استثمار الدولة الفاشلة: حقائق وسيناريوهات

الجمل: توافر مبررات التدخل الدولي والأجنبي، أصبح يقوم على ذريعة وجود (الدولة الفاشلة)، وذلك على أساس اعتبارات أنها تهدد الأمن والسلام الدوليين، وهذا النوع من التهديد، كما هو منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، يلزم المجتمع الدولي بالتدخل لحسم الأمر وحماية الأمن والسلام الدوليين.. وبالنسبة للبنان فقد تدخلت إسرائيل أكثر من مرة محاولة احتلال أراضي لبنان والسيطرة عليها بذريعة حماية الأمن والسلام ودرء الخطر.
الآن، أصبح الملف اللبناني في مواجهة مخطط متكامل يهدف إلى تحويل الدولة اللبنانية لكي تكون متطابقة مع نموذج (الدولة الفاشلة) التي تهدد الأمن والسلام الدوليين، وذلك على النحو الذي يوفر المبررات والذرائع للتدخل الدولي الكامل، ونحاول في هذا التقرير الخاص بموضوع الدولة الفاشلة كشف الحقائق والسيناريوهات الخاصة بـ(صناعة الدولة الفاشلة).
• محور تل أبيب- واشنطن وكيفية تحويل لبنان إلى دولة فاشلة:
مفهوم الدولة الفاشلة لم يعد مفهوماً سائلاً، بل أصبحت له خصائص ومميزات، وكل دولة تنطبق عليها هذا الخصائص، يتم تصنيفها بواسطة خبراء النظام الدولي باعتبارها دولة فاشلة.
هناك دول فاشلة كثيرة في هذا العالم، وقد فشلت هذه الدول بسبب الظروف غير المواتية لتحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تعرضت لها، وتعتبر القوانين والمواثيق الدولية أن التدخل الدولي للاعتبارات الإنسانية المتعلقة بحماية السكان المحليين ودول الجوار من الأضرار التي سوف تلحق بهم من جراء استمرار وجود الدولة الفاشلة.. وبرغم ذلك، فقد أثبتت معطيات الوقائع والأحداث أن محور تل أبيب- واشنطن، يسعى للاستفادة من مزايا التدخل التي تتيحها ظاهرة وجود الدولة الفاشلة.. ولكي يتم ذلك، أصبح محور تل أبيب- واشنطن يخطط لصناعة الدول الفاشلة.. على النحو الذي يوفر له المبررات والذرائع لكي يقوم بعملية التدخل، وما يجري في لبنان حالياً هو بوضوح تطبيق وتنفيذ وإعمال لسيناريو صناعة الدولة الفاشلة، التي يتدهور فيها الاقتصاد، وينخفض فيها مستوى المعيشة، وتتزايد الأسعار، وترتفع معدلات البطالة.. وغير ذلك.
أما على الصعيد السياسي، فتكثر فيها الخلافات والتناحرات، وتتآمر فيها النخب الحاكمة مع الأطراف الإخراجية، ولا تتورع الحكومة الضعيفة من الاستجابة للإملاء والاستقواء بالأعداء.
وعلى الصعيد الاجتماعي، تزداد معدلات الفقر، والجرائم، وموجات النزوح الداخلي والهجرة الخارجية.
السيناريو الذي يقوم بتنفيذه محور تل أبيب- واشنطن في لبنان بهدف إنجاز الخطوات الآتية:
- اقتصادياً: (تخريب البنى التحتية وعدم  إعطاء لبنان الفرصة لبنائها واستعادتها)، وقد قامت إسرائيل بذلك في حرب الصيف الماضي مستخدمة الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة خصيصاً من اجل القيام بذلك.. وبعد اكتمال الجانب الأول المتمثل في عملية التدمير، قامت الولايات المتحدة بإكمال الجانب الثاني المتمثل في عملية عدم إتاحة الفرصة للبنان بإعادة بناء وتعمير ما دمرته الحرب، وذلك حتى يتم حرمانه من استعادة بناه التحتية، وقد استطاعت الولايات المتحدة بالتواطؤ مع فرنسا في ممارسة النفوذ على مؤتمرات باريس للمانحين، على النحو الذي جعل كل مؤتمرات المانحين لا تقدم شيئاً سوى الوعود والمزيد من الوعود.
وعلى مستوى الخدمات: يقوم محور تل أبيب- واشنطن، بعرقلة حصول لبنان على أي قرض أو مساعدات أو معونات تهدف إلى ترقية وتطوير قطاع الخدمات، وفقط التركيز على تقديم المعونات العسكرية، والقروض والمساعدات المالية ذات الطابع غير التنموي والتي تهدف على سبيل المثال إلى أمور مثل تغطية عجز ميزان المدفوعات، وتعزيز قدرة الاقتصاد اللبناني على التنافسية، ولكن (عن طريق التدريب الخارجي) الذي يتيح للكفاءات اللبنانية فرصة السفر إلى الخارج وعدم العودة إلى لبنان!!!
- سياسياً: (تعزيز حالة الانقسام المسيس على الخطوط الطائفية، كحالة هيكلية بنائية)، ويتمثل ذلك في حالة الاستعداء المتزايد الذي يشرف على رعايته محور تل أبيب- واشنطن، عن طريق قوى 14 آذار- حكومة السنيورة، وذلك بما يتيح لهذه الأطراف شن حرب البروكسي والوكالة السياسية ضد:
* الفصائل الوطنية اللبنانية المعادية لمحور تل أبيب- واشنطن: مثل حزب الله اللبناني، حركة أمل، التيار الوطني الحر، وبقية فصائل المقاومة الوطنية اللبنانية.
* سورية: وذلك عن طريق جعل لبنان يعمل كممر للضغوط السياسية الإسرائيلية- الأمريكية ضد سورية، وذلك عن طريق (فبركة) الاتهامات و(تزوير) الأدلة، على النحو الذي يتيح لمحور تل أبيب- واشنطن، الاستناد عليها كـ(أدلة)، لتبرير (إدانة) سوريا والإضرار بقوتها ومركزها الإقليمي عن طريق الضغوط والعقوبات.
* المقاومة الفلسطينية: وذلك عن طريق استخدام سيناريو نظرية المؤامرة ضد المجتمعات المتطرفة التي أشرفت على ترحيلها وتمويلها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وتم وضعها في المجتمعات الفلسطينية، تحت الإشراف المباشر لقوى 14 آذار، ومباركة حكومة السنيورة، والآن تم تدبير حادثة السطو كذريعة لتصفية هؤلاء المتطرفين، واتهام سورية بأنها تقف وراءهم.
* المقاومة العراقية: يمارس العراقيون حقهم المشروع دولياً، وإنسانيأ، ووطنياً، وعربياً في مقاومة الاحتلال، وفي هذا الصدد تعمل حكومة السنيورة وقوى 14 آذار على تلفيق المزيد من الاتهامات ضد المقاومة العراقية، ومحاولة توريط سورية، بزعم أن الجماعات المسلحة الموجودة في المجتمعات اللبنانية تقوم بدعم من سورية بتدريب المسلحين وتمريرهم عبر الأراضي السورية وتسهيل تسللهم إلى العراق لـ(قتل الجنود الأمريكيين).
* الشرعية السيادية اللبنانية: يمثل رئيس الجمهورية اللبنانية ايميل لحود، مركز القوة الرمزية السيادية للدستور اللبناني، وقد حاولت قوى 14 آذار إقصاء الرئيس لحود، وإبداله بأحد عناصرها، وبرغم المساعدات التي وجدتها هذه القوى من جانب فرنسا وأمريكا وبريطانيا والتي تمثلت في مضايقة ومحاولة عزل الدور الخارجي للرئيس اميل لحود، ولكن باءت كل هذه المحاولات بالفشل، وأخيراً تم التآمر بين محور تل أبيب- واشنطن، وحكومة السنيورة وقوى 14 آذار والقيام بتنفيذ مخطط الالتفاف على الشرعية السيادية اللبنانية، وذلك عن طريق فتح قنوات التعامل المباشر بين حكومة السنيورة والمجتمع الدولي، وفي الوقت نفسه الإغلاق الكامل لقنوات الاتصال والتعامل مع رئيس الجمهورية اللبناني اميل لحود!!
- اجتماعياً: من المعروف أن لبنان بالأساس دولة تقوم على نظام المحاصصة السياسية الطائفية، وهي محاصصة لا تعكس الأوزان الحقيقية للكتل المجتمعية اللبنانية، وفي غمرة التنافس وتضارب المصالح انحدر لبنان مرتين إلى هاوية الحرب الأهلية المدمرة.. وهذه المرة يعمل محور تل أبيب- واشنطن، باتجاه تعميق تناقضات هذه المحاصصة، عن طريق إعادة عجلة التاريخ اللبناني إلى الوراء، وذلك بإذكاء النعرات الطائفية العدوانية، وتسليح الأطراف اللبنانية الموالية للغرب، واستخدام مطلب نزع أسلحة المقاومة اللبنانية كذريعة للمواجهة، والتي سوف تكون في البداية مواجهة بين الفصائل اللبنانية، ثم بعد ذلك تتدخل القوات الدولية، وبالذات بعد أن تكون قد أكملت مؤامرة إغلاق الحدود اللبنانية- السورية، والهدف النهائي لهذه الحرب الأهلية الجديدة القادمة هو القيام بعملية تطهير عرقي واسعة النطاق للشيعة في جنوب لبنان، على النحو الذي يجعل لبنان أعزلاً بالكامل، ومجرداً من أي مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي القادم، والذي لن يهدف هذه المرة إلى الاحتفاظ بـ(المنطقة العازلة) أو (الشريط الأمني الحدودي)، وإنما يهدف إلى ضم صور وصيدا والدامور إلى إسرائيل لأنها بحسب خارطة مملكة هرمجدون تعبر جزءاً لا يتجزأ من مملكة الرب الإسرائيلي الموعودة، والتي يناصرها ويدعو لها، ويعمل من  أجلها كبار (المؤمنين اليهود) في الإدارة الأمريكية مثل ايليوت ابراهام، وأتباع المسيحية الصهيونية المناصرين لمملكة هرمجون مثل ديك تشيني وجون بولتون وغيرهم من (حلفاء وأصدقاء زعماء قوى 14 آذار) ورئيس الوزراء اللبناني (المسلم السني) فؤاد السنيورة، ابن مدينة صيدا، والتي تقع على خارطة مملكة هرمجدون وتحمل اسم (صيدون)..
وعموماً، إن بناء وصناعة لبنان ك(دولة فاشلة)، ليست عملية عشوائية، بل هي عملية مرتبة ومنظمة بشكل نظري علمي وتطبيقي عملي، فعلى الصعيد النظري العملي، تقوم الكثير من مراكز الدراسات الأمريكية بتكليف خبرائها من اليهود الأمريكيين بإعداد البحوث والدراسات وأوراق العمل التي تحمل الكثير من التسميات المضللة مثل (برنامج الإصلاح السياسي والاقتصادي في لبنان)، أو (حماية سيادة لبنان)، أو عن حزب الله اللبناني باعتباره حركة إرهابية، وليس باعتباره حركة مقاومة وطنية ضد الاحتلال والعدوان الإسرائيلي. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسات تقوم بتمويلها المنظمات الأمريكية التابعة للوبي الإسرائيلي، مثل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، ومنظمة بيت الحرية (التي يلقبها الأمريكيون بتسمية بيت الشيطان، ويضم مجلس أمنائها اليهودي الأمريكي بول وولفوفيتز، وولسي مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق، وغيرهم.
وتشير معطيات الخبرة الجارية، إلى أن العراق قد تم تحويله إلى دولة فاشلة، والسلطة الفلسطينية وزعيمها تم تحويلهما إلى سلطة فاشلة، وحالياً بدأت أجهزة اللوبي الإسرائيلي بشن حملة ضد محمود عباس نفسه، تطالب الإدارة الأمريكية بعدم دعمه أو الوقوف إلى جانبه، وذلك لأنه انهزم سياسياً في الانتخابات الفلسطينية، وانهزم عسكرياً في غزة.
وعندما يتحول لبنان إلى دولة فاشلة سوف تقوم منظمات وأجهزة اللوبي الإسرائيلي المتحالفة حالياً مع قوى 14 آذار ورئيس الوزراء فؤاد السنيورة، بإدارة ظهرها لهم مثلما فعلت مع محمود عباس، ومطالبة الإدارة الأمريكية بعدم دعم قوى 14 آذار ورئيس الوزراء فؤاد السنيورة لأنهم قوى فاشلة، ولأنه رئيس وزراء فاشل.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة