حفـلة واشـنطن: «التكتّـم» يقـود إلى «السـلام»
لم تخرج الجولة الأولى من المفاوضات المباشرة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عصر أمس، عن الإطار الاحتفالي الذي طبع مراسم تدشينها في حفل الإفطار الذي أقامه الرئيس الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض. فما صدر عن اللقاء الذي جمعت فيه وزير الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون كلاً من عباس ونتنياهو، بداية على انفراد، ومن ثم بمشاركة مستشاري الجانبين، لم يتعد حدود الإشارة إلى الشكل الذي ستجري فيه جولات التفاوض، إن في مواعيدها، التي ستكون نصف شهرية، كما سبق أن طالب نتنياهو، أو في التكتم الذي سيطبعها، بحجة «التعامل مع المفاوضات بشكل بالغ الحساسية».
وكان واضحاً أن كافة الأطراف قد غيبت قضية الاستيطان عن جدول أعمال حفلي إطلاق المفاوضات الرسمي والعملي، لصالح سيل الإدانات التي وجهت لعمليتي المقاومة في الخليل ورام الله، حيث أشير عرضاً إلى مسألة تجميد الاستيطان في الكلمات التي ألقيت، وبشكل لم يتجاوز حد المطالبة بتنفيذ «الالتزامات»، ما يعكس بوادر تسوية على حساب الفلسطينيين، قد يكون أحد أشكالها تعهدات سرية بمواصلة تجميد البناء مع بدء كل جولة تفاوض نصف شهرية، علماً بأنّ مستوطني الضفة الغربية كانوا قد شرعوا فعلاً، وقبل ساعات من بدء مفاوضات واشنطن، بتكثيف نشاطهم في البؤر الاستيطانية.
وبدا واضحا أن الخطابات الرنانة سادت في كل الكلمات التي ألقيت، سواء قبل الافطار بحضور أوباما، وأن الطرفين العربي، المتمثل بالفلسطيني والمصري والاردني، بالاضافة الى الاسرائيلي، كانا حريصين على كسب ود الرئيس الاميركي والمبالغة في تقديم الشكر له، والإكثار، أمام حشد وسائل الاعلام الحاضرة، من التعبير عن المرونة في النظرة الى جولة التفاوض المقبلة.
ومع اختتام اجتماعات واشنطن، يتوقع أن تشهر إيران «يوم القدس» كرسالة في وجه المفاوضات المباشرة، حيث يشارك الملايين في التظاهرات التي ستشهدها المدن الإيرانية اليوم، لإعلان تأييدهم للفلسطينيين و«تحرير أراضيهم من احتلال النظام الصهيوني».
وافتتحت كلينتون، عند الثانية من بعد ظهر أمس (بتوقيت واشنطن)، الجولة الأولى من المفاوضات المباشرة في مقر وزارة الخارجية في واشنطن، حيث ألقت كلمة أشادت فيها بكل من عباس ونتنياهو لـ«شجاعتهما والتزامهما»، متعهدة بأن تكون الولايات المتحدة «شريكا فاعلا في عملية السلام».
وتوجّهت كلينتون إلى عباس ونتنياهو بالقول إنّ «وجودكما هنا يشكل خطوة مهمّة»، مضيفة «إذا تقدمتم بنية صادقة، فسنتمكن من معالجة كل الموضوعات الأساسية في غضون عام واحد». ثم خاطبت «شعوب المنطقة» قائلة «إنكم تحملون بين أيديكم مستقبل شعوبكم وعائلاتكم». وإذ أبدت الوزيرة الأميركية «تفهمها» لـ«خيبات الأمل في الماضي»، قالت «إننا نحتاج إلى دعمكم وصبركم. ولا يمكننا القيام بذلك من دونكم».
وتابعت «من دون شك ستكون هناك عقبات وانتكاسات. وسيحاول أولئك الذين يعارضون قضية السلام بكل السبل الممكنة تخريب هذه العملية مثلما شاهدنا بالفعل هذا الأسبوع»، مشيرة بذلك الى هجومي الخليل ورام الله ضد المستوطنين، محذرة من أن «القضايا الأساسية التي تقع في قلب هذه المفاوضات لن تصبح أسهل إذا ما انتظرنا، وهي لن تحل نفسها بنفسها، فالنجاح يتطلب صبرا ومثابرة وقيادة واعية».
من جهته، قال نتنياهو «يمكننا معاً قيادة شعبينا باتجاه مستقبل تاريخي من شأنه أن يضع حداً للخلافات»، لكنه اعتبر أنّ «ذلك لن يكون سهلا». وأضاف أنّ «السلام الحقيقي الدائم سيتحقق فقط عبر بذل تضحيات متبادلة ومؤلمة من الجانبين»، مشيراً إلى أن إسرائيل «مستعدة للمضي قدما في طريق السلام وقطع مسافة طويلة فيه في وقت قصير، من أجل إحلال الأمن والرخاء للشعبين».
وشدد نتنياهو على ضرورة «الخروج من المفاوضات من حال الخلاف إلى حال الاتفاق». وأضاف «كما يتوقع الجانب الفلسطيني منا الاستعداد للاعتراف بدولة فلسطينية كموطن للشعب الفلسطيني، فإننا نتوقع منه أيضا الاستعداد للاعتراف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي». وأوضح أنّ «هناك ما يزيد على مليون من غير اليهود يعيشون في إسرائيل موطن اليهود، ويحظون بكافة الحقوق المدنية، وبالتالي فإنّ لا تناقض بين دولة تضمن الحقوق القومية للغالبية والحقوق المدنية للأقلية في الوقت ذاته».
وتطرّق نتنياهو إلى عمليتي الخليل ورام الله، التي قتل وأصيب فيهما ستة مستوطنين، حيث طالب الرئيس الفلسطيني بإدانة الحادث وتوقيف «القتلة» والحيلولة دون وقوع حوادث قتل مماثلة.
من جهته، دعا عباس الحكومة الإسرائيلية إلى تنفيذ التزاماتها بوقف كافة النشاطات الاستيطانية، ورفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة، ووقف كافة أشكال التحريض. وأشار عباس إلى أنه «سيتم خلال المفاوضات المباشرة مع الإسرائيليين معالجة جميع قضايا الوضع الدائم بما فيها القدس والمستوطنات والحدود والأمن والمياه وكذلك الإفراج عن المعتقلين «لكي ينتهي الاحتلال الذي بدأ عام 1967، لكي تقوم الدولة الفلسطينية إلى جانب الدولة الإسرائيلية، ولكي نضع نهاية للصراع في الشرق الأوسط، ويتحقق الأمن والأمان للشعبين وكافة شعوب المنطقة».
ميتشل وقال ميتشل، في إيجاز صحافي في ختام الجولة الأولى من المفاوضات المباشرة، إنّ الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي خاضا نقاشات طويلة ومثمرة خلال اجتماعهما، مشيراً إلى أن المحادثات تناولت قضايا عديدة. وشدد ميتشل على أنّ «السبيل لإنجاح هذه المفاوضات يتمثل في الإبقاء عليها طي الكتمان، والتعامل معها بشكل بالغ الحساسية... لذا ما يمكنني أن أفصح عنه، اليوم وفى المستقبل، سيكون ضئيلا». لكنه كشف عن أنّ عباس ونتنياهو «أدانا معا كافة أشكال العنف التي تستهدف المدنيين الأبرياء، وتعهدا بالعمل معا من اجل إرساء قواعد الأمن»، مشيراً إلى أنهما «اتفقا على أن هدفهما المشترك يتمثل في إقامة دولتين لشعبين، وإيجاد حل للصراع، ينجح في تسوية كافة القضايا، ويقيم دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيلية آمنة».
وأضاف أنّ عباس ونتنياهو اتفاقا أيضا على أنه يمكن الانتهاء من هذه المفاوضات في غضون عام واحد، وأن الهدف منها يتمثل في حل كافة القضايا الرئيسية. وتابع أن الطرفين اتفقا على أن «الخطوة المنطقية المقبلة ستتمثل في البدء بوضع اطار اتفاق يهدف إلى تحقيق التفاهمات اللازمة لاستكمال اتفاقية شاملة تنهي الخلاف وتحقق سلاما دائما للإسرائيليين والفلسطينيين».
وأشار ميتشل إلى أنّ عباس ونتنياهو تعهدا بـ«العمل، قولاً وفعلاً، على إيجاد جو من الثقة يسهم في التوصل إلى اتفاق نهائي»، لافتاً إلى أنهما اتفقا على عقد اجتماع جديد يومي 14 و15 أيلول «في المنطقة»، من دون أن يحدد مكانه، ثم المداومة على الاجتماع كل أسبوعين.
- وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما دشن المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، في حفل إفطار أقامه أمس في البيت الأبيض، وشارك فيه عباس ونتنياهو، والملك الأردني عبد الله الثاني، والرئيس المصري حسني مبارك.
واعتبر أوباما، في كلمة ألقاها خلال الحفل، أن «غرض المفاوضات المباشرة هو حل جميع قضايا الوضع النهائي، والوصول إلى تسوية تنهي الاحتلال الذي بدأ في العام 1967، بما يؤدي إلى إقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية تعيشان جنبا إلى جنب بسلام وأمن». وشدد على أنّ «هذه اللحظة التي تلوح فيها فرصة قد لا تأتي قريبا مرة ثانية».
من جهته، قال نتنياهو «نحن نسعى إلى سلام دائم تعيش في ظله الأجيال القادمة». وتوجه إلى عباس بالقول: «أنت شريكي في السلام. ونحن نعلم أن شعبا آخر يشاركنا هذه الأرض جنبا إلى جنب»، فيما أكد عباس «باسم منظمة التحرير الفلسطينية» أن الجانب الفلسطيني سيعمل «بكل تصميم وجدية ونية صادقة من أجل إنجاح هذه المفاوضات»، داعياً الجانب الإسرائيلي إلى تنفيذ التزاماته.
من جهته، اعتبر مبارك أنّ «الاستيطان على الأرض الفلسطينية المحتلة مخالف للقانون الدولي، وهو لن ينشئ لإسرائيل حقوقا أو يحقق لها سلاما أو أمنا، ولذلك فالأَولى أن يتم وقفه تماما إلى حين انتهاء العملية التفاوضية برمتها». وكان مبارك أعرب في مقال نشرته «نيويورك تايمز» أمس الأول، عن قناعته بأن «وجود قوات دولية في الضفة الغربية، لفترة يتم الاتفاق عليها بين الجهات المختلفة، قد يعطي الطرفين ما يبحثان عنه من ثقة وأمن».
واعتبر الملك الأردني الذي ألقى كلمته بالانكليزية، أنّ «وجود دولتين فلسطينية وإسرائيلية هو الحل الوحيد للصراع في منطقة الشرق الأوسط»، محذرا من الاطراف التي ترغب في افشال جهود التسوية في المنطقة.
وبدا حفل التدشين مناسبة تبادل فيها الحضور، لا سيما عباس ونتنياهو، الابتسامات، فيما سعى كل منهما إلى الظهور كـ«شريك للسلام». وقد اغتنم الجانبان، ومعهما أوباما، المناسبة لتوجيه الإدانة لـ«العنف» و«قتل المدنيين» على خلفية العمليتين البطوليتين اللتين نفذتهما المقاومة الفلسطينية خلال اليومين الماضيين قرب الخليل ورام الله في الضفة الغربية، والتي ألقت بظلالها على معظم التصريحات والمواقف في واشنطن منذ بدء الأعمال التحضيرية للمفاوضات وحتى اختتام الجولة الأولى منها.
يأتي ذلك، في وقت تعهّدت فيه حركة حماس باستمرار عمليات المقاومة بالرغم من التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، متهمة أجهزة الأمن الفلسطينية باعتقال 550 من عناصرها ومناصريها على خلفية عمليتي الخليل ورام الله، وهو ما نفته أجهزة السلطة، بينما أكدته مصادر أمنية إسرائيلية.
وقال المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام، أبو عبيدة، في مؤتمر صحافي مشترك مع ممثلي الأجنحة العسكرية لـ13 من الفصائل في غزة «كل الخيارات مفتوحة على العدو الصهيوني. نشدد على تشكيل غرفة عمليات مشتركة»، مضيفاً «المقاومة من حقها أن تضرب في المكان والوقت اللذين تختارهما».
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد