الحرب في غزة و الهدف مصر
عبد المتين حميد: تدرك الولايات المتحدة الأمريكية و من خلفها الكيان الصهيوني أن الحروب على قطاع غزة لن تقضي على أي فصيل من فصائل المقاومة. فمنذ فوز حماس بانتخابات تشريعية أشرف عليها المجتمع الدولي عام 2006 أقدمت واشنطن على ثلاث محاولات للقضاء عليها, أولها كان 2007 و بدعم مباشر من وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس لقوات محمد دحلان في القطاع, إلا أنّ حماس تمكنت و بوقت قصير من إسقاط "مشروع دايتون" في غزة. عمليتا الرصاص المسكوب و عمود السحاب عامي 2008 و 2012 على التوالي كانتا حربين شرسستين استهدفتا اغتيال القيادات الوفية لمحور المقاومة من كتائب القسّام كسعيد صيام و أحمد الجعبري كما كان على القائمة محمود الزهار و عماد العلمي. و مع انتهاء كل حرب كانت المقاومة تزداد قوةً و تطوراً في السلاح و التدريب مدعومة من المحور الممتد من طهران إلى الضاحية الجنوبية مروراً بدمشق.
لم يكن العدوان الحالي مفاجئاً, فالحملة الإعلامية المعتادة التي تسبق الحرب قد بدأت منذ شهور في وسائل الإعلام الصهيونية مستهدفةً إثارة مخاوف المستوطنين و الفلسطينين من بعضهما البعض و التركيز على أنّ الحرب هي البديل الوحيد للمفاوضات و أنّ الوضع الحالي هش و غير مستقر و النتيجة الحتمية لكل ذلك هو حدوث أعمال عنف. ليس الصهاينة بعاجزين عن إيجاد ذريعة للحرب, من الممكن ببساطة استنساخ ذريعة حرب تموز... تذيع وسائل إعلام العدو خبر اختطاف ثلاثة مستوطنين صهاينة, و بتجاهل القاعدة: "البيّنة على المدعي و الحلفان على المُدعى عليه", لا الكيان يقدّم الأدلّة و لا حماس تنفي, بعدها تنهمر القنابل على المدنيين في "قطّاع غزة" على الرغم من أنّ عملية الخطف و القتل تمّت في الضفة الغربية!
تأتي مجموعة الأهداف المحتملة من هذه الحرب على مستويين. أولاً على المستوى التكتيكي: من بعد تعرقل محاولات إحياء محادثات السلام برعاية وزير الخارجية الأمريكية جون كيري بالتزامن مع التقارب ما بين حركتي حماس و فتح, تحسَّس الكيان الصهيوني خطورة الوضع السياسي الذي سينشأ من إشراك حماس في حكومة وحدة وطنية تحظى بالشرعية الدولية. حينها لن تكون "كتائب القسّام" فصيلاً إرهابياً يقصف المستوطنات, بل مقاومة شرعية تعمل على تحرير أرضها وفقاً لاتفاقية أوسلو (22% من مساحة فلسطين التاريخية) من المستوطنات و المستوطنين, و ستتكشّف حقيقة المستوطنات عن كونها متاريس بشرية يحتمي بها الكيان من ضربات المقاومة. مما سيهدد الموقف السياسي الصهيوني في أوروبا لكونه الطرف الذي يعيق تحقيق السلام و ستتصاعد حركات مقاطعة الكيان أوروبياً نتيجة لانتهاكه حقوق الإنسان و ربما ستُفرض عليه عقوبات دولية.
ثانيا على المستوى الاستراتيجي: كانت المخابرات المصرية بقيادة عمر سليمان تغض الطرف عن عمليات نقل السلاح من سورية و إيران إلى غزة عبر الأراضي و المياه الإقليمية المصرية, بهدف جعل غزة رأس الحربة الأول في الدفاع عن مصر و إعاقة أي غزو صهيوني لشبه جزيرة سيناء الخالية من الجيش المصري (وفقاً لاتفاقية كامب ديفيد). هكذا كانت مصر أيام الرئيس السابق محمد حسني مبارك فكيف هي بعد استعادة الجيش المصري لدوره القيادي. منذ بداية الحرب الحالية و محاولات الاستفزاز و توريط القاهرة في عمل عسكري في غزة لم تهدأ, أُطلقت الصواريخ على فلسطين المحتلّة من داخل سيناء و استُهدفت مديرية أمن شمال سيناء في العريش و انطلقت حملة إعلامية تشكك في وعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن تواجد الجيش المصري "مسافة السكة" في حال تعرض أحد البلدان العربية للخطر.
إن التزم المصريون الحياد عندها سيصعّد الصهاينة عدوانهم، و يرتكبوا المزيد من المجازر, و سيتداعى الغرب إلى تدارك المأساة الإنسانية، و ينعقد مجلس الأمن لدراسة الوضع, و ستجد الأمم المتحدة نفسها "مضطرة" للتدخل عبر حلف الناتو أو نشر قوات دولية في قطاع غزة لحماية المدنيين. أما إن وقع الجيش المصري في الفخ و اتخذ قراراً بدخول القطاع وفق محاكاة مستنسخة لاجتياح صدام حسين للكويت عندها سيتكرر سيناريو حرب الخليج الثانية. و في كلا الحالتين سيتحول قطاع غزة إلى بنغازي مصر, حيث ستعمل القوات الدولية على شلّ حركة المقاومين و كبح عمل المخابرات المصرية في القطاع, و بعد ذلك ستكون غزة قاعدةً لدعم المنظمات الإرهابية في سيناء. بالنتيجة ستصبح مصر محاصرة عسكرياً و أمنياً و تتهيأ الظروف اللازمة لاقتحام شبه جزيرة سيناء و إعلانها وطناً بديلاً لفلسطيني القطاع تحت الحماية الدولية تمهيداً لإسقاط القاهرة نفسها و تقسيم مصر ما بين الأقباط و السنة و أبناء النوبة, و لا سبيل لخلاص مصر سوى صمود المقاومين في غزة و انتصارهم على الكيان الصهيوني.
إضافة تعليق جديد