فوائد الأزمة اليونانية لدى الاستخبارات الإسرائيلية
الجمل: عانت اليونان خلال الأشهر الماضية كثيرا من مفاعيل ضغوط الأزمة التي اندلعت في مطلع هذا العام بفعل تراكم الأخطاء وانعدام الشفافية الاقتصادية-السياسية، وحالياً، فإن ضغوط الأزمة بدأت تدخل مرحلة التفكك والانقسام إلى ضغوط فرعية، يمكن أن يؤدي تزايدها إلى توليد مجموعة كبيرة من الأزمات التي تحمل قدراً هائلاً من الضغوط الجديدة الرئيسية والفرعية: فما هي حقيقة ما يجري في اليونان؟ وما هو السيناريو الأزموي القادم؟
* الموقف الحالي في الأزمة اليونانية: توصيف المعلومات الجارية
تقول المعلومات والتقارير بأن الحكومة اليونانية ما تزال تخوض المواجهة مع مفاعيل ضغوط الأزمة اليونانية، ولما كانت المشاكل الاقتصادية تمثل بؤرة الأزمة، فإن توجهات الحكومة اليونانية الحالية تركز على استخدام الأساليب اللازمة لجهة كسر هذه البؤرة بما يؤدي بالضرورة إلى تجفيف منابع ضغوط الأزمة، وفي هذا الخصوص نشير إلى النقاط الآتية:
• السعي لإنجاز الشروط والمعايير التي تم فرضها على اليونان بواسطة الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وبكلمات أخرى، فقد حصلت اليونان على الدفعة الأولى من الدعم المالي المقرر لمعالجة الأزمة، وقد اشترط المانحون على الحكومة اليونانية إنجاز بعض الإجراءات والإصلاحات، وبعدها سوف تحصل اليونان على الدفعة الثانية من المساعدات.
• بعد بضعة أيام سوف يصل بعض خبراء الاتحاد الأوروبي وخبراء صندوق النقد الدولي من أجل رصد التطورات الجارية، والتحقق من مدى مصداقية الحكومة اليونانية في إنجاز المرحلة الأولى من الإصلاحات على النحو الذي يؤهل الحكومة اليونانية لاستلام الدفعة الثانية من المساعدات والبالغ قدرها 11.76 مليار دولار أمريكي.
• أشارت المصادر إلى أن حجم الأزمة الاقتصادية اليونانية يقدر بحوالي 110 مليار دولار، وهو حجم الفجوة أو العجز الاقتصادي المطلوب تغطيته بشكل عاجل، وما تم تقديمه حتى الآن هو مجرد جرعات مالية علاجية صغيرة يتوقع لها أن تلعب دوراً «تسكيت» المعاناة.
هذا، وتواجه الحكومة اليونانية المزيد من المصاعب في الإيفاء بشروط المانحين، وذلك لأن استجابة القاعدة الشعبية اليونانية لإنفاذ هذه الشروط غير ممكنة من الناحية العملية، وذلك لأن ثمنها سوف يتمثل في فرض المزيد من الضغوط الاقتصادية على الأوضاع المعيشية ومتطلبات الحياة اليومية.
* اليونان في مواجهة إشكاليات الضغوط الأزموية الزاحفة
تعتبر اليونان من البلدان ذات العراقة المركزية في تطور القارة الأوروبية على كافة المستويات، ولكن، وعلى خلفية التطورات الاقتصادية والسياسية فقد مرت مسيرة اليونان بمختلف المنعطفات الحرجة، وبفعل تراكم السلبيات، فقد تزايدت مخزونات الاحتقانات بما أدى إلى انفجار أزمة الدين العام اليوناني بشكل أدى بدوره إلى توليد المزيد من طاقة الأزمات الفرعية الأخرى التي شملت كافة الأنشطة الاقتصادية. وبالفعل، لما كانت السياسة تبدأ بالاقتصاد وتنتهي بالاقتصاد، فقد أدت إنفجارات الأزمة بالقاعدة الشعبية اليونانية إلى توجيه المزيد من السخط والانتقادات لجهة تحميل النخبة السياسية اليونانية الحاكمة المسؤولية عن الأزمة، وفي هذا الخصوص نشير إلى الضغوط الزاحفة الآتية:
- الضغوط الاقتصادية: تعاني الأسواق اليونانية من ضغوط الندرة وعلى وجه الخصوص في السلع الاستهلاكية، وفي مقدمتها ندرة إمدادات الوقود، ويقول شهود العيان بأن صفوف السيارات في محطات التزود بالوقود أصبحت تتجاوز الكيلومتر، وهي ظاهرة غير مسبوقة لم تشهدها اليونان إلا في فترات الحرب العالمية الثانية وسنوات التقشف التي أعقبتها.
- الضغوط النقدية: تعاني المؤسسات المصرفية والمالية اليونانية من ضغوط الإعسار وعدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات الإقراضية الذاتية والاقتراضية المدينة، إضافة إلى تزايد معدلات الفوائد على الأنشطة الائتمانية بمختلف أنواعها، بما أدى بدوره إلى التأثير على ضغوط أسعار الفائدة، وهو الأمر الذي أدى لاحقاً إلى إرباك سياسات البنك المركزي اليوناني، بما سوف يترتب عليه احتمالات التأثير على سياسات البنك المركزي الأوروبي المعني بإدارة السياسات النقدية في بلدان الاتحاد الأوروبي.
- الضغوط المؤسسية: تتمثل في الضغوط التي أصبحت تتعرض لها أجهزة ومؤسسات الدولة اليونانية، وذلك لأن سياسات التقشف وشد الأحزمة التي تتعرض لها هذه الأجهزة والمؤسسات، بفعل شروط المانحين ورغبة الحكومة اليونانية في إنفاذها، هي ضغوط سوف يكون لها تأثيرات سلبية على فاعلية أداء هذه الأجهزة والمؤسسات، وذلك بفعل شح الموارد وتقليل الإمكانات.
هذا، وما هو أكثر خطورة يتمثل الآن في انكشاف اليونان بفعل الضغوط أمام نوع جديد من الضغوط، هي الضغوط الاتصالية، وعلى وجه الخصوص في الجوانب السياسية وتفريعاتها المختلفة، و في هذا المنحى نشير إلى النقاط الآتية:
• انكشاف سياسات الحكومة اليونانية في المجالين الداخلي والخارجي أمام الدول الساعية لاختراق الساحة اليونانية والتمركز في داخلها، وتقول التسريبات والمعلومات بأن الأيادي الإسرائيلية تنهمك حالياً في إنفاذ مخطط الاختراق الإسرائيلي الكامل لمكونات البيئة السياسية اليونانية، وعلى وجه الخصوص في المجالات الأمنية والعسكرية، فاليونان كما هو معروف من البلدان العريقة في عضوية حلف الناتو، وخلال الحقب الماضية كانت لليونان مواقف سياسية مناوئة لتوجهات استغلال وتوظيف قدرات حلف الناتو لخدمة المصالح الإسرائيلية.
• انكشاف الأجهزة الأمنية-العسكرية اليونانية أمام أجهزة الدول الأخرى الساعية لاختراق هذه الأجهزة اليونانية تمهيداً لاستخدامها لاحقاً في إنفاذ مخططات الحرب السرية داخل وخارج الساحة اليونانية، وفي هذا الخصوص تنشط الأجهزة الإسرائيلية حالياً في تجنيد المزيد من عناصر الأجهزة اليونانية، خاصة وأن الأزمة الاقتصادية اليونانية وضغوط التقشف وارتفاع الأسعار قد أدت مجتمعة إلى تدني مستوى المعيشة وانخفاض الدخل، الأمر الذي أدى بدوره إلى تعزيز قدرة الأجهزة الإسرائيلية في استخدام عامل المال في إغراء العديد من عناصر الأجهزة اليونانية.
هذا، إضافة لذلك، فقد أدت التوترات التركية-الإسرائيلية إلى تحفيز تل أبيب من أجل السعي لاستبدال التحالفات الإستراتيجية التركية-الإسرائيلية بتحالفات إستراتيجية يونانية-إسرائيلية، وما شجع الإسرائيليين أكثر انكشاف أثينا أما الضغوط الاقتصادية والسياسية الناشئة بفعل الأزمة، الأمر الذي أتاح لتل أبيب فرصة أكبر سعى المسئولون الإسرائيليون إلى محاولة استغلالها وتوظيفها بالشكل العاجل.
تقول آخر وأحدث المعلومات والتسريبات بأن إسرائيل تقوم حالياً بتدريب عناصر أجهزة الأمن اليونانية على تنفيذ العلميات السرية، مثل الاغتيالات واستخدامات التكنولوجيا الليزرية الدقيقة في تنفيذ عمليات الاغتيالات المستهدفة، على غرار ما ظلت تقوم الأجهزة الإسرائيلية بتنفيذه من اغتيالات ضد الفلسطينيين.
وفي هذا الخصوص تقول التسريبات والمعلومات ، بأن عملية التدريب تتضمن ليس استخدام التقنيات المتطورة وحسب، وإنما أيضاً عرض أفلام موثقة تسجل وقائع ومجريات عمليات الاغتيال الإسرائيلية.
على خلفية التعاون السري الإسرائيلي-اليوناني، في المجالات الأمنية-العسكرية، فإن علينا أن نتوقع تورط العديد من عناصر الأجهزة اليونانية خلال الفترات القادمة في تنفيذ عمليات سرية بالوكالة عن الإسرائيليين، ومن المؤكد أن منطقة شرق المتوسط وتركيا وربما لبنان وقبرص سوف تكون من أكثر المناطق المرشحة لتنفيذ مثل هذه العمليات السرية خاصة وأن تردد اليونانيين على هذه المناطق لم يكن ينطوي على أي شكوك أو شبهات طوال السنوات الماضية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد