره، فمن الجولان إلى رميلان، ومن الجبل إلى الساحل، تلك هي ساحة الكتاب المكانية، وقد قسمها الباحث إلى ثلاث مناطق: المنطقة الجنوبية والمنطقة الوسطى والساحلية ثم المنطقة الشمالية الشرقية، أما من حيث الزمان، فقد حاول رصد الظاهرة الصوفية منذ بداية انتشارها في سورية وإلى نهاية القرن العشرين.
ويرجح الباحث سبب التسمية بأنها جاءت لاحقاً وبعد فترة زمنية ليست قصيرة، لتطابق الممارسات التعبدية الزهدية الصوفية للزهّاد الأوائل الذين ظهروا في العراق وبلاد ما وراء النهر وخراسان وهم من أصول عربية، ولعل أول تعريف للتصوّف جاء على لسان أبي حفص النيسابوري (ت 270 ه) حين قال:
«التصوّف كله آداب: لكل وقت أدب، ولكل مقام أدب»، ولا يخفى على أحد الموروث القديم الذي كان سائداً قبل الإسلام في بلاد الرافدين وفارس والهند والشام... الخ. أما عن «مراحل التصوّف» فيقسمها الباحث إلى عدّة مراحل هي:
المرحلة الأولى: تمتد حتى نهاية القرن الثاني الهجري، ولم يكن التصوّف فيها متميزاً بميزات تخصّه، إذ كان، كما سبق، عبارة عن التقيّد بالكتاب والسنّة واتباع طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، في زهده، ولكن ابتداء من منتصف هذه المرحلة أخذ الزهد وحبّ الله يفلسف مع (الحسن البصري، 110 ه) الذي يُعدّ من أعظم الشخصيات التي ظهرت في هذه الفترة، وكان لها التأثير الكبير على التصوّف الإسلامي فيما بعد.
المرحلة الثانية: تمتد منذ نهاية القرن الثاني الهجري وحتى أواخر القرن الرابع الهجري، وكان من أشهر شخصيات هذه المرحلة (الحارث المحاسبي، ت 243 ه) الذي اشتهر بمحاسبة النفس ومراعاة حقوق الله الواجبة على الإنسان، وقد أودعها في كتابه «الرعاية لحقوق الله تعالى»، ومن رجالات هذه المرحلة: (ذو النون المصري، ت 245 ه) وهو أول مَن تكلّم عن المقامات الصوفية في مصر.
المرحلة الثالثة: تميّزت هذه المرحلة بغزارة التأليف الصوفيّة وانتشارها على امتداد العالم الإسلامي، مع استيعابها لكل الميول والاتجاهات الفكرية والعقائدية، وانصهار جميع هذه الأفكار في بوتقة صوفيّة إسلامية.
المرحلة الرابعة: جاءت بعد القرن السابع الهجري، وتميّزت عن بقية الفترات السابقة بتدهور التصوّف وانحطاط مستواه الفكري والعقائدي. وعن تطور التصوّف من الفردي إلى الجماعي: يشير الباحث إلى أن انتقاله من اتجاه فردي شخصي إلى مرحلة ذات تنظيم جماعي، الأمر الذي أثار الحكّام من طرف والفقهاء من طرف آخر.
وهذا التنظيم سُمّي «بالطريقة»، وانتهت الطريقة الصوفيّة بأنها أصبحت تدلّ على المعاشرة القائمة على الرعاية الإسلامية العادية، وعلى سلسلة من الوصايا الخاصة لكي يصبح الإنسان مريداً.
وعن «أعلام المتصوّفة» يذكر الباحث الأهمية الخاصة لسوريا تاريخياً ودينياً واقتصادياً، فيرصد حركة أعلام التصوّف الذين رحلوا إليها وأقاموا ودُفنوا فيها، وللآخرين الذين كانت لهم في سوريا محطات هامة على مستوى التكوين المعرفي والذوقي.
من هؤلاء: 1ـ إبراهيم بن أدهم (ت 161ه) الذي أحيطت حياته بهالة أسطورية وحاول المستكشفون اكتشاف بعض الشبه بين حياته وحياة بوذا مؤسس الديانة البوذية. 2ـ أبو سليمان الداراني (ت 215 ه) وهو أبو سليمان الداراني عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العنسي من أهل داريّا.
3ـ السهروردي المقتول: وُلد في عام (545 هـ أو 550 ه) وتوفي عام (587 ه) ولم يفهم تلاميذه لقب المقتول إلاّ بمعنى شهيد، انه «أبو الفتوح» يحيى بن حبش بن أميرك، ويلقّب بـ(شهاب الدين) ويوصف ب(الحكيم) والمشهور بالشيخ المقتول تميزاً له عن صوفيين آخرين،
والسهروردي نسبة إلى (سهرود) وهي بلدة عند (زنجان) من عراق العجم ويعود لقبه (المؤيد بالملكوت) لما عرفه من علوم إلهيّة وأسرار ربّانية مما رمز وأشار الحكماء إليها، ولما أُيّد به من قوة التعبير عن هذه الأسرار وتلك العلوم في كتابه المشهور «حكمة الإشراق».
4ـ ابن عربي: ويرى الباحث ان أهميته تتبدّى في حقيقة أنه يمثل همزة الوصل بين التراث الصوفي والفلسفي السابق عليه كلّه وبين الذين جاءوا بعده.
وعلى الرغم من كثرة تنقلات ابن عربي وأسفاره التي لا تنقطع، فإنه قد خلّف أكثر من (300) مؤلَّف بين رسالة وكتاب ومجلدات عديدة. إلاّ أن أشهر كتبه على الإطلاق كتاب «الفتوحات المكيّة» وهو مطبوع عدّة طبعات أشهرها طبعة بولاق التي اشرف عليها الأمير عبد القادر الجزائري.
5ـ جلال الدين الرومي: وُلد في فارس عام (604 ه) وكان يُدعى عادة (خداوندكار) أو مولانا (خداوندكار) التي تعني (شيخنا)، وعُرف بهذا الاسم في تركيا كافة ويُنطق بالتركية (مولانا).
إن العمل الرئيسي ل(مولانا) جلال الدين الرومي هو ديوان شعري ضخم ضمّ نحو خمسة وأربعين ألف بيت، أما مصادر الرومي في المباحث والحكايات فمختلفة، وتشمل التراث الشعبي الإيراني وقصص كليلة ودمنة وعلى نحو خاص أعمال (سنائي والعطار)، وتظهر إشارات متعددة إلى الغزالي وكتابه (الإحياء) والى ابن سينا ونظامي.
أما بشأن مصادره الدينية فقد جاء بعضها، باستثناء القرآن والحديث اللذين كانا غذاءه الطبيعي، من تعاليم أبيه (بهاء الدين ولد) وبعضها الآخر من (شمس تبريز) ويؤكد الباحث أن جلال الدين قد درس لسنوات عديدة في حلب ودمشق. كان الرومي أستاذاً وشاعراً صوفيّاً وليس فيلسوفاً أو باحثاً نظرياً في المنطق.
عن «تاريخ الطرق الصوفيّة وأعلامها وزواياها في المنطقة الجنوبية» يتحدث الباحث عن تحوّل التصوّف من ظاهرة فردية، نفسية، تعبدية، إلى ظاهرة اجتماعية، تنظيمية، وذلك في بداية العصر المملوكي، فاجتمع المتصوّفة حول شخص يرشدهم أو حول قبر صالح يتبرّكون به.
عن «تاريخ الطرق الصوفيّة وأعلامها في المنطقة الوسطى والشمالية والشرقية» يشير الباحث إلى ان أهم المؤلفين الذين أشاروا إلى ظاهرة التصوّف، سواء كمتصوّفة أو زهّاد أم كزوايا وخانقاهات في مدينة حلب، هو مؤرّخ حلب (محمد راغب الطباخ) وذلك في ترجمة لأعلام حلب.
وقد امتدت هذه التراجم في أربعة أجزاء، بدءاً من الجزء الرابع وحتى السابع، ويمكن ذكر أهم التراجم الصوفيّة التي وردت في «أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء»، وقد تحدّث عن زوايا حلب وربطها (محمد كرد علي) في (خطط الشام) أيضاً.
المصدر - البيان
إضافة تعليق جديد