«النهضة» والسلفيون في تونس: طلاقٌ في العلن زواجٌ في الخفاء؟
في تشرين الثاني 2011، قبل اقل من عام على خلع الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، هاجم رجال ملتحون ونساء منقبات كلية الاداب في جامعة منوبة قرب العاصمة تونس، رافعين لافتة «النقاب حريتي». حاول 50 شابا سلفياً «احتلال» منوبة حتى نهاية كانون الثاني 2012، في خطوة داعمة لمنقبتين منعتا من حضور الحصص الدراسية ما لم ترفعا النقاب... منذ تلك اللحظة، تطورت المشادات بين العلمانيين والليبراليين من جهة والسلفيين من جهة اخرى، قبل ان تعمد حكومة «النهضة» الاسلامية الى احتواء اللوم الذي وُجه اليها على اعتبار انها لم تقم بالكثير حيال ما استفز الليبراليين عموما والنساء خصوصا، فاعلنت رفضها تنصيص الشريعة كمصدر للتشريع في المادة الاولى من الدستور. اجراء وضعت به «النهضة» نفسها على مسافة سياسية من السلفيين مفضلة ان تظهر بصورة الحزب الضامن لاستقرار البلاد. لكن هل يعني هذا الخيار فعلاً طلاقاً بين «النهضة» والسلفيين؟
لم يكن ما جرى في منوبة الحادثة الوحيدة التي ضخمت التوتر السلفي-العلماني، بل ساهمت مقاضاة مالك قناة «نسمة» التلفزيونية نبيل قروي في ذلك ايضا، اثر محاكمته بتهمة «انتهاك القيم المقدسة» بعيد بثه فيلم الرسوم المتحركة الإيراني الفرنسي ‘’برسيبوليس’’ الذي قال متشددون دينيون إنه تضمن ‘’تجسيدا للذات الإلهية’’. وخلال محاكمة القروي، هاجمت مجموعة من السلفيين طلبة وصحافيين أرادوا مساندة القروي قبيل الجلسة، الامر الذي قوبل من جانب رئيس الحكومة حمادي الجبالي بالتنديد، فيما لم تُتخذ اجراءات عملية لمعاقبة المهاجمين. اكثر من ذلك، اغاظ تعدي احد الشبان السلفيين على العلم التونسي المرفوع امام جامعة منوبة عددا كبيرا من انصار العلمانية، الا ان اكثر ما استفز هؤلاء كان خروج السلفيين في تظاهرة في 25 آذار الماضي حاملين اعلامهم السوداء لينادوا بتطبيق الشريعة... محطات عدة زادت من انتقاد العديد من التونسيين لفشل «النهضة» في تضييق الخناق على السلفيين.
هل يحدد قرار «النهضة» بشأن المادة الاولى من الدستور علاقة الحركة بالسلفيين؟ من المبكر الاجابة على هذا السؤال بالرغم من تلقي العلمانيين والليبراليين النبأ بايجابية. فالاجدر طرحه الان هو التالي: من هم هؤلاء السلفيون التونسيون؟
يطبق السلفيون التفسير المتشدد للفقه الإسلامي.. القرآن والسنّة. خلال عهد نظام بن علي، «عاد خريجو الجامعات الاسلامية السعودية التونسيون إلى وطنهم، وانطلقوا في نشر تفسير محافظ للاسلام» وفقا لعالم الاجتماع في «مركز الدراسات السياسية الاوروبية» سمير امغار. اما اليوم، فازداد عدد السلفيين في البلاد بفضل الفضائيات السلفية التي تلقي برسائلهم مباشرة في المنازل التونسية... ليسوا منظمين في احزاب سياسية بل في جمعيات دينية وخيرية، كما يسيطرون على عدد من المساجد.
في كتابه «السلفية اليوم»، يوزّع امغار السلفيين الى 3 فئات رئيسية: المجموعة «الصامتة» او «الهادئة» التي ينضوي فيها السلفيون الرافضون للعمل السياسي، المجموعة «الناشطة» التي تشمل العناصر السلفية المنخرطة في السياسة، والمجموعة «الجهادية» التي تمثل أولئك الذين يلجأون الى العنف لتحقيق أهدافهم. ومع ذلك، يبقى من الصعب رسم خطوط واضحة للتفريق بين هذه المجموعات...
في الواقع، بعد نجاح السلفيين في الانتخابات في مصر، فقد «الهادئون» وعلى راسهم بشير بلحسن، الأرضية السياسية. أما «الجهاديون»، فيقول كثيرون انهم اصحاب مواقف اقرب الى تلك التي يتبناها تنظيم «القاعدة»، الا ان احد قادتهم الشيخ ابو عياض قال مؤخرا في مقابلة مع صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بأن «تونس ليست أرضا للجهاد بل للتبشير الديني». ما يزيد المشهد تعقيدا، هو «حزب التحرير» الذي يقول معلقون انه تنظيم ناشط في تونس وجزء من التيار السلفي، بالرغم من نفي الناطق الرسمي باسمه، رضا بلحاج، للمعلومات مؤكدا ان هدف حركته هو إقامة الخلافة الإسلامية فقط...
لا شك ان رفض «النهضة» تنصيص الشريعة مصدرا للتشريع في الدستور التونسي خطوة اوضحت المسافة الايديولوجية بين الحركة الاسلامية و«الجهاديين» السلفيين. ففي حديث الى «لوموند» الفرنسية، وصف وزير الداخلية وعضو حركة «النهضة» علي العريض، العناصر السلفية «الجهادية» بـ«الخطر الاكبر» في تونس اليوم و«المجموعة التي تحتاج الحكومة الى محاربتها»، في وقت صرح ابو عياض لـ«لو تان» الفرنسية معتبرا الحكومة الحالية اشبه بـ«دكتاتورية من نوع جديد.. لان التونسيين مسلمون والنهضة عدوة الاسلام».
وفيما تعطي استراتيجية عزل المتطرفين «النهضة» شرعية أكبر على مستوى المجتمع الدولي، كحزب ضامن للاستقرار ومناهض للراديكالية، تبقي الحركة الاسلامية الباب مفتوحاً امام السلفيين «الصامتين» لجذبهم باتجاه الانخراط في اللعبة السياسية.
شجع زعيم «النهضة» راشد الغنوشي السلفيين «الهادئين» لفترة طويلة على تطبيق اجندتهم من خلال الوسائل القانونية، سواء كان ذلك عبر الجمعيات أو الأحزاب. وخلال وجودهما في واشنطن، شدد عضوا الهيئة التأسيسية للجمعية الوطنية، أسامة الصغير والصحبي عتيق، على أن النهضة تسعى للحفاظ على حوار مفتوح مع السلفيين «المعتدلين»، لإقناعهم بإنشاء حزب والمشاركة في الانتخابات المقبلة، مضيفين ان حزب الغنوشي ينتهج استراتيجية شاملة لاشراك جميع الفاعلين الاجتماعيين في الحوار. هذا ما ظهر في شباط الماضي، يوم دعا الرئيس منصف
المرزوقي بعض شيوخ السلفية، من بينهم بلحسن، إلى القصر الرئاسي، وكان «الحوار عقلانيا» على حد وصف «تونس لايف». الا ان صلابة العلاقة بين السلفيين و«النهضة» بدت من خلال تصريحات بلحسن الى «لو تان»، حيث اكد ان قرار «النهضة» من المادة الاولى من الدستور احزنته، مبررا في المقابل موقف الغنوشي: «من السابق لأوانه تطبيق الشريعة.. لا يزال التونسيون يعانون من الأمية الدينية».
على الرغم من مظاهر التباين بين «النهضاويين» و«السلفيين» المتشددين، يتحدث مراقبون عن تقارب وثيق بينهما. ويقول أمغار ان النهضة والسلفيين «الصامتين» ليسا على خصومة بل هما وجهان لعملة واحدة. «قد يكون هناك انقسام في المهام بينهما، فيتخذ السلفيون مواقف تعجز النهضة عن تبنيها في العلن مراعاة لنظرة الغرب». من هذا المنظار، ان دعوة الغنوشي لاشراك السلفيين في الحوار لا تعدو كونها خطوة للسيطرة عليهم. هذا ما رات عالمة الاجتماع التونسية علياء علاني انه استراتيجية «نهضاوية» اساسية «فبعدم الرد بشكل حاسم على عدوانية السلفيين، تدعم النهضة حُكماً تحول المجتمع التونسي الى مجتمع محافظ»...
السفير نقلاً (عن «مجلس سياسة الشرق الاوسط» بتصرف)
إضافة تعليق جديد