ما هي الخطوط العامة في دعوة بوش لإقامة مؤتمر دولي لسلام الشرق الأوسط

الجمل:     تناقلت أجهزة الإعلام الأمريكية والعالمة، دعوة الرئيس بوش لإقامة مؤتمر دولي حول السلام في الشرق الأوسط، وقد نشر موقع البيت الأبيض الأمريكي حديث بوش كاملاً، وقامت الوكالات الإعلامية العالمية بعملية التغطية الواسعة.
• أبرز التساؤلات:
الدعوة للمؤتمر كانت أمراً مفاجئاً، فقد ظلت الإدارة الأمريكية طوال الفترة السابقة تركز على الانفراد بملف الشرق الأوسط، ولا تسمح بمشاركة الأطراف الأخرى، إلا ضمن حدود، وبعد الكثير من المشاورات الجانبية.. فلماذا هذه المرة طالب بوش بأن يكون هذا المؤتمر (دولياً)؟.. وماذا يقصد بكلمة دولي؟ فقد انعقد مؤتمر شرم الشيخ حول العراق وكان (دولياً).. ولكن تم استبعاد الكثير من الأطراف عنه، الأمر الذي جعل (دوليته) موضع الكثير من التساؤل، وبكلمات أخرى: ما هي درجة انفتاح مؤتمر السلام الجديد.. هل سيكون حصراً على مشاركة بعض الدول الحليفة لأمريكا، والتي سوف تحضر المؤتمر لمجرد القيام بدور الكومبارس، أم أن المشاركة فيه سوف تكون مشاركة حقيقية.. كذلك من سيقوم برعاية المؤتمر وإدارة الأجندة، وترتيب المداخلات وقبول ما يمكن قبوله ورفض ما هو غير مقبول التطرق له؟ ومن الذي سيحدد ما هو غير مقبول التطرق له؟
كثيرة هي التساؤلات والأسئلة.
• المؤتمر الدولي والخطوط العامة في دعوة بوش:
- توقيت المؤتمر: أن يكون في وقت لاحق من هذا العام، وبكلمات أخرى فإن الإدارة الأمريكية لم تقم بتحديد التاريخ الفعلي لانعقاد هذا المؤتمر، وهو أمر لم يأت اعتباطاً، فالإدارة الأمريكية سوف تسعى قبل هذا المؤتمر إلى استخدام أسلوب (الدبلوماسية الوقائية) من أجل الالتفاف على أجندة المؤتمر، مثلما حدث في مؤتمر شرم الشيخ، وبتعبير آخر سوف تقوم وزارة الخارجية الأمريكية باستطلاع وجهات النظر، وتبني وجهة النظر الإسرائيلية حصراً، ثم تكيلف (الوكلاء) في المنطقة للقيام بعملية (الاختراق بالدبلوماسي) للأطراف الأخرى، بحيث يكون كل شيء متفق عليه مسبقاً عند انعقاد المؤتمر.
كذلك، تبقى لإدارة بوش 18 شهراً على اساس الاعتبارات الزمنية، ولكن على أساس الاعتبارات الفعلية، يمكن القول بأن عمر الإدارة الأمريكية الحالية الحقيقي لن يتجاوز 12 شهراً، وذلك لأن بقية الأشهر الستة سوف تكون مكرسة للانتخابات وعدم التشويش على موقف الحزب الجمهوري الذي (أزهقت) روحه تجاوزات إدارة بوش وجماعة المحافظين الجدد.
- تكوين المؤتمر: قال الرئيس بوش بأن المؤتمر سوف يضم إسرائيل والسلطة الفلسطينية وجيرانهما، ولم يقل (الأطراف الفلسطينية)، كذلك لم يحدد من هم الجيران، فمن المؤكد أن الأردن ومصر ولبنان سوف يشاركون باعتبارهم حلفاء أمريكا ومحمود عباس، ولكن سورية هل ستتم دعوتها لمشاركة؟!! وبكلمات أخرى: إذا قرر (منظمو) المؤتمر مشاركة سورية باعتبارها الدولة الأكثر أهمية في كل منطقة الشرق الأوسط.. فهل سيقبلون بموقف سورية المبدئي الرافض للقيام بدور (الكومبارس) في المؤتمرات الصورية والشكلية التي يخطط لها محور تل أبيب- واشنطن، وتتم دعوة الأردن ومحمود عباس لحضورها؟ أم هل ستدفع الإدارة الأمريكية باتجاه عدم حضور سورية؟ وتحمل ما يترتب على ذلك، خاصة وأن عدم حضور سورية لن يكون  مجرد عدم حضور لدولة عادية، بل هو عدم حضور سوف يترتب عليه (تغييب) المفاتيح الأساسية لحل مشكلة الشرق الأوسط.. وبطريقة أخرى نقول: إن مصر والأردن تسير علاقاتهما على ما يرام مع إسرائيل، وليس لديهما أي (مشكلة) معها، وذلك لأنه بعد توقيعهما لاتفاقيات السلام أصبحتا (خارج المعركة) وبالتالي خارج (مشكلة الشرق الأوسط) الذي يسعى بوش لحلها عن طريق المؤتمر الدولي.. وبكلمات أخرى أيضاً نقول: إن مشكلة الشرق الأوسط حالياً هي بين سورية والأطراف الفلسطينية وحزب الله، وإسرائيل.. فهل ستسعى الإدارة الأمريكية لعقد مؤتمر يضم الأطراف الحقيقية في مشكلة الشرق الأوسط، أم أنها ستعقد مؤتمراً من الأطراف غير المعنية بمشكلة الشرق الأوسط، وتزين حضور هذا المؤتمر بدول أخرى مثل بلغاريا، وتشاد، وجزيرة فيجي، وأوغندا، وبريطانيا، وملاوي.
- أجندة المؤتمر: لم ينقل موقع البيت الأبيض الأمريكي أي إشارة مفصلة عن أجندة هذا المؤتمر، كذلك لم تشر التحليلات الواردة في صحف نيويورك تايمز، والواشنطن بوست، وول ستريت جورنا، ولا التحليلات الأولية التي أوردتها المواقع الالكترونية لوكالات فوكس نيوز، يونايتيد برس، اسوشيتيد برس شيئاً عن هذا المؤتمر.
ولكن التلميحات التي وردت في حديث بوش تشير إلى الجوانب الآتية، التي يمكن تأسيساً عليها إسقاط الأجندة المحتملة:
* ان الفلسطينيين يواجهون لحظة الخيار بين جماعة حماس الإسلامية المسلحة ورؤية محمود عباس الأكثر اعتدالاً.
* ان البدائل أمام الشعب الفلسطيني صعبة وقاسية.
* سوف يقدم الدعم الدبلوماسي للأطراف في نقاشاتها ومفاوضاتها المشتركة بحيث تستطيع المضي قدماً للأمام في الطريق الى الدولة الفلسطينية.
إن تحليل بنية المضمون الخطابي لهذه الجمل تشير إلى:
1- ان الخيار المتاح للنقاش في المؤتمر هو (رؤية محمود عباس الأكثر اعتدالاً) وبالتالي فإن الخط السياسي لمداولات المؤتمر المتوقع سوف تكون حصراً ضمن دائرة (خارطة طريق) محمود عباس.
2- ان البدائل الصعبة والقاسية المتاحة أمام الفلسطينيين هي التخلي عن المقاومة المسلحة، ومساعدة محمود عباس في تنفيذ سلسلة الشروط المتجددة التي تطالبه إسرائيل بتنفيذها، أو مواجهة العقوبات والتجويع والحرب، والذي لن تقوم به أمريكا، بل سوف يشارك فيه وكلاء أمريكا في المنطقة.
3- سوف تتناقش الأطراف حول موضوع السلام في الشرق الأوسط، وسوف يقوم بوش بتقديم الدعم الدبلوماسي، وهذا معناه بوضوح استخدام الإدارة الأمريكية (الدبلوماسية الوقائية) من أجل التأثير على الأطراف التي تكون لها آراء غير مقبولة بواسطة إسرائيل وأمريكا، وبالتالي فإن بوش سوف يتدخل من أجل دفع هذه الأطراف للتخلي عن آرائها وتبني الآراء المحددة سلفاً، وذلك من أجل التشويش أو الخروج على النص عند تنفيذ سيناريو المؤتمر الدولي.
• المؤثرات المصاحبة لسيناريو بوش:
تزامن مع حديث بوش الجديد ودعوته المفاجئة للمؤتمر الدولي المؤثرات الآتية:
- اعلان كوندوليزا رايس: أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية إلغاء زيارتها المعلنة هذا الأسبوع، والتي كان محدداً فيها أن تقوم رايس بزيارة إسرائيل والأراضي الفلسطينية، وقد تم تعليق الزيارة إلى أجل غير مسمى، وبدلاً عن ذلك تم الإعلان عن زيارة جديدة سوف يترافق فيها كل من كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية، وروبرت غاتز وزير الدفاع الأمريكي في زيارة لبعض بلدان الشرق الأوسط في نهاية هذا الشهر، أو مطلع آب القادم، وقد رفضت وزارتا الخارجية والدفاع الأمريكيتين تحديد هذه الدول الشرق أوسطية.
- حديث ديفيد وولش مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط، والذي تطرق فيه للمساعدات والمعونات قال فيه:
* 190مليون دولاراً تم تخصيصها لحكومة محمود عباس ضمن ميزانية العام الحالي التي سوف تنتهي في 30 كانون الأول.
145 مليون دولار سوف يتم تقديمها كمساعدات إنسانية يتم تمريرها للفلسطينيين عبر قوات الأمم المتحدة.
* 50 مليون دولار سوف يتم تقديمها ضمن بنود (دعم الديمقراطية) و(بناء المؤسسات الفلسطينية)، و(القطاع الخاص الفلسطيني).
* 86 مليون دولار سيتم تقديمها من أجل إصلاح قوات الأمن الفلسطينية.
59 مليون دولار سيتم تقديمها أيضاً لإصلاح قوات الأمن الفلسطينية.
وعموماً ماتزال ردود الأفعال تتناول حديث بوش التشكيك وعدم المصداقية:
- ميري إيزين (المتحدثة الرسمية باسم رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود اولمرت) قالت: إن تحرك بوش (يضيف الزخم) للمحادثات التي قام بإجرائها اولمرت ومحمود عباس.
- نبيل عمرو (مستشار محمود عباس) قال إن تعليقات بوش فتحت باباً جديداً يمكن أن يؤدي لإحياء صنع السلام.
- بروس ريديل المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والبيت الأبيض الأمريكي، أشار إلى عدة نقاط أبرزها:
أ‌- اهمال الإدارة الأمريكية للمشكلة الإسرائيلية- الفلسطينية خطأ فادح التكلفة.
ب‌- سوف يواجه الرئيس بوش لحظات عصيبة لأنه من الصعب عليه إقناع الشعوب بأنه سوف يسعى في هذه المرة من أجل الحق والصواب.
- وليم دوغلاس: محلل شؤون الشرق الأوسك في واشنطن بورو: قال بعض الملاحظات:
أ‌- ان معايير حضور المؤتمر صممت مسبقاً من أجل (استبعاد سورية)، وعدم إتاحة الفرص أمامها للمشاركة في حل المشكلة التي تمثل سورية فيها جانباً كبيراً هاماً ورئيسياً.
ب‌-  ان السعودية العربية لم تعترف بعد بإسرائيل، وبرغم ذلك سوف تتم دعوتها لحضور المؤتمر.
وتجدر الإشارة إلى المعلومات الاستخبارية التي مفادها أن هذا المؤتمر قام بالترتيب له:
ايليوت ابراهام: نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي.
ديفيد وولش: مستشار وزيرة الخارجية الأمريكية.
ديفيد ماكوفيسكي: خبير سلام الشرق الأوسط بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
دينس روس: مبعوث سلام الشرق الأوسط السابق، والخبير بمعهد واشنطن.
وجميع هؤلاء من اليهود الأمريكيين المرتبطين باللوبي الإسرائيلي.
وقد تم التشاور بين جورج بوش وصديقه طوني بلير مبعوث سلام الشرق الأوسط الجديد، ورئيس الوزراء البريطاني السابق.. ويقال بأن فكرة المؤتمر سوف يتم طرحها أمام اللجنة الرباعية التي سوف تجتمع في العاصمة البرتغالية لشبونة، والمكونة من: الولايات المتحدة، روسيا، الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وذلك بدون أي تفاصيل. بحيث لا يكون للجنة الرباعية مسؤولية الإشراف على المؤتمر.. سوف يكون الطرح للعلم فقط، وسوف يتم الطرح داخل الاجتماع بأن يقوم المبعوث الجديد طوني بلير (بالعمل نيابة عن اللجنة الرباعية) في المشاركات التحضيرية والتمهيد لعقد هذا المؤتمر.
كذلك تقول المعلومات الاستخبارية بأن جورج بوش كان مقرراً له أن يطرح فكرة المطالبة بانعقاد هذا المؤتمر خلال خطابه الذي ألقاه في يوم 24 حزيران الماضي، ولكن استيلاء حركة حماس على غزة أدى إلى تأجيل الفكرة لحين اتضاح الصورة أكثر فأكثر.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة