مؤتمر العروبة والمستقبل يبدأ فعالياته بدمشق
بدأت برعاية السيد الرئيس بشار الأسد صباح أمس فعاليات مؤتمر العروبة والمستقبل بمشاركة أكثر من 150 مفكراً وباحثاً من الدول العربية والذي يبحث واقع العروبة واستشراف مستقبلها باعتبارها الرابط الجامع والمكون الأساس الذي يربط بين أبناء الأمة في ظل ما يتعرض له المصير العربي من تحديات ومحاولات تستهدف تفتيت العرب وتفريق كلمتهم.
وأكدت الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية ممثل راعي المؤتمر في كلمة ألقتها في افتتاح المؤتمر أن هذا المؤتمر ينعقد على اسم العروبة لغة وفكراً ونضالاً لتحقيق وحدة الموقف والهدف والحرص على العمل المشترك من أجل تمتين الأواصر ودعم التضامن بين أقطارنا وإطلاق حوار فكري ثقافي سياسي عميق بناء ومتواصل يرسم بالرؤية القومية الشاملة الخطط الجذرية المرتبطة بالأهداف الراهنة والمستقبلية للأمة من أجل الارتقاء بها وبناء الغد العزيز لها وحماية حقوقها ووجودها معاً.
ودعت الدكتورة العطار إلى قراءة الواقع بعين الوعي وبصيرة المستقبل وسط الأجواء الملبدة وإلى الفهم الصادق لحقيقة انتمائنا إلى عروبتنا وهويتنا من أجل أن يكون لنا مشروعنا الكفاحي الصلب في الدفاع عن أرضنا وحقوقنا وشعبنا وبيوتنا وأهلنا وعقائدنا وأن يكون هذا الفهم ناظماً لكل عمل نضالي نقوم به ونلتقي عليه ونجمع حوله المناصرين والمؤيدين.
وأضافت العطار: إن إقامة هذا المؤتمر حول العروبة والمستقبل تأتي من إدراكنا حجم المحنة التي نعيش وبؤس الواقع الراهن الذي ابتلينا فيه بأبشع أنواع التشرذم والتفرق والانقسام والتناحر واللامبالاة وضمور الوعي متناسين أننا على أبواب معركة من معارك التاريخ نكون بعدها أو لا نكون لأنها معركة وجود وحق في الحياة ولأنها ستمتد إذا بقينا على هذا الحال إلى كل بقعة من أرضنا.. ولن يسلم من هولها ونتائجها أي قطر من أقطارنا مستشهدة بقول القائد الخالد حافظ الأسد في حديث له عام 1999 إن ما يقلقنا اليوم هو حال الأمة العربية ومعاناتها من الوهن والضعف والانقسام والصراعات وخوف البعض من البعض الآخر وخوف الجميع من أخطار تهدد الجميع وتسعى للسيطرة والهيمنة على الوطن كله إلى جانب العدوان الإسرائيلي.
وأوضحت الدكتورة العطار أننا لا نريد أن نكون مجرد شهود بائسين على مأساتنا وإنما نريد أن نسعى معاً إلى التصدي لكل أشكال العدوان الهمجي المدمر الذي يطول أمتنا كلها وإلى مساندة الأقطار المعتدى عليها من مفهوم شامل لتوجهات نضالنا وتفعيل شامل لطاقاتنا في إطار ما نرسمه من برامج قومية كبرى من أجل بناء الوطن وحماية حقوقه وتحصين الأمة.
وقالت الدكتورة العطار: العهد أن ننطلق في كل ذلك من إيمان راسخ بقدرة أمتنا على التكتل والنهوض وعلى أن تجد وحدة صفها كما وجدت بتضحياتها ونضالها.. حريتها واستقلالها.. وأن تعي حقيقتها وما تمتلك من إمكانات دون أن نغمض العين عما نراه في تجليات المشهد العربي الراهن أو أن تأخذنا الحماسة في مداراتها بعيداً عن مكامن الخلل وجسامتها وانحراف المفاهيم الآتي من الداخل والخارج حاملاً الأفكار المناوئة الداعية إلى الانفصام عن الأمة والتخلي عن المسؤوليات.
وأشارت إلى أنه في ظل المشهد العربي الراهن أصبحت تنتشر في بعض العواصم العربية لافتات تعيدنا إلى التقسيمات السابقة للمنطقة بدواعي ما يسميه البعض المصالح والارتباطات والظروف وضرورات الانسجام مع وضع دولي قاهر يتربص بنا، لافتة في هذا السياق إلى تصدي الكتّاب بأقلامهم المناهضة للدعوة إلى نبذ التمسك بالمواقف القومية وإلى التخلي عن لغتها وعدم الاسترسال مع ما يصفونه أحلام التاريخ اللاواقعية وإلى امتلاك المرونة الضرورية لمقاربة المجتمع الدولي بلغة الدبلوماسية الملساء ومنطق المجاملات الذي يفتقر الى المصداقية.
وأوضحت الدكتورة العطار أن الجماهير العربية أكثر وعياً من أولئك الذين يدعون أنهم النخبة من السياسيين والمفكرين العقلانيين الذين يقدمون التنازلات على اسم السلام ثم لا تكون نتائجها إلا المزيد من الانهيارات والخسائر وتمزيق الصف وضياع الحقوق داعية إلى التعلم من التجارب واستقراء الماضي لفهم ما يجري على أرض الواقع الراهن وما يرسمه لنا الأعداء في الخفاء من أجل تفادي الانجرار إليه كما دعت إلى تلاقي الجهود جميعها في سبيل نصرة القضية العربية والانتصار على مآسينا ومتابعة النضال والعمل كي يبقى شمل العرب جميعا وتضامنهم فعالاً وحقوقهم مصانة.
وعرضت الدكتورة العطار المطامع الاستعمارية التي استهدفت الأرض العربية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وما استتبع ذلك من غزو واستعمار لنهب ثروات الأمة العربية وتاريخها وبلدانها وحضارتها والذي بلغ ذروته في اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور وقالت: إن العرب أدركوا حينها أن المعركة على أرضهم واحدة رغم بعد المسافات وأن العدوان والاستعمار الواقع عليهم واحد وإن اختلفت أشكاله فما يفعله في هذا البلد يماثل ما يفعله في ذاك لذلك ينبغي عليهم أن يكون نضالهم واحداً وأن يضعوا في بؤرة اهتمامهم متضامنين متعاضدين مسألة الدفاع عن أرضهم وحرياتهم واستقلالهم مهما غلا الثمن واستدعى الكفاح.
وأشارت العطار إلى أنه في تلك المرحلة الصعبة بدأ الوعي العربي يتفتح ويزداد الإيمان بأن على المناضلين أن يجابهوا الاحتلال والقهر والعدوان بموازاة نهضة بدأت تقرع أبواب الحياة وأخذ مشروعها القومي التنويري الذي ترتسم حدوده عملاً من أجل الحرية والتحرير والتوحيد والتثوير وبناء الحياة على أسس جديدة مختلفة وإنماء الفكر وإحياء اللغة العربية وشد أواصر العروبة يرتبط أكثر فأكثر بضرورات تحقيق اليقظة العربية في مستواها الأمثل وبما هي وعي للذات لدى جماهير الأمة والقيادات الثورية المناضلة.
وأوضحت أن الفكر القومي العربي سرعان ما دخل في مراحل يقظته وأخذ في نضال العرب دور المحرك والمحرض والملهم محتضناً تحت جناحيه مشرق العرب ومغربهم في كل واحد محاولاً أن يجمع ما هو مفرق ويوحد ما هو مشتت رغم كل الأوضاع التي خلقها الاستعمار في فترة احتلاله المستبد الذي اقتسم أرضنا وهيمن على كل وجوه الحياة فيها.
وأكدت الدكتورة العطار أن المعركة لم تكن سهلة لكن الشعور بالانتماء إلى العروبة الضاربة جذوره في أعماق التاريخ العربي والمعبرة عن نفسها في الماضي والحاضر بصور وأشكال مختلفة من تراث ونتاج فكري وفلسفي وأدبي كان الباعث القوي لروح الكفاح والصمود والثقة بمستقبل الأمة التي تخوض صراعاً مصيرياً وصار عليها فيما بعد أن تواجه تحديات الصهيونية التي زرعت جسماً استعمارياً استيطانياً غريباً في قلب الوطن العربي يستهدف في جملة ما يستهدف التخريب والتزوير والاستلاب الذهني والفكري الذي يريدون له أن يشوه التاريخ العربي ويمزق الشخصية العربية ويفتتها ويسعى للقضاء على كل ما هو عربي تراثاً وتاريخاً ونهضة وبناء وفكراً قومياً ولفصم عرا التضامن العربي محاولاً أن يستنبت المشاعر الإقليمية ويؤجج نارها كي يقضي على التوجهات الوحدوية.
وأضافت: إن الوطن العربي وجد في عروبته الخلاص من هذا الواقع وازداد قناعة بأن الأمة العربية حقيقة لا تقبل الجدل ومقوماتها من أرض مشتركة وتاريخ مشترك وتكوين نفسي مشترك ولغة واحدة وثقافة واحدة وأوضاع اقتصادية يتمم بعضها بعضاً.. هي مقومات أمة كاملة في تكوينها التاريخي.. أمة راسخة الجذور متينة البنيان قادرة على الصمود لكل عوامل تفتيتها أو تغييبها أو مسحها من خريطة الأمم التاريخية الحية وأمة قادرة على مواجهة العوامل الخارجية الرامية إلى نسف مقوماتها الداخلية وظلت اللحمة المنضفرة بالعزيمة أقوى من كل ما رمى إليه المتآمرون على العروبة من خنق كل حراك قومي وطمس كل يقظة قومية.
وأشارت الدكتورة العطار إلى أن أمتنا تخوض صراعاً مصيرياً ضد الاحتلال والهيمنة وتواجه تحديات أشرسها وأكثرها همجية الصهيونية العنصرية النازية بروح الكفاح والصمود وصلابة الوعي القومي تستمد منه ثقة بالمستقبل وتتجاوز به كل ما يعترض مسارها.
وحيّت العطار الرواد المناضلين الذين جهدوا من أجل إيقاظ الوعي القومي العربي ورسموا ملامح الفكر القومي وألفوا الكتب منذ بدايات النهضة ولا يزالون من ساطع الحصري إلى عبد العزيز الدوري إلى رئيف الخوري وقسطنطين زريق ورواد حزب البعث العربي وقادة النضال السياسي والعسكري.. الرئيس عبد الناصر والقائد الخالد حافظ الأسد والذين تابعوا من بعد على دروب النضال وحتى يومنا هذا وغيرهم من الذين حفروا اسم عروبتهم بالدم القاني على صخرة الوجود الإنساني.
وأشارت إلى بيان مؤتمر القمة العربي التاسع الذي عقد في بغداد عام 1978 وما جاء فيه من تأكيد على أن النضال من أجل استعادة الحقوق العربية في فلسطين والأراضي المحتلة مسؤولية قومية عامة وعلى جميع العرب المشاركة فيها كل من موقعه وبما يمتلك من قدرات لما يشكله العدو الصهيوني من خطر عسكري واقتصادي وحضاري على الأمة العربية كلها وعلى مصالحها القومية الجوهرية وعلى حضارتها ومصيرها وما يعكسه البيان من وعي كامل لدى المسؤولين العرب لطبيعة الصراع مع العدو الإسرائيلي وقناعتهم التي لا تحمل أوهاماً بوجوب النضال ضده متوحدين متراصين لأنه يستهدفهم جميعاً يستهدف عروبتهم كما يستهدف وجودهم القومي المبني عليها.
وتطرقت الدكتورة العطار إلى ما يعانيه الموقف العربي راهناً وما يعتريه من تراجع في قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي وما يقابل هذا الموقف من تحرك شعبي عربي مقاوم بدأ يأخذ أبعاده النضالية في وجه الاستسلام وفي وجه المشاريع التي بدأت تطرح تحت مظلات أوروبية أو أمريكية ليكون لإسرائيل فيها أكثر من موقع والعمل من أجل دمجها في المحيط العربي المستعصي عليها ومنها مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يهدف إلى توفير المدى الحيوي لإسرائيل ومساعدتها على تحقيق أحلامها الاقتصادية والتوسعية التي تستهدف الهيمنة إقليمياً والحلول محل المشروع القومي العربي ووضع خريطة جديدة أو خرائط للأرض المحتلة تستل منها قوميتها وعروبتها وتاريخها وأمنها وهويتها وكل مقومات وجودها.
وأوضحت العطار أن هذا الوضع شجع إسرائيل على التمادي في تنفيذ مخططاتها الأشد خطراً وخصوصاً عندما أدركت أن المجتمع الدولي لن يردعها وأنها تستطيع أن تهزأ حتى بقرار المحكمة الدولية وتستمر في بناء الجدار العازل الذي ينتهك المزيد من حقوق الفلسطينيين ويسد عليهم منافذ الحياة وأن تتابع مشاريعها العدوانية في عمليات الاستيطان وبناء المستوطنات في فلسطين والجولان وتهويد القدس المدينة المقدسة المرتبطة بالأديان السماوية وتحويلها إلى عاصمة مغلقة لها تطرد سكانها الفلسطينيين وتشردهم وتهدم بيوتهم وتلقيهم في العراء وتواصل تطويق الأقصى ومنع وصول المصلين وفرض الحصار على قطاع غزة.
وأضافت: إن إسرائيل تريد تهويد فلسطين كلها وليس القدس فحسب ومن هنا جاءت قراراتها التي تحاول بها أن تعبث بعروبة السكان العرب في فلسطين عام 1948 وفي الجولان وتعطي لنفسها الحق في بيع ممتلكاتهم إلى من يرغب من اليهود وترحيلهم محولة فلسطين المقدسة إلى أرض مشتعلة بجرائمها المتواصلة واغتيالاتها للحق الإنساني والكرامة منطلقة في كل ذلك من قناعتها بأن الأمة العربية المجزأة هي كم عددي فحسب وأن الولايات المتحدة لن تتردد أبداً في دعم إسرائيل وحمايتها كما قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون منذ وقت قريب حتى لو داست كل الأعراف الدولية.
وأوضحت الدكتورة العطار أنه في ظل هذا الوضع تتواصل الخطط الإسرائيلية المرسومة لقضم المزيد من الأرض الفلسطينية والانبساط على الأرض العربية اقتصاداً وسياحة حتى بلغت هذا الحجم الذي نواجهه اليوم ويبدو معه وكأن القضية الفلسطينية برسم التسليم بين السماسرة المقترعين عليها اليوم بعد أن انتهكوا الحياة والحرمات كلها للشعب الفلسطيني الأعزل والبريء وأوقعوا وما زالوا يوقعون به أشنع الضربات بأحدث الأسلحة وأشدها إضراراً وبحصار يسد المنافذ حيث لا يجدي الدعم الشعبي الدولي المساند والمتعاطف ولا العون العربي البسيط.
وأشارت الدكتورة العطار إلى خطر العبور الاستخباراتي التجسسي إلى عدد من الأقطار العربية وما يمارسه الغرب علينا من نظرة تتسم بالاستعلاء والإنكار لكل ما عرفه التاريخ من سجايانا والاتهام بأمور كثيرة كالإرهاب ومن منطق التعسف والتعصب والتمويه للقهر الممارس علينا والاعتداء على كرامة شعبنا متناسين أن خريطة عصرنا تحمل في كل خطوطها وتضاريسها وكل مواقعها وعواصمها إشعاعا من حضارتنا في توهجها الفكري وألقها الروحي وريادتها العلمية ورفعتها الإنسانية.
واعتبرت الدكتورة العطار أن صورة الوضع الحالي قاتمة لكنها يجب الا تدفع بنا إلى اليأس ولاسيما في ظل وجود حركات تغطي مساحة الوطن توقظ الوعي وتحاول أن ترسم معالم الطريق.. ومفكرون أحرار وكتاب ومؤسسات وقادة في صف الجماهير يعملون بحزم ويسعون لنشر الوعي وتحرير الإرادة العربية من قيودها وتوجيه الجهود والطاقات والقوى المادية والمعنوية وكل ما نملك من إمكانات وما نرسمه من استراتيجيات إلى جبهات المواجهة في سبيل الوفاء بالالتزامات القومية وإعادة القضية الفلسطينية إلى مكانها التاريخي الحقيقي كجوهر للقضية العربية والانتصار للقضايا المصيرية كلها مشاركة ودعماً وقبولاً بشتى ألوان الكفاح فلا تبعية ولا استسلاماً ولا خوفاً ولا تذللاً بل إيمان بالذات وبالوطن وبالأمة.
ورأت العطار أن إرادة الكفاح تتعاظم والمقاومة تزداد تجذراً في أرضنا وثقافتها المناضلة تورق وتزهر في نفوس أبنائنا والرفض للخط الانهزامي يستعلي ويزداد الوعي بأن الصمود والمجابهة لا يكونان إلا بالاستعداد النفسي لتحمل المسؤوليات وتقبل الآلام وبذل الجهود متابعة للعمل المشترك المنطلق من فهم وإدراك عميق وخطط مرسومة يمليها إيمان حقيقي بوحدة العرب مصيراً وقضايا وضرورة اجتماع كلمتهم ونبذ خلافاتهم والعزوف عن تكريس قطرياتهم ليكونوا على قدر المسؤولية.
وأوضحت أننا في سورية نؤمن بأنه لا مستقبل للأمة العربية إلا باستمساكها بالعروبة عروة وثقى وبالتلاقي في مواجهة الخطر الداهم وبأن العرب ليسوا مجرد أنصار أو مؤيدين أو أشقاء للأقطار العربية في كل ما تعانيه.. بل هم جزء من معارك الأمة ولابد من أن يلتقوا على موقف واضح صلب يطالب فعلاً بالعدالة وبتحرير الأرض والقضاء على الإرهاب الإسرائيلي في فلسطين والجولان وفي كل بقعة من أرضنا ويطالب بتحرير كل أرض محتلة وإنهاء المأساة التي يعاني منها العراق.
وأكدت الدكتورة العطار أنه آن للمد الكفاحي أن يتصاعد بموازاة العدوان وخصوصاً أن أهلنا يتعرضون في الأرض المحتلة تحت سمع الدنيا وبصرها إلى مجازر وحرب إبادة واقتلاع من الجذور في محاولة لإفنائهم بشكل كامل داعية العالم الى أن يدرك أن السلام الذي نريده يختلف عن حمأة الخضوع والاستخذاء التي يريدون إلقاءنا فيها وأننا نسعى إلى أن نبني مستقبلنا بأيدينا وأن نحمل مسؤولياتنا ونقبض بتضحياتنا على قضايانا متطلعين إلى غد مشرق تعلو فيه راية الحق والسلام.
وقالت العطار: إن سورية بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد متمسّكة دائماً بالثوابت من مبادئنا وبقوميتنا العربية وهي تنطلق في كل المجالات من المنطلق القومي نضالياً واجتماعياً وثقافياً وتحرص على ثوابت عروبتها حرصها على سواد العين وعلينا ألا نيئس أبداً من إعادة الوهج إلى هذه الثوابت التي تبشر ببزوغ فجر للتضامن والوعي والتعاضد مؤكدة أن سورية لن تستسلم أو تساوم أو تقبل الحلول المجحفة لافتة إلى أن رؤية الرئيس الأسد تستند إلى أن مجد التاريخ ما كان إلا مجد الفكر المناضل وانه لا يهادن ولا ينحرف عن المواقف المبدئية ويرفض الاستسلام والمساومة والحلول المجحفة.
وختمت الدكتورة العطار.. نقول مع الرئيس الأسد للعالم أجمع.. نحن العروبة والعروبة حقيقة وجودنا وعروبتنا هي الصخرة التي يتأسس عليها بناء المستقبل كله ونؤكد أنه لا تفريط بذرة واحدة من ترابنا الغالي.. نحن العروبة في نبالة قيمها ونصاعة تاريخها وعالمية ما حققته على مدى القرون بالجبهة المتماسكة الموحدة في مختلف ساحات النضال ومن موقع القوة والثقة والعزم.. سنظل نعمل للتضامن العربي الكفاحي وندعو له متابعين خطانا على درب المستقبل ولن نتراجع حتى يعلو الحق قريباً أو بعيداً.
وحضر افتتاح المؤتمر السيد فاروق الشرع نائب رئيس الجمهورية والدكتور سليمان قداح نائب رئيس الجبهة الوطنية التقدمية وصفوان قدسي الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي وغسان عبد العزيز عثمان الأمين العام لحزب العهد الوطني وأحمد الأحمد الأمين العام لحركة الاشتراكيين العرب ومحمد صالح الهرماسي عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي وهيثم سطايحي وشهناز فاكوش عضوا القيادة القطرية للحزب ووزراء السياحة والتربية والدولة لشؤون مجلس الشعب والإعلام والثقافة وعدد من أعضاء مجلس الشعب.
كما حضر الافتتاح ايلي فرزلي نائب رئيس مجلس النواب اللبناني الأسبق والوزراء السابقون من لبنان الدكتور بهيج طبارة وميشال سماحة وعصام نعمان والبير منصور وطراد حمادة والدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشعب المصري وشخصيات سياسية وإعلامية عربية والأمين العام للمجلس الأعلى السوري ـ اللبناني والسفير السوري لدى لبنان وعدد من السفراء العرب المعتمدين في دمشق وحشد من الباحثين والمفكرين من مختلف الدول العربية.
العروبة ومكوناتها
وقد ركز المؤتمر في جلسته الأولى التي ترأسها الدكتور عصام النعمان من لبنان نيابة عن الدكتور سليم الحص رئيس وزراء لبنان الأسبق على محور فكرة العروبة ومكوناتها وذلك بحضور الدكتورة نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية.
وقال الدكتور نعمان: إن العروبة هي رابطة العرب والعلاقة القومية التي تجعل العربي أخا للعربي الآخر في أي دولة كانت وتجعل من الشعوب العربية أمة واحدة والثقافة المشتركة التي تجمع بين أطراف الأمة هي نتاج اللغة العربية الواحدة والتاريخ المشترك على الرغم من التباين الذي يتمتع به كل شعب وفقاً للنظام الذي يأخذ به كل منهم بما يتميز به من انفتاح على الخارج وبما يطبع كل مجتمع من إرث الماضي الذي خلفته التجارب المتباينة ومع ذلك يبقى الحديث عن ثقافة مشتركة مشروعاً.
وتساءل نعمان ما الذي يمنع تلاقي الأقطار العربية تحت لواء اتحاد عربي على غرار الاتحاد الأوروبي على الرغم من التاريخ المشترك الخالي من الصراعات.
وتناول الباحث الدكتور أحمد برقاوي من سورية في محاضرته نشأة العروبة وتطورها موضحاً أن اسم العربي يطلق على الجزء الأكبر من السكان القاطنين في منطقة تمتد من المحيط إلى الخليج وتتكلم اللغة العربية وبحدود جغرافية واضحة مشيراً إلى الإسهامات التي أدت إلى نشأة الوعي القومي العربي الذي عبر عنه بمصطلح العروبة في نهاية القرن التاسع عشر.
من جانبه تطرق الباحث اللبناني فواز الطرابلسي في مداخلته «العروبة والأيديولوجيا القومية» إلى حالة الالتباس بين هذين المفهومين وفرق بينهما مشيراً إلى أن العروبة تشكل الرابطة القومية الواحدة التي تجمع العرب على أرض وثقافة وتاريخ واحد. وأعطى نماذج متعددة للمقاربات في التوحيد القطري محذراً من الوحدة التجزيئية حيث يصار إلى التركيز على المميزات والخصوصيات على حساب ما يجمع ويوحد وقال: إن أهمية المصالح المشتركة هي أساس مسألة الوحدة وهي التي تسهلها.
وركزت المداخلات خلال الجلسة على ضرورة إزالة الالتباس في المصطلحات والمفردات المستخدمة كالعروبة والأمة العربية والقومية العربية. ودعت إلى البحث عن الخلفية التي تطورت فيها العروبة كهوية وإلى معرفة العلاقة التي تربط بين العروبة والمكان واللغة والمضمون الاجتماعي والاقتصادي.
وأشارت المداخلات إلى أن العروبة هي رابطة مجتمعية تاريخية صنعتها كل مكونات الأمة ويدخل في تكوينها التاريخ والاقتصاد والمجتمع والأحداث التي مرّ بها كل بلد عربي.
العلاقة بين العروبة واللغة
وقد تابع المؤتمر أعماله بعد ظهر أمس بجلسة تمحورت حول العلاقة الرابطة بين العروبة واللغة وذلك بحضور الدكتورة العطار .
وقال رئيس مجمع اللغة العربية الدكتور مروان المحاسني رئيس الجلسة إن اللغة العربية التي أنتجت حضارة استفاد الغرب من نتاجها الفكري عبر قرون هي السمة الأولى في البناء القومي وبهذا فإن هناك علاقة عضوية بين لغتنا وحضارتنا.
وأضاف المحاسني: إن الانتماء إلى مجال لغوي يعني الانتماء إلى جميع الثقافات المحددة وهذا ما يجعل الشعب العربي يتفاعل ويتجاوب مع الأحداث وهى تفاعلات مشتقة من اللاشعور الجمعي الحامل للقواعد الأخلاقية، ويسبغ عليه الإرث الحضاري.
وأشار رئيس مجمع اللغة العربية إلى أنه لا خوف على اللغة العربية التي مازال يحملها الأبناء في صدورهم وأرواحهم مثلما حملها الآباء والأجداد، وقال: إن اللغة العربية أعمق وأمتن من أن تبتلعها العولمة وهي قادرة على تجاوز كل المعوقات.
ورأى المحاسني أن على اللغة أن تتطابق مع متطلبات العصر لتستقر العولمة بلغاتها في مكانها وهذا يتطلب من المجتمعات العربية تدارك الأخطار التي تتعرض لها اللغة العربية.
من جانبه قدم الدكتور ممدوح خسارة عضو مجمع اللغة العربية في مداخلته (مفهوم العروبة واللغة) ثلاث مقاربات بين فيها جذور كلمة العروبة وعلاقتها باللغة العربية.
ففي مقاربته (العروبة لغة) قدم الدكتور خسارة عرضا لتاريخ مصطلح اللغة العربية، وقال: إن ما جاء قديما يؤكد أن المقصود بالعربية هو العروبة التي كانت تعني الانتماء إلى العربي ولكن ليس عن طريق الدم أو النسب وإنما عن طريق اللغة واللسان.
وبنى خسارة مقاربته الثانية (العروبة إطار وفضاء جامع) على أمرين اعتبرهما مهمين أولهما أن العروبة ليست بديلا من الانتماءات الفكرية وهذا ما يعفيها من التناقضات وثانيهما أن العروبة قابلة للملء بالمحتوى الثقافي فقد تم تحميلها منذ ما قبل الجاهلية بقيم عالية فكان الانتساب لها يعني الانتساب لقيم سامية حتى إن الناس كانوا يعتبرونها سمعة حسنة ويفضلونها على المال والمادة.
وأوضح خسارة أن العروبة فضاء قابل للاغناء في شتى الاتجاهات فلا مشروع يناقض العروبة بوصفها لغة وقال: إن النهضويين العرب اختلفوا على الكثير من الأشياء إلا أنهم اتفقوا جميعا على اللغة.
وفي مقاربته الثالثة (التماهي بين العروبة واللغة العربية) لحظ خسارة تشابهاً في الماهية بينهما وقال: إننا نريد عروبة اليوم أصلية مقاومة مستقبلية معبرة عن عروبة الأمس، مضيفاً: إن هذه الأصالة تتحقق من خلال أن تكون مرجعيتها الثقافة العروبية فلا تتنكر اللغة لتطورها التاريخي منذ عصور ما قبل الجاهلية دون أن يعني ذلك إغراقاً في التحجر والتقعر في اللغة وأيضاً النهوض بعامية اللغة لتكون محافظة وتظل قوية الصلة بأصولها للوصول إلى لغة معاصرة وعروبة معاصرة.
بدوره أوضح الدكتور محمود السيد نائب رئيس مجمع اللغة العربية أن جميع الأمم التي وحدت كلمتها وبنت قوميتها وأظهرت كيانها وشخصيتها لجأت إلى اللغة كوسيلة في هذا التوحيد والبناء الأمر الذي يؤكد مدى أهمية اللغة الواحدة لجهة حمل الرسالة الإنسانية للأمة العربية وتوحيدها، مشيراً إلى أن بقاء الأمم منوط بقوة لغاتها وان الأمة هي اللغة واللغة هي الأمة.
ولفت السيد إلى أن بقاء صمود اللغة العربية في وجه الهجمات العنيفة التي واجهتها الأمة العربية عبر تاريخها الطويل يعود إلى الأصالة التي تتسم بها والتي جعلتها قادرة على البناء متحدية كل وسائل النيل منها، مبيناً أن القران الكريم الذي يعد سياجا للعربية مكنها أيضاً من تطويع الثقافات القديمة دون أن تتنازل عن أصولها وقواعدها وسماتها التي تمتاز بها عن سائر اللغات.
ورأى نائب رئيس مجمع اللغة العربية أن التعرف على الثقافة العربية يمر عبر فهم واستيعاب اللغة العربية لكونها العنوان الأبرز الذي رافق القومية العربية عبر التاريخ وأن التعرف على اللغة ليس وقفاً على دواوين الشعر وإنما يمتد ليشمل كتب الطب والتاريخ والجغرافيا والتربية والنتاج الفكري للمفكرين العرب القدماء.
وأكد السيد أن اللغة العربية الفصحى هي الرابطة الحقيقية التي تجمع بين العرب وأن هجرانهم للغتهم يؤدي إلى تفتيت الأمة العربية وإبعادهم عن ماضيها محذراً من اعتماد المحطات التلفزيونية على اللهجات العامية وخطورة ذلك على وجود اللغة العربية.
ونبه السيد إلى خطورة اعتماد اللغات الأجنبية في مناهج التدريس في الدول العربية وآثارها السلبية في تطوير اللغة العربية وتمكينها، مشيراً إلى ضرورة أن تحسم الدول العربية موضوع التعريب فوراً والعمل على تنفيذ مشروع النهوض باللغة العربية للتوجه نحو مجتمع المعرفة الذي تقدمت به سورية إلى مؤتمر القمة العربية في دمشق 2008، ووضعت آليات تنفيذه في قمة الدوحة 2009.
وتركزت المداخلات حول دور الإعلام وأهميته في تمكين اللغة العربية وضرورة تضافر جهود مجامع اللغة العربية في الوطن العربي من أجل وضع برامج عمل متكاملة تضمن الحفاظ عليها ومنع دخول الكلمات والمصطلحات الغريبة إليها.
- وفي المساء عقدت جلسة تركزت محاورها حول العروبة وآفاقها الثقافية والحضارية وذلك بحضور الدكتورة العطار.
وقال الباحث الدكتور وليد عربيد من لبنان الذي ترأس الجلسة: إن العروبة تشكل مفهوما أساسيا للهوية الثقافية والحضارية لمنطقتنا العربية وان كانت تحتمل الكثير من النقاش ووجهات النظر في التاريخ وفي النظر الى المستقبل.
وأوضح عربيد أن العروبة ليست مصطلحاً مجرداً أو ثابتاً وإنما هي كمفهوم ترتبط بالتطور والحداثة والديمقراطية وهي ثقافة انسانية تشكل منطلقاً لحداثة أصيلة وفي الوقت نفسه تتعزز من خلال تعريضها للنقد كمفهوم بهدف تطويرها.
وبينت الدكتورة ناديا خوست في مداخلتها حول آفاق العروبة الثقافية أن الثقافة التي تؤسس على استراتيجية قومية شاملة هي القادرة على تعميم معرفة التراث الثقافي الحضاري الذي كوّن الوجدان العربي وذلك بوضعها في البرامج التربوية والتعليمية والتأهيل للدفاع عنها مقابل استراتيجية تدمير الذاكرة الثقافية.
ورأت خوست انه لا يوجد مستقبل للعرب دون مشروع قومي مؤسس على الثوابت التي اعتمدتها الاجيال مشيرة الى ان التحديات التي تواجه الامة في المرحلة الراهنة تفترض تحصين المواطن العربي بالثقافة والتربية وتعريفه بمنجزات تراثه العلمي والادبي والجغرافي والتاريخي.
وقالت خوست: إن مستقبل العروبة الثقافي يتصل بحماية هوية المدن العربية التي تحفظ في ثناياها الذاكرة التاريخية والثقافية وأماكن الاعلام والاحداث والرد على العدو الذي يقتلعها ومشاريع التخطيط التي تغربها مؤكدة انه لابد من مواجهة عربية تمنع تهويد الذاكرة الثقافية وتزوير التاريخ في فلسطين المحتلة .
بدوره أوضح الدكتور عبد الاله بلقزيز استاذ الفلسفة في جامعة الحسن الثاني بالمغرب خلال مداخلته التي حملت عنوان: (العروبة في معنى حضاري) انه لابد من نبذ أي معنى عرقي للعروبة ورفض صور الافصاح عنه في الخطاب السياسي والاكاديمي من اجل تنظيف معنى العروبة الاصيل مما علق به من ادران نجمت من الاصغاء لعنصريات عدة معاصرة مشيرا الى انه لا يكفي أن يكون النبذ نظريا او فكريا يقوم به المثقفون وانما ينبغي ان يتبع ذلك ترجمة سياسية ذات اثر تطابق معنى العروبة الحضاري وذلك باستيعاب العروبة جميع من هم في دائرتها الثقافية والحضارية وتوفيرها لهم فرص التعبير الحر عن خصوصياتهم .
ورأى بلقزيز أن العروبة في معناها الحضاري هي التي نشأت من امتزاج الاعراق واختلاط الدماء في كنف حضارة شارك أبناؤها جميعاً من الروافد الانسانية كافة في بنائها وهي في المقام الاول رابطة ثقافية ولغوية واجتماعية صهرت العرب وغير العرب في شخصية حضارية جديدة وهي بالتالي عروبة الانفتاح والتسامح والحرية والديمقراطية والابداع.
وقال: إن اختيار العروبة محصلة وعي تمنح من يختارها وجوده الاجتماعي معنى وتشبع فيه الشعور بالانتماء الى امة لكن هذا المفهوم للعروبة سيكون ناقصا ان لم نضف الى الحامل الثقافي اللغة العربية الحامل الرئيس للثقافة العربية والاداة للتواصل والاندماج فضلا عن عامل الارادة ومركزيته في تحديد معنى العروبة من دون ان نسقط من الحسبان عوامل الثقافة واللسان والتاريخ مضيفا:إن العروبة هي النظام السياسي والاجتماعي والثقافي الذي على أبنائها ان يشيدوه على الاسس الحضارية كي يمنح العروبة سلطانها في النفوس.
واشار بلقزيز الى ان العروبة حاليا وفي المستقبل تواجه تحديين متفاوتين في درجة التأثير أولهما ثقافي وثانيهما سياسي إلا أن أيا من التحديين لا يهدد العروبة بالزوال او الانفراط كرابطة او كماهية ثقافية اجتماعية لكنها قطعا تتأذى من أي فشل في احتواء آثار ما يعرض لها من تحد وتدفع ثمن ذلك من صورتها.
وتركزت نقاشات الجلسة حول القيم الثقافية والحضارية التي تشكل مفهوم العروبة والرؤى المرتجاة لتعميق هذه القيم وتعميمها على كل البلاد العربية.
- ويناقش المؤتمر على مدى خمسة أيام ستة عشر محوراً تتناول فكرة العروبة ومكوناتها وأثر اللغة في المكون العروبي والآفاق الثقافية والحضارية للعروبة إلى جانب علاقة العروبة بالدولة والدين والعولمة والهوية والتنوع الاثني وعلاقتها بالقضية الفلسطينية بالإضافة إلى نظرة العروبة للحداثة والسياسة والعلمانية والأصولية الطائفية والمذهبية ومستقبل العروبة في ظل ما تتعرض له الأمة العربية من مخاطر هيمنة ومخططات تفكيك وتفتيت.
- يشارك 100 شاب سوري وفلسطيني في مسيرة شباب الأحزاب العربية بمناسبة يوم القرار العربي المستقل والتي ينظمها المؤتمر العام للأحزاب العربية تحت شعار: (وطن عربي بلا حدود).
وانضم المشاركون أمس إلى نحو 50 من شباب الأحزاب الأردنية الذين وصلوا إلى مركز نصيب الحدودي بمحافظة درعا حيث يقومون اليوم بزيارة مدينة القنيطرة المحررة ثم يتوجهون إلى بوابة فاطمة في جنوب لبنان.
المصدر: سانا
إضافة تعليق جديد