سيناريو الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بعد فشل المفاوضات

10-05-2010

سيناريو الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بعد فشل المفاوضات

الجمل: أعلنت السلطة الفلسطينية قرار العودة لطاولة المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل, وذلك عبر المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط السيناتور جورج ميتشل, ولما كان الفشل هو النتيجة الحتمية المؤكدة الحدوث لهذه المفاوضات, فإن ثمة سؤالا بارزا يتوجب طرحه هذه المرة: ما هو الشكل الجديد للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي القادم بعد مرحلة فشل هذه المفاوضات؟ وما هو السياق الصراعي الشرق أوسطي الجديد الذي سوف يتشكل على خلفية ذلك؟

بنيامين نتنياهو-محمود عباس: إدارة الفشل
عندما تنعقد المفاوضات: أي مفاوضات, ويجلس طرفي الصراع, فإن كل واحد منهما لا بد وأن يكون متمتعا بالآتي:
• تحديد الأهداف التي يرغب في تحقيقها.
• تكوين إدراك واضح للطرف الآخر.
• تحديد هامش المناورة الذي يمكن أن يتحرك ضمنه.
• تحديد التنازلات التي يمكن أن يقدمها.
يمكن القول افتراضا, بأن كل المفاوضات والمحادثات والتفاهمات الفلسطينية-الإسرائيلية السابقة المباشرة وغير المباشرة, كانت جميعها تقوم ويتم إجراءها ضمن حسابات معادلة الفرص والمخاطر, التي ظلت تؤكد دائما بأن احتمالات الفشل أكبر بكثير من احتمالات النجاح, إلا هذه المرة: توجد احتمالات الفشل فقط, وبدرجة ثقة احتمالية نسبتها 100%.
ماذا يريد بنيامين نتنياهو:
• الاعتراف الفلسطيني الواضح والصريح بيهودية الدولة الإسرائيلية.
• الموافقة الفلسطينية الواضحة والصريحة بتوطين اللاجئين الفلسطينيين حصرا.
• الاعتراف الفلسطيني الواضح والصريح بالقدس كاملة كعاصمة حصرية أبدية لإسرائيل.
• الموافقة الفلسطينية الواضحة والصريحة بمبدأ توسيع الاستيطان, وإقامة المزيد من المستوطنات, إضافة إلى عدم إزالة المستوطنات الموجودة في الأراضي الفلسطينية.
• الموافقة الفلسطينية الواضحة والصريحة بمبدأ عدم إلزام إسرائيل بأي تحديد لحدودها الدولية, وأن تكون الدولة الفلسطينية بلا حدود ومنزوعة السلاح.
• الموافقة الفلسطينية الواضحة والصريحة على الالتزام بعدم تقديم أي مطالب جديدة أو إضافية بعد توقيع الاتفاق معهم.

ماذا يريد محمود عباس:
• إقامة دولة فلسطينية في الأراضي الفلسطينية: قطاع غزة-الضفة الغربية.
• أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.
• الاعتراف بحق العودة لكل اللاجئين الفلسطينيين.
• إزالة المستوطنات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية.
تشير كل مقاربات التحليل السياسي المقارن, إلى أن الأهداف الاستراتيجية قد تم وصفها بحيث لا تتعاكس وحسب مع الأهداف الفلسطينية, وإنما تؤدي عملية إسقاطها على الواقع إلى إلغاء كل المطالب الفلسطينية.

السلطة الفلسطينية: سيناريو الانهيار
توقعت العديد من التحليلات انهيار السلطة الفلسطينية, والتي أصبح انهيارها في حكم الحدث المؤجل المؤكد, وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس محمود عباس وحلفاءه قد نجحوا خلال الفترة الماضية في توظيف سيناريو عملية السلام المعلقة, عن طريق استخدام:
• المناورة على الخطوط الداخلية: قمع الفلسطينيين المعارضين, وتشديد السيطرة على موارد رزق ومعيشة الفلسطينيين.
• المناورة على الخطوط الخارجية: القيام بالتحركات الخارجية على خطوط القاهرة-الرياض, وواشنطن-بروكسل (الاتحاد الأوروبي).
استطاع الزعيم محمود عباس وحلفاءه عن طريق هذه المناورات الداخلية والخارجية الحفاظ نسبيا على الوجود الرمزي للسلطة الفلسطينية, وتعزيز هذا الوجود عن طريق توظيف نوعين من الأدوات:
• أدوات الصدام: السعي لاستهداف حركات المقاومة الفلسطينية المعارضة لمحمود عباس وحلفاءه.
• أدوات الامتصاص: التسويق المستمر لضرورة المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.
وبرغم ذلك, فإن موافقة الزعيم محمود عباس وحلفاءه الأخيرة لجهة استئناف المفاوضات مع إسرائيل دون الحصول على أي مقابل, أيضا غض النظر عن تحفظات كل الأطراف الفلسطينية إزاء ملف المستوطنات, هي الموافقة التي لا تحمل في طياتها بذور الفشل والإخفاق في تحقيق الأهداف التفاوضية وحسب, وإنما تضمنت ظاهرة جديدة هذه المرة, وهي: استخدام آليات التعامل القومي مع منظمة التحرير الفلسطينية, وبكلمات أخرى فقد قرر محمود عباس استئناف المفاوضات, أولا, ثم لجأ بعد ذلك إلى استخدام المنظمة لكي تضفي على قراره الغطاء المؤسسي, وبكلمات أخرى, فقد أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية مجرد كيان إداري أوسكرتاري تابع لمكب الرئيس محمود عباس.
أدى تعامل محمود عباس مع منظمة التحرير الفلسطينية بهذه الطريقة إلى تأليب الأطراف الفلسطينية الأخرى المشاركة في هذه المنظمة, فقد رفضت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قرار محمود عباس, وتحفظت الجبهة الديمقراطية على القرار.

الرئيس محمود عباس وإشكالية مواجهة سيناريو ما بعد الفشل:
من المتوقع أن يلجأ الزعيم محمود عباس وحلفاءه إلى الاستخدام والتوصيف الثنائي لأدوات الصدام وأدوات الامتصاص في التعامل مع الأزمة السياسية العنيفة التي سوف تندلع في الضفة الغربية, ومن أبرز ما قد يلجأ محمود عباس لاستخدامه:
في جانب الامتصاص:
• التجاوب المرحلي: طرح المزيد من التساؤلات وإطلاق التصريحات التي تندد بالإسرائيليين.
• الوساطة الإيجابية: إجراء المزيد من التحركات بين عواصم المنطقة, وعلى وجه الخصوص: عمان-القاهرة-الرياض, إضافة إلى واشنطن, وذلك لإيهام الرأي العام الفلسطيني بأن احتمالات تحقيق النجاح ما تزال قائمة.
• الإصغاء الإيجابي: السعي لإجراء المشاورات والتفاهمات مع الأطراف الفلسطينية المعارضة, والقيام بدور الزعيم الذي يحسن الإصغاء إلى خصومه.
• توظيف المال السياسي: السعي من اجل تقديم القليل من الدعم المادي والعيني بالقدر الذي يشبع بعض حاجات الأطراف الفلسطينية التي تعاني من ضعف القدرات والموارد.
في جانب الصدام:
• بناء الذرائع: السعي من أجل توسيع دائرة العنف الرمزي – الإعلامي السياسي, ضد الأطراف الفلسطينية التي تتمادى في المعارضة.
• الضغط النفسي: إطلاق يد أجهزة أمن السلطة في ممارسة المزيد من البطش والاعتقال والتشديد لرموز وعناصر المعارضين الفلسطينيين.
• الطرف الثالث: السعي من أجل تحقيق المزيد من التنسيق مع الأطراف الثالثة, وعلى وجه الخصوص مثلث تل أبيب-القاهرة-عمان, من أجل تشديد الضغوط على المعارضين الفلسطينيين.

برغم فعالية هذه الضغوط, فإن التوقعات تشير إلى أن درجة إحكام هذه الضغوط لن تكون ممكنة, وذلك لأن ملايين الفلسطينيين, بما في ذلك المنتسبين لحركة فتح في الضفة الغربية, سوف يدركون, وبكل وضوح, أنه لم يعد لديهم ما يخسرونه, بعد أن خسروا كل شيء, ولم تتبق لهم سوى قضيتهم العادلة التي يتمسكون بها.
الإدراك السلوكي للفلسطينيين, وعلى وجه الخصوص في الضفة الغربية, خلال مرحلة ما بعد الفشل, من الممكن أن يتضمن الآتي:
• تزايد ضغوط الأزمة داخل حركة فتح, بما يمكن أن يؤدي إما إلى خيار سيناريو الانقلاب الفتحاوي ضد الزعيم محمود عباس, أو إلى خيار سيناريو عمليات الخروج الجماعي من الحركة.
• تزايد الضغوط المؤسسية داخل السلطة الفلسطينية, بما يمكن أن يؤدي إلى أما خيار سيناريو انقلاب سلام فياض ضد محمود عباس أو سيناريو تنحي محمود عباس وإفساح المجال أمام حلفائه, أو إلى خيار سيناريور انقلاب القصر داخل السلطة الفلسطينية بحيث يقوم محمود عباس بتنفيذ الانقلاب على حلفائه.
مازال الزعيم محمود عباس يمسك بشدة ورغبة مفرطة بمنصب الرئيس الفلسطيني, وذلك برغم ان ولاية رئاسة محمود عباس قد انتهت, ومنذ فترة طويلة, وفي سيناريو المواجهة القادمة سوف يجد محمود عباس نفسه إما في مواجهة ضرورة القيام بخيار العمل الاستباقي الذي يتيح له البقاء والاستمرار في السلطة, وهو خيار سوف تترتب عليه جملة من الخيارات الفرعية منها:
• البحث عن كبش الفداء.
• تغيير الاتجاه والتخلي عن مسار التسوية.
وفي حالة عدم اللجوء لأحد هذين الخيارين الفرعيين فهناك خيار مواجهة الأمر الواقع بواقعية عن طريق الإقرار بالفشل وتحمل المسئولية, وهذا معناه الاستقالة وإتاحة الفرصة للشعب الفلسطيني لكي يختار من يريد, وإضافة لذلك هناك خيار التصلب والتعنت والسير في نفس الاتجاه وهو أمر قد يجعل من محمود عباس نفسه هدفا مشروعا لفصائل المقاومة الفلسطينية والتي وإن مدت حبال الصبر خلال الفترة الماضية فإن صبر العديد منها يبدو وكأنه قد نفد ومنذ فترة طويلة.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...