مصر: مساعدات خليجية تعزز موقف السيسي
يبدو أن السلطات المؤقتة في مصر قد قررت الخوض في سباق مع الزمن من أجل توفير انطلاقة جيدة للرئيس المقبل، وذلك عبر حشد الدعم الإقليمي والدولي للحكم الجديد، قبل أسابيع من إجراء الانتخابات الرئاسية، التي تشير التقديرات إلى أنها ستقود إلى فوز المشير عبد الفتاح السيسي، ما لم يحقق "الحصان الأسود" حمدين صباحي مفاجأة كتلك التي حققها حين خالف كل التوقعات وحل ثالثاً في انتخابات العام 2012 وراء مرشح "الإخوان المسلمين" محمد مرسي ومرشح "الفلول" الفريق أحمد شفيق.
وانطلاقاً من هذا التوجه، جاءت زيارة المشير السيسي الأخيرة لموسكو، حيث حصل على دعم من الرئيس فلاديمير بوتين في سباق الرئاسة، وقبلها زيارة رئيس مجلس الوزراء حازم الببلاوي للرياض، والتي يبدو أنها أثمرت مساعدات خليجية لمصر قبل الاستحقاق الرئاسي.
ومن الواضح أن السلطات المصرية قد قررت الذهاب بعيداً في هذا التوجه، الذي من شأنه أن يقود إلى تغيير استراتيجي في السياسة الخارجية، عبر تبديل الحليف القطري بالحليفين السعودي والإماراتي، وتوجيه رسالة الى الولايات المتحدة بوجود حليف آخر في موسكو.
كذلك، فمن الواضح أن هذا التغير في السياسة الخارجية قد بدأ يثير قلق الولايات المتحدة، وخصوصاً بعد الكشف عن صفقة أسلحة روسية لمصر بقيمة ثلاثة مليارات دولار، ممولة من السعودية والإمارات، لتعزيز قدرات القوات المسلحة المصرية.
ولعلّ الكشف عن تلك الصفقة، هو ما جعل الولايات المتحدة تخرج عن صمتها إزاء تطور العلاقات الروسية – المصرية، وإن كان من بوابة عبارات الدعم التي وجهها "قيصر الكرملن" للمشير السيسي، والتي قد تسرّع موعد إعلانه المنتظر بشأن الترشح للرئاسة.
وفي أول تصريح من نوعه بشأن العلاقات الروسية - المصرية، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية ماري هارف، خلال مؤتمرها الصحافي اليومي: "نحن لا ندعم مرشحاً (للرئاسة في مصر)، ولا اعتقد بكل صراحة أنه يعود للولايات المتحدة أو لبوتين أن يقررا من سيحكم مصر... الخيار يعود إلى الشعب المصري".
وبحسب مشاهد بثها التلفزيون الروسي، أمس الأول، فقد قال بوتين مخاطباً السيسي "أعرف أنكم اتخذتم قرار الترشح الى الانتخابات الرئاسية في مصر"، مضيفاً إنه "لقرار مسؤول جداً، تولي مهمة من اجل الشعب المصري. أتمنى لكم باسمي واسم الشعب الروسي النجاح".
ومع ذلك، فإن وزارة الخارجية الأميركية سعت لطمأنة المصريين بأن التقارب الجديد بين القاهرة وموسكو لن يؤثر على العلاقات التاريخية بين القاهرة وواشنطن. وأوضحت الخارجية الأميركية أن "مصر حرة في إقامة علاقات مع بلدان أخرى، وهذا ليس له أثر على مصالحنا المشتركة"، مضيفة أن الولايات المتحدة لديها "قدرات فريدة لناحية الدعم العسكري والاقتصادي" لمصر.
وتأتي هذه التطورات، في وقت نشرت صحيفة "فيدوموستي" الاقتصادية الروسية تقريراً نقلت فيه عن مصادر داخل صناعة الدفاع الروسية أن صفقة التسلح تشمل مقاتلات من طراز "ميغ 29 أم – 2"، وأنظمة دفاع مضادة للطيران من مختلف الأنواع، ومروحيات من طراز "أم اي 35"، وأنواعاً مختلفة من الاسلحة، فيما ستتولى الإمارات والسعودية دفع الجزء الأكبر من الصفقة، التي قدّرت "فيدوموستي" قيمتها بثلاثة مليارات دولار.
ومن المعروف أن دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، بالإضافة إلى الكويت، كانت بمثابة المنقذ الحقيقي لمصر بعد تراجع الدعم القطري غداة عزل الرئيس "الإخواني" محمد مرسي في الثالث من تموز الماضي.
ومنذ سقوط نظام "الإخوان"، بلغ حجم المساعدات الخليجية لمصر قرابة 12 مليار دولار، وصل الجزء الأكبر منها خلال الأشهر الماضية. يُذكر ان الدعم الخليجي لمصر لم ينتظر إلا ثلاثة أيام بعد سقوط نظام "الإخوان"، حيث أعلنت الكويت والسعودية والإمارات في يوم واحد عن تقديم قروض بقيمة 4 مليارات دولار من كل منها - بينها قروض منحة لا ترد – بالإضافة إلى شحنات من النفط ومشتقاته، وهو ما منح الاقتصاد المصري قبلة الحياة، وجعله قادراً على الصمود، برغم انهيار الإنتاج وتراجع السياحة، وهو ما زالت جماعة "الإخوان المسلمين" تراهن عليه، في إطار تحركاتها اليومية لاستنزاف الدولة واقتصادها.
ولعلّ ابرز دليل على نجاح الدعم الخليجي في إحباط مخططات "الإخوان"، هو قول الشيخ يوسف القرضاوي بأنّ "السعودية والإمارات تقتل بأموالها الشعب المصري من خلال القروض التي تقدمها الى الحكومة المصرية".
وكثفت الحكومة المصرية من زيارتها الى دول الخليج لتجديد الشكر على الدعم الاقتصادي المتواصل، وإقناعها باستمراره لأطول فترة ممكنة، حتى تستعيد قوتها الاقتصادية من جديد.
وكانت أول زيارة خارجية للرئيس المؤقت عدلي منصور إلى السعودية في تشرين الأول الماضي، وتلتها زيارتان في الشهر ذاته إلى الإمارات والكويت. كما قام رئيس مجلس الوزراء حازم الببلاوي بزيارات عدة لدول الخليج، كان آخرها قبل أيام، حيث حصل على وعد سعودي من قبل ولي العهد الأمير سلمان باستمرار الدعم الاقتصادي لمصر.
ويعتبر محللون سياسيون ان الدعم الخليجي المصري المستمر هو بمثابة تمهيد الطريق وتثبيت الوضع الاقتصادى المصري حتى يصل المشير السيسي الى قصر الرئاسة ليبدأ مهمته بنفسه، وهو ما ظهر واضحاً في تمويل صفقة السلاح الروسي التي تعتبر الخطوة الاولى في مسيرة السيسي إلى قصر الاتحادية في ظل توتر العلاقات مع الولايات المتحدة، ووقف واشنطن مساعدتها العسكرية للقاهرة.
ويرى الخبير السياسي الدكتور عمار علي حسن ان زيارة موسكو كانت رسالة من السيسي الى الغرب بأن وجهة مصر ستكون باتجاه الشرق خلال الفترة المقبلة، وبأنه لن يسلك ما كانت تتبعه مصر سابقاً على المستوى الخارجي والعلاقات الدولية، مشيراً إلى أن المهم في هذه الرسالة أنها جاءت حتى قبل ترشّحه رسمياً لرئاسة الجمهورية.
وأضاف عمار علي حسن أن الزيارة تحمل رسالة ثانية وهي ان "الجيش المصري وتسليحه وتطويره من ضمن اولويات السيسي، وتعكس خشيته من أن يتأثر بخطوة ترشحه واستمرار وقف المساعدات الأميركية، ويبدو أن السعودية والإمارات تحملتا تكاليف الصفقة لكي تدفعه الى الترشح".
ويبدو أيضاً ان الدعم الخليجي سيسهّل المهمة التي ستكون ملقاة على عاتق السيسي للنهوض بالاقتصاد. وكان لافتاً ان الاقتصاد المصري سجل ارتفاعاً في الاحتياطي النقدي الاجنبي في نهاية شهر كانون الثاني الماضي بالرغم من سداد 700 مليون دولار من مديونية "نادي باريس"، ونحو 500 مليون دولار أخرى يتم توفيرها للبنوك شهرياً، حيث ارتفع الاحتياطي إلى 17.105 مليار دولار، مقارنة بـ 17.032 مليار دولار في كانون الأول العام 2013.
ويربط استاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة الدكتور فخري الفقي ـ وهو مساعد المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي سابقاً ـ بين الدعم الخليجي لمصر وظاهرة ارتفاع الاحتياطي الاجنبي، وذلك بالنظر إلى توقف الموارد التي تأتي بالعملة الصعبة الى مصر (السياحة وغيرها). ويرى الفقي ان هذه المؤسسات ستساعد على تخطي الازمة موقتاً حتى يأتي الرئيس المقبل ليضع حلولا جذرية لضبط الاقتصاد المصري، والذي يواجه انهياراً مستمراً منذ اندلاع "ثورة 25 يناير"، حيث تراجع الاحتياطي النقدي من 36 مليار دولار في كانون الاول العام 2010 إلى 17.105 مليار دولار وبلغت قيمة العجز 239.9 مليار جنيه بنسبة 13.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وفقاً للحساب الختامي للعام المالي 2012/2013.
وفي سياق موازٍ، تسعى دول الخليج من خلال المساعدة المتجددة لامتصاص الغضب في الشارع على خلفية تردّي الأوضاع المعيشية، وهو ما تبدّى خصوصاً في توفير النفط ومشتقاته لمصر، بعدما عانت البلاد خلال الفترة الماضية من نقص الوقود.
مصطفى صلاح
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد