قراءة إسرائيلية لتقرير الاستخبارات:تحدثوا إلى سوريا فهي الخطر الأكبر
يقرأ المعلقون الإسرائيليون التقدير الاستخباراتي السنوي بشكل يختلف بعض الشيء عن القراءة العربية. فالتقرير يرسم صورة جديدة لخطر شامل جعل من كل نقطة في إسرائيل هدفاً محتملاً لصواريخ يمكن أن تصل من الدوائر القريبة والبعيدة على حد سواء. وربما لهذا السبب فإن أغلبية في قيادة الجيش وبين المعلقين تطالب رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت بالسعي لحل المشكلة مع سوريا.
وكتب عوفر شلاح في «معاريف» أمس تحت عنوان «تحدثوا إلى سوريا» انه في حال نشوب حرب، فإن إسرائيل لا تمتلك أية منظومة يمكنها التصدي للصواريخ إذا أطلقت بكثافة. واعتبر ان سقوط الصواريخ على إسرائيل في أي حرب جديدة هو أمر محتوم.
وأشار شلاح الى أن القراءة الجدية للتقرير الاستخباراتي السنوي الجديد تظهر أنه بدلاً من الجبهة الشرقية القديمة، التي كان الخطر فيها يتمثل بوصول دبابات عراقية إلى جبل الشيخ، نشأت جبهة شمالية شرقية جنوبية. وأشار إلى أن هذه جبهة شبه موحدة تحت قيادة إيرانية تمتلك قدرات قوية للمساس بالجبهة الداخلية الإسرائيلية.
ولاحظ شلاح أن جملة واحدة في تقرير رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية عاموس يادلــين تشــي بالمطلوب: «في ظل ظروف معينة، يمكــن إبعــاد سوريا عن المحور الراديكالي. ومن أجــل أن يتحقق ذلك، ينبغي توفر استعداد إسرائيلي لإبرام اتفاق يشمل هضبة الجولان ومشاركة أميركية لمصلحة السوريين».
وأوضح شلاح أن هذه عبارة مذهلة لأنها تخل بالقاعدة الذهبية التي لا تتطرق فيها الاستخبارات العسكرية للجانب الإسرائيلي في تقديرها الاستخباراتي. وأشار إلى انه يستحيل تقديم تقييم كهذا من دون موافقة رئيس الأركان غابي أشكنازي، وهذا يعني ان «قيادة الجيش الإسرائيلي الحالية قررت تصعيد نضالها شبه العلني الذي تخوضه هي وأسلافها منذ سنوات: النضال من أجل التفاوض للتوصــل إلى تسوية مع سوريا».
وكتب شلاح ان إسرائيل تعاملت في العامين الأخيرين مع نوايا وقدرات سوريا بوصفها عاملاً مهماً لكنه غير حاسم. ورغم عمليات مثل الغارة قرب دير الزور، واغتيال مغنية في دمشق، فإن قيادة الجيش تبث رسالة عاجلة تستدعي العمل السياسي قبالة السوريين. بل إن الجيش يطالب باستغلال هذه العمليات كرافعة تخرج سوريا من عزلتها الدولية ومن العناق الإيراني.
ويؤمن كبار الضباط الإسرائيليين بأن إخراج سوريا من محور التشدد سيظهر كلاً من حماس و«حزب الله» بصورة أخرى. فالثمن الأمني لانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان يمكن لإسرائيل احتماله. أما ثمن الحرب مع سوريا فهو دمار متبادل لم يسبق له مثيل، وهو حسب وصف أحدهم «حرب لبنان مضاعفة ثماني مرات».
غير أن المعلق السياسي لصحيفة «معاريف» بن كسبيت ذهب أبعد من ذلك أمس في مقالته بعنوان «لماذا سوريا؟». وأشار إلى أن الكلمات التي يرددها قادة المؤسسة الأمنية أمام أولمرت هذه الأيام هي «سافر الى دمشق يا أولمرت». ورغم أنه يستثني بين المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين من هذا الكلام رئيس الموساد مئير داغان، فإنه يشدد على أن هذا هو التقدير السائد «في مواجهة المستقبل البائس. إذ ليس أمام إسـرائيل حل على الصعيد الفلسطيني وإذا تم التوصل لاتفاق مع الرئيس محمود عباس فليست هناك فرصة لتنفيذه».
ويكتب كسبيت إنه «ليس هناك اي سبب او منطق لشن عملية عسكرية كبيرة على غزة في الظروف الحالية. خرجنا في عملية شتاء ساخن ليومين ونصف فقط ولكننا فقدنا الشرعية خلال يوم واحد. احتلال غزة يستوجب حدوث شيء ما كبير قبله، وهذا الشيء الكبير قد يكون موت 20 طفلاً في روضة اطفال في عسقلان مثلا... وهذه مسألة يفضل ألا تحدث».
ويمضي كسبيت قائلاً «وماذا تعني العملية الكبيرة عموما؟ وفي غزة؟ هذه عملية تتسبب باستدعاء السفراء وتزعزع الانظمة وتثير الغليان والعواطف. النار ستشتعل هنا ايضاً في المرة المقبلة. في وادي عارة ووادي الملك. هذه خطوة قد تشعل الشرق الاوسط برمته. شاهدنا ما حدث عندما قمنا بشن «عملية صغيرة». العدو الحقيقي الذي يواجه جنود جبعاتي ليس مسلحو حماس وإنما كاميرا «الجزيرة». هذه العدسات الإعلامية تقوم بالمهمة بصورة افضل وأنجع بكثير. لذلك ما يتوجب فعله في غزة هو ادارة الازمة. ويجب اعطاء (الرئيس المصري حسني) مبارك الفرصة الآن. المصريون أدركوا انهم على القارب ذاته. هم يقومون الآن بإغلاق الحدود وسيكثفون قواتهم ويحاولون منع التهريبات. إن هدأت الساحة فسيتم كبح جماح تسلح حركة حماس وازدياد قوتها ويصبح التعايش مع الامر ممكناً. في الوقت الراهن طبعاً».
وأشار كسبيت إلى ان «دوائر المجابهة الثلاث قابلة للانفجار وهي تحيط بإسرائيل من كافة الجهات ـ دائرة الإرهاب التي تشمل التنظيمات المختلفة ودائرة الدول المجاورة التي تشمل سوريا ومصر والاردن ولبنان، ودائرة الدول البعيدة التي تشمل إيران والعراق».
ورأى كسبيت ان اسرائيل «تواجه للمرة الاولى في تاريخها اشتعالاً متزامناً في الدوائر الثلاث. الارهاب يعربد في الداخل والخارج، وسوريا تضمر الشر والانتقام. في لبنان كيان شيعي متطرف يوشك على السيطرة على الدولة. العراق ليس ذي صلة بالمجريات وإيران تقترب من القدرة النووية والصاروخية وتشرف على الدوائر الثلاث. اسرائيل محاطة بالايديولوجيا الايرانية والعملاء الايرانيين والمقاتلين الايرانيين والمســتشارين الايرانيين والسلاح الايراني والكثــير الكثير من المال الايراني. ان هاجمـت اسرائيل ايران فستدفع الجبهة الداخــلية فيها ثمناً باهظاً. وإن هاجمت امــيركا فالأمر سيان. مصر في وضع حســاس. فقد يقوم احد ما بإطلاق النار على جــمال مبـارك بعد رحيل والده ويتحول الخمسة وثمانون مليون مصري الى ايران جديدة خلال لحظات».
ولهذا السبب، فإن كسبيت ينقل عن ضباط كبار قولهم إن «علينا إخراج سوريا من دائرة الحرب. قصف المفاعل تحديداً تمخض عن فرصة نادرة. احلام دمشق بالخيار النووي وتوازن الرعب تلاشت. السوريون هم العنصر الذي سينهار البرج من دونه. هم الصلة بين طهران وبيروت وهم المخزن والترسانة الصاروخية الهائلة. وهم التهديد الأكبر ومن دونهم ستعزل ايران ويجف حزب الله وتضعف التنظيمات الارهابية».
وفي نظر كسبيت، فإن الحل مع سوريا ممكن، حيث ان اربعة رؤساء حكومات وافقوا على النزول عن هضبة الجولان بمن فيهم بنيامين نتنياهو، «فالجميع يعرف ما رمى اليه اسحق مردخاي في تلك المواجهة بينه وبين نتنياهو عندما قال له: انظر في عيني يا بيبي... كل ما تبقى هو جدول زمني وترتيبات امنية. هضبة الجولان هي قطعة ارض مذهلة ولكنها ليست ارض الآباء والأجداد. المستوطنون هناك هم اشخاص منطقيون. وحرمة عدم الاقتلاع تحطمت مع فك الارتباط عن غزة. اليوم حيث اصبحت الصواريخ التهديد الاساسي، لم تعد لهضبة الجولان اهمية دفاعية مميزة. إن سألتنا عن إمكانية الدفاع عن الجليل من دون الجولان، سنقول لك ان هذا غير ممكن الآن، ولكن في ظل السلام مع نزع السلاح ومحطات الإنذار المبكر. الجواب هو نعم».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد