المغامرة السعودية.. و«ديبلوماسية البداوة» إزاء سوريا

25-10-2013

المغامرة السعودية.. و«ديبلوماسية البداوة» إزاء سوريا

سيمر بعض الوقت قبل ان تتضح حقيقة الهبّة السعودية في وجه الحليف الاميركي. اما نضوجها، فسيتطلب وقتا اطول. هل سيتابع وزير الخارجية سعود الفيصل ورئيس الاستخبارات بندر بن سلطان «هجمتهما» الكلامية في وجه السياسة الاميركية، والى أي مدى سيصلان فعلا؟ وهل يتمتعان بكامل دعم دائرة القرار الضيقة في القصر الملكي؟ والاهم، ما هي الآثار المحتملة لهذه الهجمة على ازمات المنطقة من سوريا الى لبنان والعراق والبحرين وصولا الى افغانستان؟
لا اجوبة قاطعة عن هذه التساؤلات. لكن من المفارقة ان المملكة السعودية تبدو طرفا رئيسيا في ازمات هذه الدول، في الوقت الذي تجهد من اجل تقديم نفسها- امام الاميركيين على الاقل - على انها جزء حيوي من الحل.
لقد اظهر مشهد العراك السياسي الذي خرج الى العلن بين الرياض وواشنطن، ما هو اكثر من مجرد تباين سعودي اميركي. التصريحات المنسوبة الى الفيصل وبندر والمتخذة طابعا ابتزازيا، تشي بما هو اكثر من ذلك، ما يثير مخاوف من احتمال اطالة امد هذه الازمات، واحتمال تفاقمها، خصوصا في سوريا التي يقود المبعوث الدولي الاخضر الابراهيمي جولة اقليمية تمهيدا للمخارج المحتملة في «جنيف 2».
يمثل الفيصل وبندر داخل دوائر القرار السعودي، الجناح المتشدد، المصاب بعقم «الانجاز» سورياً (اللهم الا اذا كان الخراب هدفا اساسيا)، ما يمكن ان يفسر ولا يجزم في الوقت ذاته بحقيقة ما يجري داخل القصر الملكي، وصراع الارادات والخلافة. وتدور تساؤلات حول مدى اقترابهما او ابتعادهما عن شخصيات لا تقل نفوذا تحت مظلة حكم الملك عبد الله، مثل الامراء متعب بن عبد الله ومقرن بن عبد العزيز ومحمد بن نايف بالاضافة الى الامير عبد العزيز بن عبد الله، ابن الملك، الذي كان حتى وقت قريب مسؤولا مباشرا عن الملف السوري، وخالد التويجري الملقب بسبب سعة نفوذه بـ«الملك خالد».
سيحتاج الامر الى وقت قبل ان ينجلي المشهد في الديوان الملكي. لكن الترجمة الاكثر سرعة للهجمة السياسية السعودية الجديدة، قد تكون في الساحة السورية. التهديد المنسوب الى بندر، عراب الخيار العسكري في سوريا، يوحي بان المملكة ستتملص من التنسيق مع واشنطن بشأن شحنات الاسلحة ونوعيتها والجهات المرسلة اليها، بهدف التخلص من حكم الرئيس بشار الاسد. الى أي مدى ستسمح واشنطن بانفلات الخيوط من بين يديها، سيظل الامر في الوقت الراهن احتمالا قابلا للكثير من التأويل.
لكن مصدرا عربيا مطلعا على مواقف بعض المسؤولين السعوديين يقول ان الانتقادات السورية القاسية ضد الحكم السعودي لم تعهدها المملكة من قبل وعلى اصحابها ان يدفعوا الثمن! .
ويقول مصدر سوري مطلع لـ«السفير» ان المشكلة بالنسبة الى السعودية صارت «بدوية»، وخلاصتها عقلية الثأر: فإما نحن او الأسد!
بهذا المعنى، فان الانفراج الكيميائي الذي شهدته العلاقات الاميركية - الروسية بشأن سوريا، لم يكن سوريا خالصا. كانت له جوانبه الاخرى التي ستتجسد بأشكال عدة، لعل من بينها حتى الآن، هذا الحنق السعودي، والذي كان اول مؤشراته امتناع الفيصل عن القاء كلمة السعودية امام الجمعية العامة للامم المتحدة مؤخرا، ثم الاعلان عن الاعتذار عن عدم تولي مقعد العضوية في مجلس الامن الدولي، وصولا الى التلويح السعودي بمراجعة مستوى التعاون السياسي والامني مع واشنطن.
ما يعنيه ذلك بالنسبة الى السوريين، ان السعودية صارت الآن الدولة الاخيرة التي لم تتراجع عن المجاهرة بالخيار العسكري واعتراضها على الحل السياسي. قال وزير الخارجية الاميركي جون كيري غداة لقائه الفيصل في باريس الاثنين الماضي، ان المملكة ساءها ان الحرب الاميركية لم تقع على دمشق!
يجري كل ذلك على خلفية المشهد الايراني. الرغبة الاميركية بالالتقاء مع الايرانيين في نيويورك في ايلول الماضي، كانت تجسيدا للانفراج الاميركي - الروسي، لكنها ليست نتيجته الوحيدة، وبالطبع ليست شكله الاوحد، كما اتضح من مغامرة الغضب الديبلوماسي السعودي بشأن ايران وسوريا.. واستطرادا لبنان. الهبّة السعودية، تعني ان حركة الرئيس الشيخ حسن روحاني، تثير كوابيس سياسية في الرياض.

على أبواب دمشق

فتحت كلمة السر المتمثلة باقتناع الاميركيين بضرورة الاستفادة من الاوراق الايرانية، الابواب امام المبعوث الدولي الاخضر الابراهيمي، في دمشق، للمرة الاولى مند شهور من الفتور السوري الواضح الذي كشف الاسد احد اسبابه في مقابلته التلفزيونية الاخيرة مع «قناة الميادين»، عندما قال ان المبعوث الدولي جاء طالبا عدم ترشحه في الانتخابات الرئاسية بعد انتهاء ولايته الرئاسية الحالية، ما فسرته دمشق خروجا عن حيادية الوسيط.
لكن ماذا سيقول الابراهيمي هذه المرة في دمشق؟
يقول مصدر ديبلوماسي في نيويورك مطلع على جولة المبعوث الدولي الاقليمية التي شملت حتى الآن مصر والعراق والكويت وسلطنة عمان والاردن وتركيا، لـ«السفير» ان الابراهيمي سيجدد أولا رسالته القديمة القائلة بأن هناك «مطالب حقيقية» من جانب الناس وحتى من قبل من جماعات حملت الســلاح، بمــا يعــني ان الحاجــة الى الاصــلاح، حقيقية.
واوضح المصدر ان طرفي السلطة والمعارضة يدركان ان الحل ليس عسكريا، وان المخاطر باتت تهدد بتقسيم سوريا، وبالتالي، فان المتوقع منهما القيام بـ«تضحيات» معينة تؤكد الرغبة في «قبول الطرف الآخر»، مشيرا في الوقت ذاته الى ان مطلب خروج الاسد من السلطة، لم يعد شرطا مسبقا لانعقاد مؤتمر جنيف، وان العمل يرتكز الآن على تسويق ما طرح في «جنيف الاول» بشأن تشكيل «هيئة انتقالية» تعكس من خلال الصلاحيات التي سيقبل بها النظام لها، اقتناعا حقيقيا بقبوله بها.
ويلاحظ المصدر الديبلوماسي في نيويورك ان مطلب قوى المعارضة بخروج الاسد، لم يعد متداولا بحدة كما كان سائدا خلال العامين الماضيين، حيث كان وقتها شرطا مسبقا قبل الذهاب الى أي شكل من اشكال التفاوض، وهو ما لم يعد قائما الآن، ما يعني ان غالبية قوى المعارضة في الخارج، على اختلافها، باتت تعترف ضمنا بأن النقاط الصعبة ستبحث لاحقا في اللقاءات والاجتماعات التي يفترض ان تنبثق عن «جنيف 2».
التبدل في ادبيات خطاب مختلف القوى المعارضة السورية، مرده العديد من الاسباب، وبالتأكيد فان من بينها المشهد الميداني. الرهان على التطورات العسكرية، لم يعد خيارا. هكذا كان الحال اقله الى ما قبل اتضاح حجم المغامرة السعودية الجديدة.
ويقول مصدر ديبلوماسي عربي لـ«السفير» ان «التطورات الميدانية لن تؤثر في مهمة الابراهيمي»، على الرغم من اقراره بأن السعودية، وقوى معارضة، تقول ان «جنيف 2» يجب الا يعقد بينما النظام السوري يحقق مكاسب على الارض. ويرى المصدر ان «المعادلة انقلبت الآن من خلال التفاهم الروسي - الاميركي، والقرار بات بأيدي موسكو وواشنطن، وهما مصممتان على انعقاد المؤتمر».
ينقل مصدر مطلع على اجواء لقاء كيري الفيصل في باريس، ان عتابا متبادلا جرى بينهما، اذ بينما كان السعوديون يستهجنون فكرة الذهاب الى جنيف مجددا قبل تغيير المعادلات على الارض، رد الاميركيون بان السعوديين لم يحسنوا استغلال عامين من العمل العسكري حتى الآن، ولم يقدموا انجازا جديرا بالذكر. وعندما قال السعودي ان الرياض جلبت اعتراف 100 دولة بالمعارضة الخارجية، رد الاميركي قائلا «نحن من انجز ذلك». وعندما سعى الفيصل للتأكيد ان تطورا ما يتحقق في مسألة تشكيل حكومة المعارضة، رد الاميركيون بمرارة واستهزاء «حتى الآن لم تشكلوا هذه الحكومة!!».
وبينما تبدو قوى «المجلس الوطني» المدعوم قطريا والمنبوذ اميركيا، و«الاتئلاف السوري» المدعوم سعوديا، كمن يحلق خارج سرب التفاهمات الدولية، او الاميركية الروسية تحديدا.. ربما بانتظار كلمة السر من الدوحة والرياض، فان التساؤل يصير مشروعا عن المدى الذي سيذهب اليه السعوديون في عرقلة احتمالات الانفراج السوري، خصوصا ان حدة مواقفهم اثارت جوا ملبدا في سماء مهمة الابراهيمي الدقيقة والبعيدة نسبيا عن الاعلام، في هذا الخريف السوري الذي قد يكون حارا.

خليل حرب

المصدر: السفير

التعليقات

عنوان تعليقي مقتبس من مقابلة الرئيس بشار الأسد الأخيرة مع قناة الميادين وهذه العبارةتفسر كل شيء..السعوديين يحاولون بالعنتريات الكلامية والبهلوانيات إنكار التهمة التي صفعهم بها الأسد لا أكثر ولا أقل!! هذا رأيي المتواضع.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...