تركيا وخطة برنامج التعاون لاستقرار القوقاز

الجمل: عقد الرئيس التركي عبد الله غول مؤخراً لقاءً مع الرئيس الأرمني سركيسيان في العاصمة الأرمنية في العاصمة الأرمنية وتقول المعلومات أن القمة الثنائية التركية – الأرمنية تضمنت تفاهماً حول ملفات استقرار القوقاز وقضايا التعاون والأمن الإقليمي في مناطق القوقاز، عبر القوقاز وآسيا الوسطى.
* بين الساحل السوري والساحل الأذربيجاني: حساسية الموقع:
يعتبر الحيز الجيوسياسي الذي يضم منطقة شرق المتوسط والقوقاز ومنطقة بحر قزوين الأكثر أهمية على خارطة العالم المعاصر، وذلك بسبب المزايا الجيوبوليتيكية والجيوستراتيجية، وعلى هذه الخلفية فإن دول المنطقة الممتدة من سوريا المطلة على شرق المتوسط مروراً بتركيا وأرمينيا وجورجيا وحتى أذربيجان المطلة على بحر قزوين، تجد نفسها دائماً في مواجهة الآتي:
• الفرص المتجددة والمتزايدة بسبب مزايا الموقع الهام.
• المخاطر المتجددة والمتزايدة بسبب مزايا الموقع الهام.
الفرق بين الاثنين في أن المخاطر المتجددة والمتزايدة تحدث من جراء اجتماع القوى الكبرى الساعية إلى فرض سيطرتها على العالم، وهي سيطرة لن تكتمل كما تقول وتؤكد كل النظريات الاستراتيجية إلا بالسيطرة على المنطقة الممتدة من الساحل السوري إلى ساحل بحر قزوين.
* دبلوماسية أنقرة الوقائية: إلى أين؟
اندلع الصراع في شمال العراق مطلع هذا العام، وكانت تركيا طرفاً فيه، واندلع الصراع الجورجي – الروسي ولم تكن تركيا طرفاً فيه. وقبل ذلك اندلع الصراع الأرمني – الأذربيجاني ولم تكن تركيا طرفاً فيه ومن المحتمل أن يندلع الصراع الإيراني – الأمريكي والذي تبذل تركيا قصارى جهدها بحيث لا تكون طرفاً فيه، أما صراعات شرق المتوسط وعلى وجه الخصوص الصراع العربي – الإسرائيلي ومكوناته الفرعية المتمثلة في الصراع السوري – الإسرائيلي والصراع اللبناني – الإسرائيلي والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، فإن تركيا وإن كانت طوال تاريخها الماضي تقف إلى جانب إسرائيل، فإنها هذه المرة وتحت ظل حكومة حزب العادلة والتنمية قد اختارت طريق الحياد الإيجابي مع أطراف الصراع بما أدى لجعل أنقرة اللاعب الإقليمي الأهم الذي يسعى إلى حل الصراعات والنزاعات لجهة تحقيق السلام والاستقرار.
إزاء هذه الصراعات والنزاعات الإقليمية والدولية العابرة للحدود، فقد تعاظم إدراك حكومة حزب العدالة والتنمية بضرورة عدم استمرار تركيا في القيام بدور البروكسي الأمريكي في المنطقة خاصةً أن إدماج أجندة السياسة الخارجية الإقليمية والدولية التركية ضمن أجندة السياسة الخارجية الأمريكية قد ترتب عليه فقدان أنقرة لمصداقيتها كقوة إقليمية في المنطقة الأمر الذي أفقدها توازنها ومكانتها الإقليمية ودورها الإقليمي، وألقى على عاتقها المزيد من الضغوط الأمنية ومصادر الخطر والتهديد المتمثلة في بؤر التوتر المحيطة بتركيا التي من أبرزها ثلاثة هي:
• بؤرة التهديد الإسرائيلي لاستقرار شرق المتوسط.
• بؤرة التهديد الكردستاني لاستقرار جنوب تركيا وشمال العراق وغرب إيران وشمال سوريا.
• بؤرة التهديد القوقازي لاستقرار مناطق شمال شرق تركيا.
حتى الآن تحاول الدبلوماسية الوقائية التركية العمل ضمن دائرة إعداد المسرح الإقليمي بما يترتب عليه إقامة البنيان والهياكل المؤسسية الإقليمية التي تساعد في تعزيز وتفعيل دول المنطقة على حل النزاعات وتثبيت الاستقرار وحماية الأمن الوطني والإقليمي.
* هل تستطيع أنقرة تثبيت القوقاز؟
مذ بدايات الأيام الأولى لاندلاع حرب روسيا – جورجيا أعلنت أنقرة مبادرتها الخاصة التي حملت اسم "خطة برنامج التعاون واستقرار القوقاز"، ويمكن الإشارة إلى الملامح الأساسية لهذه المبادرة على النحو الآتي:
• النطاق: يشمل نطاق المبادرة: روسيا، تركيا، جورجيا، أرمينيا، أذربيجان.
• الهدف: العمل الجماعي المتعدد الأطراف لتحقيق الأمن والتعاون من أجل تحقيق استقرار المنطقة.
• الوسائل: تتضمن الحوار والتفاهم والالتزام بتقوية وتعزيز العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين الدول الخمسة.
تشير الملامح  البارزة إلى عدم وجود أي حضور في هذه المبادرة لا للولايات المتحدة ولا لدول الاتحاد الأوروبي، وهو أمر يعكس بحد ذاته المؤشر الجديد الذي يمكن أن تتسم به السياسة الخارجية التركية في المراحل المقبلة، وهو مؤشر العمل من أجل حل النزاعات بالاعتماد على القدرات الإقليمية الذاتية بعيداً عن التكتلات والمحاور الدولية، إضافة لذلك فإن هذا المؤشر يعكس حقيقة أن تركيا قد بدأت خطوات إغلاق الباب أمام أجندة السياسة الخارجية الأمريكية ومنعها من استخدام أنقرة كمعبر بتمرير توجهات أمريكا إزاء الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى وروسيا.
الصراع الجورجي – الروسي أفسح المجال أمام تركيا للقيام بدور دبلوماسي إقليمي في المنطقة والمبادرة التركية أتاحت لأنقرة فرصة التقدم خطوة للأمام في تعزيز نفوذها ودورها الإقليمي ومن المؤشرات الدالة على ذلك:
• تسوية الخلافات التركية – الأرمنية.
• اقتراب أذربيجان أكثر فأكثر من التعاون مع تركيا.
• إغراء موسكو بأن تعاملها مع تركيا سيترتب عليه سعي أنقرة نحو المزيد من الاستقلالية عن واشنطن.
• وضع نظام ساخاشفيلي الجورجي أمام خيارين فإما التعاون مع دول المنطقة، أو المضي قدماً في التعاون مع أمريكا ومواجهة العزلة الإقليمية.
هذا، وتقول بعض التحليلات الأخيرة بأن دبلوماسية تركيا تسعى إلى تحقيق المزيد من الغايات والأهداف غير المباشرة  التي يتمثل أبرزها في:
• إبعاد شبح الضربة العسكرية ضد إيران.
• تعزيز قدرة أنقرة في الضغط على واشنطن لجهة قبول توجهات أنقرة باعتبارها الأكثر تماشياً مع مبدأ حماية مصالح الجميع.
هذا وتقول آخر التسريبات الواردة من القوقاز بأن أنقرة ستسعى إلى تعميق المبادرة لجهة القيام بعمل جماعي حقيقي متعدد الأطراف بما يترتب عليه استقرار القوقاز.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة