التتريك سلاح تركيا الناعم في مناطق ريف حلب الشمالي
لم تكد تمضي بضعة أيام على دخول القوات التركية منطقة عفرين بريف حلب الشمالي، حتى كشفت الحكومة التركية عن نواياها المتعلقة بمناطق ريف حلب الشمالي الواقعة على الشريط الحدودي مع أراضيها، والهادفة إلى فرض الطابع التركي على كافة تلك المناطق عبر سلسلة من الإجراءات المتلاحقة التي باتت تُسمى لاحقاً بـ "التتريك".
ورغم سيطرتها في وقت سابق على مناطق "الباب" و"جرابلس" و"أعزاز" ضمن العملية التي أسمتها آنذاك بـ "درع الفرات"، إلا أن القوات التركية لم تبدأ بتطبيق سياسة "التتريك" بشكل فعلي وواضح، إلا بعد سيطرتها عام /2018/ على منطقة "عفرين" التي أكملت شريط السيطرة التركية على كافة المناطق الحدودية الشمالية غرب نهر الفرات، وكان لها النصيب الأكبر من سياسات "التتريك" على مر السنوات الماضية.
تغيير أسماء القرى والشوارع من العربية والكردية إلى التركية
يوم واحد فقط على دخول قواتها إلى عفرين، كان كفيلاً بكشف النوايا التركية المتعلقة بمناطق شمال حلب عموماً، وعفرين على وجه الخصوص، فمع حلول صباح اليوم الثاني من السيطرة على المنطقة، سارعت القوات التركية بالتعاون مع مسلحي فصائل المعارضة الموالين لها، إلى تنظيم حملة لتغيير أسماء الشوارع والساحات الرئيسية في عفرين المدينة، وعدد من القرى المجاورة لها، إلى مسميات إما تركية بحتة، أو متعلقة بشخصيات تركية، وصولاً إلى أسماء متعلقة حتى بالعمليات العسكرية التركية.
أولى الساحات التي تم تغيير اسمها في عفرين، كانت ساحة "السرايا" وسط المدينة، والتي تمت تسميتها بساحة "رجب طيب أردوغان"، قبل أن تمتد حملة تغيير الأسماء إلى ساحة "كاوا الحدّاد" أحد أبرز الشخصيات التاريخية الكردية الواقعة وسط المدينة، والتي غيّرت تركيا اسمها إلى مسمى "دوار غصن الزيتون" نسبة للعملية التي تمكن الأتراك خلالها من احتلال عفرين.
كما طالت عدداً من شوارع المدينة الرئيسية، كشارع "المازوت" الذي سُميّ من قبل أنقرة باسم "شهداء /18/ آذار" في إشارة لليوم الذي اقتحمت فيه القوات التركية مدينة عفرين، فيما تكثر أمثلة تتريك الأسماء الكردية والعربية على صعيد قرى المنطقة، ومن بين تلك الأمثلة قرية "قسطل مقداد" التي بات اسمها "سلجوق أوباسي"، وقرية "كوتانلي" تحولت إلى قرية "ظافر أوباسي"، وقرية "قورزيلة" أصبحت "جعفر أوباسي".
الأعلام التركية تمتلك أولوية الرفع فوق كافة المرافق
لن يشعر الداخل إلى مناطق سيطرة تركيا في شمال حلب بأنه يقف على أراضٍ سورية، حيث سيرى الأعلام التركية مرفوعة على كافة السواري والمرافق بما فيها المدارس والمستشفيات، الموجودة ضمن عموم تلك المناطق، بينما من الممكن وعلى نطاق محدود مشاهدة الرايات المعتمدة لدى مسلحي فصائل المعارضة (العلم السوري خلال فترة الانتداب الفرنسي).
وتشدد تركيا على كافة الفصائل الموالية لها، بحسب ما ورد لـ "آسيا"، لرفع العلم التركي فوق مختلف المواقع المدنية والعسكرية في ريف حلب الشمالي، مع امتلاك علمها الأولوية، حتى على حساب العلم السوري الذي اتخذته الفصائل، أو على الرايات الخاصة بكل فصيل، ليصبح العلم التركي هو العلم الرئيسي المعتمد في مناطق الشمال الخارجة عن سيطرة الدولة السورية.
السكان الأصليون مقيمون مؤقتاً في مناطقهم بفعل "الكيملك" التركية!
أجبرت القوات التركية المدنيين القاطنين ضمن مناطق سيطرتها في عموم ريف حلب الشمالي، على استصدار بطاقات إقامة مؤقتة صادرة عن الحكومة التركية، والتي تُعرف في الداخل التركي باسم "الكيملك"، في خطوة هدفت أنقرة من خلالها إلى "تهميش" الهوية الشخصية الصادرة عن الدولة السورية، وجعل "الكيملك" الصادرة عنها، الوثيقة الرسمية المعتمدة في التعامل ضمن مناطق نفوذها.
وتكفلت المجالس المحلية التي شكّلتها أنقرة في كل منطقة على حدة، بمسألة توزيع بطاقات "الكيملك" للسكان، فيما تزامن قرار تسليم البطاقة مع قرارات تركية صارمة، تقضي بغرامات مالية كبيرة لمن يمتنعون عن استصدارها، مع تشديد العقوبة إلى حد "الترحيل" في حال التأخر بشكل أكبر عن الاستلام.
وتتطابق "الكيملك" التي سلمتها تركيا لقاطني مناطق شمال حلب الخاضعة لسيطرتها، مع "الكيملك" التي يتم تسليمها عادة للمقيمين الأجانب داخل الأراضي التركية، حيث تتضمن كل بطاقة اسم الشخص ونسبته وتاريخ ميلاده، والناحية التي يتبع لها مكان إقامته إلى جانب المنطقة الرئيسية، على سبيل المثال (شرّان- منطقة عفرين)، (مارع- منطقة أعزاز)...
الخطوة التركية جعلت أهالي مناطق شمال حلب كالمقيمين الأجانب على أراضٍ تركية، وبالتالي أصبح السكان غرباء في بيوتهم وقراهم التي وُلدوا وعاشوا فيها، وفق ما أكده عدد من أهالي عفرين خلال حديثهم لـ "آسيا"، حيث باتوا مجبرين على استخدام بطاقات "الكيملك" في كافة تعاملاتهم اليومية، وحتى على الحواجز العسكرية التابعة لمسلحي المعارضة والمنتشرة بكثرة على مختلف الطرق الرئيسية.
التعليم.. ركيزة أنقرة الرئيسية في "تتريك" شمال سورية
لعل خطوة السيطرة على التعليم، تُعد الأكثر خطورة من بين كافة الخطوات التي تتبعها أنقرة على طريق "تتريك" مناطق شمال حلب، وخاصة أنها تعدّ خطوةً ذات أبعاد استراتيجية مستقبلية، من شأنها السيطرة على الأجيال الناشئة عبر نشر التعليم والثقافة التركية، وبالتالي خلق أجيال مستقبلية تركية شبه خالصة، وفي الوقت ذاته العمل على "تتريك" عقول اليافعين راهناً.
أولى خطوات سيطرة تركيا على التعليم، تمثلت في رفع الأعلام التركية فوق سواري كافة المدارس، كما ذُكر أعلاه، بالتزامن مع فرض تعليم اللغة التركية في كافة المدارس ورياض الأطفال، وإلغاء تعليم اللغة الكردية، وتقليل الكتب الدراسية الخاصة باللغة العربية، فيما تم وضع مناهج تعليمية خاصة من قبل باحثين ومستشارين سوريين وأتراك، بعيدة كل البعد عن المناهج التعليمية المعتمدة لدى الدولة السورية، ولمختلف المراحل الدراسية.
كما أسست تركيا العديد من المدارس الابتدائية التابعة لها شمال حلب، بما فيها المدارس التي بُنيت ضمن الجمعيات السكنية "المستوطنات"، حيث تعد تلك المدارس تركية خالصة، وتعلّم الأجيال الناشئة المنهاج التركي بالكامل، بما فيه كتب التاريخ والتربية الإسلامية، فيما تعمدت أنقرة إطلاق أسماء ضباط أتراك ممن شاركوا في العمليات العسكرية شمال سورية على معظم تلك المدارس، ولعل مدرسة "سليمان داميرال" التي أطلقتها تركيا في مدينة الباب، من أبرز الأمثلة على ما تم ذكره، حيث كان "سليمان داميرال" أحد الضباط الأتراك الذين قُتلوا خلال العمليات العسكرية التركية في مدينة الباب.
السنوات الماضية، حملت معها أيضاً قيام الحكومة التركية، بتأسيس جامعات ضمن مناطق شمال حلب، وتم ربط تلك الجامعات المستحدثة، بجامعات حكومية تركية، فيما كان من اللافت أن تلك الجامعات التي تعتبر فروعاً رئيسية للجامعات التركية، تم إنشاؤها بناءً على مراسيم أصدرها الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، كما يتم ضمنها تعليم المواد والمناهج المعتمدة في تركيا، بما فيها اللغة التركية.
ومن ضمن الجامعات والكليات التي افتتحتها تركيا في مناطق شمال حلب، كلية الطب البشري والمعهد العالي للعلوم الصحية في بلدة الراعي التابعة لمنطقة الباب بريف حلب الشمالي الشرقي، تتبعان لجامعة العلوم الصحية التركية في مدينة "إسطنبول"، إلى جانب كلية للتربية بمنطقة عفرين، وكلية للعلوم الإدارية والاقتصادية في الباب، وجامعة متخصصة بالعلوم الإسلامية في منطقة إعزاز.
من جانبها أكدت الدولة السورية رفضها لحملات "تتريك" التعليم في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا شمال حلب، وسارعت للتواصل عبر وزارة التربية مع منظمات دولية عدة، حيث أشار وزير التربية السوري دارم الطباع خلال تصريحات صحفية، بأن تلك المنظمات "تقف إلى جانب الحكومة السورية ضد ما تقوم به تركيا في الشمال السوري، وهي ليست مع تسييس العمل التربوي"، مؤكداً أن وزارته تعمل على إيصال صوتها عبر وزارة الخارجية للتأكيد على مبدأ المواطنة"، فيما شدد وزير التعليم العالي السوري بسام إبراهيم على عدم اعتراف حكومة بلاده على أي جامعة غير سورية وغير مرخصة قائلاً: "لا نعترف على أي جامعة سوى الجامعات السورية المرخصة من وزارة التعليم العالي، والشهادات الرسمية الصادرة عن الجامعات السورية هي المعترف عليها فقط من الحكومة السورية".
بدورهم أعرب عدد من سكان منطقة الباب لـ "آسيا"، عن خوفهم على مستقبل أبنائهم بالقول: "بقينا في منازلنا وأرضنا رغم كل الظروف، لتمسكنا بهذه الأرض وبقوميتنا العربية الأصيلة التي تربينا عليها، وحاولنا وما زلنا نحاول توريثها لأبنائنا، لكننا اليوم بتنا أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن نُبقي أبنائنا دون تعليم، أو أن نرسلهم للمدارس ونغامر بأن يصبحوا مستقبلاً أتراك الفكر والعقيدة ويشذّوا عن عاداتنا وتقاليدنا".
يضيف الأهالي: "تعمل ما في وسعنا على مسك العصا من الوسط، غالبيتنا ترسل أبنائها للمدارس، ولكن بعد عودتهم إلى البيت، نجلس معهم ونرى ما تعلموه ونحاول تصحيحه ما أمكن، عسى أن نُفلح في إنقاذ ما يمكن إنقاذه".
الخدمات الأساسية.. السلاح التركي الأقوى لابتزاز المدنيين
لطالما كانت الخدمات الرئيسية، من أهم مستلزمات العيش للمواطنين في أيٍ من دول العالم، ويبدو أن تركيا عملت بوتيرة سريعة على استغلال تلك النقطة، لناحية جعل كافة تلك الخدمات سلاحاً رئيسياً بيدها، تستخدمه في الضغط على المواطنين شمال حلب، وزرع شعور انتمائهم لتركيا في عقولهم.
ويعد قطاع الاتصالات أول القطاعات الخدمية التي سارعت تركيا إلى وضع يدها عليه، استغلالاً منها لحاجة الأهالي الباحثين باستمرار عن طريقة تواصل مع أقاربهم في المناطق الأخرى، فكانت البداية من خلال إصدار تعليمات لمسلحي فصائل المعارضة بسرقة وتفكيك كافة أبراج التغطية الخلوية السورية، وخاصة في منطقتي أعزاز وعفرين، قبل أن تحل أبراج التغطية التابعة لشركة الاتصالات الخلوية "تورك سل" مكانها.
وإبان تأمين التغطية اللازمة لتشغيل الأجهزة الخلوية، بدأت الشركة التركية ببيع شرائح الاتصال المتضمنة خدمات الإنترنت للمستخدمين، وبأسعار مزاجية بالاستفادة من كونها المحتكرة لقطاع الاتصالات في ريف حلب الشمالي، وباتت الخطوط التركية هي الوسيلة الرئيسية المعتمدة للتواصل في عموم مناطق النفوذ التركي ضمن ذلك الريف.
بدوره قطاع الكهرباء كان من ضمن أولويات "التتريك" لدى أنقرة، وكما هو الحال في قطاع الاتصالات، تم بداية تخريب البنى التحتية السورية بالكامل، ونهبها من قبل مسلحي المعارضة، لتدخل بعدها شركة "AK. ENERGY" التركية على خط توليد الكهرباء للأهالي، وأصبحت المسؤولة عن توليد الكهرباء في جميع المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا شمال حلب، متخذة أحد المباني الكبيرة في بلدة "مارع" مقراً لها.
وتقوم شركة "AK. ENERGY" بين كل حين وآخر، برفع أسعار الاشتراك في التغذية الكهربائية على المواطنين، بما يضمن لها تحقيق أرباحاً كبيرة، حيث يبلغ حالياً سعر الكيلو واط الساعي المنزلي /1.47/ ليرة تركية، والتجاري /2.48/ ليرة تركية أي ما يعادل /15/ سنت أميركي، والصناعي /2.3/ ليرة، الأمر الذي أرهق المدنيين ودفع بهم في عدة مناسبات إلى حد التظاهر ضد الشركة وممارستها، إلا أن نتيجة تلك المظاهرات كانت تنتهي بالسكوت وعدم والوصول إلى أي نتيجة، بفعل احتكار الشركة للتغذية الكهربائية، وتلويحها بقطع تلك التغذية مع خروج كل مظاهرة.
الليرة التركية معتمدة في التداول.. ومستخدمو الليرة السورية عُملاء!
التاسع من تموز عام /2020/، حمل معه تطوراً كبيراً على صعيد "التتريك"، فتركيا التي كانت تسمح في السابق بتداول عدة أنواع من العملات ضمن مناطق سيطرتها (الدولار الأمريكي- الليرة السورية- الليرة التركية)، أصدرت قراراً صارماً بمنع استخدام الليرة السورية في أي من عمليات التداول بين سكان المناطق الخضعة لسيطرتها، تحت طائلة عقوبات مشددة بحق من يخالف القرار.
وباشرت أنقرة فور صدور القرار باتخاذ سلسلة إجراءات متسارعة لتطبيقه وإرغام السكان على الالتزام، فأصدرت بالتعاون مع المجالس المحلية الموالية لها في أعزاز والباب وجرابلس وعفرين، نشرات أسعار للمواد الغذائية تقتصر فقط على الليرة التركية، بدءاً من ربطة الخبز التي تم تحديدها آنذاك بليرة تركية واحدة، مروراً بأسعار الخدمات الرئيسية كالكهرباء والاتصالات، وصولاً إلى إلزام أصحاب المحال والورش بتقييم رواتب عمالها وتوزيعها عليهم حصراً بالليرة التركية.
ولم تكتفِ القوات التركية بفرض الليرة التركية، بل حظرت استخدام الليرة السورية في أي من مناطق سيطرتها وتحت أي بند كان، حيث أشار أهالٍ من عفرين، تحدثوا لـ "آسيا" عن معاناتهم، إلى أن العديد من السكان تعرضوا للاعتقال على يد المخابرات التركية، نتيجة إلقاء القبض عليهم أثناء استخدامهم العملة السورية، وتمت محاسبتهم وزجهم في سجون مسلحي الفصائل الموالية لأنقرة، على اعتبارهم عملاء للدولة السورية ضد الدولة التركية، وفق ما جاء في نص الاتهام الموجه إليهم.
تغيير ديموغرافيا السكان من خطوات "التتريك".. والعكس صحيح
من المعلوم أن "التتريك" يندرج ضمن الخطوات الرئيسية لإجراءات تغيير ديموغرافيا السكان ضمن مناطق سيطرة تركيا فصائل المعارضة السورية، إلا أن العكس أيضاً يحمل معه الصحة ذاتها، ويمكن اعتبار هذين الأمرين وجهان لعملة واحدة.
فبعد إرساء سيطرتها في مناطق شمال حلب الممتدة على طول الشريط الحدودي، عملت تركيا على سلسلة إجراءات هادفة إلى تغيير الطبيعة الديموغرافية للسكان، وجعل جميع القاطنين في تلك المناطق، من الموالين الخالصين للدولة التركية، وبالتالي خلق شعب "مُهجّن" يدين لها بالولاء والطاعة المطلقين.
ويُعد ملف الجمعيات السكنية "المستوطنات" التي تبنيها تركيا في شمال حلب، من أهم الخطوات الهادفة إلى تغيير ديموغرافياً السكان، حيث تعتمد أنقرة على تلك الجمعيات لتوطين المسلحين الموالين لها، الذين كانوا انسحبوا في وقت سابق إبان المعارك مع الجيش السوري، سواء في أرياف دمشق أو حمص أو درعا، ونُقلوا آنذاك إلى ريف حلب الشمالي.
عزل مناطق الشمال عن الأراضي السورية
شهد مطلع العام الجاري خطوة تركية غاية في الخطورة شمال حلب، ويبدو أن خطوات "التتريك" السابقة ونجاح تنفيذها في ظل عجز السكان عن مواجهة أي منها، جعلت تركيا تشعر بأن الطريق بات ممهداً أمامها للوصول إلى غايتها البعيدة المتمثلة في سلخ مناطق شمال حلب، وجعلها تركية بالكامل، وبالتالي ضمها إلى أراضيها.
ورغم عدم تصريح أنقرة بنية سلخ أراضي شمال حلب، إلا أنه ومع الخطوة التي قامت بها تركيا في منطقة أعزاز، باتت تلك النية مكشوفة للجميع، والحديث هنا عن الجدار العازل الذي بنته أنقرة على طول الأطراف الجنوبية من أعزاز المدينة، وصولاً إلى أطراف منطقة عفرين، والذي جعل أعزاز معزولة تماماً عن باقي أراضي الدولة السورية.
ووفق ما نقله شهود عيان فإن القوات التركية أدخلت بتاريخ الثالث عشر من شهر كانون الثاني- يناير من العام الجاري، عشرات الكتل الإسمنتية التي يبلغ ارتفاع الواحدة منها /4/ أمتار، مصحوبة بآليات ثقيلة متنوعة إلى الأراضي السورية، حيث تم نقل تلك الكتل مباشرة إلى طريق "إعزاز- عفرين"، القريب من مناطق انتشار الجيش السوري بريف حلب الشمالي.
وقالت المصادر بأن القوات التركية وخلال يوم واحد من وصول الكتل الإسمنتية، باشرت ببناء الجدار العازل، امتداداً من مشفى أعزاز الوطني على الأطراف الجنوبية من المدينة، وصولاً إلى حاجز "الشطّ" التابع لمسلحي المعارضة السورية، بطول وصل إلى أكثر من /3/ كيلومترات.
ورغم الادعاءات التركية حينها بأن جدار أعزاز هدفه دفاعي بحت لمنع الهجمات التي تشنّها القوات الكردية بين كل حين وآخر من جهة، ومنع رصد الجيش السوري للتحركات داخل المدينة من جهة ثانية، إلا أن الجدار كان كفيلاً بكشف نية سلخ المدينة عن الأراضي السورية، إضافة إلى كونه أضعف من آمال السكان المحليين بالعودة من جديد إلى كنف الدولة السورية.
"التتريك" الديني
دأبت تركيا على مر السنوات الماضية، وخاصة في منطقة عفرين، على نهج سياسة فرض الطابع والتعاليم الدينية الإسلامية من المنظور التركي، بالتزامن مع محاربتها ومنعها لأي معتقدات دينية أخرى تشذّ عن تعاليمها المرتكزة بالدرجة الأولى على الطابع الإخواني البحت.
ولتحقيق تلك الخطوة، عملت رئاسة "الشؤون الدينية" التركية، وخاصة خلال العامين الماضيين، على إرسال مفتين وشيوخ وموظفي أوقاف أتراك، توزعوا على مختلف مناطق شمال حلب، مع التركيز على عفرين كونها الأكثر تنوعاً لناحية المذاهب والأديان والمعتقدات، حيث دفعت أنقرة خلال أشهر قليلة من احتلال عفرين، بـ /4/ شيوخ إفتاء، وأكثر من عشرة شيوخ وموظفي أوقاف، حملوا على عاتقهم مهمة إصدار الفتاوى، وقرارات منع ممارسة بعض الطقوس والمعتقدات للأقليات الدينية وفي مقدمتها أبناء الطائفة "الأيزيدية".
ويرى مراقبون للوضع الميداني والسياسي في شمال حلب، بأن "التتريك" هو السلاح "الناعم" الأخطر الذي تعتمده تركيا على طريق نواياها المتعلقة بسلخ الشريط الشمال من أراضي الدولة السورية بريف حلب، وضمه إلى أراضيها على غرار ما كانت فعلته تركيا مع "لواء الاسكندرون"، مؤكدين في الوقت ذاته على أن الدولة السورية لن تتخلى عن أي جزء من أراضيها، حيث تعمل باستمرار وعبر كافة الطرق المتاحة، على تأكيد سورية تلك الأراضي وعدم شرعية الوجود التركي ليس فقط في شمال حلب، وإنما فوق أي نقطة من الجغرافية السورية.
يشار الى أن القوات التركية ومسلحو المعارضة السورية الموالين لها، كانوا تمكنوا من فرض سيطرتهم على مناطق جرابلس والباب وأعزاز في ريف حلب الشمالي، خلال العملية التي أطلقتها القوات التركية عام /2016/ وأسمتها آنذاك بعملية "درع الفرات"، بذريعة القضاء على وجود تنظيم "داعش" في مناطق شمال حلب، حيث استمرت العملية لأكثر من /200/ يوم، وتمكنت القوات التركية ومسلحوها بالنتيجة، من فرض سيطرتهم تباعاً على المناطق الثلاثة، قبل أن تعود أنقرة مطلع العام /2018/ وتنفذ عملية "غصن الزيتون" التي انتهت خلال شهرين من انطلاقها، بسيطرة تركيا وفصائلها على منطقة عفرين بعد سلسلة من المعارك العنيفة مع الوحدات الكردية.
آسيا
إضافة تعليق جديد