معركة شمال سوريا تتسع الأكراد يعلنون النفير العام

خطوة أخرى نحو حرب أوسع وأشمل في الشمال السوري بين الأكراد والمعارضة السورية المسلحة بجناحها «الجهادي». وخلال ساعات سيكون بوسع وحدات الحماية الشعبية الكردية أن تستقبل الآلاف من المقاتلين الأكراد في صفوفها، بعد دعوتها، امس، الشعب الكردي إلى التعبئة المسلحة، وإعلان النفير العام في المدن والقرى الكردية السورية.
وجاءت الدعوة بعيد ساعات على اغتيال عضو اللجنة التنفيذية في «الهيئة الكردية العليا» عيسى حسو، بتفجير سيارته صباح أمس، في مدينة القامشلي. وتم تشكيل الهيئة لتوحيد الأحزاب الكردية السورية.
ورغم أن أحدا من الجماعات «الجهادية» السورية التي تقاتل منذ أسابيع الأكراد في الشمال، لم تعلن مسؤوليتها عن عملية الاغتيال، إلا أن القيادة الكردية لوحدات الحماية الشعبية «دعت القادرين من الأكراد على حمل السلاح، إلى الانخراط في صفوفها لحماية المناطق التي تخضع لسيطرتها من هجمات مقاتلي «الدولة الإسلامية في العراق والشام» و«جبهة النصرة».
ويعد اغتيال القيادي الكردي عيسى حسو، ضربة قوية لـ«حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي الذي ينتمي إليه، بعد يومين من زيارة الأمين العام صالح مسلم محمد المفاجئة إلى اسطنبول، وبعد توقعات بانفراجات في المواجهات بين الأكراد و«النصرة»، ووعود من المسؤولين الأتراك لزائرهم الكردي بدعم مقاتليه في مواجهة الحليف غير المعلن لاسطنبول من «النصرة» والتجمعات «الجهادية» الأخرى، التي تتلقى أسلحتها وتمويلها عبر غرف عمليات وشبكات منظمة في إنطاكيا وبالتعاون مع الاستخبارات التركية.
وكان رئيس «حزب السلام والديموقراطية» الكردي في تركيا صلاح الدين ديميرطاش، اعتبر في مقابلة مع وكالة «رويترز»، أن الاتصالات بين الحكومة التركية وأكراد سوريا يمكن أن تكثف الضغوط على الرئيس السوري بشار الأسد، وان تساعد في تغيير مسار الحرب. وقال إن زيارة مسلم إلى اسطنبول «مؤشر واضح على أن تركيا تتحرك نحو تغيير سياسة تفترض أن الأكراد يمثلون تهديدا».
ويعد الانفجار اختراقا أمنيا واضحا للجبهة الداخلية الكردية، في ذروة المعارك التي تخوضها الوحدات الشعبية الكردية، وفي ظل نزاع من اجل البقاء بين مشروعين: الإدارة الذاتية الكردية التي تعد لها الهيئة الكردية العليا، والإمارة الإسلامية التي تنوي «الدولة الإسلامية في العراق والشام» و«جبهة النصرة» إعلانها على الأرض ذاتها، وفي شريط بطول ٩٠٠ كيلومتر تحت الأعين التركية الحدودية، بدأت نواتها تظهر في بعض مناطق الرقة، وفي الميادين بالقرب من دير الزور.
وتدور المعارك ضد الأكراد مع تحالف مركب عربي «قاعدي» عشائري، على جبهات متطاولة، تمتد من ريف حلب صعودا إلى الشمال الشرقي نحو عفرين وكوباني، فشرقا نحو تل ابيض فرأس العين، ونزولا إلى الجنوب الشرقي إلى جبهات القامشلي المختلفة، وحقول النفط في السويدية والرميلان، في أقصى شمال الشرق السوري.
ومن غير المستبعد أن تكون «النصرة» والجماعات «الجهادية» قد لجأت إلى تصفية القيادات الكردية، في ذروة حملة متزامنة لتقطيع أوصال المناطق الكردية، بدأتها بشن هجمات من كل الجبهات، نحو طرق الإمداد ومحاور التواصل الإستراتيجية التي تنتقل عبرها وحدات الحماية الكردية، لا سيما بعد هزيمتها في رأس العين، وفشلها بإخراج الأكراد من الريف القريب من تل ابيض، معبرها الأساسي نحو السلاح والمسلحين من تركيا.
وتوصّل ألف مقاتل من «النصرة» وتنظيم «القاعدة» إلى السيطرة على الأطراف الغربية من تل حاصل وتل عران الكردية الإستراتيجية اليوم في ريف حلب، بعد تجمع المقاتلين في مسجد القرية. ويدور قتال فوق التلال الإستراتيجية لهذه المنطقة، بين المهاجمين وقوة كردية انشقت عن «الجيش الحر»، للدفاع عن الأكراد، بعد أن كانت تقاتل إلى جانب «النصرة» و«الحر» ضد الجيش السوري.
ويحاول مقاتلو لواء جبهة الأكراد منع «الجهاديين» من احتلال التلال، والسيطرة على الطريق التي تصل ما بين كوباني الكردية واعزاز، وعزلها أيضا عن مدينة حلب وأكرادها وطرق الإمداد مع عاصمة الشمال السوري.
وتقول مصادر كردية إن قيادة الوحدات الشعبية قامت بمراجعة تكتيكاتها القتالية، وحصلت على قرار سياسي، يخولها دخول المناطق التي ينطلق منها المهاجمون بعد أن كانت قد حرصت في الأيام الماضية، على ضبط النفس والامتناع عن العمليات الهجومية، والاكتفاء بالدفاع عن المراكز والتجمعات السكانية الكردية.
وبحسب مصدر كردي ستبدأ الوحدات الشعبية عمليات دفاع ايجابي تخولها العمل خلف خطوط العدو، وضرب خطوط إمداده، وهو ما يؤشر إلى احتمال توسيع ساحة القتال، نحو الرقة القريبة، واتخاذ الحرب وجهة كردية - عربية. وفيما يشبه إعلان الحرب على الأكراد، بمواجهة إعلان النفير العام، قال سالم المسلط، زعيم عشيرة الجبور كبرى عشائر الشرق السوري، ونائب رئيس «الائتلاف الوطني السوري» المعارض، «لن يصبح شرق سوريا غرب كردستان، ولو بقي منا رضيع واحد».
وسيكون للموقف الكردي وتطور عمليات القتال في الشمال اثر كبير، على مجرى الحرب في مدينة حلب. فإذا ذهبت عمليات الفرز حتى النهاية بين الأكراد والمعارضة السورية المسلحة في الشمال السوري فإن التساؤل يصبح مشروعا عن موقف الأكراد داخل مدينة حلب، وهم يسيطرون على حيي الشيخ مقصود والاشرفية الإستراتيجيين.
ومن الطبيعي أن يؤدي انقلاب المعارضة على الأكراد إلى دفعهم إلى تغيير موقفهم في حلب كما قال مسؤول كردي ، «إذا لم يهاجمنا النظام فلن نهاجمه، ونحن سنقاتل من يقاتلنا».
وعدَّ مسؤول كردي  المعركة الجارية حربا من اجل البقاء، واتهم «الائتلاف» السوري بتشجيع «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام»، على الهجوم على المناطق الكردية. وقال ممثل «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في فرنسا خالد عيسى إن «الائتلاف متخاذل جدا، وهو الذي خصص جمعة جبهة النصرة ليست إرهابية، كما أن الإخوان المسلمين متواطئون، وهم يخلون جبهة حمص لمهاجمتنا». وتساءل عما إذا كانت الحرب الجارية «تكرار للحرب التي شنتها العشائر العربية في الجزيرة في العام ١٩٤٥ ضد الأكراد، بتحريض فرنسي وانكليزي آنذاك».

محمد بلوط 

المصدر: السفير