الخيمي ممثلاً لسورية في مؤتمر المانحين بباريس
أكدت مصادر دبلوماسية فرنسية، أمس، أن سورية قررت المشاركة، غداً «الإثنين»، في مؤتمر المانحين لـ«الدولة الفلسطينية»، عبر سفيرها في لندن سامي الخيمي، على حين أعلنت معظم الدول المشاركة تمثيلها على مستوى وزراء الخارجية أو الوزراء المعنيين بالتنمية. ولم توضح المصادر أسباب تخفيض دمشق، مستوى تمثيلها وعدم إرسال وزير خارجيتها وليد المعلم إلى المؤتمر الذي يفتتحه الرئيس نيكولا ساركوزي.
وتولي باريس هذا المؤتمر الكثير من الأهمية، وقد غيرت تسميته لتصبح مؤتمر المانحين لـ«الدولة الفلسطينية»، بدلاً من «الأراضي الفلسطينية» بما يسمح بـ«أخذ التقدم الذي أحرزه مؤتمر أنابوليس بالحسبان»، وفق ما أعلن قصر الإليزيه. فباريس ترغب، من خلال هذا المؤتمر، في تزويد السلطة الفلسطينية بالوسائل المادية اللازمة لبناء «دولة قابلة للحياة». وربما من هنا جاءت التسمية الجديدة للمؤتمر. ولكن ما لم توضحه العاصمة الفرنسية حتى الآن، هو رؤيتها المحددة بشأن المقومات السياسية لهذه الدولة «المرتجاة»، لناحية الحدود والسيادة وغيرها. وفي كل مرة يطرح هذا السؤال تكتفي فرنسا، عبر تصريحاتها الرسمية، بتأكيد ضرورة أن يتم تحديد كل المسائل المرتبطة بالوضع النهائي للأراضي الفلسطينية مثل:«الحدود والقدس واللاجئين»، من خلال عملية تفاوضية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تستند على قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. وتتجنب باريس- حسب ما تكشف مصادرها- التوقف كثيراً عند الصعوبات المرجح أن تواجهها عملية تنفيذ الخطط التي ستصدر عن المؤتمر الباريسي، وخاصة تلك المرتبطة بإقامة مشروعات تنموية على الأرض. ويدرك الجانب الفرنسي تماماً، ودائماً وفق المصادر، أنه لا تنمية اقتصادية في ظل الحواجز الإسرائيلية المنتشرة كالفطر في الأراضي الفلسطينية، التي «تعوق حركة الأشخاص والبضائع ورؤوس الأموال والخدمات»، ولكن في الوقت نفسه يفضل منظمو المؤتمر عدم طرح هذا الأمر، وتركه لتقدم المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، بما قد يسمح برفع الحواجز تدريجياً مع «توافر الشروط الأمنية»، علما أن الخطة الاقتصادية التي أعدها رئيس الوزراء سلام فياض ويقوم على أساسها المؤتمر تنص على تنفيذ مشروعات يتطلب تنفيذها إزالة الحواجز التي يقيمها الاحتلال الإسرائيلي.
وفي الواقع تنطلق باريس من فلسفة تقول: «إنه قد يكون من المجحف رهن المساعدات المقدمة لطرف ما (فلسطين) بما يجب أن يقوم به طرف آخر (إسرائيل)»، وهكذا «لم تضع فرنسا على جدول أعمال المؤتمر شرط توافر الظروف الأمنية الضرورية بشكل تام قبل تقديم المساعدات إلى الفلسطينيين، ولا شرط رفع الحواجز»، حسب المصادر الفرنسية. واللافت أن لندن أبلغت الفرنسيين أنها «لا تنوي تمويل المشروعات في الأراضي الفلسطينية إلا بعد رفع الحواجز الإسرائيلية ونقاط التفتيش التي تعوق حركة الفلسطينيين في الأراضي»، وأنها، أي لندن، ستكتفي بتقديم هبات مالية لدعم الميزانية الفلسطينية دون المشاركة في مشروعات تنموية. كما تحاول باريس، أيضاً تجنب طرح سؤال آخر حول طلب ضمانات إسرائيلية بعدم تدمير المشروعات التي سيمولها المانحون، وخاصة الاتحاد الأوروبي، كما فعلت السلطات الإسرائيلية في السابق. وتكتفي المصادر الرسمية لدى طرح سؤال الضمانات هذا بالقول: «إن تدمير المنشآت يحدث في أماكن كثيرة تسودها النزاعات وليس فقط في الأراضي الفلسطينية». تنظر باريس إلى مؤتمر المانحين، الذي يضم نحو 90 وفداً، من دول ومنظمات دولية، على أنه «متابعة لما جرى في أنابوليس»، بهدف حث الدول المشاركة على تمويل خطة اقتصادية أعدها سلام فياض، تساعد على تأهيل المؤسسات الفلسطينية والإعداد لبناء دولة قابلة للحياة. وتنص خطة فياض على إجراء إصلاحات اقتصادية على فترة ثلاث سنوات، من 2008 حتى 2010. وتتطلب هذه الخطة- حسب المصادر الفرنسية- 5.6 مليارات دولار من الدول المانحة. وأوضحت هذه المصادر القريبة من كواليس المؤتمر أن «3.9 مليارات دولار من المساعدات ستقدم على شكل هبات مالية لتسديد النفقات الجارية مثل رواتب الموظفين وغيرها»، على حين يخصص «مبلغ 1.7 مليار دولار، لتمويل مشروعات اقتصادية في الأراضي الفلسطينية. وقدرت المصادر المبالغ التي سيخصصها المؤتمر للعام القادم (2008) بنحو 1.8 مليار دولار، منها 1.36 لتمويل الميزانية الفلسطينية، و467 مليون دولار لتمويل مشروعات تنموية. وأوضحت المصادر الرسمية أن «القرارات المتعلقة بإدارة المشروعات التي سيتم التعهد بتمويلها في المؤتمر ليست بيد السلطة الفلسطينية وحدها وأن الدول الممولة للمشروعات سيكون لها دور في ذلك»، وأضافت: «يريد المانحون التأكد من استخدام الأموال في الأماكن الصحيحة، وألا يتم تهريبها أو سرقتها». وذكرت المصادر أيضاً أن «أجواء الاستثمار» في الأراضي الفلسطينية تعتبر «جيدة نسبياً» بالمقارنة مع دول عربية أخرى.
ونوهت المصادر الفرنسية بأن البرنامج الفلسطيني «الإصلاحي» يدخل غزة في حساباته من خلال طلب مساعدات لمصرف غزة في إطار الحاجات المالية للسلطة الفلسطينية، وتسديد رواتب الموظفين في غزة أيضاً وليس فقط في الضفة الغربية. وذكرت أن «الكثير من الدول المانحة ترغب في تمويل مشروعات إنسانية في غزة»، وأضافت:«حتى الإصلاحات المنصوص عنها في برنامج الحكومة تشمل إجراءات تريد السلطة الفلسطينية إجراءها في غزة». وركزت المصادر على الجوانب الأمنية في خطة السلطة الفلسطينية، ونوهت بتسريح الحكومة بما يقارب ثلاثين ألف موظف أمن ممن كانوا يتقاضون رواتب ولا يقومون بأي شيء، وفق تعبير المصادر الرسمية. يبقى الدعم المالي للسلطة الفلسطينية هو الهدف الأول لمؤتمر المانحين، ولكنه يرمي أيضاً إلى تزويد السلطة الفلسطينية ورئيسها عباس بجرعة إضافية من الدعم السياسي، ومن هنا حرص باريس على توسيع المشاركة ودعوة دول «غير مانحة»، مثل العراق، ولبنان، ودول معنية بالمسألة الفلسطينية بشكل غير مباشر مثل تشيلي التي تضم جالية فلسطينية كبيرة. لاشك أن مؤتمر المانحين لـ«الدولة الفلسطينية» سيشكل العنوان الأبرز للنشاط الدبلوماسي المكثف الذي ستشهده العاصمة الفرنسية اليوم وغدا، إذ يستقبل ساركوزي عباس مساء اليوم، وينتقل عباس بعدها من الإليزيه إلى مقر وزارة الخارجية لينضم إلى عشاء «غير رسمي» يقيمه وزير الخارجية برنار كوشنير بمشاركة وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني ونظرائه الروسي سيرجي لافروف والبرتغالي لويس فيليب ماركيز امادو الذي تترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون. ولكن الدولة الفلسطينية، ليست العنوان الوحيد للنشاط الباريسي فـ«الوضع السياسي في لبنان»، سيكون حاضراً في محادثات الرئيس الفرنسي مع وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس، غداً، وكذلك الملف الإيراني، واستقلال كوسوفو. وستحضر هذه الملفات وغيرها على طاولة البحث بين ساركوزي وأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون.
وسيم الأحمر
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد