دمشق تعتبر 2008 “عاماً سورياً بامتياز”
مع اقتراب عام 2008 من نهايته فإن العديد من المحللين السوريين والمصادر الرسمية يصفونه بأنه “عام سوري بامتياز”، إذ يعتبرون أن البلاد كانت حاضرة بقوة في مجمل أحداثه ولعبت خلاله دوراً مؤثراً في الأحداث السياسية في المنطقة.
فبعد شد وجذب خلال الأشهر الأولى من هذا العام عما إذا كانت القمة العربية ستعقد في دمشق في موعدها أم أن قرار “العزلة” الدولي والعربي على سوريا سيمنع انعقادها، تم حسم الجدل وعقدت القمة في 29 آذار/مارس وإن كان قد تغيب عنها قادة دولتين عربيتين هما مصر والسعودية.
ولم تنقطع زيارات المسؤولين الإيرانيين إلى سوريا في 2008 رغم مطالبات وأصوات عربية وإقليمية ودولية لها بالابتعاد عن طهران مقابل عودتها إلى أحضان المجتمع العربي والدولي، لكن دمشق كانت تعلن باستمرار أن علاقتها مع إيران هي لمصلحة العالم العربي والمجتمع الدولي وأنها لا ترى في هذه العلاقة القوية أي ضرر على الآخرين.
ووسط العزلة الدولية على سوريا في السنوات الأخيرة كان حلفاء دمشق البارزون مثل إيران وقطر وتركيا وفنزويلا وعدد من الوسطاء غير المعلنين يزورون البلاد ويلتقون مسؤوليها ويعقدون صفقات واتفاقات للتأكيد على العلاقات الوثيقة مع دمشق، وأنهم لن يتخلوا عنها في أحلك الظروف.
وحدا ذلك بسوريا إلى أن “ترد الجميل” إلى حلفائها وأصدقائها بعدة طرق أبرزها أنها أعطت الضوء الأخضر لتركيا بقبول وساطتها مع “إسرائيل” في إطلاق مفاوضات غير مباشرة بين تل أبيب ودمشق، كما أن قطر لعبت دوراً بارزاً بالتنسيق مع سوريا في الملف اللبناني وفي نقل الرسائل من دمشق إلى مختلف اتجاهات العالم وعواصم القرار الدولي والإقليمي.
وفي شباط/فبراير، هز انفجار قوي أحد الأحياء الراقية وسط العاصمة دمشق ذهب ضحيته عماد مغنية القيادي العسكري البارز في حزب الله اللبناني، وهو الحادث الذي وجهت أصابع الاتهام فيه إلى “إسرائيل”.
بعد ذلك مرت دمشق لبضعة شهور بما وصفته بعض الدوائر السياسية بمرحلة “الكل يشك بالكل” لكن هذه المرحلة لم تطل إذ سرعان ما بدأت الانعطافة التدريجية من الخارج باتجاه دمشق تأخذ المنحى الإيجابي.
ولعل أبرز أحداث عام 2008 بالنسبة لدمشق والذي تحدث العالم كله عنه بوصفه عودة لسوريا إلى حضن المجتمع الدولي كان الدفء الذي اعترى العلاقة السورية الفرنسية.
وفي هذا الإطار وافق الرئيس بشار الأسد على أن يكون من بين قادة وزعماء حوض المتوسط الذين حضروا في باريس في تموز/يوليو إطلاق “الاتحاد من أجل المتوسط”، الفكرة التي تبناها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وجلس الأسد إلى جانب عشرات من قادة العالم في القاعة نفسها التي جلست فيها “إسرائيل”، من دون أن يلتفت الرئيس السوري إلى حضورها. ويومها اعتبرت دمشق أن “لا تطبيع بالمجان”.
وعلى صعيد العلاقات مع الجيران، اتبعت سوريا فلسفة الخروج من الأزمة بأقل خسائر ممكنة بما يتماشى مع المستجدات على أرض الواقع. فهي تصر على ضرورة وضع جدول لانسحاب القوات الأجنبية من العراق لكنها كانت بين الدول التي أرسلت سفيراً إلى بغداد، وهي تؤكد على ضرورة المصالحة الفلسطينية ولكنها تستضيف أبرز قادة المقاومة الفلسطينية على أراضيها.
وفي الشأن اللبناني، تكرر دمشق موقفها منذ خروج قواتها من لبنان عام 2005 أنها مع ما يتفق عليه اللبنانيون لكنها وفي الوقت نفسه تملك حلفاء أقوياء هناك وتستخدم نفوذها بذكاء وبراعة سياسية قلّ نظيرها في المنطقة.
ولم يؤدِ سوء العلاقة السياسية بين دمشق والرياض بشكل خاص وبين القاهرة ودمشق بشكل أخف إلى انحسار الدور السوري بل إن المسؤولين السوريين يؤكدون باستمرار أن دور سوريا انتقل خطوات إلى الأمام. وكان استقبال دمشق للرئيس اللبناني ميشال سليمان في آب/أغسطس الماضي خطوة نوعية بكل المقاييس عندما أعلن رئيسا البلدين إقامة علاقات دبلوماسية وذلك لأول مرة منذ تأسيس البلدين.
وبلغت التوترات في العلاقات بين دمشق وواشنطن ذروتها في 26 تشرين الأول/أكتوبر عندما شنت مروحيات أمريكية هجوما على قرية السكرية في منطقة البوكمال على الحدود مع العراق أسفر عن مقتل سبعة سوريين ودفع سوريا إلى إغلاق المركز الثقافي الأمريكي والمدرسة الأمريكية في دمشق وبعدها بأيام أنذرت الحكومة مدرسي المدرسة الذين يحملون الجنسية الأمريكية بمغادرة سوريا خلال 48 ساعة.
ولأن سوريا رئيسة للقمة العربية في العام الحالي فإنها استطاعت استثمار هذا الدور إلى حد ما وكذلك فعلت بدورها الثقافي على اعتبار أن دمشق عاصمة للثقافة العربية لعام 2008.
ولم تشكل الانفجارات التي ضربت العاصمة السورية في أوقات متفرقة من العام الحالي وكان آخرها في 27 أيلول/سبتمبر في منطقة القزاز وراح ضحيته 17 سوريا فضلا عن جرح 14 آخرين أي معضلة كبيرة أمام سير دمشق باتجاه مصالحها الكبرى وعلاقاتها الدولية.
فقد احتضنت دمشق في أيلول/ سبتمبر قمة رباعية بحضور ساركوزي ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني تحت شعار “حوار من أجل الاستقرار”.
المصدر: د ب أ
إضافة تعليق جديد