من كابول إلى دمشق: علاقة البيت الأبيض بالقاعدة
الجمل- دمتري مينين- ترجمة: د. مالك سلمان:
في 3 آب/أغسطس, أصدرت حكومة الولايات المتحدة تحذيراً إرهابياً جديداً. تم إغلاق 22 بعثة أمريكية خارجية من موريتانيا إلى أفغانستان, بما في ذلك إسرائيل الحليف القوي. شرطة نيويورك في حالة تأهب قصوى. تم تحذير المواطنين الأمريكيين من وقوع أعمال إرهابية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا. لم يتم تحديد نوع الخطر الإرهابي بدقة, لكن التحذيرات تقول إنه حقيقي والهدف ليس الولايات المتحدة فقط, بل الغرب بشكل عام.
أصدر الرئيس أوباما أوامرَه باتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لتقويض تهديد القاعدة. ويعتقد خبراء "ديبكا فايلز" أن كافة "التحذيرات الصادرة عن إدارة أوباما تدحض بشكل درامي ادعاءاتها المتكررة بأن القاعدة لم تعد تشكل خطراً كبيراً بسبب فقدانها لقيادتها المركزية وسيطرتها على فروعها المختلفة التي انقسمت إلى مجموعات إقليمية تعمل بشكل مستقل. فالقاعدة, كما كانوا يقولون, لم تعد قادرة على شن هجمات إرهابية كبيرة على مستوى كوني."
تبرر الأحداث السابقة قلقَ البيت الأبيض. ففي 30 تموز/يونيو, حرر مقاتلو طالبان حوالي 300 سجيناً في "ديرا إسماعيل خان" في باكستان. وقبل ذلك, في 28 تموز/يونيو, هرب أكثر من ألف سجين من أحد سجون بنغازي في ليبيا. وفي 22 تموز/يونيو, تعرض سجنان عراقيان للهجوم مما أدى إلى فرار حوالي 500 رجلاً, من بينهم بعض القادة المتطرفين, من سجني "أبو غريب" و "تاجي". تم استخدام حوالي 200 عربة مصفحة في الهجوم, وقتل 100 حارساً. وبهذه الطريقة انضمَ ألفا مقاتل جدد إلى صفوف الجهاديين. كانت عمليات كبيرة وصفعة أخرى لسمعة الاستخبارات الغربية. 12 عاماً من الحرب الأمريكية الكونية على القاعدة, وإنفاق مليارات الدولارات, وعمليات القصف الكثيفة بواسطة الطائرات الآلية ("درونز") في سماء عدة بلدان إسلامية – ولم يتعدَ عدد قتلى المتطرفين عددَ الفارين من السجون مؤخراً, هذا إذا لم نحسب القتلى المدنيين. يمكن أن تأتي الضربة القادمة من أي مكان.
تم تأسيس "القاعدة في العراق", أو "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" كما تسمى رسمياً, من قبل أبو مصعب الزرقاوي بُعيدَ الغزو الأمريكي للعراق في سنة 2003. وهي المنظمة التي تخلق معظم المشاكل الآن. تستهلك "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" حصة الأسد من المساعدات العسكرية الغربية, بما في ذلك المساعدات التي أقرها الكونغرس الأمريكي مؤخراً. فمن جهة, تشكل المجموعة التهديدَ الإرهابي الأكبر للولايات المتحدة؛ ومن جهة أخرى, إنها المستفيد الأكبر من سياسة الولايات المتحدة في سوريا. من الصعب تصديق ذلك, ولكن لهذه السياسة أسبابها.
ساعدت الولايات المتحدة القاعدة لكي تظهر وكأنها تحارب القوات السوفييتية في أفغانستان. "بدعم مالي من السعودية ومن الاستخبارات الباكستانية, قام البيت الأبيض بتنظيم المقاومة الأفغانية القادرة على الإفادة من الدعم اللوجستي من الباكستان والكتائب الإسلاموية العالمية, بما في ذلك متطوعون من كافة مناطق المغرب العربي والشرق الأوسط." كانت "عملية سيكلون" الاسمَ المشفر لبرنامج "وكالة الاستخبارات الأمريكية" لتسليح وتمويل المجاهدين الأفغان قبل وأثناء الحرب السوفييتية في أفغانستان. صرح زبينيو بريجيزنسكي – "مستشار الأمن القومي" في عهد كارتر, الذي أشرف شخصياً على المساعدات المقدمة للأصوليين الإسلامويين والإرهابيين اللاحقين, بما في ذلك الأسلحة والتدريب - ﻠ "لو نوڤيل أوبزرڤاتور" بتمعن أن "انهيارَ الإمبراطورية السوفييتية أكثر أهمية من الطالبان. فكر في الأمر – مواجهة بعض الإسلامويين النزَويين, أم تحرير أوروبا الوسطى ونهاية الحرب الباردة؟" ولكن لكل شيء ثمنه. فقد قال ذلك في سنة 1998, لكنه كان سيفكر مرتين قبل أن يقول ذلك بعد هجمات 9/11.
في سنة 1980 كان تركي بن فيصل آل سعود, المديرَ العام للمخابرات العامة السعودية, هو من أمرَ أسامة بن لادن بتنظيم وحدة الأفغان العرب. في البداية, قام بن لادن بمراقبة النشاطات من مكتبه في بيشاور. لكنه لم يكتفِ بدور الخادم المطيع للسعوديين وأخذ في العمل على خططه الأوسع. وسرعان ما قفزت المساعدات الأمريكية للمقاومة الأفغانية إلى 285 مليون دولاراً في السنة. في الوقت الحاضر, يرفض المسؤولون الأمريكيون الاعتراف بأية اتصالات مباشرة مع بن لادن, لكن ذلك يثير الشك. فقد جاء من عائلة سعودية جيدة وأصبح شخصية هامة في حركة المقاومة مدعوماً من الأمير تركي نفسه؛ ولم يكن هناك أي سبب لتجاهله. لم يكن بمقدور "سي آي إيه" تجنب هذه الشخصية المركزية أثناء إدارتها لأنشطة المجاهدين. ويعتقد بعض المحللين أن بن لادن قد تلقى التدريب في معسكرات "سي آي إيه" ولهذا السبب كان متمرساً في العمليات التي قام بها. وهناك أسباب أخرى تدفعنا للاعتقاد بوجود روابط بين بن لادن والاستخبارات الخاصة الأمريكية في تلك الأيام.
في سنة 1998 حصلت تفجيرات في نيروبي ودار السلام. وتم اعتقال علي محمد, وهو رجل استخبارات مصري متقاعد. وتبين فيما بعد أنه قام بتدريب قادة القاعدة بينما كان يعمل مع قوات العمليات الخاصة الأمريكية. وتبعاً لخطط "سيكلون" العملياتية, كان مدرباً في مركز اللاجئين "الكفاح", الموجود في "أتلانتيك آڤينيو" في بروكلين. وقد شعر بن لادن بابتعاده عن الراعين الأمريكيين لأنهم لم يكونوا متعاطفين مع الإسلام, وكان اهتمامهم الأكبر منصباً على تدمير الاتحاد السوفييتي. وسرعان ما انفصل عن معلميه الأمريكيين وأسس حركته الخاصة به: القاعدة.
بعد سنة 2001, تمت تصفية هذه المجموعة تقريباً نتيجة العمليات القتالية واختفت من عناوين الصحف الأولى. لكن "الربيع العربي" أعاد إحياء هذه المنظمة من جديد, فقد أصبحت مطلوبة مرة أخرى. ففي سنة 2012 عرض محمد الظواهري على الولايات المتحدة والغرب هدنة مدتها 10 سنوات شريطة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الإسلامية والتعليم الإسلامي, وكذلك بشرط إطلاق سراح الولايات المتحدة لكافة السجناء المشتبه بارتباطهم بالإرهاب. وبالمقابل وعدَ بحماية المصالح القانونية الأمريكية والغربية في العالم الإسلامي. أليس صحيحاً أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تبرهن على إمكانية وجود مثل هذه الاتفاقيات؟
يقول بحث جديد أجرته شركة "راند" إن 98% من هجمات القاعدة بين سنتي 1998 و 2011 قد حصلت في الشرق, وليس في الغرب, بهدف تقويض الأنظمة الحاكمة أو اقتطاع بعض الأراضي.
ففي حقيقة الأمر, تشكل القاعدة تهديداً للشرق أكثر من الغرب. إذ يقوم المتطرفون المناوئون للغرب, عن وعي أو غير وعي, بتدمير الأعمدة الحضارية – التي تم تأسيسها منذ عدة قرون - لمجتمعاتهم خدمة للقوى التي ينظرون إليها بصفتها عدوة لهم. لم يعد هناك من يتحدى أمريكا, لكن الفكرة والأدوات لا تزال موجودة.
تشكل القوة الناعمة بعداً تكتيكياً للسياسة الأمريكية وتشبه الماكيافيلية القديمة والانتهازية. إذ تحاول واشنطن إنقاذ ماء وجهها والبقاء في الظل, لكن أولئك الذين تدفع بهم إلى الحروب تبعاً لاتفاقيات عقدتها معهم يقومون بنشر الإرهاب في كل مكان.
يمكن للمرء أن ينخرط في نقاشات لا نهاية لها حول المعارضة الديمقراطية و "الجيش السوري الحر" الأشبه بالشبح, والذي يوجد فعلياً على لائحة الأموال المقدمة أكثر مما هو موجود في ميدان المعركة, ولكن لا يمكن إخفاء حقيقة أن القاعدة هي الحليف الرئيس للولايات المتحدة: المنظمة التي تفاخرَ الرئيس أوباما بهزيمتها بعد تصفية زعيمها أسامة بن لادن. والآن, ماذا يحدث فعلاً؟ هل هي اتفاقية سلام بعد الانتصار؟ أم أن الرابط القديم الذي ظهر عند تأسيس القاعدة مع العرابين في واشنطن لا يزال موجوداً؟ أم أن الضرر الذي وقع من جراء هجمات 9/11 وذكرى الضحايا قد أصبحا شيئاً من الماضي؟
يعتقد بعض الخبراء الأمريكيين أنه بينما يحارب الجهاديون السوريون إيران وحلفاءَها العرب, على الولايات المتحدة أن تدعمهم بصمت مع البقاء خارج النزاع المتصاعد إلى أن تصبح السماء صافية. سوف يكون هناك وقت كافٍ لترويض الوحش بعد تحطيم طموحات إيران بالهيمنة.
حاول الكونغرس ادعاءَ البراءة بعد التظاهر بالتقلب والاختلاف, لكنه سرعان ما وافق على تزويد المقاتلين المتطرفين بالأسلحة. لا يوجد هنا أي نوع من أنواع الجهل أو الضلالة. إذ يعرف الضباط والسياسيون الكبار تمام المعرفة إلى من ستذهب هذه الأسلحة في نهاية المطاف. وهذه هي السياسة التي عمل على كشفها المجند برادلي مانينغ وخبير أمن المعلومات إدوارد سنودن ووقفا ضدها.
هل بمقدور البيت الأبيض أن يدرك أن علاقته الحميمة بالقاعدة قد تجاوزت الحدود؟ فمن المحتمل أن يظهر المئات من مقاتلي القاعدة المتطرفين الذين فروا من السجون (وقد كان فرارهم منسقاً ومتزامناً وكأنهم كانوا ينفذون أوامرَ محددة) في سوريا الآن. لكن ذلك لن يلهيهم عن جبهات الحرب المقدسة الأخرى. إذ يمكن لهؤلاء المقاتلين الجهاديين المدعومين من الغرب أن يكتسبوا القوة الكافية في سوريا التي تؤهلهم لضرب العواصم الغربية.
http://www.strategic-culture.org/news/2013/08/06/white-house-courts-al-qaeda-from-kabul-to-damascus.-9-11-becomes-thing-of-the-past.html
تُرجم عن ("ستراتيجيك كلتشر فاونديشن", 6آب/أغسطس 2013)
الجمل
إضافة تعليق جديد