الأسد وميدفيديف يدعوان إلى نظام عالمي متعدد الأطراف
دعا الرئيس بشار الأسد موسكو، بحضور نظيره الروسي في دمشق امس، إلى أداء دور في تحريك جمود عملية السلام، مؤكدا أن بلاده مستعدة للتفاوض على كل ما يخرج عن نطاق تمسكها بعودة حقوقها كاملة، فيما حذر ديميتري ميدفيديف من أن دورة عنف جديدة قد تؤدي الى نتائج كارثية في المنطقة، معتبرا ان الإدارة الأميركية «لا تقوم بما يكفي».
وأنهى ميدفيديف زيارته التاريخية الى سوريا ـ كونها الأولى لرئيس روسي على الإطلاق ـ باتفاق الطرفين على كل نقطة اقرتها لجنة التنسيق المشتركة التي صاغت البيان النهائي للزيارة. وبدا واضحا أن الجانبين يرغبان في استثمار هذا الحدث، مستقبلا، حين جرى الاتفاق على بحث إنشاء مجلس تعاون استراتيجي مشترك، كما على تكثيف الزيارات الدورية بين قيادتي البلدين، وإنشاء لجان تنسيق مشتركة، وآليات لتنفيذ بنود التعاون.
ورغم أن الجانب الروسي رفض في حوارات جانبية معه أية إشارة لما يوصف بـ«عودة روسيا إلى المنطقة»، إلا أن الاستنتاج السائد في دمشق هو أن موسكو ترغب فعلا في ممارسة دور أكثر فعالية في الشرق الاوسط، وهو ما فهم من إشارة ميدفيديف الى أن بلاده استخدمت حق الفيتو، للمرة الاولى، في مواضيع لها علاقة مباشرة بسوريا.
وكان لافتا إشارة البيان الختامي إلى رغبة موسكو في التعاون مع سوريا في مجال إنتاج الكهرباء بالاستناد الى الطاقة النووية، علما ان وزير الطاقة الروسية سيرغي شماتكو قال لوكالة «رويترز»، إن روسيا قد تساعد في بناء محطة للطاقة النووية في سوريا. وقد اتفق الطرفان ايضا على «الحاجة الماسة لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من اسلحة الدمار الشامل»، وعلى «تطوير التعاون العسكري بين البلدين ولكن بما يتناسب والتزاماتهما الدولية ومصالحهما المشتركة».
وذكر البيان المشترك المكون من ثلاث صفحات، انه تم الاتفاق ايضا على ضرورة إصلاح منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وإقامة نظام عالمي متعدد الأطراف، وإقامة السلام العادل والشامل على أساس قرارات الشرعية الدولية ومرجعية مؤتمر مدريد بما فيها مبدأ الأرض مقابل السلام ومبادرة السلام العربية.
كما جرى الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة لعقد مشاورات سياسية دورية للتنسيق في مجال السياسة الخارجية والعلاقات الثنائية، وإدانة السياسة الاستيطانية لإسرائيل والتعبير عن قلق عميق إزاء التوتر الخطير في الشرق الأوسط جراء استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وتعزيز العمل في الإطارين الثنائي ومتعدد الأطراف لمكافحة «الإرهاب» بكافة أشكاله وأنواعه.
وقالت مصادر دبلوماسية روسية ان الأسد وميدفيديف عقدا اجتماعين، أحدهما مغلق، بحثا خلالهما العلاقات الثنائية كما المواضيع الإقليمية، ولاسيما عملية السلام والملف النووي الإيراني، قبل ان يزورا كنيسة حنانيا في دمشق القديمة حيث التقى ميدفيديف البطريرك اغناطيوس الرابع هزيم بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس، ويشرفا على توقيع اتفاقيتين للتعاون في مجال الخدمات الجوية وتقنيات المعلومات والاتصالات.
- وفي مؤتمر صحافي مشترك، قال الأسد ان «كلا البلدين مهتم تقليديا بتحقيق السلام في الشرق الأوسط وروسيا راع من الرعاة الأساسيين لعملية السلام التي انطلقت في مدريد وهذه العملية الآن متوقفة». واضاف «لكن في فترة التوقف، من الممكن للبعض أن يقوموا بإجراءات تعزز فرص السلام، أو بالعكس قد يقومون بإجراءات ربما تنسف كليا عملية السلام.. ونحن نعتبر أن طرد الفلسطينيين من القدس والمساس أو الاعتداء على الأماكن المقدسة وحصار الفلسطينيين في غزة من الخطوات والإجراءات التي قد تؤدي إلى نسف عملية السلام بشكل كلي».
وعن الدور الروسي في عملية السلام، وما اذا كانت سوريا مستعدة لقبول «حلول وسط»، قال الرئيس السوري ان «الدور الروسي وآفاقه (لهذا الدور) يرتبطون بوجود الراعي وبوجود الأطراف وبوجود المرجعية لعملية السلام.. والمرجعية واضحة: قرارات مجلس الأمن الدولي». وأضاف «بالنسبة للأطراف، هناك طرف عربي مستعد وعبر عن ذلك من خلال المبادرة العربية للسلام في العام 2002، والطرف الإسرائيلي كلنا يعرف ومعظم دول العالم المهتمة بالسلام تعرف أنه غير مستعد.. أما الراعي الأميركي فما زلنا بانتظار أن يتحرك بشكل جدي وفعلي باتجاه عملية السلام».
ثم قال الأسد ان «ما يمكن لروسيا أن تفعله، وطبعا ليس بالضرورة ان يتم تحقيقه، هو البحث عن هذا الشريك الذي لا نراه الآن من الجانب الإسرائيلي من خلال إقناعه بأهمية السلام له وللمنطقة. وأيضا الحوار مع الراعي الأميركي من أجل تشجيعه على التحرك بسرعة لدفع عملية السلام إلى الأمام. وعندما نصل إلى هذه المرحلة، عندها هناك تفاصيل ومبادئ وهناك آليات يمكن أن يناقشها الطرف الروسي مع الأطراف المعنية من أجل ضمان منهجية واستمرارية، وبالتالي نجاح عملية السلام».
وتابع الأسد «الحلول الوسط موجودة دائما إلا في الحقوق»، مشددا على ان «الأرض يجب أن تعود كاملة وأي شيء آخر كالعلاقات والترتيبات الأمنية والتفاصيل الأخرى كلها فيها حلول وسط». كما تطرق الرئيس السوري الى مسألة «الإرهاب»، قائلا ان «سوريا تعتقد ان طريق السلام والاستقرار هو الطريق الصحيح لمكافحة الإرهاب»، مدينا «كل العمليات الإرهابية التي حصلت ضد الشعب الروسي مؤخرا».
أما في الموضوع النووي الإيراني، فقال الاسد ان وجهة نظر سوريا «تقول بأحقية كل الدول بامتلاك الطاقة النووية السلمية وبضرورة إخلاء الشرق الأوسط من كل أسلحة الدمار الشامل.. وقد أكدنا ضرورة استمرار الحوار بين إيران ومجموعة الدول الست لأن العقوبات لا تجدي نفعا.. تعقد الحل بدلا من أن تسهله».
وعن العلاقات الثنائية، ذكر الأسد أنه بحث والجانب الروسي التعاون في مجال النفط والغاز، سواء التنقيب أو النقل أو إنشاء المصافي، بالإضافة إلى إنشاء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية، سواء المحطات التقليدية أو محطات الطاقة النووية، «وتحدثنا عن التعاون في مجال بناء السدود والبنية التحتية والري بالإضافة إلى موضوع النقل وخاصة النقل الجوي وتطرقنا إلى إمكانية دراسة إنشاء مجلس تعاون استراتيجي بين البلدين».
- من جهته، أكد ميدفيديف في تعليقه على المسألة الايرانية، على «حق أي دولة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وضرورة المراعاة والتمسك بكافة المبادئ المتعلقة بعدم الانتشار النووي، وأيضا أكدنا ضرورة الموقف البناء من قبل القيادة الإيرانية بتجاوز كل المشاكل التي تترتب على برنامجها النووي حاليا».
وبشأن عملية السلام في المنطقة، أكد ميدفيديف ان «روسيا ستستمر في بذل قصارى جهدها للمساعدة على استئناف العملية السلمية في منطقة الشرق الأوسط وذلك على الأساس الدولي المعترف به»، مشيرا الى «القرارات الدولية ومبادرة السلام العربية». واضاف «من المفترض ويجب ان تكون نتيجة لمثل هذه الجهود التسوية الشاملة والعادلة والطويلة الأمد للنزاع العربي الإسرائيلي وتحرير كافة الأراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي ستعيش في سلام وأمن مع كل من دول هذه المنطقة، وقبل كل شيء، مع إسرائيل».
وردا على سؤال عن الدور الذي تتصوره روسيا لنفسها في هذه العملية، قال ميدفيديف ان بلاده «ستقوم بكل ما يتوجب عليها لدفع عملية السلام إلى الأمام.. وأنا موافق في هذا السياق على أن الإدارة الأميركية لا تعمل ما يكفي حاليا لدفع هذه الأمور إلى الأمام. عند ذلك، يمكن أن تتم الاستفادة من كافة الوسائل المتوفرة، وأنا أعني الدبلوماسية المكوكية مثلا أو المباحثات والمفاوضات غير المباشرة لتحويلها في المستقبل إلى الحوار المباشر، وبالتالي للتوصل إلى النتائج المرجوة».
وتابع الرئيس الروسي «نحن ننطلق من أن التوتر اللاحق في منطقة الشرق الأوسط وخيم وينذر بالانفجار الجديد وحتى بالكارثة.. على كل حال، لا يمكننا ان نجلس مكتوفي الأيدي.. وأكرر أن الأوضاع القائمة تزداد توترا وسوءا الأمر الذي ينعكس بدوره على الأوضاع العامة القائمة في منطقة الشرق الأوسط.. وبالتالي، فاننا على استعداد لمواصلة كافة الجهود المطلوبة، بما في ذلك في سياق فكرتنا المتمثلة في مؤتمر موسكو الدولي حول الشرق الاوسط الذي من المفترض كحد أدنى أن تسفر عنه نتائج مرحلية للأعمال والجهود المشتركة التي تبذل حاليا».
وكرر «نحن على استعداد ونتطلع إلى مواصلة اتصالاتنا مع الأطراف العربية وغيرها من الإطراف المباشرة والمعنية وننطلق من انه أهم شيء بأن نتحرك إلى الأمام لانه كما قلت سابقا، فالأوضاع القائمة سلبية للغاية حاليا.. وقد تطرقنا مع الرئيس الأسد إلى بعض المواضيع الأكثر تفصيلا».
وبعد وصول ميدفيديف الى تركيا، ذكرت متحدثة روسية ان الرئيس الروسي التقى رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في دمشق، ودعا الى الإفراج عن الجندي الاسرائيلي المحتجز في غزة جلعاد شاليط. واوضحت ان «الرئيس الروسي دعا الى حل مشكلة الإفراج عن المواطن الاسرائيلي .. جلعاد شاليط بالسرعة الممكنة».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إقرأ أيضاً:
إضافة تعليق جديد