المواجهة السعودية – الإيرانية: توازن القوى وتمايزها بين الخصمين
الجمل: تشهد الساحة الإقليمية في مناطق الشرقين الأدنى والأوسط وشبه القارة الهندية تعاكساً متضاداً في اتجاهات الدور الذي تحاول أن تقوم به كل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وعلى ما يبدو أن ملامح المشهد السياسي الإقليمي الخاص بهذه المناطق سيشهد توتراً متزايداً على خط الرياض – طهران.
* الدبلوماسيات المتعاكسة على خط الرياض – طهران:
تقول المعلومات والتقارير بأن الحرب العراقية – الإيرانية الأولى والثانية قد أدت إلى رفع احتقانات التعبئة السلبية الفاعلة وذلك على النحو الذي رفع مخزونات العنف الرمزي السني – الشيعي في المنطقة. ثم جاءت بعد ذلك عملية الاحتلال الأمريكي للعراق وما أعقبها من تحول مخزونات العنف الرمزي العراقي الداخلي إلى عنف سلوكي – وظيفي مدمر أدى إلى الكثير من الخراب وعمليات القتل المتبادلة بين السكان العراقيين السنة والشيعة.
بسبب الدعم الإيراني للشيعة العراقيين تورطت السعودية في دعم قوى 14 آذار السنية – المسيحية في مواجهة السكان الشيعة اللبنانيين الذين يقودهم حزب الله وحركة أمل. ولم تكتف التحركات العسكرية على خط طهران – الرياض بذلك وإنما اتسع نطاقها من جانب الرياض التي تورطت في الآتي:
• ملف تحالف المعتدلين العرب الذي يسعى لاستهداف إيران وحلفائها في المنطقة وعلى وجه الخصوص سوريا وحزب الله وحركة حماس.
• الترتيبات الأمنية المخابراتية غير المعلنة أو شبه المعلنة مع الإسرائيليين كما هو الحال في اجتماعات العقبة الأردنية وشرم الشيخ المصرية.
• التورط في دعم حركات العنف السني في إقليم بلوشستان الباكستاني والناشطة لجهة استهداف جنوب شرق إيران.
• التورط في دعم حركات العنف السني الوهابية المنتشرة في مناطق القوقاز الشمالي والبلقان ومنطقة بحر قزوين.
• التورط في الحملة الدبلوماسية – الأمنية – العسكرية التي تستهدف القضاء على البرنامج النووي الإيراني.
كل هذه التحركات التي جاءت من جانب الرياض قابلتها من الناحية الأخرى تحركات طهران التي ركزت على العمل ضمن دائرة محدودة تتضمن:
• دعم الحركات الشيعية العراقية لجهة التشديد على ضمان عدم صعود القوى السنية المدعومة سعودياً داخل الساحة العراقية.
• دعم طموحات السكان السعوديين الشيعة الموجودين في مناطق شرق المملكة وبقية بلدان الخليج كالبحرين وقطر وسلطنة عمان والكويت.
• التنافس مع الرياض في دعم حركة حماس على النحو الذي لا يسمح للسعودية بفرض سيطرتها عليها.
• التنافس مع الرياض في الساحة اللبنانية بما يؤدي إلى حرمان الرياض من فرض سيطرتها على لبنان.
وعلى خلفية هذه التحركات المتعاكسة جاء تحرك متعاكس جديد تمثل في مبادرة الرياض إلى محاولة القيام بدور في الساحتين الباكستانية والأفغانية وتقول المعلومات والتسريبات بأن الرياض تسعى من أجل ترتيب حوار وتفاهم بين الأمريكيين وزعماء حركة طالبان الأفغانية – الباكستانية وهو الأمر الذي لا ترغب طهران فيه –على الأقل في الوقت الحالي-، وذلك لأنه سيتيح للولايات المتحدة وحلف الناتو التخلص من إجهادات الحرب الأفغانية والتوتر الباكستاني الداخلي وذلك على النحو الذي سيؤدي بالضرورة إلى تفرغ الولايات المتحدة وحلفائها إلى مواجهة الملف الإيراني. هذا، وتحاول الرياض تمديد جهود الوساطة لتشمل الحركات الإسلامية السنية المتصارعة على مصير إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان إضافة إلى محاولة تهدئة العنف الإسلامي الذي بدأت شرارته تنطلق من الهند.
* معادلة توازن القوى على خط الرياض – طهران وإشكالية النفوذ الإقليمي:
تشير معطيات العلوم السياسية وتحديداً تلك المتعلقة باستخدامات القوة في العلاقات الدولية إلى وجود نوعين من القوى:
• القوة الخشنة: وتتمثل في عناصر القوة المادية العسكرية والاقتصادية وما شابه ذلك.
• القوة الناعمة: تتمثل في القوة الرمزية – المعتدلة كالروابط الدينية والاجتماعية والثقافية والحضارية وما شابهها.
تأسيساً على ذلك نلاحظ أن:
• تتفوق طهران على الرياض في عناصر القوة الخشنة بسبب اعتمادها على قدرات عسكرية تفوق القدرات الوطنية السعودية ولكن بالمقابل فإن الرياض استطاعت مع واشنطن الحصول على "قوة مضافة" هائلة تستطيع من خلالها ردع طهران.
• تتفوق طهران على الرياض في عناصر القوة الناعمة في الساحة العراقية التي تمثل نسبة الشيعة بينهم حوالي 67 % إضافة إلى وجود عدد كبير من السكان السعوديين الشيعة في مناطق شرق المملكة الغنية بالنفط، ولكن بالمقابل تتفوق الرياض على طهران في عناصر القوة الناعمة في الهند وباكستان وأفغانستان وآسيا الوسطى، إضافة إلى وجود الأغلبية من السكان السنة في المملكة العربية السعودية وبلدان الخليج.
على هذه الخلفية يمكن القول أن احتمالات لجوء أحد الطرفين إلى استخدام القوة الخشنة أمر مستبعد في الوقت الحالي، ولكن استخدامات القوة الناعمة في المواجهة سيزداد خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن الإدارة الأمريكية الجديدة كما هو واضح أصبحت في موقف أكثر ميلاً لاستخدام الضغوط الدبلوماسية وتطبيق العقوبات الدولية ضد طهران وهو أمر يتيح للرياض استخدام المزيد من عضلاتها الناعمة لمساعدة واشنطن في حملتها القادمة ضد طهران.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد