صراع سورية... وصمة عار في التاريخ الفلسطيني
الجمل- *فينيان كانينغهام- ترجمة: رندة القاسم:
يشعر الكثير من الفلسطينيين اليوم بالعار العميق بسبب الصراع في سوريه، و ذلك لأن عددا كبيرا من الرجال الفلسطينيين قد انضموا إلى صفوف المتطرفين المدعومين من الخارج في محاولة لزعزعة استقرار حكومة الرئيس السوري بشار الأسد. فالحرب السرية لأجل تغيير النظام في سوريه، برعاية الولايات المتحدة و قوى أخرى في الناتو و السعودية و إسرائيل، قد أدت إلى موت أكثر من مائة و ثلاثين ألف و تشريد أكثر من تسعة ملايين إنسان، أي 40% من تعداد السكان السوريين.
و منذ بدء الصراع في منتصف آذار 2011 ، و الذي أثارته تلك القوى الأجنبية بشكل كبير، قدرت أضرارا البنى التحتية في المجتمع السوري بما يقارب 100 مليار دولار.
و لإدراك حجم الرقم الأخير ، تمكنت مناشدة الأمم المتحدة من أجل مساعدات إنسانية لسورية ،وهي الأكبر على الإطلاق، من تحصيل مبلغ 2,4 مليار دولار فقط. بكلمة أخرى، سوريه تتعرض للدمار، ما يعتبر مصدر كرب شديد للفلسطينيين.
و كحال الكثير من الدول العربية و غير العربية، بما فيها الولايات المتحدة و كندا و بريطانيا و فرنسا، تسلل مرتزقة من الأراضي الفلسطينية إلى سورية للانضمام إلى "الجهاد" المشوه كثيرا و الممول من السعودية و ممالك خليجية أخرى. و وفقا لصحيفة Financial Times و مصادر أخرى، يقدر بأن السعودية و قطر قد ضختا أكثر من تسعة مليارات دولار في سورية خلال السنوات الثلاث الماضية من أجل الرواتب و الأسلحة للمجموعات المتطرفة مثل الدولة الإسلامية في العراق و الشام (داعش)، و جبهة النصرة، و الجبهة الإسلامية.
و من دواعي السخرية ، أنه بسبب مناشدة الأمم المتحدة من أجل سوريه، و التي تمت في الكويت قبل أسبوع،بلغ مجموع ما تبرعت به السعودية و قطر 120 مليون دولار. بمعنى أن هاتين الدولتين الخليجيتين قد أنفقتا على إثارة الصراع في سورية ما يساوي 75 ضعف ما أنفقتا من أجل "المساعدات الإنسانية".
في سوريه تحمل الميليشيات المعادية للحكومة الفكر الوهابي ذاته في الممالك الخليجية، و ترتبط بأشكال مختلفة مع القاعدة ، و تقف في صف واحد مع جماعة الأخوان المسلمين السلفية المتطرفة.هذا الطيف الإيديولوجي موجود في مجموعات من حركة حماس في فلسطين، و التي تملك روابط تقليدية مع الأخوان المسلمين و تلقت مؤخرا هبات تصل إلى 200 مليون دولار من حكام قطريين.
و لكن لماذا يعتبر هذا الأمر عارا على الفلسطينيين؟
حسنا، من بين كل الدول العربية التي وفرت مساعدات إنسانية و إعانات للفلسطينيين خلال عقود ، ما من واحدة كانت مخلصة و متفانية في مساندتها الأخوية كما كانت الجمهورية العربية السورية. و منذ مذابح النكبة الصهيونية ضد الفلسطينيين عام 1948 حتى الآن ، و سورية تفتح ذراعيها لاستقبال ملايين اللاجئين الفلسطينيين، و يعتقد بأنها تستضيف أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين في المنطقة كلها.
مخيم اليرموك، قرب دمشق، يضم أحد اكبر التجمعات الفلسطينية في سورية حيث يعيش حوالي عشرين ألف. و لكن، و كما أشار المحلل السياسي كريستوف ليهمان، عبارة "مخيم اللاجئين" مضلة، و ذلك لأن السكان الفلسطينيين كانوا دائما يحصلون على كامل الحقوق المدنية و حقوق المواطنة السورية. و يقول ليهمان: "اليرموك أكثر من ضاحية عادية في دمشق، فهو يتمتع بالشروط الفنية لمخيم اللاجئين وفقا للقانون السوري و الدولي".انه معيار الضيافة التقليدية الذي منح للفلسطينيين المهجرين إلى سوريه.
منذ اندلاع الصراع السوري عام 2011، سمحت مجموعات فلسطينية داخل اليرموك لمتطرفين مدعومين من الغرب،في جبهة النصرة و آخرين, بالتسلل و احتلال منطقة كبيرة. و يقول ليهمان: "تم اجتياح نصف اليرموك من قبل جبهة النصرة و ألوية من القاعدة و ألوية صغيرة تابعة للإخوان المسلمين.. و من المؤسف، أن حماس كانت تلعب دورا من خلال حملة تجنيد الشبان الفلسطينيين للانضمام إلى القوات المعادية للحكومة في سوريه".
و يقول المحلل السياسي أن هذا الاحتلال من قبل ألوية القاعدة أدى إلى وضع إنساني مزر في اليرموك، حيث يعاني السكان من نقص حاد جدا في الطعام و الدواء، و يعتقد بأن عشرات المدنيين ماتوا بسبب الحرمان الذي سببه الحصار بشكل مباشر.و ألقت الفصائل المعادية للحكومة في اليرموك باللوم على الحصار الذي فرضه الجيش السوري و ادعت بأنه استخدمه كتكتيك لإجبارهم على الاستسلام، و هذه الرواية تم تبنيها بحماسه من قبل وسائل الإعلام الغربية كطريقة لتشويه حكومة الأسد. غير أن الكثير من المراقبين قالوا بأن الميليشيات المدعومة من الخارج هي من احتجز سكان اليرموك كرهائن و دروع بشرية.و هذا الرأي كرره وزير العمل الفلسطيني أحمد مجدلاني حين زار مخيم اليرموك قبل أسبوع، اذ حذر مجدلاني من الوضع الإنساني الرهيب بين السكان بسبب الحصار المستمر، و ألقى باللوم على المتمردين المدعومين من الخارج و قال: "مصدر النيران التي أطلقت على قافلة المساعدات الإنسانية معروف، انه من جهة واقعة تحت سيطرة جبهة النصرة و أحرار الشام و صقر الجولان".
هذه المرحلة المشؤومة لا تتناسب مع ستة عقود من مساندة كريمة قدمتها الحكومة السورية للشعب الفلسطيني. و الحقيقة الأساسية هي أن المعاناة التاريخية للشعب الفلسطيني في سورية و ما ورائها كانت على يد العدوان الصهيوني المدعوم من الغرب. و بخلاف سورية، فان نظام السعودي الثري كان مهملا في مساندة القضية الفلسطينية و اللاجئين بشكل خاص.
سورية اليوم تعيش كابوس أنزلته بها واشنطن و حلفاؤها الامبرياليين، بما فيهم السعودية و إسرائيل. و الفصائل الفلسطينية التي انضمت إلى المحور الامبريالي لإسقاط سورية تعتبر خائنة و مخزية في أعين الكثير من الفلسطينيين الآخرين في الشرق الأوسط و حول العالم.
*بقلم الصحفي الايرلندي فينيان كانينغهام
تُرجم عن موقع Press TV
الجمل
إضافة تعليق جديد