رايس تنحر المعتدلين العرب
انهت الوزيرة التي لا تعرف الفشل ولا تعترف به، امس، واحدة من أنجح جولاتها التفقدية للمنطقة التي سقطت حصونها جميعاً أمام إدارتها العالية الكفاءة والذكاء والتخطيط الاستراتيجي الحصيف.
والرحلة نموذجية في اقتحام أبواب النجاح كافة: في توقيتها، وفي جدول أعمالها، وفي تحديد المدعوين إلى المشاركة في إنجاز المهمة.. المستحيلة.
في التوقيت: تأتي الرحلة عشية الذكرى الثالثة والثلاثين لحرب تشرين أكتوبر رمضان (مع فارق ضئيل في الأيام) والتي يسميها الإسرائيليون حرب الكيبور أو حرب الغفران ... وهي الحرب التي تثير في نفوس العرب عموماً، والمصريين ومعهم السوريون على وجه الخصوص شيئاً من الاعتزاز بالقدرة على الإنجاز يغلفها الكثير من التحسّر على الفارق الهائل بين بداياتها الشجاعة الواعدة ونهاياتها المفجعة، بأفضال سلف السيدة رايس الذي لا ينسى: هنري كيسنجر.
أما في جدول أعمالها فإن مجرد الفرز بين هؤلاء الذين اعتبرتهم الوزيرة الخطيرة، داخل إدارتها وعلى امتداد نفوذها الكوني، المعتدلين العرب وبين زملائهم الآخرين الذين لم يشتهروا بأي نوع من التطرف يفتح الباب لإحراجات وإرباكات تعقد الأمور على الجميع، وقد تدفع ببعض من ما زالت صدورهم تعمر بقدر من الكرامة إلى رفض هذا التآمر العلني على الأمة جميعاً...
فمن هو المتطرف ، في هذه اللحظة، بين الأنظمة العربية حتى بأشد التصنيفات تزمتاً؟!
ثم ما هي هذه المهمة العاجلة بل الملحة التي جاءت بالوزيرة الخطيرة، وجعلها تحشد هذا الطابور من المسؤولين العرب لتفرض عليهم أمر العمليات الذي استدعى الاستنفار الكامل الشامل والذي لا يحتمل المناقشة؟
وإلى أين تريد السيدة رايس أن تأخذ الجميع: إلى عراق جديد في فلسطين، أو ربما في سوريا، أو إلى حرب جديدة ضد إيران بذريعة لبنان والمقاومة الإسلامية فيه، أو إلى تفجير جديد في لبنان لتمكين المعتدلين فيه من الانتصار على المتطرفين بحرب إسرائيلية جديدة؟!
ألا يكفي السيدة رايس أن هؤلاء الذين دعتهم بمذكرات جلب إلى القاهرة قد تحمّلوا فوق طاقتهم من إخفاقات حربها المفتوحة على العراق، دولة وشعباً وهوية، فصمتوا عن المذبحة المفتوحة فيه والتي باتت تصدع كراسي حكمهم وتدمغهم بالتواطؤ على بعض أهلهم، والسكوت عن واحدة من أبشع جرائم العصر؟!
ثم، ألا يكفي السيدة رايس أن هؤلاء الذين زادوا في الاعتدال حتى كادوا ينفلقون، قد غضوا الطرف وبالتواطؤ معها عن مسؤولياتهم تجاه لبنان وهو يواجه الحرب الإسرائيلية... وحين أحرجتهم المذابح وغارات التدمير المنهجي للعمران فيه، جاؤوا بإذن إسرائيلي لكي يصدروا بيان تضامن لا يوقف القتل ولا التدمير؟! ثم إنهم قد التزموا تعليماتها فتقدموها ومهّدوا لها ثم إنهم اعتمدوا ما أشارت به، وإن كانوا قد تشفعوا لديها حتى لا تجبرهم على الانتظام علناً في تأييد الحرب الإسرائيلية على الإنسان والعمران في لبنان؟
في أي حال، يسجل للسيدة رايس أنها لم تحرج أصدقاءها من أهل الاعتدال العرب، في تصنيفها، بدعوة قرضاي الأفغاني إلى لقاء التواطؤ، بوصفه الرمز المفضل عندها لتصنيع الاعتدال الإسلامي، تاركة لهم وحدهم شرف التصدي للمتطرفين من الخارجين على أنظمتهم، أو على الاحتلال الأميركي للعراق، أو على الاحتلال الإسرائيلي لأراضي السلطة البلا سلطة في فلسطين... وكذلك شرف الإعداد للحرب الأهلية الجديدة بين الفلسطينيين وربما في ما بعد بين اللبنانيين!
لكأنها جاءت تخب في دماء شعوب هذه المنطقة التي أضاعت الطريق إلى مستقبلها واحتجزها الخوف المتعدد المصادر داخل قوقعة الإذعان لما تفرضه الإدارة الأميركية، حتى ولو كان يأخذهم إلى التصادم المباشر مع شعوبهم التي عبّرت عن رأيها فيهم برفع رايات المقاومة في لبنان ورفع صورة قائدها في الشوارع وأحلتها في أرفع مكان من بيوتهم ومن صدورهم والقلوب!
إنه لكرم فائض عن الحد، أن تدعو السيدة رايس الحكام العرب إلى الانتحار تدليلاً على اعتدالهم...
ومع أن الحكام العرب يحبون الإدارة الأميركية حباً جماً ويلبون طلباتها بغير تردد... إلا أنها تطلب منهم فوق ما يطيقون، لذا فقد صدرت عنهم بوادر تمرد! ولعله تمرد يقصد به استنقاذ الاعتدال من.. الانتحار!
طلال سلمان
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد