مشروع الحكومة الإلكترونية في سورية يترنح تحت تأثير البيروقراطية
في أحد أضخم مؤتمرات المعلوماتية التي شهدتها سورية أخيراً، رسم أكثر من 500 خبير معلوماتي ومسؤول حكومي ملامح الطريق نحو تطبيق مشروع الحكومة الإلكترونية في سورية. والمعلوم أن هذا المشروع تعرض لضربات قاسية في السنوات الأخيرة جعلته يترنح تحت تأثير الروتين والبيروقراطية وغياب الرؤية الواضحة.
وتوقع وزير الاتصالات السوري عماد صابوني ان تُطلق البوابة الإلكترونية للحكومة الإلكترونية مع نهاية العام الحالي، حيث تبدأ تقديم الخدمات للمواطنين بصورة جزئية.
ورأى صابوني أن البلاد «لا تزال تفتقر حتى هذه اللحظة إلى مشروع الحكومة الإلكترونية والى بوابة رقمية متكاملة على الانترنت يمكن من طريقها الدخول إلى مختلف الخدمات الرسمية».
وأعرب الصابوني عن اعتقاده بأن المرحلة الراهنة هي فترة من الانتظار يجرى خلالها «صوغ السياسة الإطارية لهذا المشروع... نحاول أن ندرس قضايا التكامل والترابط وتوحيد الإجراءات حتى تكون البوابة جاهزة في النهاية لتقديم مجموعة من الخدمات الأساسية للمواطنين». وبيّن أن هناك مجموعة من التشريعات لم تصدر بعد ولكنها تعتبر أساسية للشروع في إجراء المعاملات الالكترونية مثل التوقيع الالكتروني والقوانين التي لها علاقة بحماية البيانات وخصوصيتها وقضايا التشفير.
جاءت أراء الخبراء (وكذلك تصريح الوزير) في سياق «المؤتمر الوطني الثاني للحكومة الإلكترونية» الذي عقد في دمشق أخيراً تحت عنوان «خطوات عملية نحو التطبيق». ورعته وزارة الاتصالات والتقنية و«الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية» و«مشروع التحديث المؤسساتي» (وهي مؤسسة للاتحاد الأوروبي تحاول المساعدة في تحديث سورية واسمها Institutional and Sector Modernisation Facility، واختصاراً ISMF) و«الاتحاد العربي لمزودي خدمات الإنترنت والاتصالات» و«اتحاد جمعيات المعلوماتية العربية».
وناقش المؤتمر مجموعة من المواضيع والسياسات التي ترتبط بتطبيق الحكومة الإلكترونية والبيئة القانونية الملائمة لها والبنية التحتية التي تتطلبها وغيرها.
وبعد اطلاعهم على تجارب دول عربية رائدة في تطبيق الحكومة الإلكترونية منها الأردن والبحرين وقطر والإمارات ومصر، حضّ الخبراء على ضرورة «تبني مشروع الحكومة الإلكترونية في سورية من أعلى المستويات الإدارية والتنفيذية، مع التنبيه الى أهمية العمل على وضع إستراتيجية للتحول الإلكتروني واستكمال البنية التحتية من تشريعية وبشرية وتكنولوجية والقيام بحملة توعية لموظفي الحكومة لدفعهم الى المشاركة الايجابية في هذا المشروع».
وترتكز فكرة الحكومة الإلكترونية الى تقديم الخدمات الحكومية من طريق الوسائل الحديثة في المعلوماتية والاتصالات مثل الانترنت والخليوي. ويؤدي ذلك الى انتفاء الحاجة إلى مراجعة الدوائر الحكومية مرات، ما يساهم في التخفيف من البيروقراطية والروتين والرشوة والمحسوبيات والازدحام.
وبحسب الخبراء الذين حضروا المؤتمر، يحتاج إنجاز ذلك النوع من الحكومات إلى وجود بنية تحتية الكترونية للقطاع الحكومي، خصوصاً لجهة توافر شبكات داخل الوزارات للربط بين أقسامها المختلفة، وبين الوزارات لتنسيق إجراءاتها وأعمالها. ويؤدي ذلك الى ترابط شبكي مستمر بين المواطنين والموظفين الحكوميين والمسؤولين.
وكذلك لفت هؤلاء الخبراء انتباه السلطات الرسمية الى أن الحكومة الإلكترونية تفيد في تخفيف الضغط المروري على مدينة دمشق، التي تصب فيها معظم المعاملات بالنظر الى الطبيعة الممركزة للإجراءات الحكومية. كما أنها تخفّف الضغط أيضاً على الدوائر الحكومية لأن المواطنين يستطيعون معالجة المعاملات اليومية من مناطقهم، كما تساهم في التخفيف من استهلاك الوقود والكهرباء، وفي توفير وقت المواطنين والموظفين.
ولتحقيق هذه الآمال العريضة، طلب الخبراء من الدولة العمل على تدعيم البنية التحتية الإلكترونية، خصوصاً تقديم خدمات الإنترنت الى كل شرائح المواطنين، مع الحرص على أن يجرى تبادل المعطيات عبر الشبكة الإلكترونية بطريقة أكثر فاعلية وذات اعتمادية ووثوقية أعلى مما يسود حال تناقل البيانات عبر الانترنت في سورية راهناً.
وطالب هؤلاء أيضاً بنشر ثقافة الانترنت والكومبيوتر، كما بيّن مدير «الشركة السورية الألمانية للاتصالات» في دمشق المهندس خالد الحمصي، الذي قال: «من المفروض أن يكون لدينا قاعدة بيانات موحدة في الدولة أو في كل دائرة تكون مؤتمتة في شكل كامل للوصول إلى المعلومة ومعالجتها».
- يبدو أن ضعف البنية التحتية للخدمات الإلكترونية وغياب التشريعات الخاصة بها وانتشار البيروقراطية والروتين في أغلب المؤسسات الحكومية، دفع احد الخبراء إلى وصف سورية بأنها أفضل من اليمن وأسوأ من مصر والأردن. واستند في رأيه إلى تعريف للأمم المتحدة بأن الحكومة الالكترونية هي «خدمة مواطن وشفافية إدارة حكومية».
وبدا هذا التعريف غائباً عند مدير مؤسسة «مفهوم» سمير العيطة الذي طالب القيادات السياسية العليا في البلاد بالإشراف على الحكومة الالكترونية «لأنها الأقدر على اتخاذ القرار وفرض الإصلاح والتغير في المؤسسات الحكومية».
وذكّر العيطة المسؤولين بأن الحكومة الالكترونية شيء مختلف عن أتمتة الإدارات الحكومية. وضرب مثلاً على ذلك بالإشارة إلى «أن أتمتة «المصرف المركزي» التي بدأت منذ 10 سنوات لم تلق النجاح حتى الآن... لأن أحداً لا يجرؤ على اتخاذ القرار ولديه الصورة الشاملة على أن هذه المعاملة التي تأخذ عشر خطوات أريد أن اختصرها في خطوة مُفردة». ولفت إلى أن النشر موجود في شكل وسطي والتفاعل موجود في شكل ضعيف والتعاقد معدوم.
ووجّه العيطة انتقادات إلى مواقع الحكومات الإلكترونية في بعض دول الخليج العربي لأنها «أغفلت أو تجاهلت اللغة العربية».
وشكّل المؤتمر فرصة للخبراء للاطلاع على ما أُنجِزَ من توصيات الفريق العربي حول الحكومة الإلكترونية وبروتوكول الانترنت الذي أطلق عليه «إعلان دبي». والمعلوم أن تلك التوصيات تتناول تشجيع تبادل التجارب العربية الناجحة في مجال الحكومة الالكترونية، والتعاون في مجال التدريب لإعداد الكوادر البشرية المتخصصة، وإنشاء فريق عمل عربي في هذا المجال يضمن تبادل المعلومات، وإصدار مؤشرات عربية يمكن قياسها حول الحكومة الالكترونية، وتوحيد المواصفات وفئات الشهادات في التوقيع الرقمي، وتعزيز التواصل مع «الاتحاد الدولي للاتصالات» من أجل الحصول على دعمه لمشاريع الحكومات الإلكترونية العربية.
نور الدين الأعثر
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد