سوريا: إلى أي مدى سيذهب أوباما لإنقاذ التمرد المسلح؟
الجمل- فيل غريڤز- ترجمة: د. مالك سلمان:
لم تعلن إدارة أوباما بعد عن أي ما ‘الدلائل’ التي تثبت أم الحكومة السورية أو القوات المسلحة قد استخدمت غاز السارين أو أي سلاح كيماوي آخر. ويمكن أن نعزو هذا, ببساطة, إلى أن الإدارة لا تملك أي دليل ذي صدقية.
من المحتمل أن يكون تم استخدام السارين, أو أي سلاح كيماوي بغيض آخر, إلى درجة معينة داخل سوريا, ولكن لم يتم تحديد الفاعل والسبب والكيفية. وفي حقيقة الأمر, وجهت الأمم المتحدة نفسها إصبعَ الاتهام مباشرة إلى الوكلاء الخليجيين الذين يقاتلون نيابة عن أوباما وحلفائه الخليجيين, كما أن العديد من خبراء الأسلحة الكيماوية, إضافة إلى الحكومة الروسية, سرعان ما ألقوا بظلال الشك على هذه المزاعم. فلو كانت إدارة أوباما تملك الدليلَ الحسيَ الذي تبني ‘قناعتها’ عليه, لكان وجد طريقه إلى صفحات الصحف الأولى سلفاً.
ومع ذلك, يبدو أوباما مصمماً على مهاجمة الحكومة السورية. ويمكن تفسير ذلك بعدم قدرة الولايات المتحدة على التراجع و "فقدان ماء وجهها" داخل ‘المجتمع الدولي’؛ حيث إن إعلان اوباما عن "خطوط حمراء" قد حشره في الزاوية. ففي نهاية المطاف, الولايات المتحدة هي حَكم العالم؛ فحالما يتم رسم الخطوط يجب الحفاظ على كرامة الإمبراطورية والمحافظة على الصورة المزيفة ﻠلقضاء ‘الأخلاقي’ العالمي, إذ إن أي تراجع عن الأهداف الجيوسياسية هو دليل على الضعف. ولا يمكن لتجار الحرب المهووسين في البنتاغون ووزارة الخارجية أن يسمحوا بحدوث ذلك, وهم متشوقون لإلحاق الأذى بإيران وحزب الله (ويبقى أن نرى إن كان ذلك ممكناً أم لا). يبدو لأنصار الحلول العسكرية الأمريكيين وحلفائهم أن الهزيمة والتنازل للحكومة السورية وحلفائها أسوأ بكثير من جر سوريا إلى سنوات أخرى من الحرب والموت.
لا تعرف العنجهية العسكرية للحكومة الأمريكية أية حدود, فلن تنهزم حتى لو تم تدمير الشرق الأدنى برمته؛ إذ يجب ألا تظهر صورة القوة الأمريكية والقوة العسكرية التي لا تقهر بالشكل الذي أصبحت عليه: كنصب عملاق فارغ. مما لا شك فيه أن أوباما يريد الخروج, ولكن على أساس تحقيق المصلحة الذاتية وبشروط تعمل على تهدئة بقية المؤسسة السياسية والعسكرية الأمريكية (ففي نهاية المطاف, جاء قرار أوباما العلني بتسليح المتمردين مباشرة بعد أن وصفه بيل كلينتون بالجبن). إن إرثه يتهاوى؛ إذ ليس هناك خطة لشن حرب أمريكية علنية أخرى في الشرق الأوسط إلى أن تنتهي ولاية أوباما. أو هكذا يقولون لنا؛ فلنتذكر أن كل حرب علنية واسعة شنتها الولايات المتحدة في الستين سنة الأخيرة كانت مبنية على أكاذيبَ مكشوفة. هل يعاني ‘الرؤساء’ الذين يشرفون على ترويج هذه الأكاذيب الإجرامية من أية عواقب؟ أو بالأحرى, هل يعاني أحد منها؟
من الناحية الجوهرية, يمكننا النظر إلى لغة أوباما الأخيرة وتصريحاته التي تشير إلى نيته في التسليح المباشر للمسلحين الذين يهيمن عليهم المتطرفون بصفتها خدمة ذاتية ونوعاً من الغموض المتعمَد. ففي محاولة لإنقاذ صورته ك "حمامة" وكحائز على جائزة نوبل للسلام, على أوباما أن يحافظ على الوهم القائل إن الولايات المتحدة تساعد "المناضلين من أجل الحرية" و "المتمردين الجيدين" لتبرير حقيقة أن الولايات المتحدة تقوم بتسليح وتمويل "المناضلين من أجل الحرية" منذ أكثر من سنتين. إن الرأي الشعبي الحالي, إضافة إلى الدلائل والتقارير الكثيرة التي تكشف طبيعة "المتمردين" الحقيقية, يجعلان هذه المهمة أكثر صعوبة. ويشير نشر بطاريات صواريخ "باتريوت", في الآونة الأخيرة, وأسطول الطائرات المقاتلة (إف 16), إضافة إلى المناورات العسكرية المتزايدة في الأردن وتركيا, إلى نوع من استعراض العضلات أمام روسيا, كما يدل على أن الولايات المتحدة تعمل على تجهيز قوىً جديدة بالوكالة يتم استثناء المتطرفين منها. لقد اعترف العالمُ أجمع بطغيان القوى الطائفية والمتطرفة على الجناح المسلح ﻠ ‘الثورة’. ولم يعد بالإمكان إخفاء هذه الحقيقة المزعجة عبر الإعلانات المزيفة حول الحرية والديمقراطية.
قبيلَ قمة "مجموعة الثماني" وأثناءَها, أصبحت لغة فلاديمير بوتين عدائية بشكل متزايد تجاه حركة "التمرد". لكن تعليقاته ليست ضرباً من المبالغة. لقد أصيبَ ديفيد كاميرون بالرعب والإرباك نتيجة اكتشافه (وقد فرح الكثير من البريطانيين لذلك) بأن بوتين لن يسمحَ للغرب وحربه الإعلامية باستباحة موطىء القدم الوحيد الذي تملكه روسيا في الشرق الأوسط. وسرعان ما كشف بوتين عن مقاصد كاميرون المزيفة, وقد فعلَ ذلك بطريقة مشهدية وعلنية. أحسَ كاميرون, رجل العلاقات العامة, بالضياع والحيرة والغرق, حتى أذنيه, في بنيته الذهنية الأورويلية [نسبة إلى الكاتب الإنكليزي جورج أورويل, صاحب روايتي "مزرعة الحيوانات" و "1984"]. لم يملك كاميرون إجابة جاهزة على سؤال بوتين المباشر: "هل ترغب في تسليح أولئك الذين يأكلون أعضاءَ أعدائهم أمام الكاميرات؟"
كانت الولايات المتحدة متواجدة داخل سوريا منذ البداية, لكن السرودَ الإعلامية المزيفة بذلت كلَ ما في وسعها للتغطية على حقيقة الدور المركزي الذي لعبته الولايات المتحدة وزبانيتها الخليجيون في خلق ودعم تشكيلات المسلحين الذين يقاتلون الحكومة السورية. وهذه السياسة ليست شذوذاً عن المعتاد؛ إنها تكرار لتكتيك أمريكي مجرَب ومختبَر عبر العالم. فمنذ البداية عرفنا بنية وتكوينَ "المعارضة" السورية. إذ لم تشكل مكوناتها الدبلوماسية المتعددة أكثر من طواقم "شلبية" [إشارة إلى شلبي في العراق] غارقة في صراعات على السلطة في فنادق خمس نجوم. وفوق ذلك, في سابقة خطيرة جداً, كانت عمليات التصعيد السرية من قبل الولايات المتحدة/"مجلس التعاون الخليجي خلال الأزمة مترافقة مع تزايد كبير في عدد القتلى والمهجرين. وعندما تنبني سياسة أوباما على هذا المنطق, فإنها تتناقض بشكل مباشر مع ما يقوله. وفي الحقيقة, سرعان ما تقفز إلى الأذهان المقولة القديمة "الحرب من أجل السلام". وقد تمت الإشارة إلى العلاقة الواضحة بين عدد القتلى والعسكرة المتزايدة من قبل الكثير من المراقبين أثناء الأزمة السورية, بما في ذلك الأمم المتحدة التي تدعو إلى وقف إرسال الأسلحة بكافة أنواعها. ومع ذلك, يبدو كل ذلك خارج حسابات الدبلوماسية الغربية.
يبدو أن سياسة أوباما الحالية تتمحور حول تصعيد التمرد المسلح بشكل متزايد بهدف الضغط على الحكومة السورية. ومن المهم بالنسبة إلى أوباما أن يحافظ على صورة "الحمامة". لكن أوباما قد اتخذ قرارَه وهو يعرف أن بوتين سيرد على ذلك بدعم حليفه السوري لتجنب أي هجوم محتمل. إذاً, هل يخادع أوباما؟ إن التصعيد الدبلوماسي مع بوتين شيء, ولكن إذا كان بوتين مصراً على مواجهة الغرب, بمقدور أوباما أن يعلن عن قراره بتقديم الأسلحة لكي يغطي على هذه السياسة القائمة منذ سنتين. وتأتي أيضاً هذه الإعلانات عن الخطط العسكرية في وقت يتعرض فيه أوباما لضغوط داخلية كبيرة. وقد اقترح بعض المحللين أن هذا هو الوقت المثالي لحرب أمريكية, أي أن إدارة أوباما تتعرض لضغوط داخلية يجب حرف الانتباه عنها؛ وليس هناك طريقة أفضل من الحرب والتعبئة "الوطنية" للجنرالات وأعضاء الكونغرس من خلال تكرار الادعاءات المزيفة حول "الأسلحة الكيماوية" و "المستبدين الأشرار" لتشتيت انتباه الرأي العام.
إسرائيل صامتة بشكل يبعث على الريبة, بما أنها الحليف الأقوى للغرب الذي هاجم سوريا بشكل علني عدة مرات – وهي أعمال حربية عدوانية تشكل خرقاً للقانون الدولي – حيث لم يأت الإعلام الغربي على سياسة الحكومة الإسرائيلية. أشار صحفي التحقيقات جوناثان كوك مؤخراً أن الجيش الإسرائيلي وضع "سيناريو مثالياً" لتقسيم سوريا إلى ثلاث دويلات؛ مشروع يهدف إلى "بلقنة سوريا" التي شكلت حجر عثرة في وجه التوسع الإسرائيلي من خلال تحالفها مع حركات المقاومة في لبنان وفلسطين. وفوق ذلك, ترغب القيادة الإسرائيلية في رؤية حزب الله وإيران متورطين في حرب طويلة الأمد تضعف معنويات حزب الله وتحد من قدراته على ردع أي عدوان إسرائيلي مستقبلي. وهذا لا يعني أن إسرائيل ترغب في سقوط سريع للأسد. فبشكل عام, يتمثل الهدف الإسرائيلي النهائي في إضعاف أي مقاومة للهيمنة الإسرائيلية على المنطقة, وبأية سبل ممكنة.
بريطانيا وفرنسا معزولتان الآن داخل الاتحاد الأوروبي. وفي حال تم إرسال الأسلحة إلى "المتمردين", أو إذا كانت الأسلحة قد أرسلت سلفاً وظهر دليل على ذلك, تكون بريطانيا قد خرقت القانونَ الدولي. وقد تعهد كاميرون بالتصويت في "مجلس العموم" حول إمكانية إرسال مزيد من الأسلحة إلى "المتمردين". إن الشعب البريطاني, وغالبية أعضاء البرلمان البريطاني, بما في ذلك عمدة لندن ونائب رئيس الوزراء, يقفون بقوة ضد تسليح ما يسميهم كاميرون ﺑ "المناضلين من أجل الحرية". فقد رفض بوريس جونسون, في مقالة بعنوان "لا تسلحوا المهووسين في سوريا", رفضاً قاطعاً فكرة تسليح بريطانيا لما يسمى "المتمردين", وبدا أنه يطلب من صديقه القديم وضع حدٍ لهذه المهزلة.
في الأسبوع الماضي زعمَ وزير خارجية فرنسا السابق, الذي كان صريحاً بعض الشيء مع الصحافة حول بعض المعلومات التي يمتلكها, أن الحكومة البريطانية كانت تخطط لانتفاضة مسلحة في سوريا قبل سنتين من انطلاق ما يسمى "الربيع العربي" [راجع مقالة "وزير الخارجية الفرنسية السابق رولان دوما: تم التخطيط للحرب على سوريا قبل "الربيع العربي" بسنتين" ("غلوبل ريسيرتش", 15 حزيران/يونيو 2013) المنشورة على موقع "الجمل"]. من الممكن أن يكون ذلك صحيحاً, فهو يتصادى بشكل مباشر مع الخطط السرية الشبيهة التي تم وضعها من قبل الولايات المتحدة/"مجلس التعاون الخليجي"/إسرائيل والتي تمت الإشارة إليها بشكل متكرر. إن مجرد التفكير في أن بريطانيا غير متورطة في, أو "خارج دائرة", سياسة سرية كهذه مع حلفائها الأقوياء هو ضرب من السذاجة. وينطبق الشيء نفسه على فرنسا, سواء أثناء خدمة الوزير السابق أم خارجها؛ ومن المستبعد أيضاً أن تقرر الحكومة الفرنسية أو الاستخبارات الفرنسية البقاء "خارج الدائرة" وعدم المشاركة في تمزيق مستعمرتها القديمة إلى أشلاء, وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار دورَها المباشر في "التدخل الإنساني" الكولونيالي الجديد في مالي وليبيا.
علينا أن ننتظر لنرى إن أصبح أوباما فعلاً يميل إلى التدخل الأمريكي العلني, أم أن لاعبين إقليميين أو دوليين آخرين سيتصرفون بدون الولايات المتحدة, ومن غير المحتمل أن يحصل هذا. كما من غير المحتمل أن يتغابى الرئيس الحالي إلى درجة نشر قوات أمريكية في سوريا. ولكن هناك لاعبون آخرون كثر – بما في ذلك أعضاء بارزون في الحكومة الأمريكية – متورطون بقوة ومن مصلحتهم أن يروا سوريا وحلفاءَها ضعفاءَ على الأقل, أو ربما يرغبون في رؤيتها محتلة لفترة محدودة على أقل تقدير. لكن الجيش العربي السوري وحزب الله في حالة هجوم وهم يحققون انتصارات كبيرة. وإذا استمرَ الوضع على هذه الحالة, وعززت روسيا من دعمها, لن يبقى شيء لأوباما ليفاوضَ عليه؛ فمن دون التمرد المسلح المتطرف لن يبقى للولايات المتحدة أي تأثير داخل سوريا. فإلى أي مدىً سيذهب أوباما لإنقاذ هذا التمرد المسلح؟
http://www.globalresearch.ca/syria-how-far-will-obama-go-to-save-the-insurgency/5340736
تُرجم عن ("غلوبل ريسيرتش", 28 حزيران/يونيو 2013)
الجمل
إضافة تعليق جديد