نصرالله: خلاص لبنان وسوريا والمنطقة بالحل السياسي
اختار الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، أمس، لحظة مفصلية، إقليمية ودولية، لمقاربة عناوين سياسية وأمنية، لبنانية وخارجية، بدءا من انتشار الدولة في الضاحية الجنوبية، مرورا بمشهد الدم الممتد من أفغانستان وباكستان إلى مصر والعراق وسوريا والبحرين، وصولا إلى الحوار والحكومة وقضية امتلاك الحزب أسلحة كيميائية.
وقد كان لافتا للانتباه أن السيد نصرالله الذي اختار سلاح الصمت في مواجهة احتمال الحرب الأميركية على سوريا، منذ أكثر من شهر، تاركا شهية المحليين والدوائر الغربية مفتوحة على كل الاحتمالات، قرر أن يطل بالأمس، من بوابة الترحيب بخطة الضاحية الجنوبية، لمقاربة ثمانية عناوين، على مدى ستين دقيقة، كان البارز فيها تناول أمرين جديدين في خطاب قيادة «حزب الله».
الأمر الأول، الرد الجازم على محاولات جهات دولية واقليمية توريط «حزب الله» ومن خلاله لبنان في قضية امتلاك السلاح الكيميائي، عن طريق النظام السوري. وقد وصف السيد نصرالله هذه الاتهامات بأنها «خطيرة» و«لا أساس لها من الصحة»، مؤكدا أن الحزب لم يفعل ذلك في الماضي ولن يفعله مستقبلا ربطا بمحاذير دينية، مؤكدا أن هذا النوع من السلاح «حتى استخدامه بالحرب النفسية ليس وارداً»، متمنياً على الخصوم السياسيين أن يكونوا حذرين بالتعاطي مع هذا الموضوع «لأن تداعياته خطيرة جدا على لبنان وليس فقط على المقاومة».
الأمر الثاني، تطرق قيادة «حزب الله» للمرة الأولى، منذ اندلاع الأزمة السورية واستقالة حكومة نجيب ميقاتي، الى السعودية بالاسم، وقد بدا أن السيد نصرالله، في نصه المرتجل والمدون في آن معا، حاذر قدر الامكان الذهاب بعيدا في قطع كل الخطوط، ولكنه لم يتردد في دعوة السعوديين وكل دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا لأن يراجعوا موقفهم، وأن يضعوا أحقادهم جانباً وأن يفكروا بشعوب المنطقة، «لأن نجاة سوريا وجميع من فيها وشعوب المنطقة وقطع الطريق على الحروب والفتن، هما بالحل السياسي، أما الرهان على الحل العسكري فهو رهان فاشل ومدمر في آن معا».
لم يكتف «السيد» بذلك، بل سخر من مقولة احتلال الحزب للأراضي السورية، وحمّل السعودية مسؤولية وضع الحزب على لائحة الارهاب في مجلس التعاون الخليجي ومحاولة إقصاء «حزب الله» عن الحكومة الجديدة، فضلا عن تجميد حكومة الثلاث ثمانيات قبل نحو اسبوعين، بسبب الرهان على متغيرات تعقب ضرب سوريا.
وتحدث نصر الله مطولاً عن قضية الشعب البحريني وحراكه المتمسك بسلميته منذ أكثر من عامين وعدم لجوئه إلى العنف أو حمل السلاح.
وقد كان لافتا للانتباه أن نصرالله قارب موضوع التئام طاولة الحوار سواء
بدعوة من رئيس الجمهورية ميشال سليمان أو بناء على مبادرة الرئيس نبيه بري التي لم يجر تنسيق عناوينها مع الحزب مسبقا، وخاصة موضوع التدخل
في سوريا، بطريقة ايجابية، بمعزل عن مواقف الآخرين والنتائج التي لا يمكن التنبؤ بها مسبقا.
وفي هذا السياق الداخلي، رسم السيد نصرالله سقفا لتأليف حكومة وحدة وطنية جديدة بـ«الأحجام الحقيقية»، ما يعني أن «حزب الله» لم يتبن حتى الآن، صيغة الثلث الضامن، بل ما زال ينادي بحكومة تأخذ في الحسبان الأحجام النيابية، وفي الوقت نفسه، جدد الحزب تمسكه بالتفويض المعطى للرئيس المكلف تمام سلام بتأليف الحكومة، ولكن بشرط أن يأخذ الأخير، أنه هو شخصيا ومن سيسمى وزيرا من قبله يمثلان فريق «14 آذار»، وبالتالي، لا تنطبق عليهما صفة الوسطية.
وفي المقابل، كان لافتا للانتباه أن السيد نصرالله اعترف بمشروعية وسطية رئيس الجمهورية ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط، تاركا لهما أن يتصرفا تبعا لهذه الوسطية وبالتالي ألا ينزلقا الى ما يمكن أن يبدل نظرة «فريق8 آذار» اليهما.
وقد تقاطع هذا الاعتراف، مع مؤشرين: الأول، من نيويورك، ومفاده تراجع رئيس الجمهورية عن خيار تشجيع تمام سلام على اعلان حكومة الثلاث ثمانات، في النصف الأول من تشرين الأول المقبل، وذلك تفاديا لأية دعسة ناقصة يمكن أن تؤثر سلبا في زيارة الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني الى السعودية لتأدية موسم الحج، بدعوة من الملك عبدالله بن عبد العزيز.
الثاني، تمسك «الوسطي الأول» وليد جنبلاط بالشراكة السياسية الكاملة مع الرئيس نبيه بري، وبالتالي حرصه على عدم استفزاز «الثنائي الشيعي»، في أية صيغة حكومية لا تنال قبولهما، علما أنه ما زال يميل الى تشكيلة سليمان ـ سلام، لكنه يفضل التضحية بها لمصلحة صيغة «الثمانية وقطبة» (الثلث الضامن المبطن بصيغة «الوزير الملك») إرضاء لبري و«حزب الله».
وقد برز في خطاب نصرالله تساهله مع قضية البيان الوزاري، معتبرا أن الأولوية لتأليف الحكومة، ومن بعدها يتم الحديث عن بيانها العتيد.
والى جانب قضية السلاح الكيميائي، تطرق السيد نصرالله الى ثلاثة عناوين أمنية ـ سياسية، أولها، الترحيب بخطة الضاحية الجنوبية والدعوة الى تمددها لتشمل كل لبنان، وثانيها، الاعلان عن توصل التحقيقات في متفجرة الرويس الى نتائج حاسمة مفادها أن جهة تكفيرية تندرج في خانة المعارضة السورية وتعمل في الأراضي السورية هي التي تقف وراء هذه الجريمة، وثالثها، النفي القاطع لوجود نية لدى الحزب لمد شبكة اتصالات لاسلكية خاصة به في داخل مدينة زحلة.
وفي العنوان الأمني الأول، كان لافتا للانتباه، اختيار السيد نصرالله، توقيت خطوة انجاز انتشار القوة الأمنية المشتركة في الضاحية الجنوبية لبدء خطابه، في تعبير سياسي واضح عن سعي الحزب للتخلص من هذا القميص الأمني الوسخ الذي يُرَسِّخ في أذهان جمهوره وبيئته صورة الحواجز وزمن الميليشيات التي بات معظمها يضع الحزب في خانة المتهم بـ«الأمن الذاتي».
وقد اشاد مسؤول بارز في «حزب الله»، في معرض تقييمه الأولي لخطة الانتشار، «بالروحية المنفتحة والمتعاونة والمسؤولة والجدية للقوة الأمنية، وخاصة طريقة تعاملها مع أهل الضاحية»، وفي الوقت نفسه، سجل للأهالي أنهم استقبلوا انتشار الدولة بحماسة لافتة للانتباه «وهذا دليل تعلق هؤلاء الناس بثقافة الدولة». وقال ان عناصر الحزب «كانت تخلي الحواجز بكل طيبة خاطر لا بل كانت في غاية الاطمئنان والثقة بمن يتحمل المسؤولية أمام المواطنين».
وتوقف المسؤول نفسه عند «الدور الاستثنائي الذي لعبه وزير الداخلية مروان شربل في انجاز هذه الخطة من ألفها الى يائها»، وقال ان شربل «هو أدرى مسؤول في الدولة بكل تشعبات هذا الملف وكيف كان الحزب متحمسا لتحمل الدولة مسؤولياتها، منذ اللحظة الأولى لانفجارَي بئر العبد والرويس، وعندما أدرك الحزب استحالة الأمر من جانب السلطة، بادر الى تحمل المسؤولية وسد الفراغ، ولكنه ظل يلح على الدولة حتى تحملت مسؤوليتها في الساعات الأخيرة.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد