الأيدي الإسرائيلية في سوريه
الجمل ـ كوروش زياباري ـ ترجمة: رنده القاسم:
عندما اندلعت الاضطرابات في سورية آذار 2011 ، نزع بعض الناس إلى تصويرها على أنها امتداد لموجة الاحتجاجات الثورية في العالم العربي، التي بدأت من تونس و امتدت إلى مصر، اليمن، البحرين، و السعودية. و لكن مع مضي الوقت، أصبح من الواضح أكثر فأكثر أن ما يحدث في سورية مؤامرة خططت في الخارج تهدف لإسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد ، و ليست حركة شعبية و لا جزء من الربيع العربي.
و بشهادة العديد من الصحفيين الغربيين العاملين حاليا كمراسلين من سوريه، بما فيهم الصحفي الفرنسي البارز تيري ميسان الذي تحدثت معه قبل عدة اسابيع، لا يوجد أثر لانتفاضة شعبية ضد الحكومة الوطنية في الاضطرابات الحالية في سوريه. انها ببساطة واحدة من مشاريع الولايات المتحدة في تغيير الأنظمة، و فيها تلعب عدة دول أدوارا بما فيها حكومة إسرائيل.
إضافة إلى جبهة النصرة و مقاتلي القاعدة و الدولة الإسلامية في الشام و العراق (داعش) و الإرهابيين و المتطرفين الأتراك و القطريين و السعوديين الذين يتدفقون الى سورية من دول عربية و أوروبية بأمر من الولايات المتحدة و يساعدون على مفاقمة الأزمة السورية. فان إسرائيل وحدها تلعب الدور الأكثر تدميرا في هذه الدولة العربية، و واقعيا هي من الدول الأساسية المقاتلة في تلك الحرب.
و من الواضح تماما أن الاضطراب و العنف في سورية لصالح اسرائيل، اذ طالما كانت سورية جزءا حيويا من محور المقاومة ضد اسرائيل، و لهذا فان زعزعة استقرارها يعني زيادة الأمن على الحدود الاسرائيلية و خطة كبيرة نحو مواجهة عسكرية مع ايران.
و تظهر أدلة موثوقة أن إسرائيل ، خلال السنوات الثلاث الماضية، كانت تعمل إلى حد بعيد مع العناصر الأساسية لتنظيم القاعدة في سورية، بتزويد الإرهابيين بالأموال و التدريب و السلاح لمساعدتهم في قتالهم ضد حكومة بشار الأسد و قوات الجيش السوري.
و يقول الكاتب الألماني كريستوف ليهمان بأن إسرائيل قامت بشكل مباشر بتوفير مساعدات عسكرية لجبهة النصرة و لواء الإسلام و ألوية أخرى من القاعدة متمركزة حاليا في سورية،و أشار ليهمان الى اعتراف الصحيفة الصهيونية اليومية Jerusalem Post باقامة اسرائيل لمشاف ميدانية في مرتفعات الجولان المحتلة تؤمن الأدوية و الخدمات العلاجية للجهاديين و الإرهابيين المقاتلين في سورية، و مما يدعو للضحك وصف بيبي نيتينياهو للمشفى بأنه "الوجه الحقيقي لإسرائيل و مكان يتم فيه فصل الأخيار في العالم عن الأشرار". ربما قال هذا الكلام المخبول لأنه يتوق للإيمان بأن كل قوة تعارض الاضطهاد الاسرائيلي و الاحتلال ما هي سوى تجسد للشر في العالم.
مؤخرا تحدث ضابط استرالي، يعمل مع قوة مراقبة فصل القوات التابعة للأمم المتحدة (UNDOF) العاملة في مرتفعات الجولان المحتلة ، الى وسائل الاعلام شريطة عدم ذكر اسمه، و قد أكد بأن اسرائيل توفر دعما لوجستيا و عسكريا واسع المدى للارهابيين و المتمردين في أجزاء مختلفة من سوريه. و أكد الضابط أن هناك غرف عمليات مشتركة بين العصابات الارهابية المسلحة و اسرائيل و عملها تنسيق ايصال الدعم للارهابيين.
و يُعتقد ايضا أن الهجوم الكيميائي الذي وقع في الواحد و العشرين من آب 2013 على مدنيين من الغوطة قرب دمشق و الذي أدى الى موت حوالي ألف و خمسمائة شخص، كان خطة إسرائيلية لتضليل الرأي العام حول العالم و دفع القوى الغربية للاعتقاد بأن الرئيس الأسد هو من أمر باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المتمردين و بالتالي توفير الأرضية من أجل ضربة عسكرية ضد سورية هدفها النهائي إسقاط الحكومة السورية.
و قيل بأنه في اليوم السابق للهجمات الكيماوية، قام متمردون و مقاتلون من القاعدة بمذبحة بحق مدنيين في الغوطه و سجلوا مقاطع فيديو لعمليات القتل و نشروها فيما بعد على شبكة الانترنيت مدعين بأن المواطنين قد قتلوا في هجمات كيماوية من قبل الحكومة، و لكن خطتهم نفذت بشكل أرعن بحيث توقفوا عن الكذب. و قد افترض النائب البريطاني السابق جورج غالواي بأن اسرائيل من زود المتمردين بالأسلحة الكيماوية وقال: "ان كان هناك اي استخدام لغاز الأعصاب ، فان المتمردين من استخدمه، و ان كان هناك اي استخدام للأسلحة الكيماوية فان القاعدة من استخدم الأسلحة الكيماوية.. من أعطى القاعدة الأسلحة الكيماوية؟ اليكم نظريتي: اسرائيل أعطتهم الأسلحة الكيماوية".
من الواضح ، أن اسرائيل ستحقق انجازاً عظيما في حال سقوط الحكومة السورية، اذ ستتمكن عندها من تحقيق خططها الفاسدة في الشرق الأوسط، بما فيها ضم مرتفعات الجولان بشكل نهائي، كما قال وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، اذ يرى أن ضم مرتفعات الجولان ، التي احتلت بشكل غير شرعي من قبل اسرائيل عام 1967 ، قضية يجب حلها بإجماع و اتفاق إسرائيل و الولايات المتحدة و المجتمع الدولي. و الخطط الأخرى التي تحتاج إسرائيل لاتخاذ إجراءات لتنفيذها هي ضم الضفة الغربية و أجزاء من جنوب لبنان، الأمر الذي لا يمكن تحققه حاليا بسبب وجود قوة المقاومة و هي الحكومة السورية غير الخانعة.
لزمن طويل و الكتب المدرسية الألمانية تشير إلى ما يعرف ب "نصف القمر الشيعي" لوصف الشعوب الشيعية التي تزداد هيمنتها في الشرق الأوسط منذ بداية 2000 ، و لكن ملك الأردن عبد الله الثاني، استخدم عام 2004 مصطلح "الهلال الشيعي" إشارة إلى خطر ازدياد النفوذ الإيراني في الشرق الوسط ، و أضحى التعبير أكثر شعبية و استخداما.
الهلال الشيعي يتألف نظريا من السكان الشيعة في البحرين و ايران و أذربيجان و العراق و لبنان و سوريه. ورغم أن الشيعة تؤلف 10-15% من تعداد المسلمين في العالم، فان الدول ذات الهيمنة الشيعية تمتلك نفوذا و قوة تنمو بشكل راسخ، و بما أن الموقف السياسي الشيعي يرفض بشكل أساسي الصهيونية و التوسع الاسرائيلي، وجدت اسرائيل أفضل طريقة لضمان أمنها في القتال ضد أعضاء هذا الهلال الشيعي الافتراضي أو ابتزازهم بطرق أخرى.
و تعتبر تل أبيب هزيمة ايران، او على الأقل أذيتها ، واحدة من المهام الأساسية في سياستها الخارجية. و غزو سوريه ، حليف ايران الأساسي في المنطقة، سيمهد الطريق أمام إسرائيل للتفكير باخضاع و سحق ايران. و بشكل واضح ، أشار ضباط و مسؤولو ايران الى أن الطبيعة السلمية لدولتهم تعني أن ايران لن تفكر أبدا بشن اي حرب او ايذاء أي جار أو أية دولة أخرى، و لكن بنفس الوقت يصرون و بقوة على أن أي اعتداء اسرائيلي ضد ايران سيكون المسمار الأخير في نعش اسرائيل، و سيكون مرادفا لامطار التراب الاسرائيلي بقنابل و صواريخ ايرانيه، ما يعني اغلاق فصل هذه الحكومة العنصرية الى الأبد من كتاب التاريخ.
و اليوم اسرائيل التي اعترف قادتها بوضوح بتزويدهم المتمردين و مرتزقة القاعدة في سورية بالذخيرة الحربية و الصواريخ ، تجد نفسها في معركة لا سبيل للخروج منها تتعلق بأمنها المهتز. و عليها الاستمرار بمد المتمردين و المرتزقة بأسلحة خطيرة الى أن يتم ابعاد الرئيس الأسد من السلطة، أو الاستسلام لهزيمة أخرى كبيرة في الشرق الأوسط بعد حرب لبنان 2006 و حرب غزة و التعرض لتدهور أمني خطير.
الأمر الواضح هو أن اسرائيل شريكة كبرى في الفظاعات التي تركب في سورية. انها تلعب دورا قذرا في هذا البلد العربي، و لكن لا يبدو أنها ستتعرض للمساءلة حول جرائمها ، كحال الست و الستين سنة الماضية حين تمتعت بالحصانة ضد تحمل المسؤولية و المساءلة أمام المجتمع الدولي بفضل "ارتباطها العاطفي" مع الولايات المتحدة الأميركية.
*صحفي و مراسل إعلامي و ناشط سلام إيراني، حاصل على عدة جوائز صحفية.
تُرجم عن Press TV
الجمل
إضافة تعليق جديد