الموقف البريطاني الجديد من حزب الله: الآفاق والدلالات

الجمل: سعى محور واشنطن – تل أبيب إلى دفع الاتحاد الأوروبي من أجل إضافة اسم حزب الله إلى قائمة الحركات الإرهابية بما يترتب عليه فرض العقوبات والحظر على الحزب في كافة بلدان الاتحاد الأوروبي ولكن مساعي هذا المحور اصطدمت بموقف باريس التي كانت ترى أن الحزب هو جزء مكون من الحكومة اللبنانية وبالتالي فإن إضافة اسم الحزب إلى قائمة الإرهاب سوف لن ينطوي على معاقبة الحزب وإنما الحكومة اللبنانية التي يسيطر عليها تحالف قوى 14 آذار الحليفة للغرب. وبعد صعود إدارة أوباما الديمقراطية كان لافتاً للنظر أن الحكومة البريطانية أعلنت عن تبنيها لموقف مشابه للموقف الفرنسي لجهة التعامل مع الجناح السياسي للحزب ومقاطعة الجناح العسكري.
* الموقف البريطاني: أبرز التساؤلات:
الموقف البريطاني الجديد يطرح العديد من التساؤلات التي من أبرزها:
• هل صدر هذا الموقف وقفاً لرغبة بريطانية حقيقية أم أنه جاء على خلفية التفاهمات الخاصة على خط واشنطن – لندن؟ خاصة أن رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون قام بزيارة التقى خلالها بالرئيس أوباما ورموز الإدارة الأمريكية والكونغرس؟
• هل توجد علاقة بين التفاهمات الجارية حالياً على خط واشنطن – طهران حول هذا الأمر؟
• ما هو تأثير الموقف البريطاني الجديد على الموقف الأمريكي القديم إزاء الحزب؟
• هل مساعي لندن للتفاهم والتعامل السياسي والدبلوماسي مع حزب الله هي مساعي تهدف إلى قيام لندن بدور المنافس لباريس في لبنان خاصة وأن مساعي وتحركات دبلوماسية لندن قد شهدت بعض الحراك خلال الفترة الماضية وتحديداً تجاه سوريا وإزاء الملف الفلسطيني؟
• هل الموقف البريطاني الجديد إزاء الحزب تهدف من خلاله لندن إلى القيام بدور "النافذة الخلفية" لواشنطن للتواصل مع الحزب؟
• ما هي الأجندة البريطانية أو البريطانية – الأمريكية التي ستقوم لندن بالتباحث والتفاهم حولها مع حزب الله؟
• هل يطرح الموقف البريطاني الجديد احتمالات موقف أوروبي جديد وبالتالي موقف أوروبي – أمريكي جديد إزاء حزب الله؟
• لا يمكن النظر إلى الموقف البريطاني الجديد بمعزل عن الموقف الأمريكي القديم ولا بمعزل عن الموقف الفرنسي القديم، فهل المطلوب التمهيد لاحتمالات تخلي واشنطن عن موقفها القديم أم التمهيد لمحاولة دفع باريس لمساعدة لندن في تبني الموقف الأمريكي القديم من الحزب؟
• هل للموقف البريطاني الجديد علاقة بالانتخابات اللبنانية القادمة؟ بكلمات أخرى، هل هو تمهيد يهدف إعداد المسرح الدبلوماسي بما ينسجم مع احتمالات صعود قوى 8 آذار وانحدار قوى 14 آذار في الانتخابات وبالتالي في مجلس النواب والحكومة؟
باستعراض هذه الأسئلة واحتمالات الإجابة عليها يمكن الاستنتاج بكل وضوح أن دبلوماسية الشرق الأوسط ستشهد نقلة نوعية جديدة بواسطة أطراف مثلث واشنطن – باريس – لندن المسيطر على أجندة جدول أعمال علاقات عبر الأطلنطي.
* كيف ينظر اللوبي الإسرائيلي إلى الموقف البريطاني الجديد؟
تعودت منظمات ورموز اللوبي الإسرائيلي التعامل بحساسية عدائية فائقة إزاء أي بوادر لقيام أي طرف غربي أو أمريكي بالتعامل أو حتى إبداء الرغبة في التفاهم مع حزب الله، وما هو لافت للنظر وجدير بالملاحظة أن ردود أفعال منظمات اللوبي الإسرائيلي تميزت بالصمت وتجاهل الأمر وهو أمر في حد ذاته ينطوي على قدر من الدلالة والشكوك، ولكن بالرغم من ذلك، فقد تصدى أحد رموز اللوبي الإسرائيلي لملف التفاهم والتعامل المحتمل بين بريطانيا وحزب الله، وبهذا الخصوص أشار خبير اللوبي الإسرائيلي ماغنوس نوريل الحائز على جائزة أولبرايت الفكرية ضمن ورقة الرصد السياسي التي أعدها إلى النقاط الآتية:
• تراجعت لندن عن موقفها الذي اتخذته عام 2005 بعدم التعامل مع حزب الله وقررت التعامل معه.
• الموقف البريطاني الجديد بالتأكيد سوف تقتدي به بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى.
• التبرير البريطاني للموقف الجديد أوضحه مسؤول مكتب وزير الخارجية البريطاني على أساس اعتبارات أن لندن فكرت ملياً في موقفها على ضوء التطورات الجديدة الجارية في الساحة اللبنانية مثل إنشاء الحكومة اللبنانية الجديدة والتزام وزراء حزب الله باستخدام الفيتو للأغراض البناءة.
• أوضحت بعض الأطراف البريطانية المسؤولة بأن ما ستقوم به لندن هو مجرد اتصالات استطلاعية مع الجناح السياسي للحزب.
• استمرت فرنسا في انتهاج سياسة خاصة بعيداً عن الاتحاد الأوروبي إزاء لبنان وحالياً تشارك فرنسا وإيطاليا ضمن بعثة اليونيفيل المتمركزة في جنوب لبنان.
• يوجد اتفاق بين اليونيفيل وحزب الله يتضمن التزام اليونيفيل بعدم إجراء أي مداهمات أو عمليات تفتيش بحثاً عن السلاح في مدن وقرى جنوب لبنان، مقابل التزام حزب الله بعدم القيام باستعراض قدراته العسكرية في الجنوب.
• الاتفاق بين الحزب واليونيفيل يتناقض تماماً مع مضمون قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي نص صراحة على ضرورة عدم وجود أي قوات أو أسلحة في جنوب لبنان، إلا في حالة اليونيفيل أو الجيش اللبناني إضافة إلى أن حزب الله سعى لتقويض ترسانته العسكرية بعد انتهاء حرب صيف العام 2006 وقام ببناء المواقع الدفاعية في سائر أنحاء جنوب لبنان.
• برغم أن حزب الله لم يقم منذ عدة أعوام بتنفيذ أي عملية مسلحة في أوروبا فإن وجود الحزب في أوروبا كان ومازال فاعلاً لجهة القيام بعمليات جمع وتحويل الأموال والحصول على الإمدادات والتجنيد إضافة إلى الأنشطة السياسية التي تهدف إلى إضفاء صفة المشروعية على الحزب في أوساط الرأي العام الأوروبي.
• أصدرت المخابرات الألمانية تقرير تخمينها الاستخباري الأخير، الذي قدرت فيه أن حوالي 900 (بزيادة 100 عن التخمين السابق) من أعضاء الحزب يعيشون في ألمانيا حالياً.
• يستخدم حزب الله البلدان الأوروبية كمحطة انطلاق لإرسال بعض عناصره إلى داخل إسرائيل من أجل القيام بعمليات الاستطلاع المعلوماتي.
إن استعراض هذه النقاط وخلفياتها يشير إلى أن عناصر اللوبي الإسرائيلي ليست راضية تماماً عن الموقف البريطاني ولكنها ليست رافضة كل الرفض لهذا الموقف وهذا معناه أن الموقف البريطاني إزاء حزب الله برغم أنه موقف معلن وله تفسيرات بريطانية رسمية معلنة فإنه يتضمن قدراً من المعطيات غير المعلنة.
* الاتحاد الأوروبي إزاء إيران والاتحاد الأوروبي إزاء حزب الله: تواصل أم انقطاع؟
ظلت السياسة الأوروبية إزاء حزب الله موضعاً للنقاش والخلاف والجدل ومن ثم فقرار الولايات المتحدة بإدراج حزب الله ضمن قائمة الإرهاب الأمريكية لم يجد قبول ودعم لا بواسطة الاتحاد الأوروبي ولا بواسطة دول الاتحاد الرئيسية كفرنسا، وما كان معاكساً تمثل في أن القاسم المشترك الأعظم في سياسة الاتحاد الأوروبي إزاء حزب الله كان تفضيل اللجوء لخيار التعامل بدلاً من اللجوء إلى خيار المواجهة وتبرير اللجوء إلى خيار التعامل على أساس اعتبارات أنه يتيح الفرص من أجل السيطرة على توجهات الحزب.
أشار الخبير ماغنوس نوريل في رصده السياسي التحليلي إلى أن الاتحاد الأوروبي أصبح بعد صعود إدارة أوباما أكثر تفاؤلاً لجهة احتمالات أن تكون الإدارة الأمريكية الديمقراطية الجديدة أكثر ميلاً واهتماماً للإصغاء والاستماع لوجهة نظر الاتحاد الأوروبي في المسائل المتعلقة بالمبادرات السياسية الجديدة إزاء قضايا وملفات الشرق الأوسط وذلك على أساس اعتبارات أن السياسة الأمريكية – الأوروبية المشتركة القادمة إزاء الشرق الأوسط ستكون أكثر تجنباً للضغوط الأمريكية وأكثر ميلاً للتعامل مع الأطراف الشرق أوسطية.
يرتبط حزب الله بعلاقة وثيقة تحالفية مع إيران وبالتالي فإن الموقف البريطاني الجديد وتوجهات السياسة الأوروبية الانفراجية إزاء الحزب تجيء في توقيت مثير للانتباه ومحبط بالنسبة للإسرائيليين لأن هذا الموقف تزامن مع التصعيدات المتوقع القيام بها أوروبياًً وأمريكياً إزاء إيران بسبب أزمة برنامجها النووي.
بكلمات أخرى، يفترض الإسرائيليون والأمريكيون أن الترويكا الأوروبية (لندن – باريس - برلين) ستستمر في تشديد الضغوط على إيران لإرغامها على التخلي عن برنامجها النووي مقابل الحصول على الحوافز ورفع العقوبات إضافة لذلك، يرى الإسرائيليون أن الموقف الأوروبي السابق ضد إيران قد تضمن فرض العقوبات بسبب الملف النووي وليس بسبب دعمها للحركات والفصائل المسلحة كحزب الله وحركة حماس.
من الواضح أن الموقف الأوروبي إزاء الشرق الأوسط يتطابق من ناحية مع الموقف الأمريكي ولكنه يختلف عنه في بعض النواحي الأخرى، وبالتالي الخلاف والتباين بين الموقفين سيترتب عليه عدم وجود تعاون أمريكي – أوروبي حقيقي إزاء الشرق الأوسط وما يخيب أمل الإسرائيليين أكثر فأكثر يتمثل في أن الموقف الأوروبي لن يساير الموقف الأمريكي إضافة إلى أن الموقف الأمريكي هو الذي أصبح الأكثر احتمالاً لأن يتغير ويساير الموقف الأوروبي المرفوض إسرائيلياً.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة