الدبلوماسية الإسرائيلية والأزمات المستقبلية
الجمل: تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية حالةً غير مسبوقة لجهة اكتظاظ جدول أعمال السياسة الخارجية الإسرائيلية بجملةٍ من المهام البالغة التعقيد، والتي لا يتحمل أي واحدٍ منها التأجيل، أو على الأقل الوضع في ذيل قائمة الأولويات.
* جدول أعمال السياسة الخارجية الإسرائيلية:
تواجه حكومة بنيامين نتنياهو إشكالية القيام في وقت واحد، وبشكلٍ متزامن معالجة القضايا الآتية المدرجة على بنود جدول أعمالها:
• معالجة أزمة تقرير غولدستون حول جرائم الحرب الإسرائيلية في قطّاع غزّة، وذلك قبل أن تتزايد مضاعفات هذه الأزمة.
• معالجة أزمة البرنامج النووي الإسرائيلي، وذلك بحيث يتم إفشال المفاوضات مع إيران، مما يؤدي إلى استمرار إسرائيل في حشد تجمع المعتدلين العرب وصولاً إلى التطبيع معهم وعلى وجه الخصوص السعودية ودول الخليج، إضافةً إلى الاستمرار في ابتزاز واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي وفقاً لذريعة أن إيران تسعى على القضاء على وجود إسرائيل.
• معالجة أزمة عملية سلام الشرق الأوسط، والتي أصبحت تتفرع عنها المزيد من الأزمات الجديدة، مما أدى إلى نشوء: أزمة المستوطنات – أزمة توقف المفاوضات – أزمة السلطة الفلسطينية – أزمنة قطّاع غزّة - أزمة الضفّة الغربية – أزمة العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وهلمجر...
• معالجة أزمة توتر العلاقات التركية – الإسرائيلية، والتي حدثت بفعل تأثير العديد من العوامل، والتي من أبرزها، تأثير العامل السوري – تأثير عامل حرب جورجيا – تأثير عامل الحركات الكردية الانفصالية – تأثير عامل الجرائم الإسرائيلية، وما شابه ذلك.
هذا، ونلاحظ أن كل هذه الأزمات وما يتفرع عنها من أزمات، تندرج جميعها ضمن شبكة نسيج أزموي موحّد، بعضها يكمّل بعضه البعض، وبعضها يتعاكس مع بعضه الآخر.
* حيرة دبلوماسيين تل أبيب: التقدم خطوة والرجوع خطوتين:
نلاحظ أن سيناريو الإدراك السلوكي الدبلوماسي الإسرائيلي الجاري حالياً، سوف لن يتيح لتل أبيب التوصل إلى أي حلٍّ ناجع، طالما أن تل أبيب، سوف تحصل على الآتي:
- أزمة تقرير غولدستون: سعت إسرائيل إلى التعاون مع اللوبي الإسرائيلي لجهة استغلال مجلس النواب الأمريكي من أجل إصدار تشريع يمنع الإدارة الأمريكية من دعم أو تأييد تقرير غولدستون. وإضافةً إلى ذلك، تقول المعلومات الصادرة اليوم، بأن إسرائيل قد أرسلت وفودها للتفاهم مع كل الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، لجهة حثّهم على ضرورة عدم القيام بتصعيد تقرير غولدستون.
هذا، ومن الواضح، أن تقرير غولدستون، إن تم منع مروره عبر مجلس الأمن الدولي، فإن العديد من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، بدأت فعلاً القيام باتخاذ الإجراءات والترتيبات الملزمة للمحاكم الأوروبية إزاء القيام بإجراءاتها القاضية اللازمة ضد المسؤولين الإسرائيليين، ونلاحظ أيضاًَ، أن قيام حلفاء إسرائيل باستخدام مجلس الأمن الدولي لجهة عرقلة تمرير تقرير غولدستون، سوف لن تؤدي إلا إلى استفزاز وتحريض منظمات حقوق الإنسان المدنية، والتي ظلّت بالأساس لا توجه انتقاداته الدائمة لمجلس الأمن الدولي وحسب، وإنما تطالب بإصلاح نظامه الداخلي وتعديله.
- أزمة البرنامج النووي الإيراني: سعي إسرائيل لإفشال المفاوضات مع إيران، سوف يدفع طهران إلى القيام بالمزيد من دعم حلفائها الشرق أوسطيين، وعلى وجه الخصوص حزب الله اللبناني، وحركة حماس الفلسطينية، إضافةً إلى تعميق الخلافات الإسرائيلية مع كلٍ من روسيا وتركيا، مقابل ذلك، فإن إسرائيل سوف لن تنجح في توريط واشنطن وحلفائها في الحرب ضد إيران، لأن أمريكا نفسها تعلم جيداً أن اندلاع الحرب ضد إيران سوف تكون إسرائيل ضحيته الأولى، وهو أمر تعرفه تل أبيب جيداً، وإضافةً لذلك أيضاً، فإن سعي تل أبيب إلى توظيف مفهوم الخطر الإيراني لبناء التحالف مع المعتدلين العرب، والدخول في التطبيع المباشر مع الدول الخليجية، هو أمر من الصعب أن يتحقق، لأن الأمر ليس في يد النخب الخليجية الحاكمة، و ذلك لأن الرأي العام السعودي والخليجي سوف لن يتجاوب مع أي تطبيع مع إسرائيل خارج إطار التسوية الشاملة للصراع.
- أزمة عملية سلام الشرق الأوسط: وهي الأزمة التي ظلت تمارس فيها تل أبيب استراتيجية الهروب للأمام، ومحاولة تجاوز عناصر ومكونات الأزمة، عن طريق السعي من أجل الالتفاف عليها باستخدام شتّى الوسائل، بما يتيح لتل أبيب ترشيح مفهوم السلام مقابل السلام كأساس للتسوية مع الأطراف العربية التي تسعى من أجل حل المشكلة والأزمة على نسق مفهوم الأرض مقابل السلام، وبالتالي: لا سلام مع سوريا إلا مقابل الجولان، ولا سلام مع الفلسطينيين إلا مقابل الأراضي الفلسطينية.
- أزمة العلاقات الإسرائيلية – التركية: أخذت أزمة العلاقات التركية – الإسرائيلية طابعاً تصاعدياً زاحفاًَ، وبسبب سعي تل أبيب للتوافق مع أنقرا من جهة ثم مراوغة انقرا من الجهة الأخرى، فقد وجدت إسرائيل نفسها في مواجهة «رافعة» الرفض التركي المتزايد لتوجهاتها. هذا، ومن الصعب توقُّع أن تحدث أي تهدئة على خط أنقرا – تل أبيب، إلا إذا سعت إسرائيل بنجاح إلى حل وتهدئة الأزمة الأخرى، وذلك لأن أزمة العلاقات التركية – الإسرائيلية قد نشأت بالأساس بسبب ضغوط الأزمات الأخرى، التي حفزت الرأي العام التركي لجهة تشديد الضغط على حكومته من أجل الضغط على إسرائيل.
هذا، ونلاحظ أن دبلوماسية تل أبيب ما تزال حتى الآن عاجزة، وغير قادة على التعامل بتركيز مع فعاليات هذه الأزمة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما أشعلت إسرائيل أزمة غزّة، كانت تتوقع القضاء على حركة حماس بما يتيح لحركة فتح السيطرة على مقاليد الأمور، ولكنها فشلت في القضاء على حركة حماس، إضافة إلى نشوء الأزمة في العلاقات الأمريكية – التركية، ونشوء أزمة تقرير غولدستون، وبالتالي، فإن كل الأزمات الأخرى، سوف تتولد عنها المزيد من الأزمات الفرعية الجديدة.
* خارطة طريق تل أبيب: إلى أين؟
تأثير ضغوط الأزمات السياسية، سوف لن ينحصر فقط في مجرّد العداء الخارجي لإسرائيل، وإنما سوف يترتب عليه نشوء الضغوط، والتي سوف تنتقل عدواها إلى داخل البيئة المؤسسية الإسرائيلية، بما يترتب عليه الآتي:
• إضعاف أداء السياسة الخارجية الإسرائيلية.
• تزايد الخلافات السياسية الإسرائيلية.
ضعف الأداء السياسي وتزايد الخلافات السياسية، سوف يؤثران بلا شك على البيئة التنفيذية والتشريعية الإسرائيلية، وهو أمر سوف يخلق المزيد من التعقيدات داخل هياكل عملية صنع اتخاذ القرار الإسرائيلي.. وحالياً، بدأت هذه الحالة تأخذ شكلها الأولي، فالإسرائيليون مختلفون إزاء التعامل أو عدم التعامل مع تركيا، ومختلفون إزاء التعامل أو عدم التعامل مع الفلسطينيين، ومختلفون إزاء التفاوض أو عدم التفاوض مع سوريا. وحتى بالنسبة لأمريكا نفسها، فقد بدأت توجهات الإسرائيليين أكثر اختلافاً حول مدى مصداقية الإدارة الأمريكية الحالية في الوقوف إلى جانب إسرائيل، وعلى وجه الخصوص، في الاعتبارات المتعلقة بالملف الإيراني!!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد