تغيير خارطة التحالفات الأمريكية في العراق وتجربة مجالس الصحوة
الجمل: تحليل الأداء السلوكي العسكري – الحربي الجاري حالياً في المسرح العراقي، والمطابقة بينه وبين الأداء السلوكي العسكري – الحربي الجاري في مسرح الشرق الأوسط الكلي يشير إلى استنتاج مفاده أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى باتجاه تغيير خارطة التحالفات العراقية – الأمريكية باتجاه شكل وصيغة تحالفية عراقية – أمريكية جديدة تتطابق مع صيغة التحالفات الأمريكية – العربية القائمة حالياً.
* التحالفات الأمريكية – العراقية: الوضع المتعاكس:
بعد إنجاز عملية غزو واحتلال العراق، سعت سلطات الاحتلال الأمريكي إلى تطبيق سياسة فرق تسد، وبالفعل تحالفت مع الحركات والفصائل الشيعية العراقية والحركات والفصائل الكردية العراقية على أساس اعتبارات أن أعداء نظام الرئيس الراحل صدام حسين هم الحلفاء الأفضل داخل العراق لدعم الوجود الأمريكي، وإضافة لذلك سعت سلطات الاحتلال إلى:
• إشعال الصراع السني – الشيعي.
• الاحتفاظ بالحلفاء الأكراد في الشمال وتعزيز قدراتهم استعداداً لاستخدامهم في المخططات المستقبلية.
ولكن على خلفية الاستهداف الأمريكي – الإسرائيلي لإيران، فقد ظهرت مشكلة أمام الولايات المتحدة تتمثل في الآتي:
• الحركات والفصائل الشيعية الحليفة لأمريكا داخل العراق ستتحول إلى خصم لأمريكا في حال قيامها بضرب إيران.
• الحكومات العربية السنية الحليفة لأمريكا خارج العراق ترفض تحالف الولايات المتحدة مع الحركات والفصائل الشيعية العراقية.
أدى هذا الوضع المتعاكس إلى إرباك الحسابات الأمريكية – الإسرائيلية المتعلقة بضرب إيران، فقد بدأت الولايات المتحدة على ما يبدو اللجوء إلى تعبير خارطة التحالفات الأمريكية – العراقية بحيث:
• يتم التركيز على التحالفات مع الأطراف السنية.
• يتم التخلي عن التحالف مع الأطراف الشيعية.
* الأهداف غير المعلنة للتحركات الأمريكية الجديدة:
بدأت عملية تغيير خارطة التحالفات بالانخراط في خلق قنوات الصلة مع الأطراف السنية واستطاعت سلطات الاحتلال الأمريكي تشكيل ما عرف بمجالس الصحوة ومحاولة توظيفها في القيام بعمليات حفظ الأمن داخل المناطق السنية ومحاربة تنظيم القاعدة والحركات الأصولية الإسلامية المتطرفة. وفي الوقت نفسه بدأت سلطات الاحتلال الأمريكي تتراجع عن ارتباطاتها بالفصائل والحركات الشيعية العراقية وبدأت عملية مناورة إستراتيجية واسعة ركزت فيها على البدء بحصر وجود الفصائل والحركات الشيعية بحيث تكون ضمن منطقة جنوب العراق حصراً، ولعبت خطة أمن بغداد التي نفذتها القوات الأمريكية دوراً كبيراً في دفع المليشيات الشيعية للخروج من العاصمة والتمركز في البصرة وغيرها من مناطق جنوب العراق. بعد ذلك، جاءت المرحلة الثانية والتي تضمنت إشعال الصراع السني – الشيعي داخل جنوب العراق، بما يؤدي إلى إضعاف جيش المهدي والتيار الصدري عسكرياً وسياسياً، وبعد ذلك تتفرغ سلطات الاحتلال لإضعاف قوات بدر والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الفضيلة وحزب الدعوة.
الغاية التي تسعى الإدارة الأمريكية لتحقيقها هي تشكيل وصياغة خارطة تحالفات تنسجم والتوجهات الأمريكية – الإسرائيلية الرئيسية، بما يؤدي إلى تعزيز قدرة الإدارة الأمريكية في تنفيذ أولوياتها والتي تتمثل حالياً في استهداف إيران.
* الملامح العامة لخارطة التحالفات الأمريكية الجديدة:
ترعى الإدارة الأمريكية حالياً تحالفاً إقليمياً يضم أمريكا وإسرائيل ومصر والأردن والسعودية والسلطة الفلسطينية، وبقية دول الخليج ضمن ما يعرف بتحالف قوى الاعتدال، أو المعتدلين العرب، والذي يهدف إلى الوقوف مع توجهات السياسة الخارجية الأمريكية التي تستهدف إيران وسوريا وحزب الله وحركة حماس الفلسطينية.
فكرة التحالف السني التي تطرق إليها خبير معهد واشنطن ومبعوث السلام السابق دينيس روس، سبق أن تطرق إليها الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عندما تحدث عن إمكانية قيام تحالف سني في المنطقة يضم الفلسطينيين مع مصر والأردن والسعودية وتركيا.
إن بداية تخلي سلطات الاحتلال الأمريكي لحلفائها الشيعة العراقيين هو خطوة تهدف لترتيب مسرح الصراع العراقي تمهيداً لضرب إيران إضافة إلى تمهيد المسرح العراقي نفسه لجولة صراع داخلي:
• شيعي – شيعي بين جيش المهدي والتيار الصدري من جهة، وبين فيلق بدر والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة وحزب الفضيلة من الجهة الأخرى.
• شيعي – سني بين الجماعات السنية التي بدأت سلطات الاحتلال الأمريكي في عملية استقطابها، والجماعات الشيعية التي شرعت سلطات الاحتلال في تفكيك روابطها وعلاقاتها معها.
أهمية الصراع الشيعي – الشيعي، والصراع السني – الشيعي في الوقت الحالي بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية تتمثل في الآتي:
• توفير ذرائع انعدام الأمن والاستقرار في العراق بما يؤدي لتعزيز موقف الإدارة الأمريكية في مطالبة الكونغرس الأمريكي بالمزيد من المخصصات المالية ودفع الرأي العام الأمريكي بضرورة بقاء أمريكا لفترة أطول في العراق.
• إضعاف الحركات والفصائل المسلحة الشيعية بما يؤدي إلى إضعاف حلفاء إيران داخل العراق.
• التمهيد لتنفيذ انقلاب قصر جديد في بغداد وعلى غرار سيناريو الإطاحة بإياد علاوي ستقوم سلطات الاحتلال هذه المرة بالإطاحة بالمالكي.
• اندلاع جولة جديدة من الصراع السني – الشيعي ستسهل عملية تقسيم العراق لجهة أن الدعم الأمريكي للفصائل والحركات السنية العراقية سيترتب عليه إقصاء الوجود الشيعي في بغداد ووسط العراق، ودفع العراقيين الشيعة إلى مناطق العاق الجنوبية.
لم تتوقف العمليات العسكرية بين جيش المهدي وقوات الأمن العراقية، وفي تصعيد جديد أعلن نوري المالكي عن ضغوط جديدة ضد جيش المهدي والتيار الصدري وهي السماح له بالمشاركة في الانتخابات القادمة حصراً إذا تمت عملية تفكيك جيش المهدي. وحتى الآن، من الصعب التكهن باحتمالات التوصل إلى صفقة بين مقتدى الصدر ونوري المالكي حول صراع البصرة الذي اتسع متمدداً إلى مدن جنوب العرق وإلى المناطق الشيعية الموجودة في العاصمة بغداد.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد